عنصر من "ربع الله" قرب مبنى الحزب الديمقراطي المحترق
عنصر من "ربع الله" قرب مبنى الحزب الديمقراطي المحترق

قبل أسبوعين دعا وزير الخارجية العراقي الأسبق، هوشيار زيباري، إلى "تنظيف" المنطقة الخضراء الحكومية في بغداد من "التواجد الميليشياوي الحشدي" ضمن مجموعة إجراءات قال زيباري إنها ضرورية لضمان أمن المؤسسات الحكومية والدولية الموجودة في المنطقة.

زيباري الذي كان يتحدث لبرنامج "عاصمة القرار" الذي تبثه قناة "الحرة" طالب بهذه الإجراءات عقب تصعيده ضد الميليشيات المرتبطة بالحشد الشعبي، والتي اتهمها قبل هذا بالمسؤولية عن إطلاق صواريخ على مطار أربيل قبل يوم واحد من هذا اللقاء.

وبعد أسبوعين من تصريحاته، صعدت مجموعة تطلق على نفسها اسم "ربع الله" (جماعة الله) تحريضها واستهدافها لزيباري وحزبه "الديمقراطي الكردستاني" الحاكم في إقليم كردستان العراق، قبل أن ينتهي الأمر بمقر الحزب في بغداد والنيران تشتعل به، وعبارة "ربع الله" مكتوبة على بوابته.

وقال مصدر في وكالة الاستخبارات التابعة لوزارة الداخلية العراقية إن "هذه المجموعة حديثة التشكيل، لكنها منظمة بشكل يوحي إنها مرتبطة بجماعات أقدم وأكثر تنظيما".

ويضيف، المصدر الذي طلب عدم ذكر اسمه، لـ"موقع الحرة" "نعتقد أنهم تابعون لميليشيا كتائب حزب الله، وقد يكونون فرعا من مديريتهم الإعلامية".

وبحسب خبير الجماعات المسلحة العراقي، سلمان دهام، فإن "هجمات هذه المجموعة تحمل نسقا واحدا، فهي تبدأ بالتحريض من خلال عشرات الحسابات الوهمية على موقع تويتر، للإيحاء بأن القضية التي تهاجمها مطلب شعبي، وتنتهي بإحراق مقرات أو قنوات فضائية تعتبر معادية لها".

واللافت إن جملة "ربع الله" هي جملة "لا تحمل معان قوية في اللهجة العراقية"، بحسب دهام الذي يقول إن هذه المجموعة تستخدم دائما هذا النوع من الجمل مثل "صابرين نيوز" لموقعها على التلغرام، و "جبهة أبو جداحة (أبو ولاعة)" لمجموعتها الخاصة بالحرق".

مجاميع "ربع الله" خلال مشاركتهم في مسيرة للحشد الشعبي

ويتابع دهام بالقول "هذه الأسماء المضحكة صممت للتداول على السوشل ميديا، لكن من الواضح جدا أن من أطلقها هم مجموعة من الأشخاص الأكثر جدية، الذين يحاولون إظهار هذه المجموعات على أنها مجموعات شبابية مستقلة".

وظهرت سيارات تحمل أعلام الحشد الشعبي وهي تنقل المهاجمين الذي أحرقوا مقر الحزب الديمقراطي الكردستاني، كما رفع علم الحشد على المبنى بعد إحراقه.

وشوهد عشرات من أفراد القوات الأمنية العراقية وهم واقفون قرب المجاميع التي تقوم بالإحراق من دون إيقافها أو استخدام الأسلحة لحماية المقر، تماما كما حدث خلال قيام تلك المجاميع بإحراق مقر قناة دجلة قبل نحو شهر.

 

ويقارن المحلل السياسي العراقي، محمد جبران، بين "ربع الله" وبين "بلطجية حسني مبارك وشبيحة سوريا".

ويقول جبران إن "الربع" أكثر تنظيما وكفاءة بكثير، إذ يحرصون دائما على الهجمة الإعلامية قبل الهجوم المادي، ولا يسقطون ضحايا عادة من الجهة المقابلة، مما يمنح هجماتهم الأثر المنشود، ولا يؤجج الغضب ضدهم بشكل كبير".

وبحسب جبران فإن أفراد "الربع يحرصون حاليا على محاولة كسب الشرعية لتصرفاتهم من خلال مهاجمة أطراف خلافية مثل قناة دجلة التي يرعاها سياسيون سنة، وبثت برنامجا غنائيا في عاشوراء، أو الحزب الكردستاني الذي طالما حرضت الميليشيات شعبيا ضده، على الرغم من تحالفه مع قادتها لسنوات".

ويقول جبران إن "الجميع مستفيد من هذه الهجمات المدروسة سياسيا ببراعة"، مؤكدا "الميليشيات تستفيد من فرض السطوة والإرهاب وتشغل ربع الله للتغطية الإعلامية، والحزب الديمقراطي يستفيد من هذا التهديد لتعزيز حظوظه الانتخابية قبل الانتخابات المقبلة".

ظاهرة الانتحار في إقليم كردستان والتي حصدت أرواح الآلاف من النساء خلال السنوات الأخيرة
ظاهرة الانتحار في إقليم كردستان والتي حصدت أرواح الآلاف من النساء خلال السنوات الأخيرة

سلط تقرير لصحيفة "تليغراف" البريطانية على ارتفاع معدلات محاولات الانتحار حرقا بين النساء في إقليم كردستان العراق، مشيرا عبر رصد عدد من الحالات التي تتلقى العلاج إلى أن الألم الناجم عن الحروق يوازيه ألما داخليا يغذيه شعور العجز والعنف المنزلي.

