عندما تُقدِم الإدارة الأميركية، عن سابق تصوّر وتصميم، على تنفيذ "حكم الإعدام"، بشخصية إيرانية من مستوى الجنرال قاسم سليماني، فهذا يعني أن قواعد المواجهة في الشرق الأوسط قد تغيّرت جذريا.

واشنطن ما بعد الثالث من يناير 2020 لم تعد تكتفي في علاقتها المأزومة مع إيران بالتكشير عن أنيابها، بل بدأت باستعمالها. فقتل سليماني، الذي كان يعتبر الرجل الأقوى في الشرق الأوسط المدمّر، لا يمكن التعاطي معه على أساس أنه عمل انفعالي أو ابن لحظته، بل هو يندرج في سياق نهج جديد جرى إنضاجه، منذ تلك اللحظة التي مزّق فيها الرئيس الأميركي دونالد ترامب الاتفاق النووي مع إيران مستبدلا إياه بقائمة من العقوبات تبدأ بالاقتصاد والمال ولا تنتهي بلصق تهمة الإرهاب على جبين "الحرس الثوري الإيراني".

منذ تلك اللحظة الترامبية الحاسمة، وفيما كان جميع من اعتادوا على إمساك طهران بخيوط اللعبة في الشرق الأوسط، يسألون عن طريقة الرد الإيراني ومكانه وأفقه، كانت واشنطن تجهّز نفسها لقطع اليد الإيرانية إن امتدت عليها.

قتل سليماني لم يخرج لاعبا محترفا من الميدان فحسب، بل قلب قواعد اللعبة رأسا على عقب أيضا

لم يكن هذا المنحى الأميركي خافيا على أحد من اللاعبين، حتى على قاسم سليماني نفسه الذي وصلته التحذيرات، تباعا، ولكن لم يكن أحد يصدّق لأن قناعة رسختها سنوات طويلة، ولا سيما سنوات عصر باراك أوباما، بأنّ واشنطن تريد الخروج من المنطقة، وبأن مصالحها لم تعد في الشرق الأوسط بل انتقلت إلى بحر الصين، وبأنها لم تعد تريد أن تدفع ثمن المواجهات، وبأنها تفضل استثمار الاضطرابات التي تصنعها إيران من أجل ابتزاز دول الخليج الغنيّة، وبأنّها تتحضّر لصفقة جديدة مع إيران القوية.

ولكنّ قتل قاسم سليماني لم يخرج لاعبا محترفا من الميدان فحسب، بل قلب قواعد اللعبة رأسا على عقب أيضا.

منذ 3 يناير 2020 لن تعود إيران قادرة على استسهال العبث مع النسر الأميركي، بعدما أذهلتها مخالبه التي توهّمت طويلا أنها لم تعد صالحة لطرائد الشرق الأوسط.

ولهذا فإن السؤال من الآن فصاعدا ليس عمّا تعده طهران لواشنطن إنما عمّا تضمره واشنطن لطهران، على اعتبار أن إدارة ترامب، بما أقدمت عليه، وقّعت خطتها الجديدة التي تقوم على معادلة بسيطة جدا: كل فعل إيراني معاد سيرد عليه بفعل صاعق.

وهذه المعادلة أصبح لها تواريخها، ففي 27 ديسمبر 2019 قصفت ميليشيا "حزب الله" العراقي قاعدة أميركية فجاء الرد صاعقا، بتدمير قواعد لهذه الميليشيا وقتل 25 شخصا منها. فيما اقتحام بوابات مجمع السفارة الأميركية في بغداد، بعد ذلك، وإصدار تهديدات باستهداف المصالح الأميركية في الشرق الأوسط وإخراج الأميركيين من العراق، ردّت عليه واشنطن بقتل "القائد الأعلى" لمجموعات الهجوم والتهديد قاسم سليماني وأبرز معاونيه العراقيين، نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي العراقي، أبو مهدي المهندس.

