ترامب خلال إطلاق حملته الانتخابية لعام 2020
ترامب خلال إطلاق حملته الانتخابية لعام 2020

عماد بوظو/

أطلق الرئيس دونالد ترامب مبكرا حملته للانتخابات الرئاسية 2020 تحت شعار "حافظ على أميركا عظيمة"، رغم أن كثيرا من الديموقراطيين لم يكونوا يتوقعون حصول ذلك، لأنهم بنوا حساباتهم على أن تحقيق المدعي العام المستقل روبرت مولر سيكشف عن معلومات تجعل إكمال الرئيس ترامب لفترته الأولى صعبا نظرا لخطورة الاتهامات الموجهة ضده، مثل التواطؤ مع دولة أجنبية ـ روسيا ـ من أجل النجاح في انتخابات عام 2016، إلى عرقلة العدالة خصوصا عبر إقالة رئيس الأف بي أي جيمس كومي، بالإضافة إلى قضايا أخرى برزت في سياق التحقيق، منها التهرّب الضريبي وهي من أخطر الاتهامات في الولايات المتحدة الأميركية.

ارتفعت آمال الديمقراطيين عندما صدرت أحكام بحق عدد من الأشخاص المقربين من ترامب بعد ثبوت التهمة عليهم وموافقة بعضهم على التعاون مع التحقيق مقابل تخفيض عقوبتهم، ودخل بعضهم السجن فعلا، مثل محاميه الخاص ومدير حملته الانتخابية، وكذلك بعد ما شهدته إدارة ترامب من اقالات واستقالات طالت أغلب المسؤولين فيها، بشكل لم يسبق له مثيل في التاريخ الأميركي، وكذلك في حدوث مواقف غريبة أو إشكالات خلال لقاءات ترامب مع زعماء العالم، وفي اختيار ترامب لموقع تويتر كوسيلة للإبلاغ عن بعض قراراته، مثل إعلان الموقف الأميركي من إحدى القضايا أو إقالة أحد المسؤولين، مما جعل من فترة رئاسة ترامب حالة غير مألوفة في الحياة السياسية الأميركية، وتركت هذه العوامل انطباعا عند الحزب الديمقراطي بأن أمامه فرصة سهلة للفوز في الانتخابات الرئاسية المقبلة مما دفع 23 ديمقراطيا من أعضاء الكونغرس وحكام الولايات للترشح لهذه الانتخابات.

لن يكون أمام إيران في حال فوز ترامب لأربع سنوات أخرى سوى الرضوخ للمطالب الأميركية

​​لكن ومن ناحية أخرى، انتهى هذا التحقيق دون أن يتمكن من إثبات تهمة التواطؤ مع الروس، وترك تقرير مولر الباب مفتوحا أمام تهمة إعاقة العدالة، حيث لم يؤكد ارتكاب الرئيس لها ولم يعفه منها، وأوضح مولر أن سياسة وزارة العدل تقتضي بعدم محاكمة الرئيس طالما أنه على رأس عمله، كما لم تتمكن هذه الاتهامات من التأثير على القاعدة الملتفة حول ترامب والتي حافظت على نسبة غير قليلة تتراوح حول 40 في المئة من الأميركيين، كما قالت صحيفة نيويورك بوست في 12 من الشهر الحالي أن 61 في المئة من الأميركيين يعارضون بدء الكونغرس إجراءات محاكمة أو عزل الرئيس.

وهذا يدل على أن الحملة المنسّقة والمتواصلة التي قام بها الإعلام الأميركي ضد ترامب منذ استلامه منصبه لم تحقق النجاح المطلوب، رغم المستوى الاحترافي المميز لهذا الإعلام ورغم الشهرة الواسعة التي يتمتع بها كثير من نجومه، ورغم المساعدة التي تلقّتها كبريات الصحف والمحطات الأميركية من أشخاص مقرّبين من ترامب كانوا يسرّبون لها معلومات حساسة أو محرجة بهدف إلحاق أكبر ضرر ممكن بالرئيس وبالمحيطين به.

