متحف الأخبار يتيح للزوار الفرصة لأن يلعبوا دور المراسل بتسجيل تقرير مصور يمكنهم بعده أن يشاهدوه على الإنترنت.
متحف الأخبار يتيح للزوار الفرصة لأن يلعبوا دور المراسل بتسجيل تقرير مصور يمكنهم بعده أن يشاهدوه على الإنترنت.

كثر النقاش في السنوات الأخيرة عن الدور الإيجابي الذي لعبه الإعلام الاجتماعي في تمكين المواطن العادي من المشاركة في جمع الأخبار ونشرها وتحليلها. وأضحت الصحافة التقليدية تعتمد على شبكات مثل تويتر وفيسبوك ويوتيوب والمدوّنات الشخصية لنبش الحقائق، غير أن ما يتم إغفاله كثيرا هو الدور السلبي المحتمل لما يسمى بصحافة المواطن.
 
فالأمثلة كثيرة على ما قام به ويقوم به الإعلام الاجتماعي في الثورات العربية، ليس فقط في تغطية الأحداث التاريخية بل وفي صنعها أيضا. فقد أعطت الإنترنت والهواتف الذكية والكاميرات 

متحف الأخبار يعرض يوميا الصفحات الأولى للصحف حول العالم

​​ كل مواطن إمكانية أن يحكي قصة ما يحدث، وهي الوظيفة التي كانت في السابق حكرا على المؤسسات الإعلامية الكبرى. وها هي الحرب في سورية تعتبر الآن أكثر حرب يغطيها الإعلام الاجتماعي.
 
غير أن صحافة المواطن تلقى انتقادات من الصحافة الاحترافية بأنها تساعد أحيانا في نشر الشائعات والتقارير الخاطئة بشكل سريع جدا، وكثيرا ما يحول الاندماج العاطفي لدى المواطنين دون سرد الأحداث بموضوعية، وغالبا ما تنقصهم الخبرة في اعتماد المعايير الصحافية الاحترافية.
 
متحف الأخبار يسلط الضوء على صحافة المواطن
 
وللمقارنة بين صحافة المواطن والصحافة التقليدية بشكل أعمق، زرنا "متحف الأخبار" Newseum في العاصمة واشنطن، للحديث مع خبراء صحافيين بهذا الشأن.
 

القاعدة الأولى بالنسبة للصحافي المواطن: لا تنشر إلا ما تعرفه بالفعل، ولا تتكهن بالأشياء التي لا تعلمها، مثلا: ما الذي دفع شخصا ما للقيام بفعل ما؟ فإذا لم تكن تعلمه فلا تذعه
بول سبيرو، نائب رئيس متحف الأخبار

​​يختص "متحف الأخبار" بإبراز دور الصحافة في المجتمع الديموقراطي، ويقع على شارع بنسلفينيا بين البيت الأبيض من جهة ومبنى الكونغرس من جهة أخرى للدلالة على دور الصحافة في مراقبة السلطة.
 
وبما أن الثورة الرقمية جعلت كل مواطن صحافيا، بطريقة أو بأخرى، فإن الوعي على هذا الدور الديموقراطي يزداد أهمية بالنسبة للفرد.
 
معرض الإعلام الجديد New Media في متحف الأخبار يقدم للزائر تجربة تفاعلية تضعه في قلب ثورة الإعلام الاجتماعي. فهو مزود بشاشات اللمس التي تقدم تغذية حيّة من شبكات التواصل الاجتماعي مثل تويتر تربط الزائر مباشرة بالأحداث والاتجاهات النشطة بين المغردين. كما يقدم المعرض شرحا لوظائف الإعلام الاجتماعي عن طريق ألعاب تعليمية وتجارب تفاعلية وعروض فيديو توضيحية.
 
وهذا فيديو لتقرير أعددناه عن المتحف:

​​ 
الشائعات تعرض أبرياء للخطر
 
من إحدى المشاكل الكبرى للإعلام الاجتماعي هو أنه لا يوجد فيه آلية للغربلة ولا يوجد هناك 

متحف الأخبار يتيح للزوار الفرصة لأن يلعبوا دور المراسل بتسجيل تقرير مصور يمكنهم بعده أن يشاهدوه على الإنترنت.

