ما هي خيارات مصر في ليبيا بعد انتخاب سلطة جديدة؟
ما هي خيارات مصر في ليبيا بعد انتخاب سلطة جديدة؟

في وقت رحب فيه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، بالوصول إلى اتفاق حول سلطة موحدة في ليبيا، كانت هناك أصوات مصرية تتحدث عن مؤامرة "إخوانية تركية" في انتخابات السلطة التنفيذية الليبية، التي عقدت في جنيف الجمعة.

وتغرق ليبيا في الفوضى منذ سقوط الزعيم معمّر القذافي عام 2011، إذ تتنازع فيها سلطتان الحكم.

ففي الغرب، حكومة الوفاق الوطني برئاسة فايز السراج التي تتّخذ طرابلس مقرا وتعترف بها الأمم المتحدة وتدعمها تركيا، وسلطة يجسدها المشير خليفة حفتر في شرق البلاد مدعومة من مصر وروسيا والإمارات خصوصا.

ودخلت ليبيا السبت، مرحلة انتقالية جديدة غداة انتخاب سلطة تنفيذية موقتة وموحدة يتعين عليها تشكيل حكومة والتحضير للانتخابات الوطنية المقرر إجراؤها في ديسمبر لإنهاء عقد من الفوضى.

وانتخب المهندس عبد الحميد محمد دبيبة (61 عاما) الجمعة، رئيسا للوزراء للفترة الانتقالية في ليبيا، وذلك من جانب المشاركين في الحوار الذي أطلق في نوفمبر بين الأفرقاء الليبيين في سويسرا برعاية الأمم المتحدة.

الدبيبة سيقود ليبيا حتى تنظيم انتخابات نهاية العام

وأكد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، أن الخط الأحمر سرت الجفرة الذي حذرت منه مصر كان له أثر في سلام ليبيا واستقرارها وما تم التوصل إليه من اتفاق في ليبيا. 

لكن البرلماني السابق المقرب من السلطة في مصر، مصطفى بكري غرد عبر تويتر بأن  "النتائج التي أسفرت عنها نتائج الانتخابات الوهمية وغير الشرعية لانتخاب رئيس وأعضاء المجلس الرئاسي في ليبيا أقل ما يقال إنها مؤامره ضد الشعب الليبي". 

فما هو الموقف المصري من السلطة الجديدة.. وكيف ستتعامل معها؟ وهل ستظل على دعمها لحفتر؟ 

"تحت ضغوط استراتيجية"

يرى مدير مركز البحوث العربية والإفريقية مصطفى مجدي الجمال في أن مصر ستتعامل مع السلطة الجديدة في ليبيا رغم عدم توافقها معها، مشيرا إلى أن الوضع الدولي الحالي يجبر مصر ودول أخرى على تقديم تنازلات فيما يخص الأزمة الليبية. 

وقال الجمال لـ"موقع الحرة": إن مصر تحت ضغوط استراتيجية من اتجاهات كثيرة حاليا، وتريد التركيز على أزمة سد النهضة الإثيوبي لأنه يمثل خطرا كبيرا يهدد مستقبل البلاد".  

وبخلاف سد النهضة يؤكد الجمال أن "انتخاب إدارة جو بايدن الديمقراطية في الولايات المتحدة جعل مصر تغير من تعاملها مع الأزمة الليبية في الوقت الحالي، بالإضافة إلى أن القوى الكبرى تحاول أن تمنع الحرب فيما بينها  وتوصلوا إلى اتفاقات على تقاسم ليبيا". 

يتفق معه المحلل السياسي الليبي عبدالله الكبير في حديثه مع "موقع الحرة" حيث يرى أن الموقف المصري يأتي انسجاما مع الموقف الدولي وخاصة الموقف الأميركي الذي يضغط بقوة من أجل إنهاء حالة الصراع في ليبيا. 

وقال المتحدث باسم الخارجية الأميركية نيد برايس "نحن نؤيد تمامًا نتائج العملية التي تشرف عليها الأمم المتحدة والتي ستؤدي إلى ليبيا مستقرة وآمنة وإجراء انتخابات في ديسمبر 2021".

وقال الكبير: "بما أن الموقف الأميركي والغربي بشكل عام مع هذا التوجه، ففي اعتقادي أن الأنظمة الحليفة للولايات المتحدة مثل مصر والسعودية والإمارات لابد لها أن ترحب بصرف النظر عن أنها توافق هذا التوجه أم لا". 

