قوات تركية في سوريا
قوات تركية في سوريا

تستعد القوات التركية للانسحاب من بعض نقاط المراقبة، وأبرزها "مورك" في ريف حماة الشمالي، في حين تدخل قوات تركية أخرى الحدود السورية لتستقر شمال إدلب، في خطوات يصفها مراقبون بأنها عمليات إعادة تمركز لتقديم "تنازلات" و"مقايضات" بناء على تفاهمات مع روسيا، قد لا يكون الصراع في القوقاز بعيدا عنها.  

في السابق كثفت أنقرة من تصريحاتها المطالبة بانسحاب قوات النظام السوري من جميع المناطق التي سيطرت عليها منذ أبريل 2019، وتوعدت بطردهم منها في حال عدم الاستجابة. لكن يبدو أن الأمر تغير الآن، فالجيش التركي يستعد للانسحاب من نقاطه العسكرية الموجودة ضمن مناطق النظام السوري في ريفي حماة وإدلب.

وبحسب تصريحات مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان، رامي عبد الرحمن لـ"موقع الحرة" فإن القوات التركية تفكك حاليا معداتها وتحزم أمتعتها في كل من مورك وشير مغار بريفي حماة الشمالي والغربي، والصرمان وتل الطوقان والترنبة ومرديخ ومعرحطاط ونقطة شرق سراقب التي تقع في ريفي إدلب الشرقي والجنوبي الشرقي. 

الحكومة التركية من جانبها لم تعلق على تلك التحركات، لكن المحلل السياسي التركي، طه عودة أوغلو، يقول لـ"موقع الحرة" إن "هناك معلومات من شهود عيان تتحدث حاليا عن أن بعض النقاط التركية القريبة من حماة مثل نقطة مراقبة مورك، سيتم تفكيكها، وأخبروا المعارضة باحتمال الانسحاب". 

وتنشر تركيا أيضا قوات في نقاط عسكرية عدة أقامتها في إدلب بشمال غرب سوريا، في إطار اتفاق مع روسيا حليفة النظام السوري.

ويقول أوغلو "واضح أن هناك تفاهمات تركية روسية بناء على اجتماعات عقدت بين الطرفين الشهر الماضي، وكان هناك اتفاق على عدم التنافس على نقاط المراقبة".  

ولم يستبعد أوغلو أن يكون الانسحاب "بناء على تنازلات ومقايضات في ملفات أخرى".

وأوضح أن "هناك تنازلات ومقايضات على ملف آخر مثل موضوع شرق الفرات أو الصراع في ليبيا، فضلا عن الحرب في القوقاز بين أرمينيا وأذربيجان، كل هذه ملفات مشتركة بين الأتراك والروس وأعتقد أن هناك علاقة كبيرة بينها". 

ويرى أوغلو أن تركيا استطاعت أن تخلط الأوراق الروسية حتى الآن، "حيث أن موسكو أرادت أن توقف الحرب، لكن تركيا قالت إنها تريد إنهاء الاحتلال الأرميني، وهذا بالنسبة لروسيا أمر مزعج ومقلق، ولذا فمن الممكن أن يكون الانسحاب من مورك ونقاط أخرى له علاقة بالصراع في القوقاز".

مناطق السيطرة في سوريا

 غير أن أوغلو يشير إلى أن الانسحاب التركي من بعض نقاط المراقبة، قد يكون في مقابله السماح بالتواجد في مناطق أخرى، وهو ما يؤيده مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان، رامي عبد الرحمن، في حديثه مع "موقع الحرة"، إذا يشير إلى أنه "ليس من المنطقي أن تتخلى تركيا عن ورقة مهمة، إلا إذا كان في سبيل بقعة جغرافية أخرى، أو تعزيز وجودها في منطقة أخرى". 

والأحد، تم رصد دخول رتل عسكري تابع للقوات التركية نحو منطقة "بوتين – إردوغان"، عبر معبر كفرلوسين الحدودي شمالي إدلب، واتجه نحو منطقة جوزف بجبل الزاوية"، بحسب عبد الرحمن. 

وأضاف أن دخول الرتل العسكري جاء ليضيف المزيد من القوات التركية في المناطق المتواجد بها قرب الحدود، مشيرا إلى أنه "لا تزال هناك قوات تركية مستمرة في الدخول إلى هذه المنطقة".  

ووصلت آليات تركية محملة بمعدات عسكرية وجنود إلى منطقة كدورة الواقعة بالقسم الشرقي من جبل الزاوية والتي تتطل على اتستراد حلب – دمشق الدولي. 

ويقول عبد الرحمن إن "تركيا لديها استراتيجية البقاء إلى ما لا نهاية في الأراضي السورية ضمن ترتيب ما، والسيطرة  على الشريط الحدودي لها من المنطقة الممتدة من جسر الشغور وصولا إلى منطقة عملية درع الفرات". 