وظهرت سيدة تدعى سروة (29 عاما) وهي أم لطفلين، بشفاه متقرحة للغاية مع ضمادات تغطي جسدها من الرأس إلى القدمين، وبحسب التقرير، فإنها حينما وصلت مصابة إلى المستشفى كانت رائحة الكيروسين تفوح من جسدها.

ونقلت الصحيفة عن ممرضات أن سروة تعتبر أحدث ضحايا تفشي ظاهرة الانتحار في إقليم كردستان والتي حصدت أرواح الآلاف من النساء خلال السنوات الأخيرة، في "اتجاه مرعب" يعتبر خبراء أنه دافعه هو الشعور بالعجز والعنف المنزلي.

وقالت رئيسة الممرضات بمستشفى الحروق في السليمانية، نيجار مارف (52 عاما)، إن حالات كثيرة تصل "مع حروق من الرأس إلى القدمين"، مضيفة أن الأسر خوفا من "العار" تقول إن الواقعة عبارة عن حادثة خلال طهي الطعام.

وعملت مارف لأكثر من 20 عاما في المستشفى الواقع شمالي العراق، وقالت إن "سروة" وصلت في سيارة إسعاف وتفوح منها رائحة الكيروسين، موضحة: "عادة ما تغمر النساء ملابسهن بالوقود المستخدم للتدفئة والطهي، ويشعلن النار في أنفسهن".

وتابعت: "هذه محاولة انتحار بالتأكيد، نقعت جسدها في الكيروسين، وكانت الحروق أعمق بكثير من أن تكون ناجمة عن انفجار".

"مأساة" مألوفة

استمر صحفيو "تليغراف" في المستشفى بالسليمانية على مدار أسبوع تقريبا، وأوضح تقريرهم أن العاملين هناك يرون أن "مأساة سروة مألوفة للغاية".

خلال هذا الأسبوع، وصلت 3 حالات لنساء مصابات بحروق متوسطة، وفي بعض الأحيان، وفق ممرضات، لا تعيش الأغلبية لأكثر من بضع ساعات بعد حوادث كهذه.

وأشارت "تليغراف" إلى أن التقديرات تشير إلى أن محاولات الانتحار أودت بحياة أكثر من 11 ألف امرأة منذ حصول إقليم كردستان على الحكم الذاتي عام 1991، وذلك رغم عدم وجود بيانات موثوقة؛ لأن بعض الضحايا لم يصلن إلى المستشفى.

وتتفاقم تلك الظاهرة في محافظة السليمانية بشكل خاص، التي تمتلك وحدة حروق متخصصة هي الوحيدة من نوعها في جميع أنحاء العراق، وفق التقرير، الذي لفت إلى أنه في كثير من الحالات تظل النساء عالقات وسط أسر مسيئة بلا مكان يلجأن إليه لطلب الدعم.

ووصفت "تليغراف" هذا الواقع بالقول: "هذا مجتمع محافظ يبقى فيه العنف المنزلي خلف أبواب مغلقة". كما أشار التقرير إلى أن النساء يتزوجن في سن مبكرة عبر زيجات مدبرة وغالبا في قرى جبلية نائية، ولا يحصلن إلا على القدر القليل من التعليم والصحة.

وتشير أرقام صادرة عن الأمم المتحدة، إلى أن النساء في العراق يواجهن مستويات عنف منزلي متصاعدة، حيث ارتفع معدل العنف القائم على النوع الاجتماعي بنسبة 125 بالمئة بين عامي 2020 و2021، ليصل إلى أكثر من 22 ألف حالة.

"رسالة"

وأشار خبراء وفق التقرير، إلى أن معظم حالات الانتحار تكون بلا تخطيط، وأوضح أستاذ علم السموم بجامعة إدنبره، مايكل إدلستون، "أعتقد أن هؤلاء الأشخاص وصلوا إلى مرحلة لا يمكنهم فيها إيجاد مخرج آخر. يتعلق الأمر بطريقة توضح فيها للناس مدى انزعاجك وضعفك".

وتابع: "الحروق التي تصيب الشخص هي بمثابة رسالة".

كانت هذه رسالة جونا (35 عاما)، وهي ناجية وافقت على الحديث عن واقعة إضرام النار في نفسها، في موقف نادر، حيث قالت إنها أقدمت على ذلك في يونيو 2023.

وقالت الأم لولدين عمرهما 16 و12 عاما، إن "زوجي كان ينعتني بكلمات سيئة للغاية ... لم يدرك ما كان يفعله بي، وأردت أن أجعله يفهم ذلك ويتصرف بشكل أفضل في المستقبل"، مضيفة: "لم أفكر بطريقة عقلانية".

وفي دراسة للمجلة الدولية للطب النفسي عام 2012، قال أكثر من ثلثي النساء المشاركات في الاستطلاع وعددهن 54 تم التواصل معهن خلال تلقيهن العلاج في مستشفى السليمانية، إن المشاكل العائلية والزوجية كانت السبب وراء ذلك.

وكشفت بيانات مستشفى السليمانية أن نحو ثلث النساء البالغ عددهن 4935 سيدة دخلن المستشفى بإصابات حروق منذ عام 2007، توفين متأثرات بجروحهن. وتتراوح أعمار النسبة الأكبر منهن (88 بالمئة) ما بين 15 و45 عاما.