وصلت "يو أس أس ابراهام لينكولن" مضيق هرمز
وصلت "يو أس أس ابراهام لينكولن" مضيق هرمز

جويس كرم/

حاملة الطائرات "يو أس أس أبراهام لينكولن" وصلت مضيق هرمز ومقاتلات "بي.52" و"أف.35" حطت قاعدة العديد في قطر على وقع تشنج إقليمي مخيف وعمليات تستهدف الملاحة البحرية وحركة النفط في الإمارات العربية المتحدة والسعودية.

التصعيد يرافقه تسريبات أميركية عن خطط لوزارة الدفاع الأميركية بإمكانية ضرب إيران، وتهديد ووعيد من الرئيس دونالد ترامب بعملية تحتاج لأكثر من 120 ألف جندي، وقلق في صفوف الجيش الأميركي وقواعده في العراق. أجواء تشبه حرب الخليج الثالثة عشية التحضير لحرب العراق في 2003 إنما مع فوارق كبيرة هذه المرة، ترجح فرضية استمرار التشنج أو المفاوضات وليس المواجهة بين ترامب وإيران.

الخيار العسكري أيضا ليس المسار المفضل لشركاء واشنطن في المنطقة

​​استبعاد المواجهة بين أميركا وإيران هو لأسباب إقليمية وداخلية وجيوسياسية، لكن وقوع خطأ أو اشتباك غير مقصود في المنطقة قد يجر إلى سيناريوهات غير محسوبة بينها الحرب. منطقيا، المواجهة العسكرية مستبعدة لهذه الأسباب:

دونالد ترامب ليس جورج دبليو بوش في صنع السياسة الخارجية وقراءة تطورات الشرق الأوسط. هو أولا شخصية أكثر انعزالية وأقل أيديولوجية من أسلافه الجمهوريين؛ وثانيا يرى السياسة كما الرئيس السابق جيمي كارتر من نافذة القدرة الشخصية على صنع التغيير وهو ما دفعه للقاء زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون، كما جمع كارتر مناحيم بيغن وأنور السادات. ترامب عارض حرب العراق، كما عارض التدخل العسكري في ليبيا في فترة باراك أوباما، ورغم أنه محاط بالصقور تجاه إيران مثل مستشار الأمن القومي جون بولتون، ووزير الخارجية مايك بومبيو، إلا أنه في نهاية المطاف صاحب قرارات الحرب والسلم للولايات المتحدة.

قرار الحرب ضد إيران لا يفيد ترامب وهو على عتبة عام انتخابي، ويرمي بعرض الحائط صورته الانتخابية كمفاوض وصانع للصفقات. من هنا يمكن قراءة تكتيك ترامب حيال إيران بشكل مشابه لاستراتيجيته حول كوريا الشمالية أي كمدخل للمفاوضات. "اتصلوا بي" قال الرئيس الأميركي متوجها للقيادة الايرانية. ورغم أن طهران لا تريد التفاوض تحت الضغوط الاقتصادية، فهي قد تجد حوافز إقليمية وأوروبية وأميركية للدخول في هكذا مفاوضات قبل انتخابات خريف 2020 في الولايات المتحدة الأميركية.

المواجهة تنقذ النظام في إيران من نقمة شعبية تتزايد بفعل الجفاف والعقوبات النفطية

​​ولعل الهدف الأهم وراء الدخول في المفاوضات هو أن عدم حصولها، واستمرار التصعيد بين أميركا وإيران يزيد من خطورة وقوع خطأ ميداني يجر إلى نزاع عسكري. فعمليات الفجيرة في الإمارات وينبع في السعودية، ستستدعي حضورا أميركيا أمنيا أكبر في منطقة الخليج، وهذا الحضور سيزيد من احتمالات وقوع اشتباك ولو غير مقصود مع إيران على حدودها المائية.

هناك أيضا قلق أوروبي متزايد من التصعيد الأميركي ـ الإيراني والمعلومات الاستخباراتية التي قدمها بومبيو لشركائه الأوروبيين في بروكسل والتي توحي بخطط إيرانية مفصلة لضرب قواتها في المنطقة بحسب صحيفة وول ستريت جورنال. هذه الأجواء تحتم زيادة الوجود العسكري الأميركي في المنطقة إنما لا تعني القفز للخيار العسكري. فهناك أدوات استخباراتية، وضغوط اقتصادية وسياسية قبل الذهاب لنزاع مفتوح.

