منصة إنتاج غاز إسرائيلية في البحر المتوسط-أرشيف
منصة إنتاج غاز إسرائيلية في البحر المتوسط (أرشيف)

سايمون هندرسون/

أعلنت شركة "إكسون موبيل" مؤخرا عن اكتشاف حقل "غلافكوس"، وهو حقل بحري يقع تحت المياه على بعد 100 ميل جنوب غرب قبرص وحيث يُقدّر أنه يحتوي على حوالي 5 إلى 8 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي. وسيكون هناك رقم أكثر دقة بعد أن تجري الشركة، التي تعمل في شراكة 60/40 مع شركة قطر للبترول التي تملكها الدولة، المزيد من أعمال الحفر التقييمي.

ومن المرجح أن يحثّ هذا الاكتشاف على زيادة العمل في حقل "كاليبسو" باتجاه الشرق، الذي اكتشفه كل من شركة "إني" (إيطاليا) و"توتال" (فرنسا) قبل عام، حيث يقدّر أنه يحتوي على حوالي 6 إلى 8 تريليون قدم مكعب.

وتجدر الإشارة إلى أن أول اكتشاف في مياه قبرص كان حقل "أفروديت"، وقد اكتشفته شركة "نوبل أنرجي" ومقرها هيوستن عام 2011. ويشار إلى أن هذا الحقل يتداخل جزئيا مع المنطقة الاقتصادية الخالصة التابعة لإسرائيل، ولكن يُقدر أن هناك 4.5 تريليون قدم مكعب من الغاز لم يتم استغلاله بعد.

من شأن اكتشاف "غلافكوس" تعزيز منتدى غاز شرق المتوسط

​​يصل الرقم الإجمالي لاحتياطيات الغاز القبرصية اليوم إلى 20 تريليون قدم مكعب، وهو رقم يمكن أن يغيّر من ثروات الجزيرة على الرغم من أنه لا يُعتبر كبيرا بشكل خاص من الناحية الإقليمية. إذ تملك إسرائيل ضعف كمية الغاز، ومصر أكثر من ذلك، إلى جانب بنية تحتية راسخة لتصديره كغاز طبيعي مسال باستخدام ناقلات خاصة. لكن تُعتبر كل هذه الجهات الفاعلة بعيدة كل البعد عن روسيا (1230 تريليون قدم مكعب)، وإيران (1170 تريليون قدم مكعب)، وقطر (880 تريليون قدم مكعب).

يتمثّل التحدي الرئيسي الذي تواجهه كل من قبرص وإسرائيل في استغلال هذه الإمكانية الغازية في تكلفة الاكتشاف (حوالي 100 مليون دولار لكل حفرة) وفي التعقيدات السياسية واللوجستية للوصول إلى الأسواق.

فمعظم إنتاج إسرائيل المحلي للكهرباء يتغذى الآن على الغاز الخاص بها، إنما يصعب عليها إيجاد مسار تصدير تسلكه، بالرغم من استمرار المحادثات بشأن الترتيبات لإرسال بعض منه إلى مصر.

ومن جهة قبرص، تحتاج إلى إيجاد المزيد من خيارات التصدير بالنظر إلى سوقها المحلي الصغير جدا. فالمسار الأكثر وضوحا هو إنشاء خط أنابيب يصل إلى مصنع مصري للغاز الطبيعي المسال يتمتع بقدرة احتياطية كبيرة. أما الحل البديل، والأكثر كلفة، فسيكون إنشاء مصنع للغاز الطبيعي المسال على أن يكون عائما ومثبتا فوق الحقل، حيث يمكن للناقلات تحميل الغاز منه لنقله إلى أي مكان في العالم.

في الوقت نفسه، تواصل تركيا اعتراضها على حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة المحيطة بقبرص. ويشار إلى أن حقل "غلافكوس" لا يقع في المنطقة التي تطالب بها أنقرة ـ لكن الأتراك يزعمون أنه ينتمي إلى مصر. وحتى لو حلّت الحكومتان هذا الخلاف فيما بينهما، فإن أنقرة ستطالب من دون شك بأن يعود أي عائد من الحقل بالفائدة على جميع السكان في قبرص، من بينهم سكان الجزء الشمالي من الجزيرة الذي تحتله تركيا.

يمكن لمزيد من الاكتشافات زيادة إمكانية المقترحات لإنشاء خط أنابيب تحت البحر لنقل الغاز إلى أوروبا

​​وبالفعل، تعترف الحكومة القبرصية بمسؤوليتها عن معظم المواطنين، لكنها ترددت حيال العدد الكبير من المهاجرين الذين وصلوا منذ غزو القوات التركية لشمال الجزيرة عام 1974. وحقيقة أن شركة "إكسون موبيل" تقيم شراكة مع قطر، وهي حليف إقليمي لتركيا، تضيف عقبة أخرى إلى تلك المسائل.

