انتقادات لرئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي بعد لقاء خليفة حفتر
انتقادات لرئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي بعد لقاء خليفة حفتر

قضت الانتقادات التي تعرض لها لقاء رئيس المجلس الرئاسي الجديد، محمد المنفي، بالجنرال خليفة حفتر، قائد "قوات الجيش الوطني الليبي"، على التفاؤل الذي ساد ليبيا خلال الأيام الماضية في أعقاب انتخاب لجنة الحوار الوطني برعاية الأمم المتحدة، السلطة التنفيذية الجديدة التي ستقود البلاد حتى الانتخابات البرلمانية في 24 ديسمبر القادمة.

فقد أثار لقاء المنفي بحفتر جدلا وغضبا كبيرا في المنطقة الغربية، وشكوك بشأن إمكانية تحقيق مصالحة ولم الشمل الليبي الممزق.

وأعلن خالد المشري، رئيس المجلس الأعلى للدولة في ليبيا، رفضه لهذه الزيارة، وقال: "نستهجن البداية غير الموفقة للسيد محمد ‫المنفي‬ (وقبل استلام مهامه بشكل رسمي) بزيارته لمجرم الحرب حفتر‬، رسالة سلبية لليبيين لا علاقة لها بالتوافق وجمع الوطن بعد كل ما تسبب فيه من دمار ومآسي".

ويرى المحلل السياسي محمد شوبار، أن هذه الانتقادات تعكس الخلاف والانقسام داخل المعسكر الغربي، وتكشف الخلاف بين فريق الإسلام السياسي بقيادة خالد المشري، وفريق الكرامة بقيادة المنفي، والذي يسعى للتصالح مع حفتر.

وأضاف شوبار في تصريحات لموقع قناة "الحرة" أن السلطة الجديدة ارتكبت الكثير من المخالفات، وأبرزها عدم الالتزام باتفاق جنيف ومخرجات منتدى الحوار السياسي فيما يتعلق بتشكيل الحكومة، والتي أكد أنها حكومة مصغرة تدير البلاد لفترة انتقالية، مشيرا إلى أنه يجرى تشكيلها بشكل موسع.

نية مبيته

وقال المحلل السياسي محمد الأسمر، إن هذا الانتقادات تبين أنه توجد نية مبيته بعدم الالتزام بمسارات الحوار السياسي وتخريب الرؤية العامة لتوحيد المؤسسات الدولة، مشيرا إلى أن مخرجات الحوار السياسي تؤكد على التوصل لسلطة تنفيذية توحد كل المؤسسات الليبية، وتتواصل مع كل الأطراف.

وأضاف الأسمر في تصريحات لموقع قناة "الحرة": "كيف لخالد المشري وغيره أن يوجهوا هذه الانتقادات لرئيس المجلس الرئاسي لكل التراب الليبي عند التواصل مع كافة الشخصيات التي تشكل ملامح المشهد السياسي في ليبيا وفي مقدمتهم المشير خليفة حفتر" .

وفي الخامس من فبراير الحالي، انتخب لجنة الحوار الوطني، المكون من 75 شخصا، قائمة المنفي، المكونة من موسى الكوني، وعبدالله حسين اللافي، وعبد الحميد دبيبة، رئيسا للحكومة.

وكان المنفي بدأ جولاته في المدن الليبية بزيارة مدينة بني غازي في الشرق، ولقاء خليفة حفتر. 

وبحسب بيان لقيادة قوات خليفة حفتر، تم خلال هذا اللقاء طرح وجهات النظر بين الطرفين وأكد حفتر على دعم القوات المسلحة لعملية السلام وسعي الجيش للحفاظ على الديمقراطية والتداول السلمي للسلطات ودعم المجلس الرئاسي الجديد وحكومة الوحدة الوطنية، التي أنتجها الحوار السياسي لتوحيد المؤسسات والوصول بالبلاد إلى الانتخابات المنتظرة في ديسمبر القادم.

وفي جولته الثانية، أجرى المنفي اجتماعا مع أعيان وممثلي قبائل العبيدات، والعواقير، والمغاربة، والعريبات بطبرق شرق ليبيا.

وقال المنفي إن أمامه ثلاث أولويات سيعمل على تحقيقها خلال الشهور المقبلة، أولها توحيد مؤسسة الجيش ودعم لجنة 5+5، والثانية دعم الاقتصاد والأمن لتحقيق الاستقرار وإجراء الانتخابات، أما الأولوية الثالثة هي المصالحة الوطنية.

