يعد الاتحاد الأوروبي أكبر شريك تجاري لإسرائيل (أ ف ب)
يعد الاتحاد الأوروبي أكبر شريك تجاري لإسرائيل (أ ف ب)

بقلم إليسا توتلمان/

ترمي اتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل الموقعة عام 2010 إلى تعزيز التعاون الاقتصادي بين الطرفين. وقد أثنى رئيس المفوضية الأوروبية خوسيه باروسو على الفكرة في حزيران/يونيو 2014، قائلا إن "إسرائيل طرف فاعل قوي في مجال الأبحاث والابتكار، وتشكل لهذا السبب شريكا مهما للاتحاد الأوروبي في معالجة التحديات المجتمعية المشتركة، على غرار الشيخوخة والأمن الغذائي وحماية البيئة أو الطاقة النظيفة، كما وفي تعزيز تنافسية صناعاتنا".

وشهدت الفترة ما بين العامين 2010 و2011 ارتفاعا في صادرات الاتحاد الأوروبي إلى إسرائيل نتيجة اتفاقية الشراكة هذه. واستمر حجم الصادرات على هذا المستوى المرتفع حتى حصول ازدياد حاد بين عامي 2014 ـ 2015 ومجددا بين عامي 2015 ـ 2016. وفي عام 2010، وهو آخر عام كامل تتوافر بشأنه إحصاءات، كان الاتحاد الأوروبي يصدر نحو 19 مليار دولار من السلع والخدمات إلى إسرائيل. وبحلول عام 2016، ارتفعت قيمة صادرات الاتحاد الأوروبي إلى إسرائيل إلى أكثر من 28 مليار دولار، في حين بلغت الصادرات الإسرائيلية إلى الاتحاد الأوروبي 18 مليار دولار. وهكذا، يبقى الاتحاد الأوروبي أكبر شريك تجاري لإسرائيل، حتى مع اقتراب آسيا والولايات المتحدة منه. وفي اجتماع خاص عقده هذا الشهر مع دبلوماسيين أوروبيين معنيين في قضايا الشرق الأوسط، كان الإجماع على أن علاقاتهم الاقتصادية النابضة بالحياة مع إسرائيل سوف تستمر تقريبا في النمو.

نزاع حول وضع علامات التصنيف التجاري

ثمة رابط عكسي واضح بين العلاقات الاقتصادية المتنامية والمواقف الأوروبية السياسية المتردية تجاه بعض السياسات الإسرائيلية. فقد أقر مجلس الاتحاد الأوروبي في تشرين الثاني/نوفمبر 2015 اقتراح المفوضية الأوروبية القاضي بفرض علامات تصنيف مخصصة للمنتجات الآتية من مستوطنات الضفة الغربية والجولان والقدس الشرقية، وفرضت على المنتجات الآتية من الأراضي الفلسطينية علامات تصنيف كُتب عليها "منتج في فلسطين"، وهذه خطوة رحّبت بها "السلطة الفلسطينية" ووصفتها بخطوة نحو المقاطعة الكاملة للمستوطنات الإسرائيلية.

وكما هو الحال في كثير من الأحيان، أظهرت بعض الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، وعددها 28 دولة، وبعض المسؤولين حماسا أكثر من غيرهم حول هذا النوع من الخطوات. وفي هذا السياق، يشار إلى أن الممثلة العليا لسياسة الشؤون الخارجية والأمن في الاتحاد الأوروبي فريديريكا موغيريني تلقت في نيسان/أبريل 2015، أي قبل فرض الشرط المذكور، رسالة من 16 دولة من الاتحاد تحثها على تسريع إصدار القرار بشأن اقتراح التصنيف. وفي عام 2016، دعا رئيس الوزراء الهولندي مارك روتي إلى التوصل إلى حل الدولتين وإنهاء الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية، وـ الأهم من ذلك كله ـ إلى وضع علامات التصنيف على منتجات الضفة الغربية. وبحكم مركز موغيريني وتزايد الضغط من الدول الأعضاء واحتكاكها المباشر مع الصراع، بما أن إسرائيل كانت محط زيارتها الخارجية الأولى بعد استلام منصبها، أدت موغيريني دورا ناشطا وكبيرا في المصادقة على القرار.

