لقاء بين الملك سلمان والسيسي بالرياض في 8 مارس 2022
لقاء بين الملك سلمان والسيسي بالرياض في 8 مارس 2022

شهدت الأيام الماضية، تراشقا إعلاميا بين عدد من الكتاب والإعلاميين السعوديين مع نظرائهم المصريين، ما أثار التساؤلات حول "خلفية هذه التجاذبات؟"، وهل تمثل أراء مطلقيها أم تكشف عن "خلافات وراء الستار"؟، بينما يتحدث خبراء لموقع "الحرة" عن "تباين واحتقان" غير معلن بين القاهرة والرياض، ويكشفون أسبابه وتداعياته.

تلاسن وتراشق إعلامي

جاءت البداية مع سلسلة تغريدات للكاتب السعودي، تركي الحمد، تطرق خلالها للوضع السياسي والاقتصادي المصري، وقال إن "مصر بواقعها الحالي، هي مصر البطالة والأزمات الاقتصادية والسياسية ومعضلات المجتمع وتقلباته الجذرية العنيفة".

وذكر في حديثه ثلاثة أسباب لتلك المشكلات تتعلق بـ"هيمنة الجيش المصري المتصاعدة على الدولة وخاصة الاقتصاد، والبيروقراطية المصرية الهرمة المقاومة للتغيير، والثقافة الشعبية المستسلمة والمستكينة".

وأثار حديث الكاتب السعودي الكثير من الجدل في الأوساط المصرية، واعتبر بعض النشطاء أن حديثه عن أزمات مصر يعد "تدخلا متعمدا في الشأن الداخلي المصري" في ظل قربه من دوائر صناعة القرار بالمملكة.

وبعد ذلك بأيام خرج كاتب سعودي آخر، وهو خالد الدخيل، ليتحدث عن الوضع السياسي والاقتصادي المصري.

وقال في تغريدة عبر حسابه بموقع "تويتر"، إن "ما يحصل لمصر في السنوات الأخيرة يعود في جذره الأول إلى أنها لم تغادر عباءة العسكر منذ 1952".

وكتب "مصر انكسرت في يونيو 67 وتبخر وهج 23 يوليو كما عرفه المصريون والعرب، لكن سيطرة الجيش على السلطة وعلى اقتصاد مصر لم يسمح ببديل سياسي اقتصادي مختلف".

وتواصل "موقع الحرة"، مع الكاتب السعودي تركي الحمد لأكثر من مرة لكنه لم يتسن الحصول على رده ولا على رد من الكاتب خالد الدخيل.

على الجانب الآخر، شن الإعلامي المصري، نشأت الديهي، هجوما على تركي الحمد، وقال له "أنت مالك ومال مصر".

وفي حديثه ببرنامج "بالورقة والقلم" المذاع على قناة "تن" الفضائية المصرية، وجه حديثه لتركي الحمد قائلا: "أنا بقول لتركي الحمد وأمثاله عيب"، مضيفا "من أنت لكي تتحدث عن تاريخ مصر، مصر باقية، هذه الدولة خلقت لتبقى، وحديث تركي الحمد عبارة عن صفر كبير".

والخميس، نشر الكاتب الصحفي رئيس تحرير صحيفة الجمهورية "القومية الحكومية المصرية"، عبدالرازق توفيق، مقالا صحفيا تحت عنوان " الأشجار المثمرة وحجارة اللئام والأندال" تحدث فيه عن هجوم من أسماهم بالأشقاء على الدولة المصرية.

صورة للمقال المحذوف

ونشر موقعي "الجمهورية" و"كايرو 24" المقال قبل أن يتم "حذفه لاحقا".

صورة لمقال رئيس تحرير الجمهورية المحذوف

وتواصل موقع "الحرة" لأكثر من مرة مع عبدالرازق توفيق لتوضيح مقصده من المقال وأسباب حذفه، لكنه لم يردوكذلك فعل الإعلامي نشأت الديهي.

ما وراء الستار؟

يرى الكاتب والمحلل السياسي السعودي، مبارك آل عاتي، أن "التجاذب والتلاسن يعبر عن آراء شخصية لنخب مصرية وسعودية".

