يعاني التونسيون من تراجع قدرتهم الشرائية
يعاني التونسيون من تراجع قدرتهم الشرائية

على خلفية التوتر السياسي، تعيش تونس أزمة مالية واقتصادية خانقة، تتجلى في ارتفاع أسعار السلع الأساسية، وتراجع القدرة الشرائية، وتقلص خيارات الحكومة، لضبط ميزانية الدولة.

وانتقد خبراء تونسيون الفرضيات التي انبنى عليها قانون المالية التعديلي (التكميلي) لسنة 2021، وقالوا إنها لم تكن واقعية "مثلها مثل الفرضيات التي اعتمدت في قانون المالية الأصلي لعام 2021"، وفق تعبير الخبير الاقتصادي، عز الدين سعيدان، الذي تحدث، الخميس، لإذاعة "راديو ماد" المحلية حول الموضوع.

ويبرّر المنتقدون لقانون المالية موقفهم بالتفاوت بين حجم النفقات وحجم الموارد الذي تضمنه، إلى جانب الفرضيات التي اعتمدها.

والفرضيات التي بُني على أساسها قانون الميزانية لسنة 2021 اعتمدت نسبة نمو متوقعة بلغت 4 في المئة، وسعر مفترض للبرميل من النفط بـ 45 دولار، بينما بلغ سعره الحقيقي مباشرة بعد اعتماد القانون 63 دولار.

واستاء تونسيون على مواقع التواصل الاجتماعي لوصول عجز الميزانية إلى 9.7 مليار دينار، ومنهم من أبدى تخوفه بشأن مستقبل البلاد في ظل هذه الأرقام.

ولتلافي هذه المعضلة، خفضت تونس، الأربعاء، توقعات النمو إلى 2.6 بالمئة في 2021، بينما رفعت السعر المفترض لبرميل البترول إلى 70 دولارا، نظرا لانتعاش سوق النفط العالمية، وذلك بموجب ما تضمنه قانون المالية التعديلي لسنة 2021.

إلى ذلك، خفضت الحكومة التونسية، مستوى موارد الاقتراض الخارجي في قانون المالية التعديلي لسنة 2021، من  13 مليار دينار إلى 12 مليار دينار، وهو في نظر متابعين، مؤشر على أن تونس تحاول الاعتماد أكثر على الاقتراض الداخلي .

طباعة مزيد من الأوراق نقدية؟

يفترض متابعون أن يحتم ذلك على الحكومة، طباعة مزيد من الأوراق النقدية لمواجهة عجز التمويل، وهو ما يرى فيه المحلل الاقتصادي التونسي، غازي معلى، "مخاطرة كبيرة".

معلى قال لموقع "الحرة" إن من شأن طباعة مزيد من العملة خلق تضخم كبير "تونس في غنى عنه".

وأكد أن "المشاكل المالية لا تحل بطبع النقود" لأن فعل ذلك بدون مقابل (المقابل المادي للعملة) وبدون خلق ثروة "يزيد من حجم التضخم" .

واستدرك معلى قائلا: "يمكن أن يكون طبع النقود حلا وقتيا فقط، لكن على المستوى المتوسط، لن يخدمنا البتة، بل يمكن أن يؤدي إلى انهيار قيمة العملة بصفة كبيرة".

وقبل نحو شهر، أصرّ البنك المركزي التونسي، على ضرورة "تجنب التمويل التقليدي (طباعة العملة) بسبب تأثيره السلبي على مستوى التضخم".

وعبر البنك في بيان "عن قلقه من تراجع الموارد المالية الخارجية".

إصلاحات جوهرية

ولمواجهة ذلك، يقترح معلى أن تلجأ الحكومة التونسية إلى الدول الصديقة قصد الاقتراض "وتلافي الحلول الجذرية"، على حد وصفه.

ويقصد معلى بـ"الحلول الجذرية"، اللجوء إلى طباعة الأوراق النقدية التي تعتبر، وفقه، مخاطرة باقتصاد البلاد.

وقال: "ليس أمامنا إلا حل وحيد وهو التوجه إلى الدول الصديقة للاقتراض"، مشددا على ضرورة أن تعتمد الحكومة التونسية إصلاحات اقتصادية جوهرية.