إزاء ذلك ماذا يمكن لإيران أن تفعل؟

منذ 3 يناير 2020 لن تعود إيران قادرة على استسهال العبث مع النسر الأميركي

كل فعل سيواجه برد أعنف لدولة تعاني الأمرين ماليا واقتصاديا وسياسيا، وتواجه انتفاضات شعبية في الداخل الإيراني وتستهدفها مباشرة في العراق وغير مباشرة في لبنان، واستعدادات إسرائيلية بارزة وعلنية، في حال غامرت إيران بدفع "حزب الله"، وهو أثمن أدواتها، إلى تحريك الجبهة الجنوبية في لبنان.

ولهذا فخيارات إيران محدودة جدا ومكلفة للغاية، فقد باتت الآن تدرك، بدليل جثة سليماني المقطعة وجثة المهندس المفتتة، الأثمان الباهظة التي عليها أن تدفعها لكل خطوة يمكن أن تقدم عليها.

إن فصل قتل قاسم سليماني له عنوان كبير في الكتاب الأميركي: نهاية زمن الاستفادة الإيرانية من حروبنا.

سليماني هو مهندس هذه الاستفادة الإيرانية، والأميركيون قتلوا شخصا يعرفونه عن كثب، كما يعرفون إمكاناته، وأدواته وأساليبه، فهم على علاقة قديمة معه، بدأت عندما قدّم لهم ما يحتاجونه من معلومات بخصوص الحرب على أفغانستان، ويعرفون رجالاته العراقيين الذين كانوا تحت مظلته في إيران قبيل إسقاط نظام صدام حسين، ويعرفون خفايا أعماله في كل من لبنان وسوريا، ويعرفون ما يترك وراءه من خطط، والأهم أنهم يعرفون أن كل من يعمل ضمن "الخط الإيراني" يناديه بـ"المعلّم".

ومن يقتل "المعلّم" يستحيل ألا يكون هو، بدوره "معلّما".

مدمرة الصواريخ الموجهة يو إس إس كارني
الضربات ضد الحوثيين لمحاولة ردعهم وحماية الملاحة الدولية

أعلنت القيادة المركزية الأميركية قصف 4 صواريخ كروز مضادة للسفن كانت جميعها مجهزة للإطلاق على السفن في البحر الأحمر.

وأضافت أن القوات نفذت ضربة دفاعا عن النفس ضد هجوم حوثي بصاروخ كروز.

ونشرت القيادة المركزية الأميركية مقطع فيديو يظهر عمليات إطلاق صواريخ من سفن حربية أميركية باتجاه المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون في اليمن، ردا على هجماتهم على السفن التجارية في البحر الأبحر.

ويظهر الفيديو عمليات إطلاق من "يو أس أس غرافلي" و"يو أس أس كارني" و"يو أس أس دوايت دي أيزنهاور" لدعم الضربات.

وشنت الولايات المتحدة وبريطانيا غارات على عشرات من مواقع الحوثيين في اليمن، وذلك ردا على تواصل هجماتهم على سفن في البحر الأحمر يقولون إنها في إطار دعمهم لقطاع غزة.

وتأتي هذه الغارات غداة شن الجيش الأميركي ضربات استهدفت مجموعات موالية لطهران في العراق وسوريا وأسفرت عن 45 قتيلا على الأقل، ردا على مقتل ثلاثة جنود أميركيين بهجوم بمسيرة على قاعدة في الأردن نهاية يناير.

والضربات المشتركة هي الثالثة من نوعها ضد الحوثيين في اليمن منذ 12 يناير، لمحاولة ردعهم وحماية الملاحة الدولية. وينفذ الجيش الأميركي وحده بين حين وآخر ضربات على مواقع للمتمردين الذين يسيطرون على مساحات شاسعة في شمال اليمن بينها العاصمة صنعاء منذ اندلاع النزاع في بلادهم عام 2014.

ونددت إيران الأحد بالضربات الأميركية والبريطانية الأخيرة على الحوثيين، باعتبار أنها "تتعارض" مع هدف واشنطن ولندن المعلن بتجنب "أن تتسع رقعة الحرب والنزاع في المنطقة".