وفي حديثه لموقع "الحرة"، يقر بوجود "تباين" في وجهات النظر بين مصر والسعودية حول أسلوب معالجة بعض القضايا الاقتصادية والسياسية التي تهم البلدين.

وحسب حديث آل عاتي فإن هناك كتاب ونخب يتطفلون على هذا "التباين" باجتهاد شخصي ودون توجيه من أي جهة كانت، على حد قوله.

ويتحدث آل عاتي عن "علاقات استراتيجية تاريخية ثابتة بين البلدين"، مضيفا أن "مصر والسعودية يعودان لبعضهما البعض في كل قضية مهمة في العالم العربي".

ويقول آل عاتي إن ما يجمع السعودية ومصر "أكبر بكثير" مما قد يؤدي لتبيان في وجهات النظر حول أي قضية.

لكن على جانب آخر، يصف الخبير الاستراتيجي المصري، سعد الزنط، التلاسن الإعلامي بأنه "عرض لمرض موجود منذ سنوات".

وفي حديثه لموقع "الحرة"، يشير إلى أن حديث الكتاب السعوديين وهجومهم على مصر هو امتداد لـ"مواقف سعودية رسمية". 

ويؤكد الزنط أن "السعودية بطبيعة إدارتها الأمنية والسياسية لا تسمح لأي سعودي بالخروج خارج سياق الدولة أو دوائر الحكم بالمملكة"، مضيفا أن "هؤلاء الكتاب مقربون من دائرة صناعة القرار بالرياض".

وحسب حديثه فإن "هناك احتقان سياسي واضح بين مصر والسعودية"، ويقول "لا أحد من هؤلاء الكتاب يتحرك دون تعليمات"، على حد وصفه.

من جانبه يرى المحلل السياسي الإماراتي، عبدالخالق عبدالله، أن ما يحدث بين الجانبين بمثابة "حوار غير مباشر بين نخب سعودية وأخرى مصرية ولا علاقة له بالعلاقات الرسمية بين البلدين".

وفي حديثه لموقع "الحرة"، يقول إن مواقف النخب على الجانبين "متشجنة وبها ردح" لا يليق بالعلاقات الراسخة بين السعودية ومصر.

خلافات سياسية؟

يرى الزنط أن السبب الرئيسي للاحتقان بين مصر والسعودية هو تأخر تسليم "جزيرتي تيران وصنافير".

وفي الثامن من أبريل 2016، أبرمت القاهرة والرياض اتفاقية لترسيم الحدود نصت على "انتقال تبعية تيران وصنافير إلى السعودية" بعد جدل قانوني واسع في مصر وغضب وتظاهرات احتجاجية صغيرة تم قمعها على الفور، وفقا لـ"فرانس برس".

ووصل الأمر إلى القضاء المصري الذي "تضاربت قراراته"، فألغتها كلها المحكمة الدستورية العليا في يونيو 2017.

وفي الشهر نفسه، أقر البرلمان المصري اتفاقية ترسيم الحدود ثم صادق عليها الرئيس، عبد الفتاح السيسي، ونشرت في الجريدة الرسمية.

وفي 21 ديسمبر 2022، كشف تقرير لموقع "أكسيوس" عن وقف مصر تنفيذ اتفاق بشأن نقل سيادة "الجزيرتين الاستراتيجيتين" الواقعتين في البحر الأحمر إلى السعودية.

لكن على جانب آخر، يقول آل عاتي إن السعودية تفهمت "تأخير مصر تسليم جزيرتي تيران وصنافير".

وحسب حديثه فإن هناك "تنسيق عالي جدا بين القاهرة والرياض" وتفاهم كبير في القضايا السياسية.

خلافات اقتصادية؟

يشير الزنط إلى بعد آخر تسبب في احتقان العلاقات، بعد تصريحات لوزير المالية السعودي في منتدى دافوس، يصفها بـ" غير المقبولة وتحمل تدخلا في الشأن الداخلي المصري".

وفي 18 يناير، قال وزير المالية السعودي، محمد الجدعان، إن المملكة تغير طريقة تقديم المساعدات لحلفائها من تقديم منح مباشرة وودائع دون شروط.

