الهدف من هذه المبادرات هو إظهار قدرات النظام المصري ومحاولة كسب تقديره
الهدف من هذه المبادرات هو إظهار قدرات النظام المصري ومحاولة كسب تقديره

في خطوة مثيرة للدهشة، قامت مصر التي تتلقى مساعدات أميركية سنوية قيمتها 1.3 مليار دولار، بإرسال طائرة محمّلة بأطنان من التجهيزات الطبية الشهر الماضي إلى الولايات المتحدة.

وعلى أطنان من التجهيزات الطبية التي سلكت طريقها من مصر إلى الولايات المتحدة، كُتبت عبارة "من الشعب المصري إلى الشعب الأميركي"، في مبادرة شملت أيضا دولا أخرى صديقة وتعكس إرادة مصر في استخدام "القوة الناعمة" لتعزيز علاقاتها الدولية في زمن فيروس كورونا المستجد.

وفيما يقترب عدد ضحايا الجائحة في العالم من 300 ألف، أرسل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مساعدات طبية إلى الولايات المتحدة وبريطانيا والصين وإيطاليا والسودان، لكن هذه المبادرات الكريمة لم تنجح في إقناع جميع المصريين الذين يعيشون في جزء كبير منهم أوضاعا اقتصادية صعبة.

وقامت وزيرة الصحة المصرية هالة زايد في أبريل بزيارة إلى إيطاليا، إحدى أبرز بؤر الوباء في أوروبا، لتسلّم بنفسها المساعدات المصرية من أقنعة واقية وقفازات إلى وزير الخارجية الإيطالي لويجي دي مايو.

وتعرضت الوزيرة بعد هذه الزيارة لعاصفة من الانتقادات على وسائل التواصل الإجتماعي، وعبّر المدوّنون عن استغرابهم لتقديم هذه المساعدات في وقت لم يكن المصريون يجدون أقنعة أو قفازات في الصيدليات.

 دبلوماسية الصحة 

ويوضح أستاذ العلوم السياسية في جامعة برمنغهام جيراسيموس تسوراباس لفرانس برس أن "دبلوماسية الصحة هي إحدى الاستراتيجيات التي لجأت إليها دول الجنوب الطامحة إلى دور كبير على الساحة الدولية".

وبحسب تسوراباس، تميل مصر إلى إعطاء "الأولوية للسياسة الخارجية على السياسة الداخلية".

ويعتقد مع ذلك أن هذه الإستراتيجية "لن تصل إلى مداها" بسبب الإحتياجات المتنامية للبلاد من الأدوات الطبية اللازمة لحماية المواطنين.

وتخطت مصر، البلد الأكبر ديموغرافيا في العالم العربي والتي يقطنها 100 مليون نسمة، حاجز العشرة آلاف إصابة وبلغ عدد الوفيات فيها نتيجة الفيروس قرابة 600، وفق الأرقام الرسمية.

ويرى الخبير في الشؤون المصرية يزيد صايغ من مركز كارنيغي الشرق الأوسط ببيروت أن هذه المبادرات تندرج في إطار "حملات العلاقات العامة والدعاية الشكلية" من جانب حكومة السيسي.

ويعتقد صايغ أن الهدف من هذه المبادرات هو إظهار قدرات النظام المصري ومحاولة كسب تقديره.

ويقول "بوضوح، هذا النوع من الأنشطة لن يكون له تأثير دائم على صورة الحكومة المصرية في الخارج"، مضيفا "ما يمكن أن يكون مؤثرا هو إدارة ناجحة لأزمة كوفيد-19 وإعادة الإقتصاد للوقوف على قدميه مرة أخرى".

ويمكن وضع مبادرة المساعدات المقدمة إلى الولايات المتحدة في سياق العلاقات التي أقامها السيسي خلال السنوات الأخيرة مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب ومع الزعيم الصيني كسي جينبينغ.

ووفق أستاذة العلوم السياسية في كلية الدراسات الشرقية والإفريقية بجامعة لندن ريم أبو الفضل، فإن مبادرة السيسي تهدف إلى إبهار المصريين.

معضلة سد النهضة

ويرى المحللون الذين تحدثت إليهم فرانس برس أن موقف مصر من الجدل الدائر حول سد النهضة الذي تبنيه إثيوبيا على النيل يفسّر جزئيا الحملة الدبلوماسية المصرية الأخيرة.

فبعد تسع سنوات من المفاوضات، لم يتم التوصل إلى أي إتفاق بين مصر التي تخشى من أن يحدّ السد البالغ طوله 145 مترا من نصيبها من مياه النهر، وبين إثيوبيا التي تتطلع إلى التنمية.

ولجأت أديس أبابا إلى شركات إيطالية وصينية للمشاركة في تشييد السد، في حين اتجهت مصر إلى إدارة ترامب لتفعيل المفاوضات مع إثيوبيا والسودان المعنية كذلك بمياه النيل.

وكانت إيطاليا والصين والسودان والولايات المتحدة من الدول التي أرسلت لها مصر مساعدات خاصة بأزمة كورونا.

وتعتقد ريم أبو الفضل أن دبلوماسية الرئيس السيسي لم تقنع المصريين الذين يواجهون الآن جائحة كورونا.

وتقول "المصريون يعرفون تماما أن هناك نقصا في الاستثمارات في الصحة العامة وفي مجالات أخرى في ظل الإدارة الحالية".
 