وعندما اقترح اشتراط وضع العلامات على منتجات المستوطنات، شعر العديد من الإسرائيليين بالضيق إزاء هذا الأمر، ورأوا أنه يدعم بذلك "حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات" ضد إسرائيل. وفي أيلول/سبتمبر 2015، التقى رئيس المجلس الأوروبي دونالد تاسك رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو ليشرح له الفكرة، فكشف له الأخير عن إحساسه بأن لدى بعض الأوروبيين هوس بمعاداة إسرائيل ويريدون مقاطعتها، ليرد عليه تاسك بالقول إن علامة التصنيف ليست شكلا من أشكال المقاطعة، ثم طمأنه بأن "قطعا ما من دولة في أوروبا تريد مقاطعة إسرائيل... ولا يرى الاتحاد الأوروبي بديلا عن حل الدولتين بالتفاوض".

غياب التداعيات في ما يخص إعلان ترامب عن القدس

في كانون الأول/ديسمبر 2017، عندما أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب القدس عاصمة لإسرائيل، بدر عن دول الاتحاد الأوروبي ومؤسساته تباعد أكبر في الردود تجاه إسرائيل والصراع مع الفلسطينيين. فقد غرّد رئيس المجلس تاسك عبر "تويتر" باسم المجلس الأوروبي في 14 كانون الأول/ديسمبر 2017 قائلا: "يشدد القادة في الاتحاد الأوروبي على التزامهم الصارم بحل الدولتين. وفي هذا السياق، يبقى موقف الاتحاد الأوروبي من مسألة القدس على حاله". أما موغيريني فصرحت خلال مؤتمر صحفي في 7 كانون الأول/ديسمبر 2017 أن: "للاتحاد الأوروبي موقف واضح وموحد، ونحن نعتقد أن الحل الواقعي الوحيد للصراع بين إسرائيل وفلسطين يقوم على دولتين تكون القدس عاصمة لهما".

ومع ذلك، ظهرت انقسامات بين بعض أعضاء الاتحاد الأوروبي، إذ اتخذت الدول الكبرى مثل فرنسا وألمانيا اتجاها عاما أكثر صرامة بشأن قرار ترامب، مقارنة بالدول الصغيرة. ففي 6 كانون الأول/ديسمبر 2017، صرح الرئيس الفرنسي إمانويل ماكرون عن القدس قائلا إن "فرنسا لا توافق على القرار الأميركي، وفرنسا تؤيد الحل المتمثل بإقامة دولتين هما إسرائيل وفلسطين، والعيش في سلام وأمان، بحيث تكون القدس عاصمة للدولتين" مضيفا أن "علينا تفضيل التهدئة والحوار". ودانت كذلك المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل اعتراف ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل، معربة عن اعتقادها بأن حل الدولتين هو الطريقة الوحيدة للتفاوض على وضع المدينة، في حين قال المتحدث باسم الحكومة الألمانية ستيفن سايبرت إن الحكومة الألمانية "لا تؤيد هذا الموقف لأنه لا يمكن التفاوض على وضع القدس إلا في إطار حل الدولتين".

ومع ذلك، لم تندد جميع دول الاتحاد الأوروبي بالاعتراف الأميركي بالقدس عاصمة لإسرائيل،  فقد أعرب رئيس جمهورية التشيك ميلوس زيمان عن رأي مختلف حين صرّح أن "الجبناء في الاتحاد الأوروبي يبذلون كل ما في وسعهم لتهيمن حركة إرهابية موالية لفلسطين على حركة موالية لإسرائيل".

لم تسفر أي من هذه الردود الدبلوماسية، على أية حال، عن أية تدابير اقتصادية مقابلة، حيث ارتفعت الواردات الإسرائيلية من السلع من دول الاتحاد الأوروبي سنويا من 2.2 مليار دولار في كانون الأول/ديسمبر 2016 إلى 2.4 مليار دولار في كانون الأول/ديسمبر 2017. وتلك الزيادة حصلت أيضا، في تشرين الثاني/نوفمبر 2017 أي قبل شهر من قرار القدس. وعلاوة على ذلك، شهد الشهر الذي تلى قرار ترامب، زيادة سنوية في الصادرات الإسرائيلية إلى الاتحاد الأوروبي، من 1.31 مليار دولار في كانون الأول/ديسمبر 2016 إلى 1.34 مليار دولار في كانون الأول/ديسمبر 2017. وفي الاجتماع الخاص في شباط/فبراير 2018، أكد الاتحاد الأوروبي استمرار قوة العلاقات الاقتصادية والتجارية بين دوله وإسرائيل، بغض النظر عن الجدل الأخير بشأن القدس. وفي الواقع، يوضح هذا الأمر، على أن زخم حركة المقاطعة يبدو أكبر في وسائل الإعلام الإسرائيلية، أو في حرم الجامعات الأميركية، من تأثيره المحدود جدا في أوروبا.