الخيار العسكري أيضا ليس المسار المفضل لشركاء واشنطن في المنطقة. فرغم التباعد والمواجهة غير المباشرة بين السعودية وإيران، يدرك الطرفان خطورة الحرب. أما الإمارات، فهي قالت أكثر من مرة إن الحل هو في طاولة مفاوضات مع إيران تشمل الدول العربية.

عنوان المرحلة هو شد الحبال والرسائل الضمنية بين ترامب وخامنئي

​​هناك أيضا إدراك أميركي للعبة الحرس الثوري الإيراني وسعيه لتنفيس الضغوط الاقتصادية والشعبية داخل إيران من خلال مواجهة عسكرية مع أميركا أو دول المنطقة. هكذا مواجهة قد تنقذ النظام في إيران من نقمة شعبية تتزايد بفعل الجفاف والعقوبات النفطية، وستتفادى واشنطن المضي باتجاهها.

لذلك، فإن عنوان المرحلة هو شد الحبال والرسائل الضمنية بين ترامب وخامنئي، بزيادة الحضور العسكري الأميركي في المنطقة ومضاعفة الضغوط على طهران التي ترد اليوم بضربات استراتيجية وتصعيد مدروس يتفادى حتى الآن المواجهة المفتوحة.

اقرأ للكاتبة أيضا: العراق: ساحة المواجهة بين بومبيو وسليماني

ـــــــــــــــــــــ
الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن آراء أو وجهات النظر أو السياسات الرسمية لشبكة الشرق الأوسط للإرسال (أم. بي. أن).

 

كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.
كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.

على بعد نحو ساعة بالسيارة عن مدينة دريسدن تقع باوتسن، التي كانت تعد موطنا لمرفق سيئ السمعة في القرن الماضي، ألا وهو سجن معروف باسم المدينة نفسها. 

من عام 1933 إلى 1945، استخدم النازيون سجن "باوتسن" مقرا "للحجز الوقائي" قبل نقل المحتجزين إلى معسكرات الاعتقال. 

وفي الحقبة الممتدة من 1945 إلى 1949، احتجزت سلطات الاتحاد السوفياتي السابق المنشقين في زنزانات مكتظة مع القليل من الطعام والماء، وانتزعت منهم الاعترافات تحت التعذيب. 

وبعد عام 1949، استخدم عناصر "ستاسي"، وهو جهاز أمن الدولة في ألمانيا الشرقية سابقا، الذين دربهم جهاز الاستخبارات السوفياتية  "كي.جي.بي"، الأسلوب عينه إزاء حوالي ألفي معتقل سياسي في "باوتسن". 

هذا هو عالم الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في عصرنا الحالي، هو الذي كان عضوا في في جهاز الاستخبارات السوفييتية، حين انضم للجهاز عندما كان في الثالثة والعشرين من عمره، وقضى عدة سنوات في دريسدن.

ومنذ أيامه الأولى، وباعترافه الشخصي، كان بوتين يحلم بالعنف والسيطرة. 

واليوم تواجه، آلسو كرماشيفا، الصحفية الروسية-الأميركية التي تعمل لحساب إذاعة أوروبا الحرة الممولة من الكونغرس الأميركي، نفس المصير الذي واجه أصحاب القلم والفكر الحر في القرن الماضي خلال حقبة الاتحاد السوفياتي.

فمنذ شهر أكتوبر الماضي، تقبع كرماشيفا في زنزانة باردة وسيئة الإضاءة ومكتظة في مدينة قازان الروسية، التي تبعد نحو 800 كيلومترا شرقي موسكو. 

وتعرضت كرماشيفا للضغط من أجل انتزاع الاعترافات منها، وهو نهج كان مترسخا عند الـ"كي.جي.بي" الذي يعتبر الفكر المستقل تهديدا، والصحافة الحرة جريمة. 

سافرت كرماشيفا، وهي أم لطفلتين، الصيف الماضي إلى قازان من مسقط رأسها في براغ، لزيارة والدتها المسنة واعتقدت أنها ستكون في مأمن. 

في الثاني من يونيو الماضي، وعندما كانت في مطار قازان، استعدادا لرحلة العودة، جرى استدعاء كرماشيفا قبل خمس عشرة دقيقة من صعودها إلى الطائرة.  

اعتقلتها السلطات الروسية واتهمتها بعدم تسجيلها جواز سفرها الأميركي في روسيا، لتتم إعادتها إلى منزل والدتها وحكم عليها بغرامة تقدر بـ100 دولار تقريبا. 

وفي سبتمبر الماضي، اتهمت السلطات الروسية كرماشيفا بعدم التصريح عن نفسها بصفتها "عميلة لجهة أجنبية".  

