تلاقي التغييرات داخل مجلس الأمن القومي توجه الرئيس ومستشاره الجديد للأمن القومي
تلاقي التغييرات داخل مجلس الأمن القومي توجه الرئيس ومستشاره الجديد للأمن القومي

بقلم جويس كرم/

تشهد إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب تغييرات هامة في مناصب، وتعيينات ترتبط مباشرة بالشرق الأوسط تعكس الاندفاع في اتجاهين؛ الأول في إعادة تأهيل الخارجية الأميركية وإدارتها لملفات حيوية، والثاني في عمل مستشار الأمن القومي جون بولتون على وضع فريق متماسك يواكب أولويات الرئاسة والمفاوضات على أكثر من خط نووي ودولي.

عصر الثلاثاء في 10 تموز/يوليو الحالي، أعلن ترامب ترشيحه للدبلوماسي الأميركي المخضرم ديفيد هيل كنائب لوزير الخارجية مايك بومبيو للشؤون السياسية. هيل هو السفير الأميركي الحالي في باكستان وفي جعبته أكثر من عقدين من العمل على ملفات شرق أوسطية، كسفير لبلاده في الأردن ولبنان، ومن خلال إدارته ملفات عملية السلام وضلوعه في مفاوضات وأزمات لأميركا من العراق إلى سورية. إلا أن ترشيح هيل للمنصب الذي سيحتاج موافقة لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، يعكس خطا وسطيا وتقليديا لبومبيو في إدارة الوزارة.

صيف التغييرات والتعيينات الجديدة في إدارة ترامب يعطي انطباعا بحضور أكبر للديبلوماسيين ولسياسة أكثر تقليدية للإدارة في عامها الثاني

​​ديفيد هيل ليس من المحافظين الجدد، أو من الخط اليميني المتمرد الذي صاحب صعود ترامب. هو دبلوماسي الدبلوماسيين، ومن أكثر الوجوه التي دفعت باستمرارية السياسة الأميركية في المنطقة باتجاه حماية مصالحها الاستراتيجية. وفي مثال على ذلك، حبذ استمرار المساعدات للجيش اللبناني، وانفتح في لبنان على لاعبين خارج السرب الذي يزور واشنطن في العادة مثل زعيم تيار المردة سليمان فرنجيه. وفي مناطق أخرى عمل على خلق توازن في موقف واشنطن، وسعى إلى عقد صفقات تهدف إلى زيادة النفوذ الأميركي في المنطقة وليس إضعافه. هذه الوسطية تصاحب أيضا تعيين بومبيو لديفيد شانكر كمساعد لشؤون الشرق الأدنى، وهو ينتظر تصويت الكونغرس.

اقرأ للكاتبة أيضا: خروج المنتخبات العربية من المونديال: أزمة أبعد من روسيا

هذه التعيينات ستحسن نفوذ وزارة الخارجية في صنع سياسة ترامب الدولية بعد عام من التهميش والفراغ في المناصب الأهم مع الوزير السابق ريكس تيلرسون. تيلرسون الذي لم يكن يوما دبلوماسيا أو سياسيا، حجم موقع الوزارة وساهم بانتقال النفوذ إلى الدفاع والبيت الأبيض، وهو ما يحاول بومبيو إصلاحه اليوم.

أما في مجلس الأمن القومي، فهناك سرب من المسؤولين الذين خرجوا في الأسابيع الأخيرة أو يستعدون للخروج في الأسابيع المقبلة، بما يوحي بإعادة ترتيب للفريق من قبل مديره جون بولتون.

التغييرات في البيت الأبيض تواكب مفاوضات واشنطن مع كوريا الشمالية ومع الأوروبيين حول إيران وفي الجنوب السوري

​​ومن الذين خرجوا مدير مكتب العراق ولبنان وسورية جوول رايبرن، وهناك حديث عن إمكانية انتقاله لوزارة الخارجية لتولي منصب مايكل راتني، المبعوث السابق لدى سورية. كما غادر البيت الأبيض المستشار حول الشرق الأوسط مايك بيل، ومدير مكتب لبنان جايمس سيندل، مع اقتراب مغادرة مدير قسم الشؤون الإسرائيلية والفلسطينية كريس بومان.

بعض هذه التغييرات داخل المجلس روتينية وبعضها يستند إلى عملية إعادة تشكيل الفريق التي يقودها بولتون، وتقليص حجم المجلس بتعيينات سياسية أكثر منها عسكرية وتلاقي توجه الرئيس ومستشاره الجديد للأمن القومي.

