بخطوات هادئة وغير معلنة يعزز "الحرس الثوري" الإيراني نفوذه في مناطق شرق سوريا، وخاصة في محيط البوكمال التي يعتبرها "عاصمته الأبرز"، كونها تتوسط الممر البري الذي يصل طهران بالعاصمة بيروت، ولتحقيق هذا الهدف يحاول في الوقت الحالي استقطاب عشائر المنطقة من أجل إقناعها في تشكيل قوة محلية من أبنائها، لتتبع له بشكل مباشر.
هذه الخطوة التي يصفها مراقبون بـ"الخطيرة" ورد ذكرها على لسان قادة في "الحرس الثوري" حيث حضروا مؤتمرا عشائريا نظمه نظام الأسد في مدينة الميادين بريف دير الزور، الأسبوع الماضي، وعلى هامشه قدموا عرضا لوجهاء عدد من عشائر دير الزور، تضمن السعي إلى تشكيل قوة محلية من هذه العشائر.
ووفق ما ذكر "المرصد السوري لحقوق الإنسان" فإن قائد لواء "الشيخ" التابع لـ "الحرس الثوري" اجتمع بشيوخ كل من عشائر: "العكيدات، المشاهدة، البقارة، القلعيين، البوسرايا، القرعان، الجحيش"، في الثالث من فبراير الحالي، في مضافته الواقعة بشارع الكورنيش قرب محطة المياه في مدينة الميادين.
وأضاف المرصد أن قائد لواء "الشيخ" أبلغ المجتمعين بأن قيادة "الحرس الثوري" كلفته شخصيا بدعوى عشائر المنطقة لتشكيل قوة رديفة، قوامها أبناء عشائر المنطقة، على أن تتكلف قيادة "الحرس الثوري" بتقديم الدعم العسكري والمادي لهم.
وتتركز مهام القوة العشائرية، حسب ما نقل المرصد بـ"مؤازرة الميليشيات الإيرانية فقط في عملياتها العسكرية في المنطقة"، مشيرا إلى أن "قائد لواء الشيخ أنهى اجتماعه مع شيوخ العشائر بوليمة عشاء وتقديم وعود لهم بتنسيق اجتماعات بينهم وبين قيادة الحرس الثوري الإيراني بشكل مباشر".
"ميزات ومغريات"
في تصريحات لموقع "الحرة" أكد مصدر عشائري حضر الاجتماع بين قادة الحرس الثوري وشيوخ العشائر التفاصيل التي ذكرها المرصد السوري لحقوق الإنسان".
وقال إن العرض المرتبط بتشكيل قوة عشائرية تم التطرق فيه إلى "ميزات ومغريات" سيحصل عليها الشخص الذي يريد الانضمام إلى هذه القوة.
ويضيف المصدر الذي طلب عدم ذكر اسمه أن "الحديث المتعلق بتشكيل القوة العشائرية تمت مقاربته خلال الاجتماع بالقوة العشائرية التي عمل الحرس الثوري الإيراني على تشكيلها في العراق. لم يحدد اسم القوات لكن من المقرر أن تحمل اسم قوات العشائر".
وعرض قادة "الحرس الثوري" على وجهاء العشائر ومخاتير مناطق دير الزور بأن يحصل كل عنصر في القوة العشائرية على راتب شهري، بالإضافة إلى "سلة غذائية" لعائلته، وبطاقة أمنية تتيح له التحرك في كافة المناطق الخاضعة لسيطرة نظام الأسد، على أن يتركز عمله العسكري في دير الزور فقط، بعيدا عن الجبهات الأخرى.
ولم ينحصر الاجتماع على شيوخ مدينة الميادين فقط، بل دعي إليه شيوخ من مناطق مختلفة من شرق سوريا، وهو أمر وصفه المصدر بالنقطة اللافتة، موضحا: "الحرس الثوري الإيراني يحاول استقطاب شبان المنطقة الشرقية ككل لضمهم إلى قواته".
ويشير إلى أن "الهدف الأساسي يكمن في محاولة الحرس الثوري سحب الشبان القاطنين في مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية للعمل ضمن ميليشياته"، وهو ما روّج له في عدة اجتماعات ومؤتمرات عشائرية بريف دير الزور، خلال الأشهر الماضية.
من البوكمال إلى الميادين
وتعتبر مدينة البوكمال الحدودية مع العراق القاعدة الأبرز للنفوذ الإيراني في سوريا، وكانت قد شهدت عدة ضربات جوية في السنوات الماضية. القسم الأكبر منها من نفذتها الطائرات الإسرائيلية، والآخر من قبل طائرات التحالف الدولي، الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية.