وأضاف "الكل الآن راضخ للإدارة الأميركية، وهو التجاوب والاعتراف بالسلطة الجديدة وعدم عرقلتها، هم مضطرون للقبول بهذا الاتجاه، خاصة إذا استمر الدعم الأميركي والغربي والتهديد بمحاسبة كل من يعرقل عمل هذه السلطة". 

وانضمت حكومات ألمانيا وفرنسا وإيطاليا وبريطانيا إلى الولايات المتحدة في الترحيب بالحكومة الانتقالية الليبية الجديدة، لكنها مع ذلك حذرت من أن الطريق "لا يزال طويلا". 

وقال بيان مشترك أصدرته الخارجية الألمانية إنه "سيتعين على السلطة التنفيذية الموحدة تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار وتوفير خدمات عامة أساسية للشعب الليبي".

اجتماع ملتقى الحوار الليبي لاختيار رئيس وزراء مؤقت ومجلس رئاسي مكون من 3 أشخاص

ويقول الجمال إن "اتجاهات الإدارة الجديدة واضحة، وهي سياسة أوباما مع بعض التعديلات، حيث ستتعامل مع جماعة الإخوان كقوة سياسية شرعية يمكن أن يشاركوا في السطة أو يكون معترف بهم". 

ويرى الجمال أن هناك اتفاقا دوليا على منع الحرب بين الدول الكبرى خاصة روسيا وفرنسا وإيطاليا والولايات المتحدة بسبب ليبيا، والاتفاق على تقاسم ثروات النفط والغاز وإعادة الإعمار، مشيرا إلى أن "مصر سيكون لها حصة مقابل المساهمة في تهدئة الأوضاع ولو مؤقتا". 

"حتى لا يتعاظم الدورين الروسي والتركي"

ويرى الكبير أن القوى الدولية تضغط بكل قوتها من أجل عدم عودة نشوب الحرب مرة أخرى، وإجبار الأطراف المتنازعة في ليبيا على البحث عن مصالحهم في ليبيا دون وجود عسكري. 

وأوضح الكبير أن عودة الصراع يعني تعزيز الوجودين الروسي والتركي العسكري في ليبيا وهو مالا تريده الولايات المتحدة ولا فرنسا التي تهدف لإبعاد تركيا من ليبيا ومن شرق المتوسط". 

وتمنت وزارة الخارجية الروسية للفريق الجديد "حل جميع القضايا الصعبة في الفترة الانتقالية بنجاح"، ومن بينها تنظيم استفتاء على الدستور وانتخابات عامة.

وأعلنت وزارة الخارجية التركية في بيان ترحيبها "بتعيين رئيس للوزراء ومجلس رئاسي في ختام الانتخابات من قبل المشاركين في الحوار بين الفرقاء الليبيين"، معربة عن اقتناعها بـ"الفرصة" التي تمثلها هذه الخطوة لضمان "سلامة الأراضي الليبية ووحدتها السياسية".

وطلب مجلس الأمن الدولي، الخميس الماضي، من الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش نشر مجموعة أولى من المراقبين للإشراف على تطبيق وقف إطلاق النار في ليبيا.

ووفق الأمم المتحدة، يوجد في ليبيا حتى بداية ديسمبر 20 ألف مرتزق وعسكري أجنبي، ولم يسجل مذاك أي دليل على مغادرتهم البلاد.

ويتلقى رجل شرق ليبيا القوي المشير خليفة حفتر دعما من الإمارات ومن مرتزقة قادمين من روسيا، في حين تحظى حكومة الوفاق الوطني التي تتخذ طرابلس مقرا دعما من الجيش التركي ومقاتلين من فصائل سورية معارضة.

خريطة الصراع الليبي بين حفتر والسراج - المصدر: AFP

ونشرت تركيا قوات في ليبيا بموجب اتفاق عسكري موقع مع حكومة الوفاق الليبية مدده البرلمان التركي في 22 ديسمبر ل18 شهرا.

وخلال اجتماع عبر دائرة الفيديو المغلقة في مجلس الأمن نهاية يناير، طلب السفير الأميركي بالوكالة في الأمم المتحدة من تركيا وروسيا البدء "فورا بسحب قواتهما" من ليبيا.

وبالمناسبة ذاتها طلبت غالبية الدول الأعضاء في مجلس الأمن منها الهند وبريطانيا وفرنسا أو الصين، سحب القوات الأجنبية والمرتزقة من ليبيا.