الجيش السوري الحر
صورة أرشيفية لعناصر من الجيش السوري الحر (تعبيرية)

رغم أن المواجهات التي تندلع بين الفصائل العسكرية في شمال سوريا ليست جديدة وتكررت لأكثر من مرة خلال السنوات الماضية، فإن الحادثة التي شهدتها مدينة مارع بريف حلب، ليل الخميس، حملت ملابسات "استثنائية"، كونها أخرجت إلى العلن ملفات "فساد" صادمة.

والحادثة كان مسرحها البيت الداخلي لما تعرف باسم "فرقة المعتصم" التابعة لـ"الجيش الوطني السوري" المعارض.

وتمحورت المواجهة فيها بين طرفين، الأول هو القائد العام، المعتصم عباس والفريق الموالي له، والثاني هو المجلس العسكري وقادته، ومن أبرزهم مصطفى سيجري وعلاء الدين أيوب الملقب بـ"الفاروق أبو بكر".

وفي التفاصيل، نشر "المجلس العسكري" في ساعة متأخرة من ليل الخميس بيانا، أعلن فيه "عزل القائد المعتصم عباس وتجريده من جميع الصلاحيات العسكرية والأمنية والإدارية"، وإحالته للتحقيق الداخلي بتهمة "الخيانة والفساد وإساءة استخدام السلطة وسرقة أموال الثورة والمال العام".

ونص البيان أيضا على إحالته مع 4 آخرين من أقربائه إلى التحقيق الداخلي، مع الشروع بمصادرة جميع الأموال والممتلكات والأراضي والعقارات العائدة لهم، والمسجلة بعد عام 2011.

ولم تمر مثل هذه الخطوة دون تبعات، حيث اندلعت اشتباكات محدودة بين الطرفين المتصارعين، أسفرت عن إصابة قائد الفرقة واعتقاله ومقتل أخيه، وإصابة آخرين من الفريق التابع له.

وبعدما أشار بيان منفصل آخر إلى تسليم المعتقلين لقيادة "الجيش الوطني"، ذكر نشطاء وصحفيون لموقع "الحرة"، أن "قائد الفرقة نقل إلى أحد مستشفيات المنطقة بعد إصابته، في حين لا تزال حالة التوتر سائدة" حتى نشر هذا التقرير.

"أكبر ملف فساد مالي"

وتعتبر "فرقة المعتصم" من أبرز الفصائل المنضوية ضمن تحالف "الجيش الوطني السوري" المدعوم من تركيا، ويتركز نفوذها بالتحديد في مدينة مارع بريف حلب الشمالي.

وكانت قد عاشت قبل أشهر حالة توتر بين الجناحين المتصارعين الممثلين بقائدها وقادة "المجلس العسكري"، بسبب ملفات فساد مالية.

ووصلت المجريات إلى نقطة الانفجار بعد وصول معلومات لكل طرف عن نية الأول تحييد الثاني.

وفي بيان عزل "القائد العام"، ذكر القيادي في الفرقة العسكرية، مصطفى سيجري، أن القرار اتُخذ بعد "اكتشاف أكبر ملف فساد مالي وأخلاقي في تاريخ الثورة السورية، تورط فيه المدعو أبو العباس (المعتصم) وإخوته". 

واعتبر أن القائد العام "حوّل الفصيل من عسكري ثوري إلى شركة تجارية أمنية خاصة بعائلته في مارع"، كما بنى "ثروة وإمبراطورية مالية هائلة من خلال تهريب وبيع شحنات ضخمة من الأسلحة أميركية النوعية، والأسلحة والذخائر الروسية من سوريا إلى ليبيا، وتقدر بملايين الدولارات".

واتهم قائد الفرقة أيضا بـ"إخفاء وسرقة كامل العائدات المالية الخاصة بالفصيل، وتقدر بملايين الدولارات".

إضافة إلى "نهب وسرقة رواتب المقاتلين القادمة من تركيا، والمخصصات الشهرية من المعابر الداخلية والخارجية والمشاريع الاقتصادية، وتقدر بمئات الآلاف من الدولارات شهريا".

كما أن القائد العام "انتهج سياسة الكسب غير الشرعي من خلال نقاط التهريب في مارع وعفرين ورأس العين، تتضمن إدارة شبكات تهريب البشر والمواد الممنوعة ومشاريع التنقيب عن الآثار، التي تقدر بملايين الدولارات شهريا".

ولم يصدر أي بيان رسمي من الفرقة العسكرية ككل بشأن ما شهده بيتها الداخلي ليلا. 

ومع ذلك، نشر مقربون من "المعتصم عباس" تسجيلات صوتية له عبر تطبيق "واتساب" و"تلغرام"، رد فيها على ما وُجه له من اتهامات.

