بقلم مالك العثامنة/
شيء ما حدث في واشنطن، جعل الملك الأردني يستحضر ملف رجله المفضل في كل المراحل، الدكتور باسم عوض الله ليقرر بعدها عزله من موقعه مبعوثا خاصا لدى المملكة العربية السعودية. هذا "الشيء" الذي حدث في واشنطن، الغامض والملتبس والغريب أجمع على حدوثه جل من تواصلت معهم، بحثا عن جواب كاف وواف عن قصة العزل المفاجئة، وارتباطها بكل ما يحدث، أردنيا وإقليميا.
الوظيفة بحد ذاتها أيضا غامضة وغريبة وملتبسة، وهو ما يتماهى تماما مع شخصية غامضة وغريبة وملتبسة مثل الدكتور باسم عوض الله، الذي لا زال منذ ظهوره الصاروخي الأول في عهد الملك عبدالله الثاني وحتى اليوم، يملأ دنيا الأردنيين، ويشغل الناس.
غير الغامض هنا ولا فيه التباس أو غرابة، هو مرافقة وفد صحافي أردني الملك إلى واشنطن (منتصف الشهر الحالي)، لتغطية الزيارة مع احتفالية بحضور هذا الوفد للدلالة على وجود سلطة رابعة مفترضة. لم يستطع أي صحافي منهم أن يقدم شيئا خارج "النص الكلاسيكي" إلا محاولات جادة ومجتهدة لأكاديمي متميز هو الدكتور حسن البراري، الذي صرح في أكثر من موقع أنه يتوقع سقوطا وشيكا لولي العهد السعودي على خلفية اتهامه بمقتل جمال خاشقجي، وأن الملك الأردني "ربما" لديه معلومات بهذا الشأن، جعلته يعجل بإسقاط رجله المفضل، ومبعوثه الخاص باسم عوض الله.
اقرأ للكاتب أيضا: سلطنة عُمان: محاولات للفهم
بكل الأحوال، هي ليست المرة الأولى التي يقوم فيها ملك الأردن بعزل عوض الله عن منصب يشغله؛ آخر مرة عزله الملك كان بعد ضجيج حرب طاحنة واستقطاب حاد في الدولة الأردنية بين مدير المخابرات الأسبق محمد الذهبي ورئيس ديوان الملك ومدير مكتبه باسم عوض الله. وانتهت القصة بأن أزاح الملك الرجلين من منصبيهما؛ ذهب مدير المخابرات إلى السجن بعد محاكمة فساد، وبقي عوض الله بدون منصب رسمي أردني ومتهما دوما (شعبيا ونخبويا) بالفساد؛ لكنه على أرض الواقع كان دوما قريبا من دائرة الملك، ومهندسا لمؤتمر دافوس الذي ارتبط به عضويا، واستطاع الرجل أن يلعب بالجغرافيا إلى حد نقل دافوس من مكانها الأوروبي إلى البحر الميت.
دافوس، التي يتقن تحضيره عوض الله، تمت هندسته هذه المرة في صحراء السعودية. وفي دافوس الصحراء، كان التوقيت قاتلا بسبب قضية خاشقجي. وفي دافوس الصحراء، ظهر باسم عوض الله لأول مرة، بدور الصحافي، حين وجه سؤالا لولي العهد السعودي يتعلق بقضية خاشقجي، وكان جواب ولي العهد السعودي الأول والأخير في تلك القضية، والمفارقة أن الملك الأردني عبدالله الثاني، كان حاضرا في دافوس الصحراء.
علاقة عوض الله بالصحافة لم تكن يوما تواصلية ضمن معادلة الصحافي يسأل والمسؤول يجيب، لكنه مارس ضمن مناصبه وما وراء مواقعه دورا مهما في "عسكرة" صحافيين ورجال إعلام في صفه، وهو ذات الدور الذي مارسه أيضا في إنتاج "مرتجل يضمن الولاءات" لوزراء ومسؤولين من الصف الأول والثاني في الدولة الأردنية، بدءا من وزارة التخطيط التي قادها وخرج بكل مواردها وإيراداتها الضخمة عن موازنة الدولة الأردنية، وليس انتهاء بالديوان الملكي وقد حوله إلى أحد أطراف الحكم في الدولة وفوق الدستور.
عمليات الإنتاج للأشخاص تلك، كانت محكومة بالولاء الشخصي لباسم، لا للدولة، فانتهى الحال بطارئين في الإعلام وفي السياسة، وكان طبيعيا أن ينقلب بعضهم على عوض الله نفسه، وهم إنتاجه الشخصي.
لكنه في دافوس الصحراء، تقمص دور الصحافي، بسؤال يتيم لولي العهد السعودي، وحسب تقارير صحفية فإن عوض الله يقول في مجالسه الخاصة إن السؤال كان اجتهادا شخصيا منه، لا دورا مرسوما له.. أو منه.
اقرأ للكاتب أيضا: حقوق دول أم حقوق إنسان: مشاهد من جنيف
في المحصلة، فإن باسم عوض الله كان حاضرا بقوة في التفاصيل العميقة حين يغيب عن واجهة المشهد، وغياب الرجل، يجلب القلق من أدواره خلف المشهد، مما يبقي دوره الأخير مبعوثا خاصا للملك الأردني عند الملك السعودي (وولي عهده)، خاضعا لكل الاحتمالات والتوقعات والتشابكات، خصوصا أنه اقترب من شخص ولي العهد السعودي مسافة تشبه مسافة اقترابه من الملك عبدالله الثاني.
♦♦♦♦♦♦♦♦♦♦♦♦♦
وفي الخاتمة...
على ضفاف السياق، تذكرت ما كتبه المسرحي الأوروبي الشهير كارلو غوردوني في القرن الثامن عشر، في مسرحيته الشهيرة "خادم سيدين" حين قال: إن خادم سيدين، يكذب يوما على أحدهما.
تلك كانت ملهاة كوميدية على مسرح من القرن الثامن عشر تحمل في جوفها المأساة، تماما مثل واقعنا المسرحي في القرن الواحد والعشرين.
ـــــــــــــــــــــ
الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن آراء أو وجهات النظر أو السياسات الرسمية لشبكة الشرق الأوسط للإرسال (أم. بي. أن)