"تهدئة مؤقتة"

ويصف الكبير الوضع الحالي بأنه "تهدئة مؤقتة" و"تجميد للصراع الذي لا تزال أسبابه موجودة". 

ويقول إن "سيطرة حفتر على شرق ليبيا يجعله لا يفقد الأمل في أن تتغير الظروف الدولية ويحاول إعادة الكرة للسيطرة على غرب ليبيا، لكن كلها آمال ضعيفة لأن الوجود التركي في غرب ليبيا يمنعه من خوض هذه المغامرة". 

لكن الجمال يعتقد أن الصراع في ليبيا وسيستمر بدرجات مختلفة صعودا وهبوطا بحسب مصالح الدول الكبرى التي يمكن أن تتآمر على بعضها بسبب خلافات حول تقاسم الثروات". 

ومن جانب آخر يرى الجمال أن "الصراع لن يتوقف في ليبيا خصوصا لو أن مصر استطاعت أن تحل أزمة سد النهضة، ولو تركيا استطاعت أن تحل مشاكلها مع أوروبا أو تفاقمت مشاكلها مع أوروبا، لأنها ستستخدم حينها ليبيا كورقة ضغط، لأنها تريد اعترفاف بالاتفاق الذي عقدته مع حكومة الوفاق بشأن الجرف القاري والحدود وهو ضد التحالف الذي شكلته كل من مصر واليونان وقبرص ضد أطماع أنقرة في غاز شرق المتوسط".  

هل ستتخلى مصر عن حفتر؟ 

يرى الكبير أن مصر على قناعة راسخة بأن مشروع حفتر انتهى "ولكن نظرا لعدم وجود بديل يضبط الحالة الأمنية، فمصر ستواصل التعامل مع حفتر حتى تطمئن لعدم عودة جماعات إرهابية في شرق ليبيا أو عودة الفوضى". 

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي (يمين) مع المشير خليفة حفتر الرجل القوي في شرق ليبيا

ويؤكد الجمال أن مصر لديها هموم ثلاثة في ليبيا وهي تأمين حدودها الغربية وحماية العمال المصريين والمساهمة في الاستثمار من خلال إعادة الإعمار". 

وبعد فشل هجوم شنّته قوّات حفتر في أبريل 2019 للسيطرة على طرابلس، توصّل طرفا النزاع إلى اتّفاق على هدنة دائمة في أكتوبر الماضي واستأنفا الحوار السياسي بدعم من الأمم المتحدة.

وأُطلق الحوار الليبي في تونس في منتصف نوفمبر 2020.

وفي منتصف نوفمبر وافق المشاركون على تنظيم انتخابات "وطنية" في 24 ديسمبر 2021.

"حفتر لديه ما يشغله"

ويعتقد الكبير أن حفتر لديه ما يشغله في الفترة المقبلة، بعيدا عن التفكير في كيفية السيطرة على طرابلس مرة أخرى من خلال الحرب. 

ويوضح الكبير أن "حفتر لديه مشكلة قانونية في الدعاوى المرفوعة ضده في الولايات المتحدة، فضلا عن المحكمة الجنائية الدولية ومجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة و20 منظمة دولية فتحت ملف المقابر الجماعية والانتهاكات التي وقعت في ترهونة"، مشيرا إلى أن حفتر سيسعى بكل السبل لإبعاد تهم ارتكاب جرائم الحرب عنه. 

وأضاف أن التهدئة المؤقتة حتى الوصول للانتخابات في ديسمبر ستشغل كل من لديه طموح للسلطة من خلال التوجه للتحضير للمشاركة فيها بما فيهم حفتر والسراج"، مشيرا إلى أن الوصول للانتخابات وإجراءها بشكل حر ونزيه يعني تحقيق خطوة كبرى في سبيل الاستقرار. 

وهنأت القوات الموالية للمشير خليفة حفتر الليبيين السبت بالنتائج المنبثقة من الحوار.

وتمنى رئيس حكومة الوفاق الليبية فايز السراج، "النجاح" لأعضاء السلطة التنفيذية الجديدة التي ستتولى المرحلة الانتقالية في ليبيا بعدما انتخبهم المشاركون في الحوار في جنيف برعاية الأمم المتحدة. 