وبعدما وصف المنقلبين عليه بـ"الغدارين"، قال إنهم "كاذبون"، مهددا بعدم ضياع "دم أخيه" الذي قتل.

وأضاف أنه احتُجز لأربعة ساعات ثم خرج، مردفا: "غدروا بي (سيجري وعلاء الدين أيوب).. لكي يستلموا القيادة".

اتهامات "التعامل مع النصرة"

وهذه ليست المرة الأولى التي تشهد فيها فصائل ريف حلب صراعات داخلية، إذ سبق أن وثقت منظمات حقوقية وتقارير صحفية، اشتباكات راح ضحيتها في غالب الأحيان مدنيون.

طرقات البادية السورية.. لماذا يقع النظام دائما في "المصيدة"؟
يكاد لا يمر أسبوع دون إعلان النظام السوري سقوط قتلى له على يد "داعش" في منطقة البادية السورية، ومع توثيق "المرصد السوري لحقوق الإنسان" 275 عنصرا قتلوا منذ بداية 2024، تثار تساؤلات عن أسباب وقوعهم في كل مرة بـ"المصيدة"، كما يطلق عليها خبراء

وتباينت تعليقات مراقبين وخبراء عبر مواقع التواصل الاجتماعي بشأن ما حصل.

ففي حين أن هناك من اعتبر الحادثة والمواجهات أنها "بدوافع انقلابية"، كتب آخرون أنها تندرج في إطار "تصحيح المسار العسكري"، يأتي كشف ملفات الفساد كخطوة أولى منها.

وفي إحدى التسجيلات الصوتية التي استمع إليها موقع "الحرة"، قال القيادي علاء الدين أيوب، الملقب بـ"الفاروق أبو بكر" ،إن قائد الفرقة العسكرية قد حوّل الفصيل إلى "شركة استثمار".

ووُجه له اتهام يتعلق بالتنسيق مع "جبهة النصرة" (هيئة تحرير الشام حاليا) للتوغل في مناطق ريف حلب الشمالي، خاصة أن نفوذ الأولى يقتصر على محافظة إدلب فقط، وتصنف على قوائم الإرهاب.

وأضاف: "المعتصم عباس حاول  التنسيق مع تحرير الشام لاغتيال قادة عسكريين من مارع، وكنا نقف ضده في هذا الموضوع".

لكن "القائد العام" نفى هذه الاتهامات، وأضاف أنه تفاجأ بعد وصوله إلى مبنى الفرقة برفقة مسؤول في "الحكومة المؤقتة" المعارضة، باقتحام عناصر للمبنى وإطلاق النار عليه وإصابته في يده، وإصابة شقيقه، الذي قتل فيما بعد متأثرا بجروحه.

"المال جذر المشكلة"

ويسيطر تحالف "الجيش الوطني السوري" على مناطق واسعة في ريف حلب الشمالي والشرقي. كما يسيطر على جيب في شمال شرق البلاد، يمتد بين مدينتي رأس العين وتل أبيض بريف محافظة الرقة.

ورغم أنه يبدو من الخارج كتحالف عسكري موحد، غالبا ما تندلع مواجهات بين فصائله العسكرية لعدة أسباب، لم تخرج عنها نوايا الاستحواذ وبسط النفوذ على صورة أكبر. 

ويرى الباحث السوري في مركز "جسور للدراسات"، وائل علوان، أن "المشكلة التي اندلعت في فرقة المعتصم داخلية بحتة".

وتعود جذورها إلى شهور مضت، عندما اطلع القيادي سيجري وقادة آخرون على الكشوفات المالية الخاصة بالفصيل العسكري، ومصاريف الكتلة المالية.

وفي السابق لم يكن متاحا للقيادي المذكور اتخاذ مثل هذه الخطوة، حيث كانت محصورة على القائد العام المعتصم عباس وإخوته.

ويضيف علوان لموقع "الحرة"، أن الشرخ بدأ عندما بدأ التلميحات بشأن وجود فساد مالي، وأن الفرقة تعيش في ضنك وقلة بينما قادتها في وادٍ آخر".

ورغم المبادرات الداخلية والخارجية بقيت حالة التوتر قائمة، بسبب رفض القيادة العامة الشروط التي وضعت بعد تحسس حالة الفساد الموجودة.

ويشير الباحث إلى أنه وحتى الآن لا يعرف إلى أين ستتجه الأموال.

ويوضح أن "المزاج لدى قادة الفصائل لا يتفاعل بشكل كبير مع هذا النوع من تصفية الخلافات الداخلية، أي من مبدأ الانقلاب وفرض الشفافية المالية، والذهاب لفرض النموذج الثوري".

كما يتابع بالقول: "توجد خشية أيضا من أن يكون هناك حل لا يكبح المشكلة، بل يزيد من تداعياتها، ويؤدي إلى شرخ أكبر على المستوى الفصائلي والمجتمعي".