ستبدأ بعد أيام مناظرات المرشحين الديمقراطيين، وتقول استطلاعات الرأي إن أي مرشح ديمقراطي سيتمكن من هزيمة ترامب، ولكن تجارب الانتخابات الماضية أظهرت أنه لا يمكن الركون لنتائج هذه الاستطلاعات، كما أن هناك مجموعة من العوامل التي قد تدفع نحو انتصار ترامب في الانتخابات المقبلة، منها أن الاقتصاد الأميركي يشهد انتعاشا كبيرا، فمعدل النمو خلال الربع الأول من عام 2019 وصل إلى 3.2 في المئة، وكان 2.9 في المئة في عام 2018، و2.2 في المئة عام 2017، وترافق ذلك مع ارتفاع كبير في عدد الوظائف وانخفاض في معدل البطالة لأقل مستوى منذ خمسين عاما.

ويعتقد كثير من الأميركيين أن أحد أسباب ذلك هو سياسة حماية الإنتاج المحلي من المنافسة الخارجية التي اتبعها ترامب، بالإضافة لانتعاش قطاع التكنولوجيا حيث تجاوزت في بعض الأوقات قيمة كل من شركتي أمازون وأبل حاجز تريليون دولار، كما أن توترات الأسواق الناشئة قد أدّت إلى لجوء رؤوس الأموال إلى الولايات المتحدة كملاذ آمن، كما نجح ترامب في عقد اتفاق جديد يحمي المصالح الأميركية مع كندا والمكسيك، وتسير مفاوضاته مع أوروبا وشرق أسيا نحو عقد اتفاقات جديدة تراعي المصالح الوطنية على قاعدة أميركا أولا.

إذا فاز ترامب في الانتخابات المقبلة فإن أول ما يعنيه ذلك هو أن على الحزب الديمقراطي أن يعيد النظر في توجهاته واستراتيجيته وسياساته التي جعلت نسبة كبيرة من الأميركيين تنظر إليه بتخوّف باعتباره حزبا للأقليات والاشتراكيين، وكحليف للأنظمة الديكتاتورية المعادية للولايات المتحدة، فهناك عدد من الديمقراطيين لا يخفون تعاطفهم مع النظام الإيراني والفنزويلي والسوري، ونظرا لوجود تباين كبير بين رؤية ترامب ورؤية الحزب الديمقراطي للسياسة الخارجية فإن فوز ترامب سينعكس على بقية العالم.

فإيران التي بنت استراتيجيتها الحالية في مواجهة العقوبات الأميركية على ركيزتين، أولها استخدام العمليات الإرهابية كوسيلة للضغط على الولايات المتحدة والعالم، والثانية العمل على الصمود للسنة والنصف المتبقية من فترة حكم ترامب، على أمل فوز مرشح ديمقراطي يستعيد سياسة الرئيس أوباما، ويغض النظر عن تمددها الإقليمي وبرنامجها الصاروخي ويحافظ على البنية الرئيسية لبرنامجها النووي كدولة حافّة نووية، لن يكون أمام إيران من خيار في حال فوز ترامب لأربع سنوات أخرى سوى الرضوخ للمطالب الأميركية وتوقيع اتفاق نووي حقيقي يضمن تفكيك القسم العسكري من مشروعها النووي.

انتخابات 2020 ستكشف عن درجة الانقسام التي وصل إليها المجتمع والطبقة السياسية في أميركا

​​وما يسري على إيران سينطبق بطريقة ما على فنزويلا التي يراهن ديكتاتورها مادورو على فوز الديمقراطيين بالانتخابات حتى يقوم بالانقضاض على المعارضة. حتى الصين، ستضّطر في حال فوز ترامب للدخول في مفاوضات جديّة تهدف لدفعها للتوقف عن التلاعب بأسعار عملتها وعن عدم احترام حقوق الملكية الفكرية والتجارية، وعن الدعم الحكومي لشركاتها الذي مكّن هذه الشركات من إغراق العالم بمنتجاتها بما فيها أسواق الولايات المتحدة نفسها، أما بقية الدول التي حاولت خلال السنوات الماضية اتباع سياسة استفزازية تجاه الولايات المتحدة مثل روسيا وتركيا وبعض دول الشرق الأوسط فسيكون عليها إعادة حساباتها، حيث أن فوز ترامب سيعني عودة الدور القيادي للولايات المتحدة.