اقرأ للكاتبة أيضا: حرب مفتوحة بين إسرائيل وإيران.. أبعد من الجنوب السوري

أما سياسيا، فالتغييرات في البيت الأبيض تواكب مفاوضات واشنطن مع كوريا الشمالية حول ملفها النووي، ومع الأوروبيين حول إيران، وفي الجنوب السوري. وهناك سعي لترابط أفضل بين البيت الأبيض والخارجية، وهو ما قد يبرر انتقال رايبرن للوزارة. كما أن هناك توجها لدى بولتون لاستحضار وجوه أكثر دبلوماسية منها عسكرية، وخصوصا أن علاقته متشنجة بوزير الدفاع جايمس ماتيس، وبالتالي يريد نفوذا أقل للجنرالات في البيت الأبيض.

صيف التغييرات والتعيينات الجديدة في إدارة ترامب يعطي انطباعا بحضور أكبر للدبلوماسيين ولسياسة أكثر تقليدية للإدارة في عامها الثاني. وهو في الشرق الأوسط يفتح قنوات الاتصال مع مختلف الأطراف لضمان حضور خارجي أكبر لواشنطن، وتسريع عجلة الدبلوماسية الأميركية في ملفات التنسيق مع روسيا والأردن وتركيا وإسرائيل في سورية، وتوحيد الصف ضد إيران من دون إغلاق الباب على مفاوضات جديدة عبر الأوروبيين معها مقابل ضخ المزيد من الجهود لاتفاق تاريخي مع كوريا الشمالية رغم العقبات الأخيرة.

ـــــــــــــــــــــــــــــ

الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن آراء أو وجهات النظر أو السياسات الرسمية لشبكة الشرق الأوسط للإرسال (أم. بي. أن)

كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.
كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.

على بعد نحو ساعة بالسيارة عن مدينة دريسدن تقع باوتسن، التي كانت تعد موطنا لمرفق سيئ السمعة في القرن الماضي، ألا وهو سجن معروف باسم المدينة نفسها. 

من عام 1933 إلى 1945، استخدم النازيون سجن "باوتسن" مقرا "للحجز الوقائي" قبل نقل المحتجزين إلى معسكرات الاعتقال. 

وفي الحقبة الممتدة من 1945 إلى 1949، احتجزت سلطات الاتحاد السوفياتي السابق المنشقين في زنزانات مكتظة مع القليل من الطعام والماء، وانتزعت منهم الاعترافات تحت التعذيب. 

وبعد عام 1949، استخدم عناصر "ستاسي"، وهو جهاز أمن الدولة في ألمانيا الشرقية سابقا، الذين دربهم جهاز الاستخبارات السوفياتية  "كي.جي.بي"، الأسلوب عينه إزاء حوالي ألفي معتقل سياسي في "باوتسن". 

هذا هو عالم الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في عصرنا الحالي، هو الذي كان عضوا في في جهاز الاستخبارات السوفييتية، حين انضم للجهاز عندما كان في الثالثة والعشرين من عمره، وقضى عدة سنوات في دريسدن.

ومنذ أيامه الأولى، وباعترافه الشخصي، كان بوتين يحلم بالعنف والسيطرة. 

واليوم تواجه، آلسو كرماشيفا، الصحفية الروسية-الأميركية التي تعمل لحساب إذاعة أوروبا الحرة الممولة من الكونغرس الأميركي، نفس المصير الذي واجه أصحاب القلم والفكر الحر في القرن الماضي خلال حقبة الاتحاد السوفياتي.

فمنذ شهر أكتوبر الماضي، تقبع كرماشيفا في زنزانة باردة وسيئة الإضاءة ومكتظة في مدينة قازان الروسية، التي تبعد نحو 800 كيلومترا شرقي موسكو. 

وتعرضت كرماشيفا للضغط من أجل انتزاع الاعترافات منها، وهو نهج كان مترسخا عند الـ"كي.جي.بي" الذي يعتبر الفكر المستقل تهديدا، والصحافة الحرة جريمة. 

سافرت كرماشيفا، وهي أم لطفلتين، الصيف الماضي إلى قازان من مسقط رأسها في براغ، لزيارة والدتها المسنة واعتقدت أنها ستكون في مأمن. 

في الثاني من يونيو الماضي، وعندما كانت في مطار قازان، استعدادا لرحلة العودة، جرى استدعاء كرماشيفا قبل خمس عشرة دقيقة من صعودها إلى الطائرة.  

اعتقلتها السلطات الروسية واتهمتها بعدم تسجيلها جواز سفرها الأميركي في روسيا، لتتم إعادتها إلى منزل والدتها وحكم عليها بغرامة تقدر بـ100 دولار تقريبا. 

وفي سبتمبر الماضي، اتهمت السلطات الروسية كرماشيفا بعدم التصريح عن نفسها بصفتها "عميلة لجهة أجنبية".  