تقول منظمات إن الأطفال يعانون تبعات الوضع الأمني غير المستقر في ليبيا - صورة تعبيرية
تقول منظمات إن الأطفال يعانون تبعات الوضع الأمني غير المستقر في ليبيا - صورة تعبيرية | Source: أصوات مغاربية

أعلن مكتب النائب العام في ليبيا، السبت، عن "تحرير" الطفل محمد امحمد، البالغ ثلاث سنوات، بعد تعرضه لعملية اختطاف من قبل مجموعة أشخاص أرغموا أهله على دفع فدية تقدر بـ 20 ألف دولار لإطلاق سراحه.

وقال بيان النيابة العامة في ليبيا "تمكن أعضاء قسم الإدارة العامة للبحث الجنائي ببنغازي، وركن الشؤون الأمنية، برئاسة أركان الوحدات الأمنية، من إلقاء القبض على عناصر الشبكة وتخليص الشبكة".

وقد أثارت الحادثة جدلا كبيرا في ليبيا، خاصة بعدما نشر الخاطفون فيديو للطفل الضحية وهو يخضع لتعذيب جسدي وترهيب بواسطة السلاح، وفق موقع "أصوات مغاربية".

وفي شهر مارس الماضي، أعلن مكتب النائب العام القبض على متهم بخطف طفل، يبلغ من العمر 4 سنوات، في مدينة زليتن، مع إنقاذ الطفل.

وأوضحت الجهات القضائية أن ضبط المتهم جاء إثر ‏تلقي سلطة التحقيق نبأ خطف الطفل بهدف إجبار أهله على دفع فدية مالية، قدرها 100 ألف دولار.

وتبقى قضية الطفل مصطفى البركولي، الذي اختفى عن الأنظار لأكثر من عام كامل بعد تعرضه للاختطاف، واحدة من القضايا الشاهدة على ما تعانيه هذه الشريحة.

ومصطفى البركولي هو طفل ليبي اختطف من أمام منزل أهله في مدينة سبها، في أبريل عام 2021، وانقطعت أخباره لعدة أشهر قبل أن تطالب العصابة عائلته بدفع فدية مالية مقدارها مليون دولار، ولم يعد الضحية إلى أحضان عائلته إلا بعد أمضى أزيد عام كامل عند خاطفيه.

وأدى الانفلات الأمني الذي تشهده ليبيا، في السنوات الأخيرة، إلى ظهور شبكات مختصة في سرقة واختطاف الأطفال من أجل مطالبة عائلاتهم بدفع أموال باهظة لإطلاق سراحهم.

مخاوف كبيرة

وتفيد إحصائيات متداولة في الأوساط الإعلامية الليبية بأن "عدد الأطفال الذين خطفوا عام 2016 بلغ 8، وارتفع إلى 11 عام 2017، ثم تراجع إلى 6 عام 2018، وفق ما نقله "أصوات مغاربية".

وجميعهم عادوا إلى عائلاتهم بعد دفع أموال للعصابات الخاطفة، ولم تقف أي جهة عسكرية أو حكومية وراء عملية إطلاق سراح هؤلاء الأطفال، بحب الموقع ذاته.

وتبدي العديد من الجهات الحقوقية تخوفات كبيرة عن مستقبل شريحة الأطفال في ليبيا، لا سيما بعد تحذيرات أطلقتها جهات رسمية تفيد بسعي العديد من المليشيات والجماعات إلى الاستثمار في الجيل الجديد من الليبيين من أجل تعزيز صفوفها.

وكشف وزير التربية والتعليم في حكومة الوحدة الوطنية، موسى المقريف، في تصريحات أدلى بها مؤخرا، عن وجود تسرب كبير وسط المتمدرسين الذكور في الطور الثانوي والجامعي"، مشيرا إلى أن "العديد من هؤلاء يلتحقون بالجماعات المسلحة طمعا في الحصول على رواتب مالية".

ومن جانبه، نفى مدير المكتب الإعلامي بإدارة البحث الجنائي، وليد العرفي، جميع الأخبار المتداولة على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي حول خطف الأطفال في مدينة بنغازي.

وأبدى العرفي، في تصريح خاص لوكالة الأنباء الليبية، "استغرابه من انتشار مثل هذه الأخبار بين الناس دون دليل ملموس"، على حد قوله.

وأكد المسؤول "عدم ورود أي بلاغات أو شكاوى رسمية لإدارة البحث أو مراكز الأمن بالمدينة، فيما يتعلق بالاختفاء أو الاختطاف"، كما دعا المواطنين إلى "التبليغ فورا في حالة وقوع أي محاولة خطف أو اختفاء لأي طفل".