​​ ن يحرر المحتوى ويقيّمه، لذا فقد تنتشر الشائعات بشكل سريع جدا ويتعرض أبرياء للخطر قبل أن تتضح الحقائق، وفقا لبول سبيرو نائب رئيس متحف الأخبار والمسؤول عن معرض الإعلام الجديد.
 
كمثال على ذلك يذكر سبيرو حالة تفجيرات ماراثون بوسطن حين كانت هناك ثمانية مليون تغريدة حول الحدث لكن 29 في المئة منها كانت معلومات خاطئة أو غير دقيقة، أي ما يقارب الثلث، والحقائق الواقعية لم تكن إلا في 20 في المئة من هذه التغريدات. يقول سبيرو "حين نشر مكتب التحقيقات الفدرالية FBI صور المشتبه بهما بدأ الناس يحاولون تحديد هويتهما وكانت هناك عقلية غوغائية تنشر أسماء عشوائية وأصبح أناس أبرياء مهددين ومعرضين للخطر لأن أسماءهم أصبحت مقترنة بهذه الأعمال مع أنهم في الواقع لم تكن لهم علاقة بها على الإطلاق".
 
ومع أن الإعلام الاجتماعي وسيلة لتصحيح الشائعات أيضا إلا أن ضررا كبيرا قد يحصل للأبرياء قبل ذلك.
 
الاندماج العاطفي يحول دون الموضوعية
 
وما يجدر الوعي له أيضا أثناء استخدام الإعلام الاجتماعي كمصدر للأخبار أنه كثيرا ما يكون 

متحف الأخبار يشرح مستوى حرية الصحافة في دول العالم. هنا شرح لحالة ليبيا.

​​ مشحونا بالعواطف لأن الشاهد على الحدث هو نفسه معني به لذا قد ينقله من خلاله تجربته الذاتية التي لا يحيّدها عن مشاعره.
 
فالإعلام الاجتماعي يسمح للكل بأن يكون له منبر يقول فيه ما يريد، غير أن المشكلة كما يقول سبيرو أنه "ليس الكل لديه كلام مثير للاهتمام بالنسبة للآخرين، ومن ناحية أخرى، البعض يقول كلاما لا ينبغي له أن يقوله. فالإعلام الاجتماعي يضخم تلك الميول الفطرية بالتعبير عن النفس".
 
وإذا قارنت ذلك بالصحافة التقليدية فإن الصحافيين المحترفين يحرصون على عدم التعبير عن مشاعرهم الشخصية حين يذيعون خبرا، في حين أن الإعلام الاجتماعي يشجع الناس على ذلك، "ولذا كثيرا ما يكون وصف مشهد معين مشحونا عاطفيا أو رد فعل عاطفي لحدث ما، وهذا ليس موضوعيا وليس حياديا".
 
طبعا هناك مكان للتعبير عن المشاعر، وفقا لسبيرو "فمقالات الرأي مفيدة وشرعية، ومن 

معرض "الإعلام الجديد" في متحف الأخبار

​​ المهم أن تدور نقاشات حول الأحداث، لكن إذا كنت تريد نقل الخبر فعليك أن تكون موضوعيا وأن تصفه بالدقة الممكنة من غير إسقاط عواطفك عليه".
 
نصائح للصحافي المواطن
 
بناء على ذلك فإن النصيحة الأساسية التي يقدمها سبيرو للذي يريد استخدام الإعلام الاجتماعي لتغطية حدث إخباري هي "أن لا تنشر إلا ما تعرفه بالفعل، ولا تتكهن بالأشياء التي لا تعلمها. هذه قاعدة بسيطة".

فالصحافيون ليسوا موجودين في كل مكان وما يجري يخبّر عنه من قبل المواطنين الذين يشهدون الحدث ويلتقطون الصور وينشرونها، غير أن وظيفة الصحافي المواطن هي "أن لا يتكهّن بما لا يفهم، مثلا: ما الذي دفع شخصا ما للقيام بفعل ما؟ فإذا لم تكن تعلمه فلا تذعه".
 