وفي 18 أكتوبر، اقتحمت مجموعة من الملثمين المنزل واعتقلت كرماشيفا، وجرى تقييدها ومن ثم نقلها لمحتجز للاستجواب.  

وتعد النيابة العامة الروسية قضية ضدها بحجة نشرها معلومات كاذبة عن الجيش الروسي، وهو أمر ليس صحيحا. 

فخلال فترة عملها في إذاعة أوروبا الحرة محررة باللغة التتارية، دأبت كرماشيفا على إعداد تقارير عن اللغة والعرق والمجتمع المدني وحقوق الأقليات. 

وتتحدر كرماشيفا، وهي مسلمة، من قازان عاصمة جمهورية تتارستان المنضوية ضمن الاتحاد الروسي وتضم حوالي 50 في المئة من التتار ذوي الأصول التركية. 

ويسعى بوتين إلى جمع رهائن أميركيين لمبادلهم مع معتقلين روس. فخلال السنوات الماضية، اعتقلت روسيا نجمة كرة السلة الأميركية، بريتني غرينر، قبل أن يتم إطلاق سراحها مقابل إطلاق واشنطن تاجر الأسلحة الروسي، فيكتور بوت، في ديسمبر 2022. 

ولا تزال أسهم بوتين في التفاوض تشمل كرماشيفا ومراسل صحيفة وول ستريت جورنال، إيفان غيرشكوفيتش، وجندي البحرية السابق، بول ويلان.  

ولتخفيف العزلة وتمهيد الطريق للعودة إلى الوطن، لدى إيفان وبول عاملين، لا تزال كرماشيفا تكافح من أجل الحصول عليهما، أولا الحصول على الخدمات القنصلية، وثانيا اعتراف من وزارة الخارجية الأميركية بأنها  "محتجزة بشكل غير مشروع"، وهو ما سيزيد من فرص إطلاق سراحها في عملية لتبادل المعتقلين. 

ماذا يريد بوتين؟ 

إذا كان الأمر يتعلق بصفقات التبادل، فمن الواضح أن الكرملين يريد، فاديم كراسيكوف، الذي يقبع في أحد السجون الألمانية. 

كراسيكوف، الذي عمل سابقا لدى جهاز الأمن الفيدرالي الروسي، هو قاتل مأجور أقدم على اغتيال معارض شيشاني وسط برلين في أغسطس 2019، بإطلاق رصاصتين على رأسه من مسدس مزود بكاتم للصوت. 

لن يكن الأمر سهلا على الإطلاق، ولكن في الماضي كان من الممكن أن تكون الأمور أكثر وضوحا في بعض الأحيان. فعلى سبيل المثال، أراد الشيوعيون في ألمانيا الشرقية الحصول على أموال من الألمان الغربيين.  

وبحلول أواخر حقبة الشيوعية في الثمانينيات، كان نحو 85 ألف مارك ألماني غربي (حوالي 47 ألف دولار) هو ثمن شراء سجين واحد من ألمانيا الشرقية.  

زرت سجن باوتسن قبل وباء كورونا، حيث تحول اليوم إلى متحف ونصب تذكاري. 

وعندما رأيت زنزانة كانت تحتجز فيها شابة من سكان برلين الغربية دأبت على تهريب منشورات سياسية عبر الحدود لمساعدة الناشطين في ألمانيا الشرقية، أصيب بالذعر. 

وأثارت قصة، هايكه فاتيركوت، هلعي، فقد تم اعتقال الشابة البالغة من العمر عشرين عاما في ديسمبر 1976، وبعد ثمانية أشهر من الاعتقال، حُكم عليها بالسجن لمدة أربع سنوات وعشرة أشهر في باوتسن بتهمة التحريض ضد الدولة. 

كانت تلك كانت ثقافة الـ"كي.جي.بي" في ذلك الوقت. ويتعين علينا أن نعمل بجد أكبر لإنقاذ الأبرياء، وبالتأكيد المواطنين الأميركيين مثل كرماشيفا، من دولة الـ"كي.جي.بي" اليوم. 

#هذا المقال كتبه الرئيس التنفيذي المكلف بشكل مؤقت لـ"شبكة الشرق الأوسط للإرسال" (MBN) عضو المجلس الاستشاري للبث الدولي،  الرئيس السابق لإذاعة أوروبا الحرة، جيفري غدمن، في 23 يناير الماضي بمناسبة مرور 100 يوم على احتجاز روسيا لصحافية أميركية-روسية، قارن فيه بين ما جرى في تلك الفترة والتكتيكات التي باتت موسكو تتبعها في عهد بوتين.