وخلال مشاركته في منتدى دافوس الاقتصادي العالمي بسويسرا، قال إن "المملكة أكبر مُصدر للنفط في العالم وقوة عربية، تشجع دول المنطقة على إجراء إصلاحات اقتصادية".

وأردف "اعتدنا تقديم منح ومساعدات مباشرة دون شروط، ونحن نغير ذلك، ونعمل مع مؤسسات متعددة الأطراف لنقول بالفعل إننا بحاجة إلى رؤية إصلاحات".

ومضى يقول "نفرض ضرائب على شعبنا ونتوقع من الآخرين فعل الأمر نفسه وأن يبذلوا جهدا، نريد المساعدة لكننا نريد منكم الاضطلاع بدوركم".

وفي يونيو، وقعت السعودية اتفاقات بقيمة 7.7 مليار دولار مع مصر، بما في ذلك بناء محطة طاقة بقيمة 1.5 مليار دولار، وقالت إنها تعتزم قيادة استثمارات بقيمة 30 مليار دولار لمساعدة حليف قديم يواجه ضعف العملة المحلية ونقص العملة الأجنبية، وفقا لـ"رويترز".

لكن الزنط يشدد على أن السعودية ليست جهة تمويل دولية مثل "صندوق النقد أو البنك الدولي"، ويقول إن "العلاقة بين القاهرة والرياض خاصة وما كان ينبغي الإدلاء بمثل تلك التصريحات".

ويشير إلى أن تصريحات الكتاب السعوديين تتسق مع تصريحات وزير المالية السعودي وتمثل "تطاولا على الدور المصري بالمنطقة".

لكن على جانب آخر، يشير آل عاتي إلى أن الكتاب السعوديين لهم آراء يحركها "دوافعهم ونوازعهم الوطنية التي لا يدفعها أحد".

ويؤكد أن "السعودية يهمها معرفة إلى أين تذهب المساعدات"، ويقول إن تصريحات وزير مالية المملكة تجسد "نهجا اقتصاديا وسياسيا وتنمويا جديدا للمملكة".

وحسب حديث آل عاتي فإن هذا "النهج الجديد" تتخذه السعودية تجاه كل الدول دون استثناء لحماية "مصالحها والمال العام"، وهو ليس موجه لمصر.

ويؤكد آل عاتي أن جزءا من هذا المال يأتي من "دافعي الضرائب بالمملكة"، ولذلك يجب على الداخل السعودي معرفة "أين تذهب أمواله ومسالكها وطريقة صرفها".

وهذا النهج السعودي الجديد سيطبق لكل من "يحتاج المساعدات" لحماية المال العام من الذهاب لأيدي الفاسدين في أي دولة كانت، أو صرف تلك الأموال بسبيل "غير مرغوب"، وهذا ليس موجه لمصر أو أي دولة شقيقة، وفقا لحديث آل عاتي.

لكن الزنط يرفض هذا الطرح، ويقول إن "مصر ساعدت السعودية تاريخيا ولم تسألها أين تصرف الأموال المصرية".

ويتحدث الزنط عن "مساعدات طبية وتعليمية ومالية تاريخية مصرية للسعودية"، مضيفا "وقتها لم نطالب بمعرفة كيفية توزيع الغذاء والدواء والمال المصري الموجهة للمملكة".

تدخل في الشأن المصري؟

تشهد مصر أزمة اقتصادية صعبة يأتي على رأسها نقص العملة الأجنبية وارتفاع معدل التضخم بعد تخفيض البنك المركزي المصري قيمة العملة المحلية أمام الدولار الأميركي الذي يسجل حاليا نحو 30 جنيها مقابل 15,6 في مارس 2022.

ويعيش ثلث سكان مصر البالغ عددهم 104 ملايين تحت خط الفقر، وفق البنك الدولي، بينما ثلث آخر "معرضون لأن يصبحوا فقراء".

وأقرض صندوق النقد الدولي مصر ثلاثة مليارات على مدى أربع سنوات، في حين يتعيّن على القاهرة سداد 42 مليار دولار من الديون خلال 2022-2023.