ومن المعادلة المذكورة للضربات الجوية، يوضح المصدر العشائري أن "الحرس الثوري" الإيراني تحول ومنذ أشهر لعقد اجتماعاته ومؤتمراته في مدينة الميادين، في عمليات "تمويه"، يحاول فيها الابتعاد قدر الإمكان عن أي خطر محتمل.
وكانت الميادين قد شهدت، منذ مطلع عام 2020 عدة اجتماعات بين قادة من "الحرس الثوري" ووجهاء وشيوخ عشائر محافظة دير الزور، وارتبطت جميع العروض التي تلقتها الأخيرة بضرورة سعيها لاستقطاب النسبة الأكبر من شبان المنطقة للعودة إلى مدنهم وقراهم، سواء داخل سوريا أو خارجها من اللاجئين.
وفي سياق الميزات التي يتم عرضها على وجهاء العشائر، يشير المصدر لموقع "الحرة" إلى نشاط لثلاث جمعيات تتبع لـ"الحرس الثوري" في محافظة دير الزور، وهي "جمعية الرضوان"، "جمعية الجهاد والبناء"، "جمعية الإمام الحسين".
ويتركز عمل هذه الجمعيات على تقديم السلل الغذائية لمقاتلي الميليشيات الإيرانية في دير الزور، إلى جانب توليها مهام تسليم الرواتب الشهرية، والتي تتميز بـ"أنها تأتي في وقتها ولا يتم تأخيرها"، حسب المصدر.
ورقة رابحة
ما يعمل عليه "الحرس الثوري" في الوقت الحالي باستقطاب أبناء عشائر دير الزور يعتبر "ورقة رابحة"، لاسيما أن ما يميز المنطقة المستهدفة هي صورتها العشائرية، والتي تعتبر بوابة الدخول، التي لا يمكن لأي قوة متصارعة تجاوزها.
وبالعودة إلى مايو 2018 كان هناك تصريحات لافتة للمرشد الأعلى الإيراني للشؤون الدولية، علي أكبر ولايتي، حيث قال إن طهران تعول على العشائر الكردية الموجودة في منطقة شرق الفرات للتحرك ضد قوات الولايات المتحدة الأميركية في المنطقة.
الكاتب سامي العاني، يشير إلى محاولات مستمرة من قبل الإيرانيين لاستقطاب أبناء العشائر في محافظة دير الزور، خلال السنوات الماضية، ويقول "لكن يبدو أن الخطوة الحالية هي الأكبر لهم في هذا الموضوع".
ويضيف العاني في تصريحات لموقع "الحرة" أن "المشكلة تكمن في أن إيران تعي وتفهم جيدا الترتيبة والعقلية العشائرية، سواء في سوريا أو العراق. يدرسون هذه الخطوة منذ زمن على عكس القوات الكردية".
ويوضح العاني المقيم في غازي عنتاب أن الصف الأول من شيوخ العشائر موجودون في مناطق سيطرة نظام الأسد، وهو الأمر الذي يدفع الإيرانيين لاستغلالهم، ومثال على ذلك "نواف البشير" شيخ عشيرة البقارة، والذي كان قد اتجه مؤخرا لتشكيل قوة، ذات ولاء مطلق لـ"الحرس الثوري".
هل تنجح المحاولات؟
عند الحديث عن محافظة دير الزور بشقيها الخاضع لسيطرة نظام الأسد أو "قوات سوريا الديمقراطية" لا بد من الإشارة إلى الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيشها السكان، والذين يفتقدون لأبسط مقومات الحياة اليومية، وهي النقطة التي تعزف طهران على وترها.
لذلك تحاول طهران بذراعها "الحرس الثوري" تقديم مغريات مالية وأخرى ترتبط بمقومات العيش، من أجل استقطاب هؤلاء الشبان، وفي ذات الوقت تتجه لإغرائهم بسهولة التحرك الأمني، وهي ميزة قلما يحصل عليها الشبان في المناطق الخاضعة لسيطرة نظام الأسد.
ويوضح الكاتب العاني أن "الحرس الثوري يستغل ما تشهده المنطقة بنقطتين، الأولى هي الوتر العشائري، بالإضافة إلى الظروف الاقتصادية السيئة".
ويقول "هذه الخطوات من الممكن أن تنجح جزئيا لكن ليس بشكلها الكامل، على اعتبار أن البنية الداخلية للعشائرية تصدّعت. قسم منها باتجاه قسد والمعارضة والنظام، وقسم وقف على الحياد".