مهما كانت نتيجة الانتخابات الرئاسية، فالديمقراطيون قد يفوزون في نتخابات 2020 بأغلبية في مجلسي النواب والشيوخ، بسبب غياب كثير من الشخصيات المميزة والقديرة عن الحزب الجمهوري، وبروز وجوه جديدة من السياسيين الشعبويين الذين لا يمتلكون خلفية ثقافية مميزة أو مواصفات قيادية مقنعة، وسيوظف الديمقراطيون أغلبيتهم تلك في العمل على عرقلة سياسات الإدارة في حال فوز ترامب، ولكن الأغلبية الديمقراطية لن تكون كافية للتغلب على فيتو الرئيس، وبالتالي ستستمر السياسة الأميركية على خطوطها العريضة التي كانت عليها خلال فترة رئاسة ترامب الأولى، رغم أن الصراع بين الكونغرس والبيت الأبيض في فترة ترامب الثانية سيجعل الحياة السياسية في الولايات المتحدة مليئة بالتشويق والإثارة.

في جميع الأحوال ومهما كانت نتيجة انتخابات 2020 فإنها ستكشف عن درجة الانقسام التي وصل إليها المجتمع والطبقة السياسية في أميركا.

اقرأ للكاتب أيضا: لماذا يعترض الإسلاميون على تدريس الثقافة الجنسية؟

ـــــــــــــــــــــ
الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن آراء أو وجهات النظر أو السياسات الرسمية لشبكة الشرق الأوسط للإرسال (أم. بي. أن).

 

كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.
كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.

على بعد نحو ساعة بالسيارة عن مدينة دريسدن تقع باوتسن، التي كانت تعد موطنا لمرفق سيئ السمعة في القرن الماضي، ألا وهو سجن معروف باسم المدينة نفسها. 

من عام 1933 إلى 1945، استخدم النازيون سجن "باوتسن" مقرا "للحجز الوقائي" قبل نقل المحتجزين إلى معسكرات الاعتقال. 

وفي الحقبة الممتدة من 1945 إلى 1949، احتجزت سلطات الاتحاد السوفياتي السابق المنشقين في زنزانات مكتظة مع القليل من الطعام والماء، وانتزعت منهم الاعترافات تحت التعذيب. 

وبعد عام 1949، استخدم عناصر "ستاسي"، وهو جهاز أمن الدولة في ألمانيا الشرقية سابقا، الذين دربهم جهاز الاستخبارات السوفياتية  "كي.جي.بي"، الأسلوب عينه إزاء حوالي ألفي معتقل سياسي في "باوتسن". 

هذا هو عالم الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في عصرنا الحالي، هو الذي كان عضوا في في جهاز الاستخبارات السوفييتية، حين انضم للجهاز عندما كان في الثالثة والعشرين من عمره، وقضى عدة سنوات في دريسدن.

ومنذ أيامه الأولى، وباعترافه الشخصي، كان بوتين يحلم بالعنف والسيطرة. 

واليوم تواجه، آلسو كرماشيفا، الصحفية الروسية-الأميركية التي تعمل لحساب إذاعة أوروبا الحرة الممولة من الكونغرس الأميركي، نفس المصير الذي واجه أصحاب القلم والفكر الحر في القرن الماضي خلال حقبة الاتحاد السوفياتي.

فمنذ شهر أكتوبر الماضي، تقبع كرماشيفا في زنزانة باردة وسيئة الإضاءة ومكتظة في مدينة قازان الروسية، التي تبعد نحو 800 كيلومترا شرقي موسكو. 

وتعرضت كرماشيفا للضغط من أجل انتزاع الاعترافات منها، وهو نهج كان مترسخا عند الـ"كي.جي.بي" الذي يعتبر الفكر المستقل تهديدا، والصحافة الحرة جريمة. 

سافرت كرماشيفا، وهي أم لطفلتين، الصيف الماضي إلى قازان من مسقط رأسها في براغ، لزيارة والدتها المسنة واعتقدت أنها ستكون في مأمن. 

في الثاني من يونيو الماضي، وعندما كانت في مطار قازان، استعدادا لرحلة العودة، جرى استدعاء كرماشيفا قبل خمس عشرة دقيقة من صعودها إلى الطائرة.  

اعتقلتها السلطات الروسية واتهمتها بعدم تسجيلها جواز سفرها الأميركي في روسيا، لتتم إعادتها إلى منزل والدتها وحكم عليها بغرامة تقدر بـ100 دولار تقريبا. 

وفي سبتمبر الماضي، اتهمت السلطات الروسية كرماشيفا بعدم التصريح عن نفسها بصفتها "عميلة لجهة أجنبية".  

وفي 18 أكتوبر، اقتحمت مجموعة من الملثمين المنزل واعتقلت كرماشيفا، وجرى تقييدها ومن ثم نقلها لمحتجز للاستجواب.  

