زادت حركة طالبان بعد عودتها إلى السلطة في أفغانستان التدابير المقيّدة للحريات، لا سيّما في حقّ النساء اللواتي استبعدن تدريجياً من الحياة العامة ومن غالبية الوظائف العامة وأقصين من المدارس الثانوية والجامعات.
في أحدث ضربة لحقوق المرأة منذ استيلاء طالبان على السلطة في أغسطس 2021، أبلغت الحركة، السبت، جميع المنظمات غير الحكومية بوقف عمل موظفاتها تحت طائلة إلغاء ترخيصها.
وفي 20 ديسمبر، أعلنت حكومة طالبان أن الجامعات الأفغانية باتت محظورة لأجل غير مسمى على الفتيات المحرومات أصلا من التعليم الثانوي منذ وصول الحركة المتشددة إلى الحكم.
وكانت طالبان قد أغلقت "المدارس الثانوية" بعد بضع ساعات من إعادة فتحها، ومنعت تعليم "الفتيات" منذ 23 مارس.
وفي نوفمبر، حظرت الحركة على النساء ارتياد المتنزهات والحدائق وصالات الرياضة والمسابح العامة.
ومنعت "الحركة المتشددة" النساء من ممارسة العديد من الوظائف الحكومية ومن السفر من دون محرم فيما أُمرن بارتداء "البرقع".
وعندما كانت طالبان في السلطة قبل عقدين من الزمن، منعت إلى حد بعيد "تعليم الفتيات"، لكنها قالت إن "سياساتها قد تغيرت"، وفقا لـ"رويترز".
لكن الباحث في شؤون الحركات المتطرفة والإرهاب الدولي، منير أديب، يرى أن "حركة طالبان لم تتغير ومازالت تطبق الرؤية التي سارت عليها عند وصولها للحكم في أفغانستان المرة الأولى".
وفي حديثه لموقع "الحرة"، يؤكد أن طالبان سارت على ذلك النهج عند وصولها للسلطة أول مرة ولمدة 5 سنوات ووقتها منعت الفتيات أيضا من التعليم، وعادت لتكرر الأمر في تجربتها الثانية".
وفي عام 1996 وصلت طالبان إلى الحكم في أفغانستان للمرة الأولى، وامتدت فترة حكمها إلى عام 2001.
ويشير أديب إلى أن منع الفتيات والنساء من "التعليم والعمل يكشف عن تشدد الحركة وعدم التزامها بأي تعهدات مع الشعب الأفغاني والمجتمع الدولي الذي راهن على تغيير طالبان".
ويتابع: "هذا الموقف المتشدد يأتي من خلفية ترى في المرأة خطرا على الحركة"، ويقول "طالبان تخشى انتشار الوعي الذي قد يخلقه التعليم عامة وتعليم النساء خاصة".
وتقف الحركة ضد التعليم عموما وتعليم المرأة على "وجه الخصوص"، ولذلك تبع قرار منع التعليم النساء قرار مماثل بمنع الموظفات من العمل بالمنظمات الأجنبية، حسب أديب.
شريعة "طالبان"؟
اعتمد رجال الدين في نظام طالبان أحد "أكثر تفسيرات الشريعة تشددا"، بما في ذلك عقوبات الإعدام والعقوبات الجسدية التي لا تستخدمها معظم الدول الإسلامية الحديثة، حسب "فرانس برس".
في الفترة الفاصلة بين حكمي طالبان، كانت "الفتيات" مخولات ارتياد المدارس وتسنى لـ"النساء" إيجاد فرص عمل في كل القطاعات، حتى لو بقي المجتمع محافظا.
وبعد عودتها للحكم، تعهدت طالبان بـ"إبداء مرونة أكبر"، لكنها سرعان ما عادت إلى" تفسيرها المتشدد جدا" للشريعة الذي طبع حكمها بين 1996 و2001.
ومنذ وصولها للحكم، أدخلت طالبان تدريجا قواعد صارمة بشكل متزايد، ولا سيما قيودا شديدة للغاية على "حقوق وحريات المرأة".
وقدمت طالبان مجموعة من التبريرات لإغلاق "المدارس الثانوية" من نقص التمويل إلى الوقت اللازم لإعادة صياغة المناهج، "وفقا للقواعد الإسلامية".
وبررت سلطات طالبان منع دخول الفتيات من "التعليم الجامعي"، بسبب عدم التزام النساء بقواعد "اللباس الإسلامي" الصارم الذي يغطي كامل الجسم والوجه.
لكن أديب يشير إلى "فروقات شاسعة" بين قناعات طالبان وبين حقيقة الدين الإسلامي الذي يوجب ويفرض تعليم المرأة".
ويقول إن طالبان تنطلق من "فتاوى فقهية متشددة لا تعبر عن الدين الإسلامي".
ماذا يقول الدين الإسلامي؟
يؤكد العالم الأزهري، عبدالعزيز النجار، أن الدين الإسلامي لا يمنع المرأة من الحياة وبالتالي فهو لا يحرم ولا يجرم "تعليم النساء أو عملهن".
وفي حديثه لموقع "الحرة"، يشدد على وجوب "تعليم المرأة"، قائلا" الإسلام يجبر المرأة على التعليم من أجل نهضة المجتمع وحرمانها من ذلك هو تعطيل لمسيرة بناء الأمم".
ويشير النجار إلى أن عمل المرأة من عدمه يرجع فقط إلى "رغبتها"، ويقول "الإسلام لا يمنع النساء عن العمل".
وحسب حديثه فإن الجماعات والحركات المتطرفة على غرار "داعش والقاعدة وطالبان"، تستند إلى فتاوى "قديمة كانت تناسب عصرا معينا ولا تنطبق على عصرنا هذا".
ويقول النجار إن "الفتاوى اجتهاد بشري تتغير بتغير الزمان والمكان، وليست شريعة إسلامية، ولا يوجد في الدين ما يمنع عمل وتعليم النساء".
ولا يجوز "تعميم الفتاوى" التي تمثل فهم العلماء للدين في عصر معين واعتبار أنها "شريعة" يجب أن يطبقها الجميع، وفقا لحديث النجار.
ويتابع حديث معتبرا أن من يمنع تعليم وعمل المرأة، "يسيء للدين وينفر الناس منه".
ويؤكد النجار أن تلك الفتاوى تخالف "وصية" النبي محمد، عندما قال: "استوصوا بالنساء خيرا".
ولا يمكن أن يكون "الخير للمرأة" في العيش بظلمات الجهل في عصر العلم والا تخرج للتعليم والعمل وكأنها تحولت لـ"ملف مهمل"، وفقا لحديث النجار.
وفي أفغانستان، تم منع 1.1 مليون فتاة من الذهاب إلى المدرسة، ويعيش 97 بالمئة من الأفغان في فقر، ويحتاج ثلثي السكان إلى مساعدات للبقاء على قيد الحياة في حين يواجه 20 مليون شخص الجوع الشديد وفقا لـ"رويترز".
وتقدر الأمم المتحدة ووكالات الإغاثة أن أكثر من نصف سكان البلاد البالغ عددهم 38 مليون نسمة يحتاجون إلى مساعدات إنسانية خلال فصل الشتاء القاسي، حسب "فرانس برس".
ويعتمد الملايين حول البلاد على المساعدات الإنسانية التي يقدمها مانحون دوليون عبر شبكة واسعة من المنظمات غير الحكومية، وتعمل عشرات المنظمات في المناطق النائية من أفغانستان والعديد من موظفيها نساء.