أكثر من مليون شخص نزحوا إلى مدينة رفح جنوب قطاع غزة
أكثر من مليون شخص نزحوا إلى مدينة رفح جنوب قطاع غزة

قالت مجلة "بوليتيكو" الأميركية، إن "المسؤولين المصريين طرحوا عددا كبيرا من الطلبات من الولايات المتحدة"، خلال المفاوضات الدائرة بشأن الحرب في غزة، بما في ذلك "التمويل والمعدات الأمنية".

ووفقا لخمسة مسؤولين من مصر والولايات المتحدة وإسرائيل لم تكشف "بوليتيكو" عن هويتهم، فإن القاهرة "طلبت خلال الأشهر الأخيرة من الولايات المتحدة، النظر في مساعدة لتوفير شرائح إضافية من التمويل والمعدات العسكرية الجديدة – مثل أنظمة الأمن والرادار – لتأمين الحدود مع غزة، استعدادا لعملية عسكرية إسرائيلية برية في رفح".

وتأتي هذه الطلبات في الوقت الذي يتداول فيه المسؤولون الأميركيون مع نظرائهم في قطر ومصر وإسرائيل، لوضع خريطة طريق تؤدي في النهاية إلى وقف إطلاق النار، للسماح بالإفراج عن جميع الرهائن المتبقين الذين تحتجزهم حماس في غزة.

وكجزء من تلك المحادثات، قالت إسرائيل إنها ستسعى إلى طرد مسلحي حماس من الجزء الجنوبي من القطاع، من خلال عملية برية في رفح، حيث نزح نحو مليون فلسطيني.

واندلعت الحرب إثر هجوم غير مسبوق شنته حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر، أوقع وفق الأرقام الإسرائيلية أكثر من 1160 قتيلً، معظمهم مدنيون وبينهم نساء وأطفال. كذلك خُطف حينها نحو 250 شخصا، ما زال نحو 130 منهم رهائن في غزة، ويُعتقد أن 34 منهم لقوا حتفهم، حسب فرانس برس.

وردا على هذا هجوم الحركة المصنفة على لائحة الإرهاب الأميركية، تعهدت إسرائيل بـ"القضاء" على حماس، وباشرت عملية عسكرية مدمرة في قطاع غزة، ترافقت بتدخل بري منذ 27 أكتوبر، مما أسفر عن مقتل أكثر من 31 ألف فلسطيني معظمهم من النساء والأطفال، وفق وزارة الصحة في القطاع.

ورغم تحذير قادة العالم من اجتياح إسرائيلي لرفح على الحدود مع مصر، حيث يتكدس 1,5 مليون شخص معظمهم نازحون، تصر إسرائيل على أن هذه العملية "ضرورية" لتحقيق أهداف الحرب.

وفي يناير الماضي، أصدرت مصر بيانا شديد اللهجة، حذرت فيه إسرائيل من "تهديد خطير وجدي" على العلاقات بين البلدين، حال تحركت نحو "احتلال" محور فيلادلفيا الفاصل بين غزة ومصر.

ومحور فيلادلفيا، المعروف أيضا بـ"محور صلاح الدين"،  منطقة عازلة بموجب اتفاق السلام المبرم بين مصر وإسرائيل عام 1979، ويبلغ طوله 14 كلم، إذ تحتاج إسرائيل لموافقة مصرية قبل شن أي عملية عسكرية فيه، حسبما ينص اتفاق السلام بينهما.

واعتبر المسؤولون المصريون أن التدخل في رفح سيجبر حتما مئات الآلاف من سكان غزة على الفرار جنوبا إلى الحدود، حيث من المرجح أن يحاولوا المرور عبرها.

ويشعر المسؤولون بالقلق بشكل خاص بشأن عبور مسلحي حماس إلى سيناء، وهي المنطقة التي تؤوي منذ سنوات متطرفين نفذوا هجمات.

وقال مسؤولون لمجلة "بوليتيكو"، إن "التمويل والمعدات الإضافية التي طلبتها مصر، ستساعد جيشها في التعامل مع التدفق المحتمل لسكان غزة على حدودها".

بعد تحذير القاهرة.. هل يهدد "محور فيلادلفيا" اتفاق السلام بين مصر وإسرائيل؟
أصدرت مصر بيانا شديد اللهجة، الإثنين، وحذرت إسرائيل من "تهديد خطير وجدي" على العلاقات بين البلدين حال تحركت نحو "احتلال" ممر فيلادلفيا الواقع على الحدود بين مصر وقطاع غزة، في خطوة اعتبرها محللان للحرة معركة كلامية وتصعيد في اللهجة بسبب الخلاف الكبير بين الجانبين حول هذا الملف.

وقال مسؤولان أميركيان إن الالتماسات المصرية "رغم أنها نموذجية، خاصة في خضم مفاوضات دولية مكثفة، فإنها أضافت طبقة من التعقيد إلى المحادثات وأبطأت سرعتها".

وقال المسؤول الإسرائيلي: "لكي تمضي إسرائيل قدما في غزو رفح، نحتاج حقا إلى موافقة مصر"، مردفا: "إنها حدودهم التي يشعرون بالقلق بشأنها. إنهم لا يريدون إيواء جميع سكان غزة في رفح".

وامتنعت وزارة الخارجية المصرية عن التعليق لمجلة "بوليتيكو". كما رفضت وزارة الخارجية الأميركية التعليق.

وقال مسؤول أميركي ثالث، إن الإدارة "سرّعت المحادثات مع المصريين خلال الأسابيع الأخيرة، وسط مخاوف متزايدة بشأن حدود بلادهم"، مضيفا أن واشنطن "تريد أيضا إغلاق جميع طرق التهريب المحتملة أمام حماس".