وأودعت دول الخليج الحليفة لمصر 28 مليار دولار من الودائع لدى البنك المركزي المصري، وفقا لـ"فرانس برس".

ويقر الزنط بمواجهة القاهرة لأزمة سياسية واقتصادية، ويقول "هناك أخطاء ومشكلات في مصر ولكن ذلك لا يعني التدخل  وتوجيه إملاءات للقاهرة".

وهناك فارق بين الاقتراض من صندوق النقد الدولي وبين "نيل مساعدات من دولة شقيقة"، ولذلك فأن "الخلط السعودي" لتلك الأمور قد تسبب في مشكلة بين البلدين، وفقا لحديث الزنط.

ويشير الزنط إلى أن "مصر قادرة على إدارة شؤونها الاقتصادية والسياسية داخليا"، مضيفا "لا نحتاج لتدخلات أو إملاءات من أحد".

لكن آل عاتي ينفي هذا الكلام، ويقول لا نتدخل في الشأن الداخلي المصري ويهمنا استقلالها ومصالحها الاقتصادية والتنموية ونحرص أن تكون "مصر قوية آمنة ومستقرة".

تنافس على النفوذ والريادة؟

يتحدث الزنط عن سبب جديد للاحتقان بين البلدين، ويشير إلى "تنافس" تديره السعودية بطريقة "خاطئة ما يؤثر على الأمن القومي العربي"، على حد تعبيره.

ويقول الزنط "ما يحدث من الأشقاء في السعودية مقصود ومكرر وليس بجديد"، معتبرا أن السعودية تحاول "مزاحمة مصر" على "إدارة الأمن القومي العربي".

ويقول إن "وفرة المال أو الطفرة الاقتصادية لا تعني "قيادة المنطقة"، لأن القيادة تحتاج "تراكمات أكبر من ذلك"، على حد قوله.

لكن آل عاتي ينفي ذلك الطرح، ويقول "لا يوجد صراع نفوذ بين البلدين".

ولم تمارس السعودية أي ضغوط على "القيادة المصرية" رغم مرور مصر "بظروف اقتصادية صعبة جدا"، وفقا لحديث آل عاتي.

ويشير إلى أن السعودية تمثل "عمقا عربيا كبيرا" وتقوم بدور سياسي واقتصادي "محوري عالمي"، وليس في المنطقة فقط.

وحسب حديث آل عاتي فإن "السعودية مؤخرا لا تلقى بالا بمنافسة أي دولة، وللمملكة رؤية اقتصادية واجتماعية تنموية كبيرة يهمها تنفيذها ومن ضمن بنودها عملية تنظيم المساعدات والتعاون السياسي بين الدول".

من جانبه يؤكد عبدالخالق عبدالله عدم وجود "تباشير بصراع سياسي بين القاهرة والرياض"، ويقول إن هناك "تنافس" بين العواصم العربية المؤثرة وهو أمر "جيد ومحمود لا ينبغي أن يتحول لصراع أو شجار أو تنازع".

من يقود المنطقة؟

يؤكد الزنط أن السعودية "تساعد جدا" في قيادة الأمن القومي العربي، لكن المملكة لا تصلح أن تكون "رأس قاطرة للقيادة".

وحسب حديثه فإن الريادة العربية لها مقومات "تاريخية وحضارية وعسكرية وأمنية، لا تتوفر في السعودية".

ويقول الزنط إن مصر هي "قاطرة الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، ولا ينافسها أحد وعلى الجميع فهم ذلك وإعادة تقدير موقفه".

من جانبه يرى آل عاتي أن السعودية ومصر يقودان الدول العربية "بحسن التنسيق وعلو التفاهم"، ويقول "نمر في العالم العربي بفترة سياسية مهمة جدا تحتاج استمرار التنسيق بين القاهرة والرياض".

وترى السعودية أن القضايا التي يمر بها دول عربية تحتاج جهود الجميع وعلاقة المملكة مع مصر تاريخية "لا يمكن القفز عليها وسوف تستمر"، وفقا لحديث آل عاتي.

