مقر المخابرات الأردنية في البقعة
مقر المخابرات الأردنية في البقعة

في خطوة لافتة وجه الملك الأردني عبد الله الثاني انتقادات غير مسبوقة لجهاز المخابرات بالتزامن مع قبول استقالة مديره السابق عدنان الجندي، وإحالته للتقاعد، وتعيين اللواء أحمد حسني رئيسا جديدا.

وفي الرسالة التي وجهها العاهل الأردني لحسني ونقلتها وكالة الأنباء الأردنية الرسمية "بترا"، تحدث الملك عبد الله الثاني عن "تجاوزات" من قبل بعض أفراد جهاز المخابرات، الأمر الذي دعاه إلى "التعامل الفوري معها وتصويبها".

العاهل الأردني قال في رسالته أيضا إن هذه تصرفات فردية من قبل "القلة القليلة" من أفراد جهاز المخابرات الذين "لم يتعاملوا مع السلطة والمنصب على أنهما تكليف وواجب خدمة وطني".

اختيار حسني على رأس المؤسسة الأقوى في الأردن والمنطقة، من الأقليات، يراه البعض رسالة مبطنة من العاهل الأردني للولاءات التقليدية من أبناء العشائر.

ويمكن قراءة هذه الرسالة، بالكلمات التي وردت في الكتاب الملكي بأن "دائرة المخابرات تصدت لكل من تسول له نفسه محاولة العبث بالمرتكزات الدستورية".

وكان رد الجنرال الجديد، بأنه سيتعامل بحزم مع من يحاول المساس بالثوابت الوطنية والتصدي لمن يعبث بالمرتكزات الدستورية. وهنا يطرح السؤال: هل يريد ملك الأردن دولة دستورية، تحافظ على تقاليد العرش الملكي؟

ما يقرأه المتابع "لواحة الاستقرار في الشرق الأوسط"، كما يسمي البعض المملكة، هو الدولة الحديثة، كما يراها العاهل الأردني، مستندا بذلك إلى الدستور.

وربما وصول الجنرال الشركسي، الذي ينتمي للأقليات التي تعيش في الأردن منذ القرن التاسع عشر، ويدين أبناؤها بالولاء المطلق للقصر الهاشمي، إلى هذا المنصب، يعني استبعاد توغل العشائر والمحسوبيات والوساطة، للتحكم بمفاصل الدولة السياسية والاقتصادية.

صحيح أن الملك أشاد بمسيرة "فرسان الحق"، إلا أنه انتقد وجود بعض التجاوزات لدى قلة قليلة، قدمت المصالح الخاصة على الصالح العام.

رسالة أخرى من العاهل الأردني، أنه بدأ بقصره، أو "بيت الأردنيين" كما يحب الناس تسميته، فالديوان الملكي أعلن قبول استقالة عدد من كبار موظفيه، ضمن إعادة الهيكلة التي بدأها.

التطهير قادم

ويقول الكاتب والصحافي الأردني مالك العثامنة، إن خطوة الملك هي "بداية لعملية تطهير واسعة، تشمل أفرادا فاسدين في جهاز المخابرات وأجهزة الدولة الأخرى".

ويرى العثامنة في حديث لموقع "الحرة" أن "رسالة الملك غير المسبوقة تعد بمثابة ضوء أخضر للمدير الجديد لتطهير ما يراه مناسبا".

وشغل أحمد حسني، الذي تمت ترقيته من منصب عميد إلى لواء مؤخرا، عدة مناصب في جهاز المخابرات الأردني، من بينها مساعد مدير المخابرات لشؤون المناطق، ومدير مخابرات العاصمة، كما شغل أيضا منصب رئيس مديرية الشؤون الخارجية في دائرة المخابرات.

ويؤكد العثامنة أن "المدير الجديد، شخصية أمنية بحتة، وليست لديه أي ميول سياسية".

وهذا يعني، وفقا للعثامنة، أن الملك عبد الله الثاني، أراد من تعيين حسني إيصال رسالة مفادها، أن دور المخابرات سيكون أمنيا أكثر منه سياسي في المرحلة المقبلة.

فساد المؤسسة

ولم يخلُ جهاز المخابرات الأردني، من شبهات فساد رافقت عمله، وطالت قيادات بارزة فيه، لعل أبرزها المدير الأسبق سميح البطيخي الذي صدر بحقه حكم قضائي بالسجن ثماني سنوات، لدوره في عمليات احتيال على عدد من البنوك الأردنية عام 2000.

وكذلك أدان القضاء الأردني في 2012 مدير المخابرات الأسبق محمد الذهبي بتهم اختلاس وغسل أموال واستثمار الوظيفة العامة.

ويشير العثامنة إلى "أننا نتحدث عن مؤسسة فساد حقيقية، ومرجعيات عميقة ومحسوبية موجودة داخل جهاز المخابرات".

ويتابع أن هناك "مراكز قوى نافذة تمكنت من السيطرة على مفاصل كثيرة في الدولة، وربما تمكنت من التغلغل إلى بعض أصحاب السلطة في جهاز المخابرات".

ووفقا للعثامنة يمثل مدير جهاز المخابرات الجديد "تيارا مهنيا تمت تنحيته في السابق، وإحالة الكثير من ضباطه إلى التقاعد وربما سيكون هناك قرار بإعادتهم للخدمة قريبا".

لكن هذا لوحده لا يكفي، يقول العثامنة، ويضيف: "نحتاج إلى خطوات موازية في مفاصل الدولة الأخرى، كما يجب إخراج جهاز المخابرات من اللعب في المجال السياسي وجعل عمله أمنيا فقط".

ويرى الكاتب والصحافي الأردني أن "المخابرات دخلت اللعبة التجارية في الأردن وخارجه، وأصبحت لديها شركات ومزارع ومشاريع استثمارية، وهذا خطأ فادح لا بد من تصويبه".