قيس سعيد بعد الإعلان غير الرسمي عن فوزه برئاسة تونس
قيس سعيد بعد الإعلان غير الرسمي عن فوزه برئاسة تونس

يباشر الرئيس التونسي قيس سعيّد عهده بأزمة سياسية بعد تعثر تشكيل الحكومة، وانقسام في البرلمان وتزايد الضغوط الاقتصادية مع اقتراب تسديد ديون البلاد الخارجية.

وبدأ الحبيب الجملي، الذي يؤكد أنه مستقل، منذ تكليفه رسميا منتصف أكتوبر الماضي، مشاورات سياسية بحثا عن توافقات لحكومته المرتقبة مع غالبية الأحزاب الممثلة في البرلمان والمنظمات الوطنية والشخصيات النقابية والكفاءات.

غير أن المهلة الدستورية الأوليّة التي يمنحها الدستور لم تسعفه في اتمام مهمته التي تم تمديدها شهرا إضافيا، ما ينذر بمهمة صعبة، إذ في حال فشل في ذلك فسيكلف الرئيس شخصية أخرى مستقلة بالمهمة.

وأعلن "التيار الديمقراطي" (22 نائبا) وحركة "الشعب" (15 نائبا)، ثاني أكبر الكتل في البرلمان انسحابهما من المشاورات معلّلين ذلك بعدم الحصول على حقائب وزارية أو "غياب الجدية".

ومن شأن هذا أن يضعف حظوظ الحكومة القادمة في نيل ثقة البرلمان حيث يجب أن تحصل على 109 من مجموع 217 صوتا.

خلاف سياسي واحتقان اجتماعي  

وبموازاة مع ذلك، انطلق البرلمان في جلسات عمله الأولى التي تخللتها مشادات وتجاذبات بلغت حد تعطيل العمل بسبب تبادل الشتائم بين نواب بخلفيات سياسية متضادة.

وأفرزت الانتخابات النيابية منتصف أكتوبر الفائت "فسيفساء" من الأحزاب يتقدمها "النهضة" الإسلامي (52 نائبا) يليه حزب "قلب تونس" الليبيرالي (38 نائبا).

وتحمل أحزاب تونسية الإسلامين المسؤولية عن تردي الوضع في البلاد، وتواجه النهضة" انتقادات بسبب نتائج فترة حكمها منذ 2011.

ويزداد الاحتقان الاجتماعي في البلاد خصوصا مع ارتفاع سقف المطالب الاجتماعية بسبب تضخم الأسعار رغم استقرار بعض المؤشرات الاقتصادية دون خروجها من منطقة الخطر.

ولا تزال نسبة البطالة في مستوى 15,1 في المئة والتضخم 6,3 في المئة ونسبة النمو بحدود 1,4 في المئة، بينما يبلغ العجز في الموازنة 3,5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.

وغالبا ما ارتبط شهر يناير بتزايد وتيرة الاحتجاجات الاجتماعية مع اقتراب ذكرى وفاة محمد البوعزيزي، الذي أحرق نفسه في مدينة سيدي بوزيد احتجاجا على وضعه.

وشكلت الحادثة انطلاقة لانتفاضة شعبية أطاحت بنظام الرئيس الأسبق الراحل زين العابدين بن علي.

واندلعت احتجاجات في مدينة "جلمة" وسط البلاد، مطلع ديسمبر الحالي، انتهت إلى مواجهات بين سكان المنطقة وقوات الأمن بعد أن انتحر الشاب عبد الوهاب الحبلاني (25 عاما) حرقا احتجاجا على وضعه الاجتماعي في هذه المدينة المهمشة.

تحذير من عجز تونس عن سداد الديون

يقول المحلل المالي والاقتصادي عز الدين سعيدان "إذا تأخرنا بهذا الشكل في تشكيل الحكومة في حين يشهد مجلس النواب أجواء مشحونة مع غياب التوافق، فإن هذا سيترك تأثيره حتما لأنه لن يترك المجال أمام البلاد للدخول في اصلاحات الإنقاذ.

ويصف الوضع الاقتصادي بأنه "في حالة نزيف"، لأن "كل المؤشرات دون استثناء تتدهور".

ولم تستطع البلاد منذ ثورة 2011 تجاوز الضغوط الاقتصادية وركزت الطبقة السياسية اهتماماتها أكثر على تأمين الانتقال الديمقراطي السياسي بينما تأجلت الاصلاحات الاجتماعية مع تفاقم المطالب المعيشية، بالإضافة الى توجيه القروض الخارجية إلى الاستهلاك وسداد رواتب القطاع الحكومي بدلا من تخصيصها للاستثمار.