إليسا توتلمان تعمل على الحصول على درجة الماجستير في الشؤون الدولية مع التركيز على السياسة الخارجية الأميركية في الشرق الأوسط في كلية إليوت للشؤون الدولية بجامعة جورج واشنطن. وهي باحثة متدربة في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى.

المصدر: منتدى فكرة

ـــــــــــــــــــــ

الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن آراء أو وجهات النظر أو السياسات الرسمية لشبكة الشرق الأوسط للإرسال (أم. بي. أن)

 

كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.
كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.

على بعد نحو ساعة بالسيارة عن مدينة دريسدن تقع باوتسن، التي كانت تعد موطنا لمرفق سيئ السمعة في القرن الماضي، ألا وهو سجن معروف باسم المدينة نفسها. 

من عام 1933 إلى 1945، استخدم النازيون سجن "باوتسن" مقرا "للحجز الوقائي" قبل نقل المحتجزين إلى معسكرات الاعتقال. 

وفي الحقبة الممتدة من 1945 إلى 1949، احتجزت سلطات الاتحاد السوفياتي السابق المنشقين في زنزانات مكتظة مع القليل من الطعام والماء، وانتزعت منهم الاعترافات تحت التعذيب. 

وبعد عام 1949، استخدم عناصر "ستاسي"، وهو جهاز أمن الدولة في ألمانيا الشرقية سابقا، الذين دربهم جهاز الاستخبارات السوفياتية  "كي.جي.بي"، الأسلوب عينه إزاء حوالي ألفي معتقل سياسي في "باوتسن". 

هذا هو عالم الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في عصرنا الحالي، هو الذي كان عضوا في في جهاز الاستخبارات السوفييتية، حين انضم للجهاز عندما كان في الثالثة والعشرين من عمره، وقضى عدة سنوات في دريسدن.

ومنذ أيامه الأولى، وباعترافه الشخصي، كان بوتين يحلم بالعنف والسيطرة. 

واليوم تواجه، آلسو كرماشيفا، الصحفية الروسية-الأميركية التي تعمل لحساب إذاعة أوروبا الحرة الممولة من الكونغرس الأميركي، نفس المصير الذي واجه أصحاب القلم والفكر الحر في القرن الماضي خلال حقبة الاتحاد السوفياتي.

فمنذ شهر أكتوبر الماضي، تقبع كرماشيفا في زنزانة باردة وسيئة الإضاءة ومكتظة في مدينة قازان الروسية، التي تبعد نحو 800 كيلومترا شرقي موسكو. 

وتعرضت كرماشيفا للضغط من أجل انتزاع الاعترافات منها، وهو نهج كان مترسخا عند الـ"كي.جي.بي" الذي يعتبر الفكر المستقل تهديدا، والصحافة الحرة جريمة. 

سافرت كرماشيفا، وهي أم لطفلتين، الصيف الماضي إلى قازان من مسقط رأسها في براغ، لزيارة والدتها المسنة واعتقدت أنها ستكون في مأمن. 

في الثاني من يونيو الماضي، وعندما كانت في مطار قازان، استعدادا لرحلة العودة، جرى استدعاء كرماشيفا قبل خمس عشرة دقيقة من صعودها إلى الطائرة.  

اعتقلتها السلطات الروسية واتهمتها بعدم تسجيلها جواز سفرها الأميركي في روسيا، لتتم إعادتها إلى منزل والدتها وحكم عليها بغرامة تقدر بـ100 دولار تقريبا. 

وفي سبتمبر الماضي، اتهمت السلطات الروسية كرماشيفا بعدم التصريح عن نفسها بصفتها "عميلة لجهة أجنبية".  

وفي 18 أكتوبر، اقتحمت مجموعة من الملثمين المنزل واعتقلت كرماشيفا، وجرى تقييدها ومن ثم نقلها لمحتجز للاستجواب.  