كما التقى دبيبه، بقبائل مدينة مصراتة، التي ينتمي لها هو ووزير الداخلية فتحي باشاغا، ودعاهم للمصالحة مع باقي الليبيين.

دعم دولي

وفور إعلان السلطة الجديدة، فقد حصلت على تأييد محلي ودعم دولي. فقد أكد وزير الخارجية الأميركي في تغريدة على تويتر أن الولايات المتحدة ستواصل العمل مع الأمم المتحدة والليبيين لإنهاء الصراع ودعم رؤيتهم لليبيا سلمية ومزدهرة وموحدة.

وفي مكالمة هاتفية مع المنفي، أكد السفير الأميركي لدى ليبيا، ريتشارد نورلاند، دعم واشنطن للمجلس الرئاسي الجديد وحكومته لتأدية مهامها، كما استعراضا العلاقات بين البلدين والموضوعات ذات الاهتمام المشترك .

كما رحب فيه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، بالوصول إلى اتفاق حول سلطة موحدة في ليبيا، وأجرى اتصالا برئيس الحكومة الجديدة، وهنأه على نيل ثقة أعضاء ملتقى الحوار السياسي، متمنياً له وللشعب الليبي الشقيق كل التوفيق والنجاح في إطار استعداد السلطة الانتقالية في ليبيا لتهيئة الدولة والانطلاق بها نحو آفاق التنمية.

وأعرب رئيس حكومة الوفاق الليبية، فايز السراج، عن تمنياته "بالنجاح" لأعضاء السلطة التنفيذية الجديدة التي ستتولى المرحلة الانتقالية في ليبيا.

وقال السراج في بيان "نتمنى النجاح والتوفيق لمن اختيروا لتولي المسؤوليات في المجلس الرئاسي الجديد ورئاسة حكومة الوحدة الوطنية.. نأمل ان يعملوا خلال المرحلة القادمة على توفير الظروف الملائمة لاجراء الانتخابات العامة في موعدها في 24 ديسمبر 2021".

الكثير من المشاكل

لكن رغم هذا الدعم، يرى الأسمر، أن السلطة الجديدة ستواجه الكثير من المشاكل في تحقيق المصالحة الليبية، لأن ملتقى الحوار الذي أنتج هذه السلطة، لم يتم تشكيله عبر الرجوع للحواضن الاجتماعية والجماهيرية الليبية، مشيرا إلى أن قوائم المشاركين في الحوار، تعرضت لانتقادات من الليبيين.

وأضاف أنه "تم تغليب أقلية أيدلوجية لا تناسب الديموغرافيا في ليبيا وهي الإخوان المسلمين، ولم يتم مراعاة النسيج الليبي في التركيبة العامة"، مشيرا إلى أن تعنت بعض الأطراف في خروج المرتزقة من البلاد سيصعب من تنفيذ هذه السلطة لمهامه.

وليبيا غارقة في فوضى غذتها التدخلات الأجنبية منذ سقوط نظام معمر القذافي في العام 2011، وتشهد نزاعا بين سلطتين: حكومة الوفاق الوطني المعترف بها من الأمم المتحدة والتي تتخذ طرابلس مقرا، وسلطة يجسدها خليفة حفتر الرجل القوي في شرق البلاد.

وبحسب مبعوثة الأمم المتحدة بالإنابة إلى ليبيا الأميركية، ستيفاني ويليامز، يوجد حوالي 20 ألفا من "قوات أجنبية ومرتزقة" في ليبيا، معتبرة ذلك انتهاكا "مروعا" للسيادة الوطنية، كما أشارت إلى وجود عشر قواعد عسكرية في ليبيا، تشغلها بشكل جزئي أو كلي قوات أجنبية ومرتزقة.

انقسام حاد

وأكد شوبار أنه في حالة تشكيل الحكومة فإنه ستصطدم بالانقسام الحاد داخل مجلس النواب الليبي، والذي ظهر من خلال دعوة بعض الأعضاء للاجتماع في مصراته، ودعوة البعض الآخر للاجتماع في طبرق.

وأشار الأسمر إلى أنه لا توجد فرصة لحصول هذه الحكومة على مصادقة البرلمان قبل 27 فبراير، لأن المجلس منقسم على نفسه رغم محاولات لم شمله  في مدينة بوزنيقه المغربية.

