تصاعد الخلاف العلني بين السعودية وحليفتها الإمارات بشأن تصدير النفط بعد تصريحات وزيري الطاقة في البلدين والمتعلقة باتفاقية منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك).
وتجتمع مرة أخرى، الاثنين، دول تحالف "أوبك بلاس"، الذي يضم أعضاء أوبك ودولا أخرى مصدرة للنفط، وذلك بعد فشل محادثاتها الأسبوع الماضي بشأن موضوع حصص الإنتاج.
ودعا وزير الطاقة السعودي، الأمير عبدالعزيز بن سلمان، الإمارات، إلى "التنازل والعقلانية" للتوصل إلى اتفاق عندما يستأنف التحالف اجتماعه اليوم الاثنين.
جاء التصريح بعد رفض الإمارات لاتفاق يجري التفاوض حوله بين أعضاء تحالف "أوبك بلاس" حول تمديد اتفاق خفض إنتاج النفط الحالي باعتبار "غير عادل".
بالمقابل، قال وزير الطاقة والبنية التحتية الإماراتي، سهيل المزروعي، إنّ "مطلب الإمارات هو العدالة فقط بالاتفاقية الجديدة ما بعد أبريل، وهذا حقنا السيادي أن نطلب المعاملة بالمثل مع باقي الدول".
ماهي "أوبك بلاس" وما دورها في إنتاج النفط؟
عام 1960 تأسست منظمة أوبك، والتي تضم الآن 11 دولة من كبار المصدرين للنفط في العالم، مثل السعودية وإيران والعراق والإمارات، وتهدف المنظمة لزيادة عائدات بيع النفط في السوق العالمي للدول الأعضاء.
وعام 2016، تأسس تحالف "أوبك بلاس"، والذي يضم 23 دولة، منها 13 دولة عضوة في الأوبك، إضافة لدول نفطية أخرى مثل روسيا والبحرين وعمان والسودان.
في اجتماعات "أوبك بلاس"، يتم تحديد حجم ضخ النفط في السوق العالمي، وحصة كل دولة من الإنتاج للحفاظ، على أسعار متزنة، ولضمان ألا يؤدي لإغراق السوق. كما ويضمن للدول مكاسب اقتصادية. وفي أوقات الأزمات، يفترض أن يعلن كل اجتماع لمنظمة أوبك حجما إجماليا للخفض.
وحين انخفض الطلب العالمي على النفط بسبب جائحة كوفيد-19، عقدت "أوبك بلاس" اجتماعا طارئا في أبريل 2020 هدفه خفض إنتاج الذهب الأسود لمنع سعره من الانهيار، ثم زيادة الإنتاج تدريجيا.
توصل الاتفاق وقتها لخفض إنتاج النفط بين دول "أوبك بلاس" 10 ملايين برميل يوميا بدء من مايو 2020 ولمدة شهرين، ثم 8 ملايين برميل يوميا لمدة 6 أشهر حتى نهاية ديسمبر 2020، ثم 6 ملايين برميل بداية من 2021 وحتي أبريل 2022.
وتوصل الاتفاق أيضا أن يتم احتساب التخفيضات مقارنة بإنتاج كل دولة في أكتوبر 2018، ما عدا روسيا والسعودية اللتين احتسبا نسبة الخفض من 11 مليون برميل.
هل تحترم الدول الأعضاء الحصص؟
غالبا ما يثير موضوع احترام الحصص بالنسبة للأعضاء سجالا في اجتماعات" أوبك بلاس" التي تنشر بانتظام "معدل الامتثال" للمجموعة بأكملها.
فالعراق ونيجيريا خرجا نسبيا عن اتباع التعليمات. والإمارات أيضا خرجت عنها الصيف الماضي لبعض الوقت قبل أن تعود للالتزام بالحصص.
الأعضاء الذين يتجاوزون حصص الإنتاج يفترض أن ينتجوا أقل في الأشهر التالية. ويحرص التحالف على جدية ومصداقية اتفاقه ويتابع عن كثب هذه التعويضات. وإنتاج المزيد وخصوصا تصدير المزيد من النفط هو بالواقع أمر مغر لخزينة كل دولة عضو.
النتيجة هي أن الكارتل ينشر في تقاريره الشهرية لائحتين: من جهة حجم الإنتاج الرسمي ومن جهة أخرى تلك التي توفرها "المصادر الثانوية".
هكذا يقوم محللون بإجراء حسابات خاصة استنادا إلى عدة عناصر بينها على سبيل المثال مغادرة الناقلات وقدراتها من الدول المنتجة. هذه هي المعطيات التي يستند إليها فعليا المراقبون وأطراف السوق.
