حسمت الحكومة العراقية الجدل حول رواتب "محتجزي رفحاء"، ومنعت ازدواجية الراتب بحيث يقتصر على شخص واحد في العائلة.
الجدل حول هذا المسألة برز منذ أشهر عديدة، حين وقع خلاف حول صرف الرواتب لمن هم خارج العراق، إضافة إلى الازدواجية في تحصيل المستحقات لبعضهم.
فمن هم محتجزو رفحاء؟ وما قصتهم؟ ولماذا يثار الجدل حول رواتبهم؟
الانتفاضة الشعبانية
بعد حرب الخليج عام 1991، شهد العراق انتفاضة شعبية ضد نظام صدام في مناطق عديدة جنوب وشمال البلاد، تحديدا في شهر مارس من ذلك العام والذي صادف في حينها الشهر الهجري شعبان، ومن هنا أخذت التسمية "الشعبانية" وفق وسائل إعلام محلية.
وفي حينها مارس النظام قمعا ممنهجا ضد الانتفاضة، تخللته انتهاكات صارخة لحقوق الإنسان، فقد قتل معارضين برميهم في النهر، وآخرين ألقي بهم من مباني مرتفعة وتم التمثيل بجثث القتلى بعد إعدامهم، وتعرض آخرون للحرق أو الاغتصاب أو التعذيب، وهو ما دفع بالعديد من المشاركين في الانتفاضة إلى الهرب من الملاحقة والبطش ليغادروا العراق ويدخلوا إلى السعودية مع عائلاتهم لاجئين.
وبنت السلطات السعودية مخيما في محافظة رفحاء بالقرب من الحدود العراقية، حيث وضع فيه المشاركون في الانتفاضة مع عائلاتهم، وبقي هذا المخيم موجودا حتى عام 2006 عندما أغلقته السلطات السعودية، بعد حصول العديد منهم على إقامات في دول أجنبية مثل الولايات المتحدة وأستراليا وبريطانيا وكندا والدنمارك وفنلندا وهولندا وسويسرا والسويد.
وهناك اختلاف وتفسيرات عديدة لأعداد العراقيين في هذا المخيم، إذ تشير أرقام المفوضية العليا لشؤون اللاجئين إلى حدود 21 ألف شخص خلال سنوات 1991 وحتى 2003، فيما تشير أرقام وزارة الخارجية السعودية إلى 35 ألف شخص.
وبسبب تعاقب الأجيال، بلغت الأعداد الحالية المسجلة رسميا نحو 150 ألف مستفيد من التعويضات لمحتجزي رفحاء، وفق ما كشف رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي في تصريحات صحفية.
محتجزو رفحاء
ووفق قانون مؤسسة السجناء السياسيين العراقي لعام 2006 فإن محتجزي رفحاء هم "مجاهدو الانتفاضة الشعبانية عام 1991 الذين اضطرتهم ظروف البطش والملاحقة مغادرة العراق إلى السعودية، وعوائلهم ممن غادروا معهم والذين ولدوا داخل مخيمات الاحتجاز وفقا للسجلات والبيانات الرسمية الموثقة دوليا".
ومنح القانون محتجزي رفحاء امتيازات برواتب مخصصة لكل من أقام في ذلك المخيم ولو لمدة أسبوع واحد، أكان رب العائلة أو فردا من العائلة، بحيث تم تحديدها بنحو 1.2 مليون دينار عراقي (تعادل نحو 1000 دولار).
وتضاف لهذا الراتب أيضا مبالغ أخرى إذا كان الشخص قد تعرض للاعتقال بسبب آرائه أو نشاطاته السياسية ما قبل عام 2003.
كما يحصل "محتجزو رفحاء" على علاج وسفر ودراسة مجانا على نفقة مؤسسة السجناء السياسيين، ويبلغ مجموع نفقات ما يترتب عليه هذا القانون سنويا أكثر من 40 مليار دينار (35 مليون دولار تقريبا) وامتيازات أخرى تتمثل بمنحهم قطع أراض ووظائف لأبنائهم.