ومن جملة الإصلاحات التي يجب على تونس اعتمادها إعادة هيكلة المؤسسات الاقتصادية، التي تستنزف المال العام، ثم إعادة رسم الأجور "المرتفعة".

معلى يقترح كذلك، إعادة بعث الاستثمار الداخلي والخارجي، بتلطيف مناخ الاستثمار في تونس، في مجالات أخرى غير السياحة.

الاقتراض للعودة إلى "السكّة"

وكان مدير التمويل والدفوعات الأجنبية بالبنك المركزي التونسي، عبد الكريم لسود، ذكر في تصريح نقلته فرانس برس في أكتوبر الماضي، أن تونس أجرت مفاوضات مع كل من الإمارات والسعودية من أجل إيجاد تمويلات إضافية لموازنتها المالية.

بلغت نسبة البطالة في تونس 18 بالمائة

ولفت المحلل المالي والاقتصادي، نبيل عبد اللطيف، إلى أن أزمة وباء فيروس كورونا، زادت من الأزمة الاقتصادية، التي ضربت كثيرا من الدول، ومن بينها تونس.

وخلال اتصال مع موقع "الحرة" لفت إلى أن المشكل الوحيد الذي تواجهه موازنة تونس، هو "مشكل تمويل".

وعبر عبد اللطيف عن تفاؤله بأن تتجاوز تونس هذه الأزمة من خلال ما تضمنه قانون المالية التكميلي.

وذكر بأن قانون المالية التكميلي لسنة 2021 والقانون الخاص بسنة 2022، أدخلا التمويل الخارجي في الموازنة، ممثلا في "الدول الصديقة والشقيقة لتونس" وفق وصفه، بالإضافة إلى بعض الصناديق السيادية الدولية، مثل صندوق النقد الدولي.

وقال: "لو تتوفر هذه المصادر في أقرب الظروف، من الممكن أن يستعيد الاقتصاد التونسي عافيته".

وسددت تونس أكثر من مليار دولار من الديون هذا الصيف من احتياطيات العملات الأجنبية ، لكن كان عليها أن تجد حوالي 5 مليارات دولار أخرى لتمويل عجز الميزانية وتسديد الديون.

وتعيش تونس أزمة سياسية كبيرة، فبعد أشهر من الجمود السياسي، وفي خضم أزمة اجتماعية واقتصادية وصحية، خطرة، استند الرئيس قيس سعيّد في 25 يوليو المتاضي، على فصل دستوري يخوله اتخاذ تدابير استثنائية في حال وجود "خطر داهم" على الدولة، وأقال رئيس الوزراء وعلّق عمل البرلمان وتولى الإشراف على النيابة العامة. 

وفي 22 سبتمبر، أصدر سعيد أمرا علّق بموجبه عدة فصول من الدستور الذي دخل حيز التنفيذ عام 2014.

وفي 29 سبتمبر، كلّف نجلاء بودن بتشكيل حكومة جديدة، أعلنت تركيبتها في 11 أكتوبر. 

وفي مواجهة الركود الاقتصادي والتضخم الذي تجاوز 6 بالمئة ومعدل بطالة يناهز 18 بالمئة، يبدو أن صبر التونسيين الذين دعمت غالبيتهم قرارات سعيّد بدأ ينفد.

لذلك، يرى غازي معلى، أن من الضروري التعجيل بإعادة العمل بالدستور، وإجراء انتخابات ديمقراطية تعيد تونس إلى السكة.

وكان من أسباب تأييد التونسيين قرارات سعيد، فشل النظام الديمقراطي الذي أقيم بعد ثورة 2011 في توفير فرص العمل.

وكان النمو أقل من 3 في المائة منذ عام 2012، وفي العام الماضي وبسبب كورونا انكمش الاقتصاد بنسبة 8 في المائة، بحسب مجلة إيكونوميست.

ولاية صفاقس نقطة الانطلاق الرئيسية للمهاجرين نحو السواحل الأوروبية ـ صورة تعبيرية.
ولاية صفاقس نقطة الانطلاق الرئيسية للمهاجرين نحو السواحل الأوروبية ـ صورة تعبيرية.