ويرى سعيدان أن الحكومة مطالبة بالشروع مباشرة في الإصلاحات و"يجب أن تكون هناك حكومة قوية ومدعومة من البرلمان للقيام بإصلاحات هيكلية لوقف النزيف وهذا ضروري ومطلوب في أقرب وقت ممكن، خصوصا في ما يتعلق بالتحكم في نفقات الدولة والتقليص من الاستيراد".

ويشكل الدين الخارجي أهم الملفات التي شغلت الحكومات السابقة وبينها حكومة يوسف الشاهد التي استمرت أطول فترة مقارنة بسابقاتها ولم تستطع تحقيق الانتقال الاقتصادي الضروري في البلاد.  

وتستقر نسبة الديون عند مستوى 74 في المئة، وبلغت 7 في المئة في العام 2018 من حجم الناتج الاجمالي وفقا لصندوق النقد الدولي الذي منح في 2016 قرضا لتونس، صرف منها 1,6 مليار دولار على أربع سنوات، مقابل القيام بإصلاحات اقتصادية واسعة على أن يتم سداده اعتبارا من 2020.

وتتوجه تونس مجددا إلى السوق الخارجية العام القادم للحصول على قروض جديدة بحسب مشروع الموازنة، لكن المهمة لن تكون سهلة وفقا لسعيدان الذي يتساءل "كيف ستتمكن البلاد من الحصول على هذه القروض؟".

وتواجه سياسية الدولة للاستدانة من الخارج انتقادا ورفضا شديدين من منظمات محلية، وخصوصا النقابة العمالية المركزية التي تدعو الحكومة إلى عدم الانسياق لإملاءات صندوق النقد الدولي.

وحذر سعيدان من الوصول إلى مرحلة عجز الدولة عن سداد مستحقاتها "لأنه إذا لم نستطع تسديد ديوننا فسندخل في دوّامة جدولة الديون وعندها سيكون الوضع أخطر بكثير".

             

شارع الحبيب بورقيبة في تونس
كانت الموافقة أساسية للإفراج السريع عن حوالي 150 مليون دولار من التمويل الفوري

منع البرلمان التونسي صندوق قطر للتنمية من فتح فرع في تونس التي تعاني من ضائقة مالية، "وهو ما يمثل انتكاسة محتملة لجهود إنعاش الاقتصاد وتجنب التخلف عن السداد"، وفق وكالة بلومبرغ.

وقاد مشرعون متحالفون مع الرئيس قيس سعيد الوقوف ضد اقتراح الصندوق التي تديره دولة قطر، فتح فرع في تونس. 

وكانت الموافقة أساسية للإفراج السريع عن حوالي 150 مليون دولار من التمويل الفوري وتمهيد الطريق للحصول على دعم إضافي من الدولة الخليجية الثرية.

وخلال نقاش محتدم، الثلاثاء، وصف المعارضون العرض المطروح بأنه "مفخخ"، وأنه تهديد للسيادة الوطنية ويتعارض مع سياسة سعيد المعلنة للاعتماد على الذات. 

وربط آخرون ذلك بالدعم القطري المزعوم للسياسيين الإسلاميين، بما في ذلك حزب النهضة الذي يقبع بعض أعضائه في السُجن منذ أن تولى سعيد سلطات أكبر في عام 2021.

وتكافح تونس التي تعاني من تباطؤ النمو الاقتصادي وارتفاع معدلات البطالة بين الشباب، من أجل التوفيق بين التزامات ديونها والحاجة إلى الاستثمارات العامة. 

وبعد تعثر اتفاق إنقاذ بقيمة 1.9 مليار دولار مع صندوق النقد الدولي، يتزايد احتمال لجوء السلطات إلى الدول العربية لتلبية احتياجات تمويلية تقدر بنحو 28 مليار دينار (9 مليارات دولار) هذا العام.

ويعد الرفض "انتكاسة" ولكنه ربما يكون جزءا من المد والجزر المنتظم في العلاقات القطرية التونسية منذ ثورات الربيع العربي عام 2011، وفقا لمارك بوهلوند، كبير محللي أبحاث الائتمان في "REDD Intelligence". 

وأضاف في حديث للوكالة أن علاقات تونس القوية مع الجزائر والمملكة العربية السعودية تجعلهما مصادر بديلة ممكنة للتمويل.

وارتفعت قيمة السندات الدولارية التونسية منذ نوفمبر، ولكن الفارق بين عائد هذه السندات وسندات الخزانة الأميركية لا يزال يقترب من 1000 نقطة أساس، وهو مستوى يُعتبر من قبل العديد من المتداولين علامة على التدهور.