جدل الرواتب
الجدل على رواتب محتجزي رفحاء ليس بجديد، حيث كانت تظهر مطالبات بإلغائها أكثر من مرة تحقيقا للعدالة الاجتماعية بين جميع العراقيين، وسط أسئلة عن سبب "تعويض شخص قضى حياته في أوروبا" بينما لا يعوض المواطن الذي عاش سنوات الحصار وظلم نظام صدام حسين وسنوات الإرهاب والحرب الأهلية.
ومؤخرا انتشر وسم (إلغاء رواتب رفحاء وليس تعديلها) عبر شبكات التواصل الاجتماعي في العراق.
رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، كان قد أعلن استقطاع 27 في المئة من رواتب المتقاعدين، وأن الفرق سيدفع قريبا، وذلك في خطوة لمواجهة العجز في الموازنة والذي يرتفع بأكثر من أربعة مليارات دولار وفق تقرير نشرته وكالة فرانس برس.
وتبقى الرواتب والمعاشات التقاعدية البند الأول للإنفاق الذي يمكن للحكومة أن تستقطع منه، حيث يوجد نحو 4 ملايين موظف في القطاع العام، و4 ملايين آخرين يستلمون رواتب كتعويضات لسجناء سياسيين أو نازحين أو من عرفوا باسم "محتجزي رفحاء".
وتشير التقديرات إلى أن واحدا من كل خمسة عراقيين يتقاضى معونات حكومية أو تعويضات بطريقة أو بأخرى.
وكان الكاظمي قد انتقد بشكل مباشر رواتب اللاجئين العراقيين السابقين في السعودية في مخيم رفحاء، وقال في تصريحات صحفية إن "بعضهم يعيش في الخارج ولديهم المال"، وكما قال السبت في تغريدة على تويتر "لا تراجع عن إيقاف ازدواج الرواتب، ومحتجزي رفحاء والفئات الأخرى لتحقيق العدالة، وما أثير عن تراجع الدولة لا صحة له والإصلاحات المالية والاقتصادية مستمرة، وماضون بإجراءاتنا".
مجلس الوزراء العراقي أعلن الاثنين وقف أي ازدواجية في رواتب ومستحقات محتجزي رفحاء، واقتصارها على شخص واحد لا يتجاوز راتبه مليون دينار عراقي.
وقرر المجلس ألا يتجاوز الحد الأعلى من المستحقات مليون دينار عراقي شهريا وذلك في حال توافر بضعة شروط، مثل أن يكون المحتجز من المقيمين في العراق حاليا، وأن يكون ربا للأسرة، على أن يكون الصرف له فقط.
الخبير القانوني فيصل ريكان قال في تصريحات لـ"الحرة" إن المجلس لم يلغِ رواتب رفحاء بل وضع ضوابط وشروطا جديدة لصرف هذه الرواتب.
وأضاف ريكان "أنه تم وضع حد أعلى للراتب على ألا يتم الصرف على أساس ازدواج الراتب، فرواتب رفحاء تمول من ميزانية الدولة التي تعاني من مشاكل أصلا جراء انخفاض أسعار النفط".
وأشار إلى أن "رواتب رفحاء لاتشبه رواتب المتقاعدين التي هي من صندوق التقاعد ومصدر أمواله من الموظف نفسه قبل أن يحال على التقاعد".
ورأى ريكان أن هذا الأمر "يساهم في تحقيق العدالة الاجتماعية فلا يمكن إعطاء راتبين أو ثلاثة لشخص واحد في حين أن بعض العراقيين لا يملكون أي راتب".
ويقف العراق، ثاني أكبر الدول المنتجة للنفط في منظمة أوبك، على شفير كارثة مالية قد تدفعه إلى اتخاذ تدابير تقشفية، بين انخفاض أسعار الخام ووباء كوفيد-19، وخصوصا أن اقتصاده يعتمد بأكثر من 90 في المئة على الإيرادات النفطية التي انخفضت بواقع خمسة أضعاف خلال عام واحد.
وبلغت إيرادات العراق من النفط خلال شهر أبريل الماضي 1.4 مليار دولار، أي أقل من ثلث مبلغ الأربعة مليارات ونصف التي تحتاج إليها البلاد شهريا لدفع رواتب الموظفين في القطاع العام والتعويضات والتكاليف الحكومية.