متحف الأخبار: كيف يكتب التاريخ؟
 
رسالة "متحف الأخبار" هي مساعدة الشعب ووسائل الإعلام على فهم بعضهم البعض، 

متحف الأخبار من ستة طوابق وهو مجهز بأحدث التقنيات الرقمية والعروض التفاعلية

​​ توعيةُ العامة على الدور المهم الذي يلعبه الإعلام الحر في المجتمع الديموقراطي.
 
ولتوضيح هذه الرسالة، يقدم المتحف، إضافة إلى معرض "الإعلام الجديد"، العشرات من العروض التفاعلية الممتعة والاختبارات والمسابقات والأفلام القصيرة، من ضمنها فيلم رباعي الأبعاد، حيث تسمح النظارات الخاصة بالرؤية ثلاثية الأبعاد، وتضيف الكراسي المتحركة التي يجلس عليها المشاهدون بعداً رابعاً.
 
ويتيح المتحف للزوار ولا سيما الأطفال فرصة أن يلعبوا دور المراسل بتسجيل تقرير مصور يمكنهم بعده أن يشاهدوه على الإنترنت.
 
ومن معالم المتحف أيضا جانب واقعي من جدار برلين، ومعرض يبرز دور الإعلام في أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001، ومعرض يوضح واقع حرية الصحافة حول العالم: أكثر الدول وأقل الدول تضييقا على الصحافيين.
 

شاشات تعرض صورا فازت بجائزة بوليتزر على مر السنين

​​كما يضم مجموعة من الصور الصِحافية التي فازت بجائزة بوليتزر، وقسما للوثائق التاريخية المتعلقة بالصحافة.
 
ويضم المتحف كذلك صورا للصحافيين الذي تُوفوا أثناء تغطية الأحداث في السنوات الأخيرة ومن ضمنهم الكثير من الأسماء العربية.
 
كما يخصص المتحف قسما كاملا لشرح التعديل الأول للدستور الأميركي الذي ينص على خمس حريات أساسية، من ضمنها حرية الصحافة، إضافة إلى حرية التعبير وحرية التدين وحرية التجمع وحرية تقديم عريضة أو التماس للحكومة.

هل يتناقص النفوذ الإعلامي للحكومات ورؤوس الأموال؟
 
متحف الأخبار مموّل من قبل منتدى الحرية The Freedom Forum، وهي مؤسسة مستقلة غير منحازة إلى جهات سياسية.
 

المتحف يضم العشرات من العروض التفاعلية عن الإعلام والصحافة.

​​وطالما كانت طريقة تمويل المؤسسات الإعلامية موضع جدل في مصداقيتها. ففي حين أن الإعلام الذي تموله الدولة يُطعن في مصداقيته بحجة أن الدولة لا تستطيع أن تنتقد نفسها، إلا أن الإعلام الممول من شركات خاصة يبقى أسير المستثمرين والمُعلنين.
 
يبقى السؤال: هل سيُضعف الإعلام الاجتماعي دور الحكومات أو دور رؤوس الأموال في التأثير على المجتمع إعلاميا؟ من يملك حسابا على تويتر أو فيسبوك أو يوتيوب يدرك أنه لم يعد متلقيا للإعلام فقط بل صار أيضا مشاركا.
 
أعطنا رأيك في هذا الشأن بالتعليق أدناه.

مزيد من الصور من متحف الأخبار

 

مظاهرة في تونس للمطالبة بحرية الصحافة
مظاهرة في تونس للمطالبة بحرية الصحافة

ذكريات سيئة يثيرها يوم الثالث مايو/أيار في نفوس الصحافيين العاملين في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وهم يحتفلون باليوم العالمي لحرية الصحافة. فعام 2013، وفقا لمعظم التقارير المعنية بحرية التعبير، لا يختلف كثيرا عما سبقه من أعوام.
 
ويشير تقرير أصدرته مؤسسة "بيت الحرية" التي تتخذ من نيويورك مقرا لها، إلى أن نسبة سكان العالم الذين يعيشون في ظل صحافة حرة تماما قد انخفضت إلى أدنى مستوى لها على مدى 10 سنوات.