وأوضح أن البرلمان دعا لجلسة في 15 من فبراير في بني غازي للتشاور بشأن الحكومة، بينما دعا المعارضون للحكومة للاجتماع في صبراته، مضيفا أنهم حتي الآن يملكون النصاب للبت في مصير الحكومة بـ105 عضوا، ولكن لا يمتلكون الشرعية القانونية التي ينص عليها القانون أن الاجتماع يكون بعوى من الرئيس أو نائبيه.

بينما اجتماعات بني غازي يتوفر فيها القانونية وهي دعوة رئيس المجلس، ولكن لا يتوافر لها النصاب للتصديق على الحكومة، بحسب الأسمر. مشيرا إلى أنه في خلال 10 إذا لم يتم الاتفاق على تشكيل الحكومة، يعود الأمر لمنتدى الحوار الوطني مرة ثانية

وبحسب مخرجات المشهد السياسي الليبي، أمام الدبيبة حتى 26 فبراير لتشكيل حكومة وتقديم برنامج عملها إلى مجلس النواب للمصادقة ثم نيل ثقة البرلمان خلال 21 يوما.

وفي حالة نجاحه، سيتعين على أعضاء المجلس الانتقالي إعادة توحيد مؤسسات الدولة، وضمان الأمن، ودعم وتنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار، بما في ذلك انسحاب جميع القوات الأجنبية والمرتزقة، وتوفير خدمات عامة أساسية للشعب الليبي، وتنظيم استفتاء على الدستور، وإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية في 24 ديسمبر المقبل، على ألا يخوضوها كمرشحين، وتخصيص 30 في المئة من المناصب الحكومية المهمة للنساء.

وقال شوبار إن عمليات انتقال السلطة إلى الحكومة الجديدة بقيادة أصبح أمر بعيد المنال في ظل هذا الانقسام الحاد داخل المعسكرات.

مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى ليبيا يشدد على ضرورة إجراء مصالحة وطنية في البلاد (أرشيف)
مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى ليبيا يشدد على ضرورة إجراء مصالحة وطنية في البلاد (أرشيف)

لا يزال الغموض يكتنف الملف السياسي في ليبيا بعد استقالة مبعوث الأمم المتحدة الخاص بهذا البلد الأفريقي، عبدالله باتيلي، وسط تساؤلات بشأن مستقبل الدولة المنقسمة.

وقدم باتيلي استقالته، الأسبوع الماضي، معتبرا أن الجهود السلمية التي تبذلها المنظمة الأممية ستظل محكومة بالفشل ما دام قادة هذا البلد "يضعون مصالحهم الشخصية فوق حاجات بلدهم".

ويطغى سؤالان على المشهد السياسي المحلي وسط تحركات دولية تعكس تخوفات من تطورات الوضع في ليبيا: أي مصير ستعرفه ليبيا بعد استقالة باتيلي؟، وما هي الشروط المطلوبة في الرئيس القادم للبعثة الأممية حتى يتمكن من تسوية الأزمة في هذا البلد المغاربي؟.

واختلفت قراءات الأجسام السياسية المؤثرة في المشهد المحلي بخصوص الخلفيات التي دفعت الدبلوماسي السنغالي إلى تقديم استقالته المفاجئة، بين من اعتبرتها "نتيجة منطقية" لفشل الأخير في التوحيد بين الليبيين، وبين من ربطها بـ"ضغوطات جهات دولية".

مقابل ذلك، دعا وزراء خارجية مجموعة السبع إلى "تعيين مبعوث أممي جديد إلى ليبيا"، مشددين على الدعوة إلى "الدخول في حوار هادف لكسر الجمود والتحرك نحو خريطة طريق لإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية دون تأخير".

وقال هؤلاء في بيان نشرته سفارة إيطاليا لدى ليبيا: "سنواصل مساعدة ليبيا على وضع حد للصراع الضروس الذي طال أمده، والذي تغذيه أيضا القوات الأجنبية والمقاتلون والمرتزقة، من أجل بناء مستقبل أكثر سلاما وازدهارا ودعم استقرارها واستقلالها وسلامة أراضيها ووحدتها الوطنية".

وتتكون مجموعة السبع من الولايات المتحدة، وكندا، والمملكة المتحدة، وفرنسا، وألمانيا، وإيطاليا، واليابان.