وتعد النيابة العامة الروسية قضية ضدها بحجة نشرها معلومات كاذبة عن الجيش الروسي، وهو أمر ليس صحيحا. 

فخلال فترة عملها في إذاعة أوروبا الحرة محررة باللغة التتارية، دأبت كرماشيفا على إعداد تقارير عن اللغة والعرق والمجتمع المدني وحقوق الأقليات. 

وتتحدر كرماشيفا، وهي مسلمة، من قازان عاصمة جمهورية تتارستان المنضوية ضمن الاتحاد الروسي وتضم حوالي 50 في المئة من التتار ذوي الأصول التركية. 

ويسعى بوتين إلى جمع رهائن أميركيين لمبادلهم مع معتقلين روس. فخلال السنوات الماضية، اعتقلت روسيا نجمة كرة السلة الأميركية، بريتني غرينر، قبل أن يتم إطلاق سراحها مقابل إطلاق واشنطن تاجر الأسلحة الروسي، فيكتور بوت، في ديسمبر 2022. 

ولا تزال أسهم بوتين في التفاوض تشمل كرماشيفا ومراسل صحيفة وول ستريت جورنال، إيفان غيرشكوفيتش، وجندي البحرية السابق، بول ويلان.  

ولتخفيف العزلة وتمهيد الطريق للعودة إلى الوطن، لدى إيفان وبول عاملين، لا تزال كرماشيفا تكافح من أجل الحصول عليهما، أولا الحصول على الخدمات القنصلية، وثانيا اعتراف من وزارة الخارجية الأميركية بأنها  "محتجزة بشكل غير مشروع"، وهو ما سيزيد من فرص إطلاق سراحها في عملية لتبادل المعتقلين. 

ماذا يريد بوتين؟ 

إذا كان الأمر يتعلق بصفقات التبادل، فمن الواضح أن الكرملين يريد، فاديم كراسيكوف، الذي يقبع في أحد السجون الألمانية. 

كراسيكوف، الذي عمل سابقا لدى جهاز الأمن الفيدرالي الروسي، هو قاتل مأجور أقدم على اغتيال معارض شيشاني وسط برلين في أغسطس 2019، بإطلاق رصاصتين على رأسه من مسدس مزود بكاتم للصوت. 

لن يكن الأمر سهلا على الإطلاق، ولكن في الماضي كان من الممكن أن تكون الأمور أكثر وضوحا في بعض الأحيان. فعلى سبيل المثال، أراد الشيوعيون في ألمانيا الشرقية الحصول على أموال من الألمان الغربيين.  

وبحلول أواخر حقبة الشيوعية في الثمانينيات، كان نحو 85 ألف مارك ألماني غربي (حوالي 47 ألف دولار) هو ثمن شراء سجين واحد من ألمانيا الشرقية.  

زرت سجن باوتسن قبل وباء كورونا، حيث تحول اليوم إلى متحف ونصب تذكاري. 

وعندما رأيت زنزانة كانت تحتجز فيها شابة من سكان برلين الغربية دأبت على تهريب منشورات سياسية عبر الحدود لمساعدة الناشطين في ألمانيا الشرقية، أصيب بالذعر. 

وأثارت قصة، هايكه فاتيركوت، هلعي، فقد تم اعتقال الشابة البالغة من العمر عشرين عاما في ديسمبر 1976، وبعد ثمانية أشهر من الاعتقال، حُكم عليها بالسجن لمدة أربع سنوات وعشرة أشهر في باوتسن بتهمة التحريض ضد الدولة. 

كانت تلك كانت ثقافة الـ"كي.جي.بي" في ذلك الوقت. ويتعين علينا أن نعمل بجد أكبر لإنقاذ الأبرياء، وبالتأكيد المواطنين الأميركيين مثل كرماشيفا، من دولة الـ"كي.جي.بي" اليوم. 

#هذا المقال كتبه الرئيس التنفيذي المكلف بشكل مؤقت لـ"شبكة الشرق الأوسط للإرسال" (MBN) عضو المجلس الاستشاري للبث الدولي،  الرئيس السابق لإذاعة أوروبا الحرة، جيفري غدمن، في 23 يناير الماضي بمناسبة مرور 100 يوم على احتجاز روسيا لصحافية أميركية-روسية، قارن فيه بين ما جرى في تلك الفترة والتكتيكات التي باتت موسكو تتبعها في عهد بوتين.