وسجل التقرير تدهورا عاما لحرية الصحافة في دول مثل مالى واليونان وزيادة القيود المفروضة على الصحافة في أميركا اللاتينية. كما تفاوتت القيود المفروضة على حرية الصحافة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، إذ يسجل التقرير أن تونس وليبيا احتفظتا بالمكاسب المحققة في 2011، في حين شهدت مصر تدهورا كبيرا.
 

قام صاحب المقهى مع أشخاص آخرين باعتقال رينا نيتيس وتسليمها إلى الشرطة ليتم اتهام الصحافية بـ"التجسس ومحاولة فرض الثقافة الغربية على المصريين وعدم إثبات نشاطها لحظة توقيفها"
منظمة صحافيون بلا حدود

​​ويشتكي الصحافيون في المنطقة من تهديدات توجه إليهم وضغوط تمارس عليهم من جهات غير حكومية، مصدرها في أغلب الأحيان تيارات إسلامية متشددة، ومن السلطات التي تعتبرهم في كثير من الأحيان "خونة" أو "عملاء لجهات خارجية".
 
صحافيون لا جواسيس
 
ففي مصر على سبيل المثال، قامت الثورة وسقط نظام حسني مبارك واستبشر المصريون خيرا بأجواء الحرية. وفي هذه الأجواء زارت الصحافية الهولندية ياني سخيبر القاهرة لإعداد تقارير ومواضيع صحافية عن مصر ما بعد الثورة.
 
سخيبر تحكي لموقع "راديو سوا" ما وقع لها خلال زيارتها المهنية تلك، فقد كانت تحاور أحد المواطنين وتسأله عن رأيه، ليتدخل فجأة مجموعة من الأشخاص لتحذير ذلك المواطن من "مغبة التعامل مع الأجانب".
 
وبعد أن تجمع حولها الناس تدخلت عناصر الشرطة لتطلب منها أوراق تعريفها وبطاقة الصحافة الخاصة بها وتسألها عن الجهة التي تعمل معها وتاريخ دخولها إلى البلاد، ولحسن حظها توقف الأمر عند هذا الحد، كما تتذكر ياني.

المصورون الصحفيون في مصر يتظاهرون للمطالبة بحرية التعبير

صحافية هولندية أخرى في مصر لم يكن عندها نفس حظ ياني سخيبر، فقد تم احتجاز رينا نيتيس يوم الثامن من أبريل/نيسان الماضي وقضت ليلة في مركز شرطة قبل مثولها أمام نيابة التجمع الخامس بالقاهرة التي أخلت سبيلها بعد التحقق منها.
 
جريمة رينا لحظة اعتقالها هي محاورة شبان في أحد المقاهي بالقاهرة من أجل إعداد مقال عن بطالة الشباب في مصر، فقام صاحب المقهى مع أشخاص آخرين باعتقالها وتسليمها إلى الشرطة ليتم اتهام الصحافية بـ"التجسس ومحاولة فرض الثقافة الغربية على المصريين وعدم إثبات نشاطها لحظة توقيفها"، كما يذكر بلاغ لمنظمة "مراسلون بلا حدود".
هذا الوضع تعيشه أغلب الدول العربية وإن كان لكل واحدة خصوصياتها وطريقة تعاملها مع الصحافيين.
 

هناك مفارقة كبيرة بين الخطاب الرسمي للدولة وما يعيشه المغاربة في الواقع بما في ذلك حرية التعبير، فعنوان المرحلة التضييق على الحريات والتراجع على المكتسبات
نضال سلام

​​ففي المغرب، تسجل نضال سلام الناشطة البارزة في الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، أن هناك مفارقة كبيرة بين الخطاب الرسمي للدولة وما يعيشه المغاربة في الواقع بما في ذلك حرية التعبير، فعنوان المرحلة حسب نضال هو "التضييق على الحريات والتراجع على المكتسبات".
 
وتضيف الناشطة الحقوقية، لموقع "راديو سوا" أن الدليل على هذا التضييق هو وجود "مئات المعتقلين السياسيين من ضمنهم معتقلو حركة 20 فبراير في السجن بسبب آرائهم"، كما سجلت الناشطة استمرار حالات العنف البدني في حق الصحافيين وغياب الشفافية في منح رخص إصدار الصحف والمجلات.
 