لكن على جانب آخر، يرى عبدالله أن قيادة الدول العربية حاليا "خليجية" حتى إشعار آخر، ويقول "هذا ليس تنطاعا ولا إدعاء ولا تفلسفا" لكن الوقائع تشير إلى ذلك

وحسب حديثه فإن قيادة المنطقة تمثل مسؤولية يجب تحملها لمواجهة قوى الفوضى والإرهاب وإعادة الحد الأدنى من الاعتدال والاستقرار للمنطقة وهذه المهام تتحملها "العواصم الخليجية" حاليا، على حد قوله.

وحتى تستعيد الدول العربية التي عانت من "الربيع العربي" الاستقرار، تظل القيادة خليجية "ليست سعودية ولا إماراتية ولا قطرية"، وفقا لحديثه.

هل تزول الخلافات؟

يتوقع آل عاتي حل "التباين" في وجهات النظر بين القاهرة والرياض في المستقبل القريب.

ويقول إن "العقلاء في الرياض والقاهرة" يدركون طبيعة العلاقات التاريخية، معتبر أن "التباين" يمكن معالجته عبر جلوس مسؤولي البلدين بطاولة الحوار والمفاوضات.

ويشير آل عاتي إلى أن هناك "دول تتكسب" من هذه التباينات، وتحاول "أحداث شرخ في المنطقة"، مؤكدا أن السعودية ومصر تحرصان على الحفاظ على العلاقات وحمايتها من "النفخ على النار التي تحتها رماد" وممن "يتاجر أو يتكسب" من خلافات البلدين.

وسنشهد في الفترة القادمة مرحلة جديدة من التعاون والتفاهم والاستثمار السياسي والاقتصادي بين البلدين، وسيكون هناك تبادل للزيارات بين قيادتي البلدين، وما يحدث حاليا سحابة صيف ستنجلي مع هبوط أحد القيادات في عاصمة الدولة الأخرى، وفقا لحديثه.

ويتفق معه الزنط الذي يقول إن "الأزمة بين البلدين ستمر قريبا، نتيجة ظروف المنطقة والعالم السياسية والاقتصادية والأمنية".

ويشير إلى أن "طبيعة الصراعات التي تشهدها المنطقة والعالم لن تسمح باستمرار الخلاف المصري السعودي، وما قد يترتب عليه من نتائج وخيمة".

ووفقا لحديثه فإن "مصر والسعودية حريصتان على عودة العلاقات لطبيعتها، حتى لا تتدخل دول أخرى في شؤون المنطقة".

النيجر ألغت يوم 17 مارس اتفاقية التعاون العسكري المبرمة عام 2012 مع الولايات المتحدة
النيجر ألغت يوم 17 مارس اتفاقية التعاون العسكري المبرمة عام 2012 مع الولايات المتحدة

تزايدت هجمات الجماعات الإرهابية في النيجر خلال الأشهر القليلة الماضية، في أعقاب الانقلاب العسكري الذي أطاح بالرئيس المنتخب محمد بازوم في نهاية يوليو 2023.

ويؤكد مشروع بيانات مواقع النزاع المسلح وأحداثها أن النيجر تواجه مجموعة من التحديات الأمنية، مع انتشار مسلحي تنظيم "داعش" الإرهابي، وجماعة نصرة الإسلام والمسلمين التابعة لتنظيم القاعدة الإرهابي في مناطق متفرقة من البلاد.

وكانت النيجر التي تُعدّ الحليف الرئيسي للدول الغربية في منطقة الساحل، حتى وقت قريب، استثناء بين مجموعة دول منطقة الساحل التي قوّضها عنف الجماعات المسلّحة ونزعة استبدادية مع ميل نحو روسيا، حسب فرانس برس.

غير أنه على وقع سيطرة المجلس العسكري على البلاد، قدم رئيس الحرس الرئاسي في النيجر الجنرال عبد الرحمن تشياني نفسه على أنه "رئيس المجلس الوطني لحماية الوطن"، وقرر إلغاء اتفاق عسكري مع فرنسا بعد أيام من الانقلاب، ثم تلا ذلك بعد 7 أشهر إلغاء اتفاقا عسكريا آخرا مع الولايات المتحدة.