ما هو سبب الخلاف بين الإمارات والسعودية؟
خلال الاجتماع الأخير لتحالف "أوبك بلاس"، ناقشت الدول الأعضاء سيناريوهات ما بعد أبريل 2022، واتفق الأعضاء، وعلى رأسهم روسيا والسعودية على الإبقاء على نفس مستويات الإنتاج مع زيادة صغيرة نسبيا لا تتجاوز نصف مليون برميل يوميا حتى نهاية ديسمبر 2022.
الإمارات لم تعترض على مضمون الاتفاقية ذاتها، لكن على النسبة المسموحة لها في الإنتاج، وهي تدفع باتجاه زيادة إنتاجها من النفط.
يقول خبير النفط العالمي، الدكتور ممدوح سلامة، في حديث لموقع قناة "الحرة"، إنه قبل جائحة كورونا كانت حصة الإمارات من إنتاج النفط المحددة لها من أوبك بلاس تفوق 3 ملايين برميل يوميا، وبعد قرار التخفيض صارت الإمارات تنتج 600 ألف برميل فقط.
هذا الانخفاض الذي يصل بالنسبة لأبوظبي إلى 3,17 مليون برميل في اليوم لا يعكس في الواقع قدرتها الكاملة، بعدما وصلت إلى أكثر من 3,8 مليون برميل يوميا خلال أبريل 2020 عشية اقتطاعات كبرى لتحالف "أوبك بلاس" في مواجهة الأزمة الناجمة عن وباء كوفيد-19.
ويرى الدكتور سلامة أنه حال أعطيت الإمارات الرقم الذي تطالب به من حصة الإنتاج النفطي، فإن دولا أخرى كالعراق ونيجيريا ستطالب أيضا بحصة أكبر وهذه نقطة الخلاف الرئيسية، على حد قوله.
ما هو أثر هذه المشكلة مستقبلا؟
وهون خبير النفط العالمي من عمق المشكلة، واصفا إياها بخلاف بين أشقاء، متوقعا حلها في أسرع وقت ممكن، ولكنه أشار إلى أن هذا الخلاف سيؤدي إلى ارتفاع في سعر برميل النفط، سواء تم حله اليوم أم لا.
يوضح قائلا: "أي اتفاق جديد يقابله ارتفاع في الأسعار باعتبار أن السوق العالمي يتوقع من أوبك بلاس أن ترفع إنتاجها قليلا؛ لأن الرفع يكشف عن ثقة أوبك في ارتفاع الطلب العالمي وبالتالي ارتفاع الأسعار".
وفي حال عدم التوصل لاتفاق في اجتماع اليوم، يقول سلامة: "إذا لم يتم الاتفاق سيؤدي إلى ارتفاع في الأسعار أيضا؛ لأن الاتفاقية القديمة تقلل من حجم الإمدادات في السوق العالمي. وهنا حدوث أي من الحالتين سيؤدي إلى الارتفاع" قياسا على انخفاض المعروض مقارنة بالطلب.
من ناحية أخرى، تؤكد صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية في تحليل لها أن هذا الخلاف هو إشارة لعمق المنافسة بين البلدين لتأمين أهدافهما الربحية من النفط خلال العشر سنوات القادمة. وأشارت الصحيفة إلى أن "الصراع القوى بين أعضاء أوبك الآن يهدد قدرة المنظمة بالتوحد على المدى الطويل وتحقيق الاستقرار في أسعار النفط".
وقال محللون للصحيفة إن هذا هو أول خلاف بين الإمارات والسعودية داخل المنظمة منذ 40 عاما، في حين أشارت الصحيفة إلى أن الخلاف جزء من منافسة اقتصادية بين البلدين تجسدت بأشكال أخرى في الماضي، مثل قرار السعودية بحرمان الشركات متعددة الجنسيات من الحصول على العقود الحكومية المربحة إذا لم تنقل مقرها الرئيسي إلى الرياض، وهم ما يعد "هجوما ضمنيا" على دبي، العاصمة التجارية للإمارات، طبقا للصحيفة.
وفي هذا السياق، قال المستشار السابق لمكتب رئيس الوزراء الإماراتي، مروان البلوشي، لـ "الفايننشال تايمز" إنه في حين أن الإمارات والسعودية قد كونتا "توافقا استراتيجيا" في العقد الماضي، فإن "المنافسة الاقتصادية تتصاعد بين دول الخليج".