وفي الكويت سجلت منظمة "هيومن رايتس ووتش" أنه منذ نشوب أزمة سياسية في يونيو/حزيران 2012، وجهت السلطات تهمة "التطاول على الأمير"، إلى عشرات من السياسيين ونشطاء الإنترنت والصحافيين.

مظاهرة في الكويت للمطالبة بحرية التعبير

​​وقالت سارة ليا ويتسن، المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا أنه "لا يجوز من الأساس ملاحقة أي شخص قضائيا لا لشيء إلا لتعبيره عن انتقاد سلمي".
 
مسؤولية الحكومات؟

تقرير منظمة "مراسلين بلا حدود" لعام 2013، يعزز شهادات الصحافيين والناشطين الحقوقيين، إذ سجل أن "الحكومات التي أفرزتها أحداث الربيع العربي انقلبت على الصحافيين والمواطنين والمدونين الذين نقلوا صدى المطالب والطموحات من أجل الحريات على نطاق واسع".
 
فتونس، حسب التقرير، مثلا تأخرت بأربع رتب لتحصل هذا العام على المرتبة 138، أما مصر فاحتلت المرتبة 158 من أصل 179 دولة، واحتلت المغرب المرتبة 136، أما الكويت فجاءت في الرتبة 77.
 
وعزا التقرير أسباب تراجع حرية التعبير في بلدان كان من المفترض أن يحمل إليها الربيع العربي أزهار الانفتاح والتحرر، إلى الفراغ القانوني الحاصل بعد الثورات والتعيينات على رأس وسائل الإعلام العمومية والاعتداءات الجسدية والمحاكمات المتكررة التي تقوم بها الحكومات الجديدة.
 
وفي نظر الصحافية الهولندية ياني سخيبر، فإن الناس أصبحوا أكثرا حذرا وشرا في التعامل مع الصحافيين لأن الحكومة تشجعهم على ذلك. وتضيف أن "المصريين أصبحوا جراء حملات التحذير المتتالية يخافون التعامل مع الصحافيين، إذ يعاملونك بترحاب في البداية، لكن ما أن تبدأ في طرح أسئلة عادية حتى يتوجسوا، وقد يتدخل شخص غير معني بالموضوع ليحذرهم منك".
 

المصريون أصبحوا جراء حملات التحذير المتتالية يخافون التعامل مع الصحافيين، إذ يعاملونك بترحاب في البداية، لكن ما أن تبدأ في طرح أسئلة عادية حتى يتوجسوا، وقد يتدخل شخص غير معني بالموضوع ليحذرهم منك
ياني سخيبر

​​نفس الأمر يؤكده مراسل لوسيلة إعلامية أجنبية في مصر، إذ يقول إن مصر مصابة حاليا بوسواس "الجاسوسية" يرى فيه الناس كل من حولهم جواسيس، واتهم الحكومة بإرساء مثل هذا الجو من خلال خطابها".
المراسل يضيف في تصريح لمنظمة "مراسلون بلا حدود" أن "الصحافيين المحليين والأجانب باتوا يعانون، أكثر فأكثر من صعوبات خلال ممارسة عملهم، في الوقت الذي يجتهد فيه النظام القائم بأي ثمن لإسكات الأصوات الناقدة من خلال تقييد حرية الإعلام". 
 
جهود غير كافية
 
هذه الوضعية القاتمة فيها بعض بقع الضوء كما يرى غيوم كلاين، مدير مكتب وكالة الصحافة الفرنسية في العاصمة المغربية الرباط، ففي نظره فإن المغرب انخرط في مسار للإصلاح سيؤهله لتعزيز حرية التعبير بالمعنى الواسع وحرية الصحافة خاصة.
 
وأضاف كلاين لموقع "راديو سوا"، أن المجال الإعلامي في المغرب يشهد تعددية مع وجود منابر إعلامية تقوم بعمل صعب ومهني. وعن مسؤولية الحكومة، قال كلاين إنها تعمل حاليا على إعداد قانون جديد للصحافة سيقوي من حرية التعبير في البلاد وهو الأمر "الذي يجب تشجيعه".
 