وألغت النيجر يوم 17 مارس الجاري، اتفاقية التعاون المبرمة عام 2012 مع الولايات المتحدة، معتبرة أنها "فرضت من جانب واحد".

وقال المتحدث باسم الحكومة النيجرية أمادو عبر الرحمن، في بيان تلي عبر التلفزيون الوطني إن "حكومة النيجر، آخذة طموحات الشعب ومصالحه في الاعتبار، تقرر بكل مسؤولية أن تلغي بمفعول فوري الاتفاق المتعلق بوضع الطاقم العسكري للولايات المتحدة والموظفين المدنيين في وزارة الدفاع الأميركية على أراضي النيجر".

دوافع إلغاء الاتفاقات العسكرية

وفي حديث مع موقع "الحرة"، يقول عضو المكتب السياسي الوطني لحزب التجديد الديمقراطي والجمهوري في النيجر، عمر الأنصاري إن هناك دافعين وراء إلغاء المجلس العسكري الحاكم بالنيجر الاتفاقات العسكرية مع كل من الولايات المتحدة وفرنسا.

ويضيف الأنصاري: "الدافع الأول هو الشعبوية لأنه بتلك العنتريات يكسبون الشارع بالشعارات الرنانة التي ما يلبث الشعب فترة حتى يدرك حقيقتها".

وتابع: "الدافع الثاني يتمثل إرضاء شركائهم الجدد روسيا وإيران؛ وربما أشاروا عليهم بذلك كشرط لتوطيد العلاقة معهم وحمايتهم".

ويؤثر إلغاء الاتفاق سلبيا على مكافحة الإرهاب بالمنطقة، خصوصا مع تضاعف الهجمات الإرهابية بعد الانقلاب، وفق الأنصاري، مشيرا في نفس الوقت إلى أن ذلك يأتي "بالرغم من أن شعوب الساحل ترى أن القوات الأجنبية لم تؤد النتيجة المرجوة منها مع ما يحظون به من دعم لوجستي وتقني بأحدث الإصدارات ومن أقوى جيوش العالم".

وتسعى موسكو لتعزيز نفوذها في النيجر مع تحرّك المجلس العسكري لإبعاد الولايات المتحدة، حسبما ذكرت فرانس برس قبل أيام، حيث نقلت عن مصدر عسكري أوروبي طلب عدم الكشف عن هويته بأن التخلي عن التعاون مع الولايات المتحدة ووضع حد للضوابط المرتبطة بالإنفاق العسكري كان "شرطا مسبقا للاتفاق المقبل" بين النيجر وروسيا.

الانقلابيون شكلوا سلطات انتقالية بعد اعتقال رئيس النيجر محمد بازوم
ماذا يعني إلغاء اتفاق التعاون العسكري بين النيجر والولايات المتحدة؟
بعد ساعات من مغادرة وفد أميركي العاصمة نيامي، ألغى المجلس العسكري  الحاكم في النيجر، اتفاق التعاون العسكري الذي يربط البلد الواقع في غرب أفريقيا، مع الولايات المتحدة، في خطوة من شأنها التأثير على الجهود الدولية لمحاربة التطرف والإرهاب، برأي مختصين.

ويعتقد الباحث في الشؤون الإفريقية بجامعة إشبيلية الإسبانية، البشير محمد لحسن، أن "ما قد يدفع العسكريين في النيجر إلى روسيا والصين أو حتى تركيا وإيران هو إمكانية الحصول على معدات وعتاد عسكري، لأن الولايات المتحدة أو الدول الأوروبية لم تتيح ذلك لجيوش خلال فترة تواجدها. واقتصرت معظم اتفاقات التعاون على التدريب وبرامج أخرى دون التسليح الحديث".

غير أن حسن عاد ليقر خلال حديثه مع موقع "الحرة" بأن "روسيا والصين لم تعتادا على تقديم أي شيء بالمجان، وقد تكون خطوة نحو مصالح متبادلة للطرفين".