وفي 18 أكتوبر، اقتحمت مجموعة من الملثمين المنزل واعتقلت كرماشيفا، وجرى تقييدها ومن ثم نقلها لمحتجز للاستجواب.  

وتعد النيابة العامة الروسية قضية ضدها بحجة نشرها معلومات كاذبة عن الجيش الروسي، وهو أمر ليس صحيحا. 

فخلال فترة عملها في إذاعة أوروبا الحرة محررة باللغة التتارية، دأبت كرماشيفا على إعداد تقارير عن اللغة والعرق والمجتمع المدني وحقوق الأقليات. 

وتتحدر كرماشيفا، وهي مسلمة، من قازان عاصمة جمهورية تتارستان المنضوية ضمن الاتحاد الروسي وتضم حوالي 50 في المئة من التتار ذوي الأصول التركية. 

ويسعى بوتين إلى جمع رهائن أميركيين لمبادلهم مع معتقلين روس. فخلال السنوات الماضية، اعتقلت روسيا نجمة كرة السلة الأميركية، بريتني غرينر، قبل أن يتم إطلاق سراحها مقابل إطلاق واشنطن تاجر الأسلحة الروسي، فيكتور بوت، في ديسمبر 2022. 

ولا تزال أسهم بوتين في التفاوض تشمل كرماشيفا ومراسل صحيفة وول ستريت جورنال، إيفان غيرشكوفيتش، وجندي البحرية السابق، بول ويلان.  

ولتخفيف العزلة وتمهيد الطريق للعودة إلى الوطن، لدى إيفان وبول عاملين، لا تزال كرماشيفا تكافح من أجل الحصول عليهما، أولا الحصول على الخدمات القنصلية، وثانيا اعتراف من وزارة الخارجية الأميركية بأنها  "محتجزة بشكل غير مشروع"، وهو ما سيزيد من فرص إطلاق سراحها في عملية لتبادل المعتقلين. 

ماذا يريد بوتين؟ 

إذا كان الأمر يتعلق بصفقات التبادل، فمن الواضح أن الكرملين يريد، فاديم كراسيكوف، الذي يقبع في أحد السجون الألمانية. 

كراسيكوف، الذي عمل سابقا لدى جهاز الأمن الفيدرالي الروسي، هو قاتل مأجور أقدم على اغتيال معارض شيشاني وسط برلين في أغسطس 2019، بإطلاق رصاصتين على رأسه من مسدس مزود بكاتم للصوت. 

لن يكن الأمر سهلا على الإطلاق، ولكن في الماضي كان من الممكن أن تكون الأمور أكثر وضوحا في بعض الأحيان. فعلى سبيل المثال، أراد الشيوعيون في ألمانيا الشرقية الحصول على أموال من الألمان الغربيين.  

وبحلول أواخر حقبة الشيوعية في الثمانينيات، كان نحو 85 ألف مارك ألماني غربي (حوالي 47 ألف دولار) هو ثمن شراء سجين واحد من ألمانيا الشرقية.  

زرت سجن باوتسن قبل وباء كورونا، حيث تحول اليوم إلى متحف ونصب تذكاري. 

وعندما رأيت زنزانة كانت تحتجز فيها شابة من سكان برلين الغربية دأبت على تهريب منشورات سياسية عبر الحدود لمساعدة الناشطين في ألمانيا الشرقية، أصيب بالذعر. 

وأثارت قصة، هايكه فاتيركوت، هلعي، فقد تم اعتقال الشابة البالغة من العمر عشرين عاما في ديسمبر 1976، وبعد ثمانية أشهر من الاعتقال، حُكم عليها بالسجن لمدة أربع سنوات وعشرة أشهر في باوتسن بتهمة التحريض ضد الدولة. 

كانت تلك كانت ثقافة الـ"كي.جي.بي" في ذلك الوقت. ويتعين علينا أن نعمل بجد أكبر لإنقاذ الأبرياء، وبالتأكيد المواطنين الأميركيين مثل كرماشيفا، من دولة الـ"كي.جي.بي" اليوم. 

#هذا المقال كتبه الرئيس التنفيذي المكلف بشكل مؤقت لـ"شبكة الشرق الأوسط للإرسال" (MBN) عضو المجلس الاستشاري للبث الدولي،  الرئيس السابق لإذاعة أوروبا الحرة، جيفري غدمن، في 23 يناير الماضي بمناسبة مرور 100 يوم على احتجاز روسيا لصحافية أميركية-روسية، قارن فيه بين ما جرى في تلك الفترة والتكتيكات التي باتت موسكو تتبعها في عهد بوتين.