غير أن علاقة صحافيي وكالة الصحافة الفرنسية ليست دائما سمنا على عسل مع السلطات المغربية، فكل هذه النقاط الإيجابية التي ذكرها مدير المكتب انهارت حينما تم سحب اعتماد مراسلها عمر بروكسي.
 
وبخصوص هذا، يقول كلاين إنه يتأسف لما حصل ويعتبر أنه لم "يحصل أي خطأ مهني من الصحافي يستوجب هذا المنع"، وطالب الحكومة المغربية بالتراجع عن قرارها.
 
أما في مصر، فتعتبر "مراسلون بلا حدود" أن تصريحات النائب العام طلعت إبراهيم بتشجيع المصريين على مساعدة الشرطة من خلال التأكيد على أن "المواطن يتمتع بحق الضبطية القضائية"، هو السبب في مهاجمة المصريين للصحافيين أثناء تأدية واجبهم المهني. غير أن مكتب النائب العام نفى هذه التصريحات واعتبرها مجرد افتراء عليه، وأكد على "حرية التعبير والرأي في مصر".

مظاهرة لنقابة الصحافيين المغاربة للمطالبة بحرية التعبير

​​ وإذا كان إسلاميو مصر يحكمون فعلا ويدخلون في صراع مع الصحافيين الذين لا يوافقونهم الرأي، فإن إسلاميي المغرب الذين جاءوا للحكم بعد انتخابات وصفت من طرف المراقبين الدوليين بالنزيهة، لا يملكون نفس السلطات حسب فاعلين سياسيين وناشطين حقوقيين.
 
فرغم تصريحات وزير الاتصال مصطفى الخلفي بأن البلد يحتاج إلى قانون صحافة "عصري يرسي الضوابط الأخلاقية والقانونية لمهنة الصحافة من دون أن يقيدها"، فإن كلامه بقي حبس الحوارات التلفزيونية والتصريحات الرسمية لكل يوم خميس بعد انتهاء الاجتماعات الحكومية، كما تسجل نقابات الصحافيين وتقارير المنظمات الحقوقية.
 
وكما تذكر الناشطة الحقوقية نضال سلام، فإن السلطات المغربية "لا تزال تستعمل العنف من ضرب وسب في حق الصحافيين وأخص بالذكر صحافيي وكالة الأنباء الفرنسية والاسبانية أثناء تغطيتهم للاحتجاجات".
 

المغرب يحتاج إلى قانون صحافة عصري يرسي الضوابط الأخلاقية والقانونية لمهنة الصحافة من دون أن يقيدها
مصطفى الخلفي

​​الحال في الكويت لم يتوقف عند المضايقات كما في مصر أو سحب رخص العمل كما في المغرب، بل وصل حد السجن والغرامات المالية الثقيلة.
 
ورغم أن الحكومة قامت بإلغاء مشروع قانون الإعلام الجديد بعد أن أثار جدلا واسعا في الدولة الخليجية، وتصريحات وزير الإعلام سلمان الحمود لرؤساء تحرير الصحف الكويتية بأنه "إذا كان هناك شيء نفخر به في الكويت فهو صحافتنا وإعلامنا الذي لا نقبل أن يكمم أو يحجم، ولا يمكن أن نقبل أن تكون صحافتنا أقل مستوى من أي صحافة حرة في العالم"، فإن "هيومن رايتس ووتش" تطالب السلطات الكويتية بسحب التهم وإلغاء العقوبات الصادرة بحق 10 أشخاص على الأقل تمت إدانتهم بالفعل في قضايا الرأي، كانت آخرها في 15 أبريل/نيسان 2013.

ووسط هذه الأوضاع المهنية الصعبة، فإن التفاؤل بمستقبل أفضل لحرية التعبير والصحافة في العالم العربي يظل هو الخيار المتاح. وكما يقول كريستوف دولوار، الأمين العام لمنظمة "مراسلون بلا حدود"، فإن "اليوم العالمي لحرية الصحافة، يجب أن يكون مناسبة لتكريم كل الصحافيين، المحترفين منهم والهواة، الذين يدفعون حياتهم ، وسلامتهم الجسدية أو حريتهم ثمنا لالتزامهم".