ويؤكد هذا أيضا، عضو المكتب السياسي الوطني لحزب التجديد الديمقراطي والجمهوري، والذي يقول: "روسيا والمجالس العسكرية لا يهمهم سوى مصالحهم الخاصة وإن كان ذلك مضرا بشعوب المنطقة. فالمجالس العسكرية همها الوحيد البقاء بالسلطة وقمع الشعب بالجيوش المحلية ومرتزقة الخارج. فيما تركز روسيا على الموارد الطبيعية وبالأخص معدن الذهب لسهولة استغلاله بعقود مؤقتة".

واكتسبت موسكو نفوذها في القارة السمراء عبر إرسال مرتزقة من مجموعة "فاغنر" التي تخدم أهداف الكرملين في إفريقيا منذ العقد الأول من الألفية.

في المقابل، لا يعتقد حسن أن "المجلس العسكري في النيجر يبحث عن ترسيخ نفسه في الحكم، لأن هذا أمر واقع. وقد تجاوز مرحلة تثيبت شرعيته داخليا"، معتبرا أن "الأوضاع الأمنية لم تتدهور أكثر مما هي عليه الآن، حيث وصلت أعداد القتلى والمهجرين مستويات غير مسبوقة".

وتابع: "وهو ربما ما دفع قادة النيجر الجدد إلى تجريب وصفات وشراكات أمنية وعسكرية غير تلك المجربة أصلا في محاولة لمنع تفاقم الأوضاع الأمنية".

"داعش" والقاعدة تتمددان

والأسبوع الماضي، قُتل 23 جنديا في النيجر في "كمين" نصبه "إرهابيون" خلال "عملية تمشيط" نفّذها الجيش في غرب البلاد، حسبما أعلنت وزارة الدفاع.

ووقع الهجوم في منطقة تيلابيري الواقعة في ما يسمى بمنطقة "المثلث الحدودي" بين النيجر ومالي وبوركينا فاسو والمعروفة بأنّها معقل للجهاديين في منطقة الساحل.

ومنذ سنوات، تُستهدف هذه المنطقة في النيجر بانتظام بهجمات من تنظيمي "داعش" والقاعدة، رغم الانتشار الكثيف لقوات مكافحة الجهاديين.

وحسب المحلل الأمني الجزائري أحمد ميزاب، فإن "منطقة الساحل تمر بمأزق أمني. مع سيطرة واضحة للتنظيمات الإرهابية"، مشيرا إلى أن "الجماعات الإرهابية باتت توجه ضربات في العمق، وأصبحت قدراتها تفوق قدرات هذه الدول خاصة النيجر".

ويضيف لموقع "الحرة": "إلى جانب ذلك هناك مجموع من الأزمات التي تُعقد من المشهد الأمني مثل إلغاء مثل هكذا نوعا من الاتفاقيات"، معتبرا أن هذا قد يمنح الجمعات الإرهابية الفرصة لتوسيع هجماتها ونفوذها في منطقة الساحل.

وكان لدى الولايات المتحدة في النيجر نحو 1100 جندي إذ يعمل الجيش الأميركي في قاعدتين إحداهما لطائرات مسيّرة معروفة باسم القاعدة الجوية 201 التي تم بناؤها بالقرب من أغاديز في وسط البلاد، ويتم استخدامها منذ عام 2018 لاستهداف مقاتلي تنظيم "داعش" وتنظيم القاعدة في منطقة الساحل.

ويعتبر ميزاب أن منطقة الساحل الإفريقية باتت أسيرة الإهاب في الوقت الحالي، في ظل عدم وجود مؤسسات أمنية قادرة على القيام بواجباتها وتعثر المسار السياسي.

ويقول: "هذا الفراغ تتغذى منه الجماعات الإرهابية التي تغولت بشكل مخيف، وباتت تُشكل تهديدا على الإقليم بصفة عامة، وحتى كذلك على المستوى الدولي".

ويضيف: "هناك عمليات إرهابية يومية، ومساحات جغرافية واسعة تسيطر عليها الجماعات الإرهابية حتى أن السكان المحليين أصبحوا تحت سيطرة هذه التنظيمات لأنها باتت تدير مدنا وتسيطر عليها، بما في ذلك مناطق الثروات الطبيعية".