في خضم الجدل المتصاعد بشأن الهجرة في تونس، كشفت نائبة برلمانية، السبت، عزمها بالتعاون مع عدد من زملائها النواب، اقتراح مشروع قانون يجرّم إيجار الشقق السكنية للمهاجرين من دول أفريقيا جنوب الصحراء دون الحصول على ترخيص، بالإضافة إلى مبادرة تشريعية ثانية لـ"مكافحة تجار البشر ومعاقبة كل من يساهم في توطين المهاجرين".

وفي تصريح لإذاعة "ديوان إف إم"، أوضحت النائبة، فاطمة المسدي، أن مقترحاتها جاءت استجابة للوضع "الخطير" الذي تشهده محافظة صفاقس، التي تعد نقطة انطلاق رئيسية للمهاجرين نحو أوروبا، إذ أشارت إلى أن أحياء كاملة في المدينة باتت تعاني مما وصفته بـ"الاحتلال الأفريقي".

وأثارت تصريحات النائبة المسدي موجة من الانتقادات والرفض من قبل ناشطين حقوقيين في تونس، خاصة أنها تأتي بعد أيام قليلة من إطلاقها حملة لجمع توقيعات من سكان ولاية صفاقس، تهدف إلى "طرد" المهاجرين غير النظاميين من المدينة.

بعد المداهمة الأخيرة على خيم أفارقة جنوب الصحراء في العامرة.. ماهو مصيرهم ؟ نحكيو في الموضوع مع النائبة فاطمة المسدي

بعد المداهمة الأخيرة على خيم أفارقة جنوب الصحراء في العامرة.. ماهو مصيرهم ؟ نحكيو في الموضوع مع النائبة فاطمة المسدي #عالكيف_Weekend --------------- fréquence #DiwanFM 👉 91.2 à Sfax 📻 93.5 sur le Grand Tunis Youtube 🔄 https://bit.ly/3Fu4hXk Telegram🔄https://t.me/DiwanFM

Posted by Diwan FM on Saturday, April 27, 2024

الخبير في قضايا الهجرة وحقوق الإنسان، مجدي الكرباعي، يتأسف لتنامي ما وصفه بـ"ظاهرة كره ومعاداة المهاجرين" مشيرا إلى أنها "لم تعد تقتصر على حركات اليمين المتطرف بأوروبا بل وصلت إلى تونس، وباتت تصدر عن نواب برلمانيين ومسؤولين سياسيين".

ويضيف الخبير التونسي، المقيم بإيطاليا، في تصريح لموقع "الحرة"، أنه في ظل الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي تمر بها البلاد، يحمّل المسؤولون المهاجرين مسؤولية هذا التردّي، كشماعة لتعليق فشل سياساتهم وقراراتهم السياسية والاقتصادية.

بدوره، علّق رئيس المرصد التونسي لحقوق الإنسان،  مصطفى عبد الكبير، على مساعي النائبة لإصدار تشريعات جديدة تتعلق بالهجرة، مؤكدا أن لها الحق في تقديم أي مبادرة تشريعية تراها مناسبة، إلا أنه شدد في الوقت ذاته على ضرورة أن تكون أي قوانين أو حلول لمعالجة قضايا الهجرة متوافقة مع التشريعات الوطنية والمعاهدات الدولية ذات الصلة.

ويضيف عبد الكبير في تصريح لموقع "الحرة"، أن النائبة التونسية ربما تركّز على الموضوع من جانبه السياسي أكثر منه من الجانب الإنساني"، لافتا إلى تصاعد دعوات ترحيل المهاجرين كرد فعل على ضغوط السلطات الأوروبية لتوطين المهاجرين.

"خطاب كراهية"

وتعد تونس، إلى جانب ليبيا، نقطة الانطلاق الرئيسية لآلاف المهاجرين الذين يحاولون عبور البحر المتوسط نحو سواحل إيطاليا.