من الآن فصاعدا، من المتوقع أن تكون شركات التنقيب الدولية أكثر تحفيزا للتركيز على شرق البحر الأبيض المتوسط. وهناك بالفعل اهتمام بالكتل الموجودة قبالة ساحل لبنان، حيث ستبدأ بعض عمليات الحفر هذا الصيف. ومع ذلك، من المرجح أن تجد إسرائيل نفسها مهمشة إلى حد كبير، ويعزى ذلك جزئيا إلى أن مثل هذه الشركات لا تزال تتردد في تعريض علاقاتها مع الدول العربية للخطر، ولكن أيضا لأن الحواجز القانونية والسياسية الإسرائيلية قد أخّرت جهود "نوبل إنيرجي" لاستغلال اكتشافاتها الحالية.

وأخيرا، من شأن اكتشاف "غلافكوس" تعزيز منتدى غاز شرق المتوسط، وهو منظمة متعددة الجنسيات مقرها القاهرة ويطلق عليها اسم "كلوب ميد" (نادي المتوسط) وتضم قبرص ومصر واليونان وإيطاليا وإسرائيل والأردن والسلطة الفلسطينية. كما يمكن لمزيد من الاكتشافات زيادة إمكانية المقترحات لإنشاء خط أنابيب تحت البحر لنقل الغاز إلى أوروبا. فإن مثل هذا التطوير يمكن أن يخلق مركزا للطاقة من شأنه أن يحوّل الاقتصاد الإقليمي برمته، وذلك إذا اقترن بمزيد من الجهود الرامية إلى تصدير الغاز الطبيعي المسال.

سايمون هندرسون هو زميل بيكر في معهد واشنطن ومدير برنامج الخليج وسياسة الطاقة في المعهد، ومتخصص في شؤون الطاقة والدول العربية المحافظة في الخليج.

المصدر: منتدى فكرة

ـــــــــــــــــــــ

الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن آراء أو وجهات النظر أو السياسات الرسمية لشبكة الشرق الأوسط للإرسال (أم. بي. أن).

كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.
كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.

على بعد نحو ساعة بالسيارة عن مدينة دريسدن تقع باوتسن، التي كانت تعد موطنا لمرفق سيئ السمعة في القرن الماضي، ألا وهو سجن معروف باسم المدينة نفسها. 

من عام 1933 إلى 1945، استخدم النازيون سجن "باوتسن" مقرا "للحجز الوقائي" قبل نقل المحتجزين إلى معسكرات الاعتقال. 

وفي الحقبة الممتدة من 1945 إلى 1949، احتجزت سلطات الاتحاد السوفياتي السابق المنشقين في زنزانات مكتظة مع القليل من الطعام والماء، وانتزعت منهم الاعترافات تحت التعذيب. 

وبعد عام 1949، استخدم عناصر "ستاسي"، وهو جهاز أمن الدولة في ألمانيا الشرقية سابقا، الذين دربهم جهاز الاستخبارات السوفياتية  "كي.جي.بي"، الأسلوب عينه إزاء حوالي ألفي معتقل سياسي في "باوتسن". 

هذا هو عالم الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في عصرنا الحالي، هو الذي كان عضوا في في جهاز الاستخبارات السوفييتية، حين انضم للجهاز عندما كان في الثالثة والعشرين من عمره، وقضى عدة سنوات في دريسدن.

ومنذ أيامه الأولى، وباعترافه الشخصي، كان بوتين يحلم بالعنف والسيطرة. 

واليوم تواجه، آلسو كرماشيفا، الصحفية الروسية-الأميركية التي تعمل لحساب إذاعة أوروبا الحرة الممولة من الكونغرس الأميركي، نفس المصير الذي واجه أصحاب القلم والفكر الحر في القرن الماضي خلال حقبة الاتحاد السوفياتي.

فمنذ شهر أكتوبر الماضي، تقبع كرماشيفا في زنزانة باردة وسيئة الإضاءة ومكتظة في مدينة قازان الروسية، التي تبعد نحو 800 كيلومترا شرقي موسكو. 

وتعرضت كرماشيفا للضغط من أجل انتزاع الاعترافات منها، وهو نهج كان مترسخا عند الـ"كي.جي.بي" الذي يعتبر الفكر المستقل تهديدا، والصحافة الحرة جريمة. 

سافرت كرماشيفا، وهي أم لطفلتين، الصيف الماضي إلى قازان من مسقط رأسها في براغ، لزيارة والدتها المسنة واعتقدت أنها ستكون في مأمن. 

في الثاني من يونيو الماضي، وعندما كانت في مطار قازان، استعدادا لرحلة العودة، جرى استدعاء كرماشيفا قبل خمس عشرة دقيقة من صعودها إلى الطائرة.  

اعتقلتها السلطات الروسية واتهمتها بعدم تسجيلها جواز سفرها الأميركي في روسيا، لتتم إعادتها إلى منزل والدتها وحكم عليها بغرامة تقدر بـ100 دولار تقريبا. 