من جانبه يرى المصدر العشائري الذي تحدث لموقع "الحرة" أن توجه "الحرس الثوري" لتشكيل قوة من أبناء العشائر لا يمكن فصله عما تشهده مناطق "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، والتي يعاني فيها الشبان من عمليات التجنيد الإجباري.
ومن هذه النقطة يوضح المصدر أنه يمكن قراءة هدف "الحرس الثوري" من تشكيل القوة بمحاولاتٍ لسحب قسم كبير من الشبان القاطنين في مناطق "قسد"، لتخليصهم من التجنيد أولا، ومن ثم الاستثمار بهم لتعزيز النفوذ على الأرض، وخاصة في المنطقة التي تتوسط الكريدور الإيراني.
استغلال لحظات الضعف
لا تقتصر الخطوات التي يسير بها "الحرس الثوري" على ما سبق، بل تسير بموازاته عمليات تشييع وتغيير لمعالم المنطقة، حسب ما يقول عمار حداوي وهو أحد وجهاء عشيرة العكيدات.
ويضيف في تصريحات لموقع "الحرة" أن "المشروع الإيراني خطير لأنه يحاول فرض إيديولوجيا من مئات السنين في المنطقة. الآن يعمل على استكمال تثبيتها".
وقارب حداوي ما تشهده المنطقة الشرقية في الوقت الحالي من تحركات إيرانية بالظروف التي شهدها العراق سابقا ويشهدها الآن أيضا، مشيرا "إيران استقطبت عدة أطراف عشائرية كشمر والجبور والدليم والخزاعة".
ويوضح أن إيران "تحاول نصب خيامها وإقامة مشاريعها، مستغلة بذلك لحظات الضعف التي تمر بها المناطق السورية، وخاصة دير الزور، والتي تحاول فيها العشائر الظفر بأبسط مقومات الحياة، من كهرباء ومسكن وتعليم، إلى جانب عنصر الأمان".
وتعتبر العشائر في محافظة دير الزور، وخاصة في الميادين والبوكمال حاجزا يقف أمام استكمال المشروع الإيراني في سوريا، ووفق المتحدث "لذلك تحاول طهران كسب هذه الورقة لتحقيق عدة غايات، أبرزها تأمين وبسط نفوذها من طهران وصولا إلى دمشق وبيروت".
ورقة العشائر بيد الجميع
في سياق ما سبق لكن بصورة أوسع فإن التوجه لكسب "ورقة العشائر" لا يقتصر على طهران فقط، بل ينسحب إلى أطراف النفوذ الأخرى المنتشرة على طول الخارطة السورية.
وخلال السنوات الأربع الماضية كان لافتا تحركات تمثلت بسباق محموم بين أطراف النفوذ في سوريا للاستحواذ على هذه الورقة، الأمر الذي رافقته عدة تساؤلات عن مدى تأثير ورقة العشائر في الوضع السياسي والعسكري الحالي أو المقبل لسوريا.
وكان نظام الأسد قد توجه في عدة مرات لعقد مؤتمرات عشائرية في كل من ريف الرقة وحلب، تحت عنوان عريض "العشائر السورية ضد التدخل الأجنبي في الداخل السوري".
وفي يونيو 2018، رعى النظام السوري مؤتمرا لأكثر من 70 عشيرة وقبيلة في سوريا في ريف حلب الشرقي، وخرج البيان الختامي في ذلك الوقت بتشكيل وحدة مقاتلة ضد الوجود الأميركي والفرنسي والتركي.
وإلى الشمال السوري الخاضع لسيطرة فصائل المعارضة فلم يختلف الأمر كثيرا إذ عملت تركيا ومنذ عام 2017 على تجميع الكتل العشائرية المعارضة والمحسوبة على الثورة السورية في كيان موحد، وعقدت لها عدة مؤتمرات داخل أراضيها وفي عفرين مؤخرا، أواخر العام الماضي.
في حين وإلى الشمال الشرقي من سوريا حيث تسيطر القوات الكردية، فقد نظمت الأخيرة عدة مؤتمرات أيضا خصت العشائر بشكل خاص، وكان أبرزها في أكتوبر 2018 وحينها حمل عنوان "العشائر السورية تحمي المجتمع السوري وتصون عقده الاجتماعي"، وحضره مشايخ عشائر من المنطقة الشرقية والرئيس السابق لحزب "الاتحاد الديمقراطي" الكردي، صالح مسلم، إلى جانب مسؤولين في "مجلس سوريا الديمقراطية" على رأسهم إلهام أحمد.