ووفقا لمشروع بيانات مواقع النزاع المسلح وأحداثها، وهي جماعة مراقبة مقرها الولايات المتحدة، فإن النيجر شهدت خلال الفترة من 22 مارس 2023 حتى 22 مارس 2024، سقوط نحو 8,789 حالة وفاة نتيجة الصراعات، بما في ذلك المعارك وأعمال العنف والانفجارات والعنف ضد المدنيين.

كما تصدر "تنظيم داعش- ولاية غرب إفريقيا" المتمركز بشكل أساسي في نيجيريا وجنوب شرق النيجر، معظم الإعلانات الصادرة عن إدارة الإعلام المركزية لـ"داعش" حول مسؤولية التنظيم عن 1121 هجوما منذ مارس 2023، حسبما ذكر معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى في تقرير حديث.

لهذا يرى المحلل الأمني الجزائري أن مستقبل المنطقة "مخيف" ومقلق في ظل تنامي التنظيمات الإرهابية واتساع مناطق نفوذها، قائلا: "داعش تتوسع بشكل متسارع والمنطقة تقترب من السيناريو الذي كان في عام 2014 حينما تمدد التنظيم في سوريا والعراق بمنطقة الشرق الأوسط".

وتابع: "هذا السيناريو أصبح يلوح في الأفق بشدة في منطقة الساحل الإفريقي".

"بين المركز والفرع".. خارطة انتشار تنظيم داعش حول العالم 
في ذات التوقيت الذي صادف الذكرى الخامسة لإنهاء "خلافته" على الأرض في سوريا بعث تنظيم داعش الإرهابي رسالة من نار للعالم، مفادها أنه "لم ينته" ولم يعد نشاطه يقتصر على استهداف دورية هنا وتفجير مركز أمني والخوض باشتباكات هناك بل أصبح يتخطى الحدود.

"الإرهاب يتغذى على الفقر"

وفي مطلع مارس الجاري، اتفقت كلا من النيجر وبوركينا فاسو ومالي، وهي الدول الثلاث التي تقودها مجالس عسكرية، على تشكيل قوة مشتركة لمواجهة التهديدات الأمنية في أراضيها.

ولا يعتقد الباحث في الشؤون الإفريقية بجامعة إشبيلية الإسبانية أن مثل هذا التوجه كاف في التغلب على الإرهاب بشكل منفرد، قائلا لموقع "الحرة": "اقتصار محاربة الإرهاب على الشقين العسكري والأمني هي وصفة مجربة في أكثر من منطقة بالعالم وأثبتت فشلها الذريع كل مرة".

ويضيف: "ما لم تكن هناك تنمية حقيقية وديمقراطية وتشاركية في الحكم وتوزيع عادل للثروات، لن يكون هناك أمن، فالإرهاب يتغدى في إفريقيا من الفقر والمظلمات التاريخية وصراع الطبقات والاثنيات، وحتى صراع الأطراف المحرومة والمركز المتحكم في السلطة والثروة".

وتابع: "ما لم تحل هذه المعضلات، سيظل الإرهاب موجودا وله منبع لتجنيد محرومين وفقراء في كل بلدان الساحل".

ويتفق مع هذا الرأي، عضو المكتب السياسي الوطني لحزب التجديد الديمقراطي والجمهوري، والذي يقول إن "تفاقم الأوضاع الأمنية بالنيجر نابع من عدة عوامل منها عدم الاستقرار السياسي وجهل الشعب بالدين والمناهج الوسطية مع غياب مؤسسات دينية رسمية تابع للدولة؛ وصراع النفوذ الدولي".

ويضيف: "تحسن الأوضاع الأمنية حسب تحسن هذه العوامل من العودة إلى النظام الدستوري والاستقرار السياسي وكذلك توعية الشعب بالدين الصحيح ونبذ التطرف والإرهاب، بشكل رسمي ممنهج تابع للدولة، واعتماد سياسة تعدد الشركاء على نظام رابح رابح؛ بدل صراع النفوذ الدولي بشكل شبه احتلال جديد وأن هذا يمكن تعميمه عن دول الساحل بتفاوت تلك العوامل المذكورة".