وفي سبتمبر الماضي، اتهمت السلطات الروسية كرماشيفا بعدم التصريح عن نفسها بصفتها "عميلة لجهة أجنبية".  

وفي 18 أكتوبر، اقتحمت مجموعة من الملثمين المنزل واعتقلت كرماشيفا، وجرى تقييدها ومن ثم نقلها لمحتجز للاستجواب.  

وتعد النيابة العامة الروسية قضية ضدها بحجة نشرها معلومات كاذبة عن الجيش الروسي، وهو أمر ليس صحيحا. 

فخلال فترة عملها في إذاعة أوروبا الحرة محررة باللغة التتارية، دأبت كرماشيفا على إعداد تقارير عن اللغة والعرق والمجتمع المدني وحقوق الأقليات. 

وتتحدر كرماشيفا، وهي مسلمة، من قازان عاصمة جمهورية تتارستان المنضوية ضمن الاتحاد الروسي وتضم حوالي 50 في المئة من التتار ذوي الأصول التركية. 

ويسعى بوتين إلى جمع رهائن أميركيين لمبادلهم مع معتقلين روس. فخلال السنوات الماضية، اعتقلت روسيا نجمة كرة السلة الأميركية، بريتني غرينر، قبل أن يتم إطلاق سراحها مقابل إطلاق واشنطن تاجر الأسلحة الروسي، فيكتور بوت، في ديسمبر 2022. 

ولا تزال أسهم بوتين في التفاوض تشمل كرماشيفا ومراسل صحيفة وول ستريت جورنال، إيفان غيرشكوفيتش، وجندي البحرية السابق، بول ويلان.  

ولتخفيف العزلة وتمهيد الطريق للعودة إلى الوطن، لدى إيفان وبول عاملين، لا تزال كرماشيفا تكافح من أجل الحصول عليهما، أولا الحصول على الخدمات القنصلية، وثانيا اعتراف من وزارة الخارجية الأميركية بأنها  "محتجزة بشكل غير مشروع"، وهو ما سيزيد من فرص إطلاق سراحها في عملية لتبادل المعتقلين. 

ماذا يريد بوتين؟ 

إذا كان الأمر يتعلق بصفقات التبادل، فمن الواضح أن الكرملين يريد، فاديم كراسيكوف، الذي يقبع في أحد السجون الألمانية. 

كراسيكوف، الذي عمل سابقا لدى جهاز الأمن الفيدرالي الروسي، هو قاتل مأجور أقدم على اغتيال معارض شيشاني وسط برلين في أغسطس 2019، بإطلاق رصاصتين على رأسه من مسدس مزود بكاتم للصوت. 

لن يكن الأمر سهلا على الإطلاق، ولكن في الماضي كان من الممكن أن تكون الأمور أكثر وضوحا في بعض الأحيان. فعلى سبيل المثال، أراد الشيوعيون في ألمانيا الشرقية الحصول على أموال من الألمان الغربيين.  

وبحلول أواخر حقبة الشيوعية في الثمانينيات، كان نحو 85 ألف مارك ألماني غربي (حوالي 47 ألف دولار) هو ثمن شراء سجين واحد من ألمانيا الشرقية.  

زرت سجن باوتسن قبل وباء كورونا، حيث تحول اليوم إلى متحف ونصب تذكاري. 

وعندما رأيت زنزانة كانت تحتجز فيها شابة من سكان برلين الغربية دأبت على تهريب منشورات سياسية عبر الحدود لمساعدة الناشطين في ألمانيا الشرقية، أصيب بالذعر. 

وأثارت قصة، هايكه فاتيركوت، هلعي، فقد تم اعتقال الشابة البالغة من العمر عشرين عاما في ديسمبر 1976، وبعد ثمانية أشهر من الاعتقال، حُكم عليها بالسجن لمدة أربع سنوات وعشرة أشهر في باوتسن بتهمة التحريض ضد الدولة. 

كانت تلك كانت ثقافة الـ"كي.جي.بي" في ذلك الوقت. ويتعين علينا أن نعمل بجد أكبر لإنقاذ الأبرياء، وبالتأكيد المواطنين الأميركيين مثل كرماشيفا، من دولة الـ"كي.جي.بي" اليوم. 

#هذا المقال كتبه الرئيس التنفيذي المكلف بشكل مؤقت لـ"شبكة الشرق الأوسط للإرسال" (MBN) عضو المجلس الاستشاري للبث الدولي،  الرئيس السابق لإذاعة أوروبا الحرة، جيفري غدمن، في 23 يناير الماضي بمناسبة مرور 100 يوم على احتجاز روسيا لصحافية أميركية-روسية، قارن فيه بين ما جرى في تلك الفترة والتكتيكات التي باتت موسكو تتبعها في عهد بوتين.