وفي مارس الماضي، عيّن الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، الأميركية من أصل لبناني، ستيفاني خوري، نائبة للشؤون السياسية لرئيس البعثة في ليبيا باتيلي، ويتوقع استمرارها في هذا المنصب حتى تعيين مبعوث أممي جديد.

الخطة الأميركية

ويستبعد الناشط السياسي والمرشح السابق للانتخابات الرئاسية في ليبيا، أسعد ازهيو، تعيين مبعوث أممي جديد في الأفق القريب، مؤكدا "استمرار نائبة رئيس البعثة الأممية، خوري، لمرحلة طويلة سيتم خلالها الشروع في تطبيق خطة بديلة لتلك التي طرحها الدبلوماسي السينغالي، باتيلي".

وقال ازهيو في تصريح لـ"أصوات مغاربية"، إن الأمر مرتبط بـ"ترتيبات تصب في صالح الخطة التي وضعتها واشنطن في ليبيا"، مؤكدا أن "استقالة باتيلي تعد جزءا من هذه الخطة، خاصة أنها جاءت بعد أيام قليلة بعد تعيين نائبته الأميركية خوري".

وأضاف: "هم واشنطن الكبير، حاليا، هو إخراج القوات الروسية المتمركزة في عدة مناطق في ليبيا، بالإضافة إلى تلك المجموعات المناوئة لسياستها وسياسة الاتحاد الأوروبي، والأمور في ليبيا ستسير مستقبلا وفق هذه القاعدة".

وتابع المتحدث ذاته: "من الغباء اعتبار الدول المتصارعة على الملف جمعيات خيرية، على اعتبار أن طرف يسعى لتحقيق مصالح اقتصادية وأمنية بالدرجة الأولى في بلدنا"، مشيرا إلى أن "المأمول هو ألا تتعارض هذه الأطماع مع مصالح ليبيا، وهو الحد الأدنى من الشرط المطلوب".

التغيرات الدولية

ويحكم البلاد التي تشهد أعمال عنف وانقسامات، حكومتان متنافستان. إحداهما في طرابلس (غرب) برئاسة عبد الحميد دبيبة ومعترف بها من الأمم المتحدة، والأخرى في الشرق يدعمها المشير خليفة حفتر ومعقلها في بنغازي.

وعُيّن باتيلي ممثلا خاصا للأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا في سبتمبر 2022، بعد شغور المنصب لأشهر إثر الاستقالة المفاجئة لسلفه، يان كوبيش، في نوفمبر 2021.

وباتيلي هو تاسع مبعوث أممي لليبيا منذ 2011، وقد عيّن في منصبه بعد أن رفض مجلس الأمن الدولي أسماء أخرى عديدة طرحها غوتيريش.

إلى أين تتجه الأزمة في ليبيا في ظل "التنافس الدولي وأنانية أطراف الداخل"؟
أعلن مبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا، عبدالله باتيلي، استقالته بشكل مفاجئ الثلاثاء، مُطلقا موجة من التساؤلات بشأن مستقبل العملية السياسية الهشة في البلاد، خصوصا في ظل الإحباط الذي عبر عنه في تصريحات نقلتها وكالات الأنباء من "غياب الإرادة السياسية" و"أنانية" القادة.

ويقترن التغيير الحقيقي في ليبيا، حسب عدة فاعليين محليين، بالقدرة على تحديد موعد سياسي لإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية، بالإضافة إلى توحيد مؤسسة الجيش وتحييد جميع المليشيات المسلحة عن واجهة الأحداث.

وقال أستاذ القانون والباحث السياسي، رمضان التويجر، إن "التغيير الحقيقي في ليبيا مرهون بالدرجة الأولى بتغير الوضع في المشهد الدولي، وسط الصراع الدائر بين القوى والدول المسيطرة".

وأضاف في تصريح لـ"أصوات مغاربية"، أن "كل دول العالم قسمت إلى مناطق نفوذ بالنسبة لهذه القوى الدولية بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، وقد وقع خلل في السنوات الأخيرة بخصوص هذا التقسيم".

وأكد أن "الوضع في ليبيا مرهون باتفاق دولي جديد بخصوص جغرافية النفوذ لهذه الدول الكبرى".

وقال التويجر إن "الوضع في ليبيا سيبقى على حاله لأنه يعتبر جزء التنافس على مناطق النفود بالنسبة لهذه الدول المتنافسة".