وتعد النيابة العامة الروسية قضية ضدها بحجة نشرها معلومات كاذبة عن الجيش الروسي، وهو أمر ليس صحيحا. 

فخلال فترة عملها في إذاعة أوروبا الحرة محررة باللغة التتارية، دأبت كرماشيفا على إعداد تقارير عن اللغة والعرق والمجتمع المدني وحقوق الأقليات. 

وتتحدر كرماشيفا، وهي مسلمة، من قازان عاصمة جمهورية تتارستان المنضوية ضمن الاتحاد الروسي وتضم حوالي 50 في المئة من التتار ذوي الأصول التركية. 

ويسعى بوتين إلى جمع رهائن أميركيين لمبادلهم مع معتقلين روس. فخلال السنوات الماضية، اعتقلت روسيا نجمة كرة السلة الأميركية، بريتني غرينر، قبل أن يتم إطلاق سراحها مقابل إطلاق واشنطن تاجر الأسلحة الروسي، فيكتور بوت، في ديسمبر 2022. 

ولا تزال أسهم بوتين في التفاوض تشمل كرماشيفا ومراسل صحيفة وول ستريت جورنال، إيفان غيرشكوفيتش، وجندي البحرية السابق، بول ويلان.  

ولتخفيف العزلة وتمهيد الطريق للعودة إلى الوطن، لدى إيفان وبول عاملين، لا تزال كرماشيفا تكافح من أجل الحصول عليهما، أولا الحصول على الخدمات القنصلية، وثانيا اعتراف من وزارة الخارجية الأميركية بأنها  "محتجزة بشكل غير مشروع"، وهو ما سيزيد من فرص إطلاق سراحها في عملية لتبادل المعتقلين. 

ماذا يريد بوتين؟ 

إذا كان الأمر يتعلق بصفقات التبادل، فمن الواضح أن الكرملين يريد، فاديم كراسيكوف، الذي يقبع في أحد السجون الألمانية. 

كراسيكوف، الذي عمل سابقا لدى جهاز الأمن الفيدرالي الروسي، هو قاتل مأجور أقدم على اغتيال معارض شيشاني وسط برلين في أغسطس 2019، بإطلاق رصاصتين على رأسه من مسدس مزود بكاتم للصوت. 

لن يكن الأمر سهلا على الإطلاق، ولكن في الماضي كان من الممكن أن تكون الأمور أكثر وضوحا في بعض الأحيان. فعلى سبيل المثال، أراد الشيوعيون في ألمانيا الشرقية الحصول على أموال من الألمان الغربيين.  

وبحلول أواخر حقبة الشيوعية في الثمانينيات، كان نحو 85 ألف مارك ألماني غربي (حوالي 47 ألف دولار) هو ثمن شراء سجين واحد من ألمانيا الشرقية.  

زرت سجن باوتسن قبل وباء كورونا، حيث تحول اليوم إلى متحف ونصب تذكاري. 

وعندما رأيت زنزانة كانت تحتجز فيها شابة من سكان برلين الغربية دأبت على تهريب منشورات سياسية عبر الحدود لمساعدة الناشطين في ألمانيا الشرقية، أصيب بالذعر. 

وأثارت قصة، هايكه فاتيركوت، هلعي، فقد تم اعتقال الشابة البالغة من العمر عشرين عاما في ديسمبر 1976، وبعد ثمانية أشهر من الاعتقال، حُكم عليها بالسجن لمدة أربع سنوات وعشرة أشهر في باوتسن بتهمة التحريض ضد الدولة. 

كانت تلك كانت ثقافة الـ"كي.جي.بي" في ذلك الوقت. ويتعين علينا أن نعمل بجد أكبر لإنقاذ الأبرياء، وبالتأكيد المواطنين الأميركيين مثل كرماشيفا، من دولة الـ"كي.جي.بي" اليوم. 

#هذا المقال كتبه الرئيس التنفيذي المكلف بشكل مؤقت لـ"شبكة الشرق الأوسط للإرسال" (MBN) عضو المجلس الاستشاري للبث الدولي،  الرئيس السابق لإذاعة أوروبا الحرة، جيفري غدمن، في 23 يناير الماضي بمناسبة مرور 100 يوم على احتجاز روسيا لصحافية أميركية-روسية، قارن فيه بين ما جرى في تلك الفترة والتكتيكات التي باتت موسكو تتبعها في عهد بوتين.