وشهدت الأشهر الماضية، تكرر صدامات بين مهاجرين غير نظاميين وسكان أحياء في ولاية صفاقس، الذين يحتج عدد منهم على ارتفاع أعداد المهاجرين بمدينتهم.

وتضاعفت أعمال العنف بعد خطاب ألقاه الرئيس قيس سعيّد، في فبراير من العام الماضي، انتقد فيه التواجد الكبير لمهاجرين غير قانونيين في بلاده، متحدثا عن مؤامرة لتغيير "التركيبة الديمغرافية" في تونس.

وفي تصريحات سابقة لها، دعت فاطمة المسدي، الرئيس سعيد إلى "التدخل العاجل لترحيل المهاجرين من دول أفريقيا جنوب الصحراء من تونس، والمحافظة على السيادة الوطنية وأمن المواطنين وممتلكاتهم". 

كما دعت، في تدوينة نشرتها على فيسبوك، إلى "محاسبة كل من تورّط في مخطط التوطين والاستعمار وتهديد السيادة الوطنية".

Posted by Fatma Mseddi on Thursday, April 18, 2024

وفي هذا الجانب، يقول الكرباعي، إن الخطاب الذي روّجه سعيد بأن المهاجرين في تونس جزء من خطة عالمية لتغيير الديمغرافية السكانية للبلاد، "أصبح رائجا ويتبناه اليوم عدد من النواب والهيئات السياسية والحزبية بتونس".

وبينما ينتقد مثل هذه الدعوات، يتساءل الكرباعي باستنكار عن كيفية وصول هؤلاء المهاجرين الذين لا ترغب فيهم السلطات أساسا إلى داخل البلاد، قائلا إنهم "يعبرون عبر الحدود الجزائرية أو الليبية وهي حدود يفترض أنها محمية ومراقبة".

وثانيا، يقول الخبير التونسي، إن اعتراض المهاجرين الراغبين في الوصول إلى الجانب الأوروبي، ساعد في زيادة أعداد المهاجرين بالبلاد، في ظل "سياسة قيس سعيد لحراسة حدود أوروبا".

وأبرم الاتحاد الأوروبي اتفاقا مع تونس لتقديم مساعدات مالية، مقابل الحدّ من محاولات انطلاق المهاجرين، وذلك بمبادرة من رئيسة وزراء إيطاليا، جورجيا ميلوني، التي كررت زياراتها إلى البلد المغاربي خلال الأشهر الأخيرة.

وأثارت مذكرة التفاهم الموقعة في يوليو الماضي، انتقادات شديدة في أوروبا، بعد تصويت البرلمان الأوروبي، في منتصف مارس، على قرار للطعن في شروط صرف بروكسل مبلغ 150 مليون يورو لدعم موازنة تونس من خلال إدانة "تراجع الحقوق في تونس".

مهاجرون في حقول الزيتون

وبالعودة إلى صفاقس وسط تونس، يمضي الآلاف من دول أفريقيا جنوب الصحراء يومهم في حقول زيتون بالقرب من صفاقس في تونس تحت شوادر بلاستيكية، بانتظار رحلة محفوفة بالمخاطر إلى أوروبا بحرا.

وأكدت مصادر محلية لوكالة فرانس برس، أن ثمة ما لا يقل عن 20 ألف شخص ينتشرون في حوالى 15 مخيما مؤقتا بالقرب من بلدتي العامرة وجبنيانة الزراعيتين في شمال محافظة صفاقس.

وشرع هؤلاء بإقامة أكواخ بأغصان الأشجار، اعتبارا من منتصف سبتمبر الفائت، بعدما طردوا ونقلوا بحافلات من وسط مدينة صفاقس. والتحق بهم آلاف آخرون أتوا مشيا إلى حقول الزيتون، حيث يتحينون الفرصة المناسبة للصعود إلى قوارب متهالكة والإبحار باتجاه الشواطئ الإيطالية بشكل غير نظامي.

وفي حديثها عن خطوة تقدمها بالمبادرتين التشريعيتين، تلفت البرلمانية التونسية إلى "تورط المهاجرين في أنشطة إجرامية واتجار في الممنوعات واحتجاز مهاجرين بإحدى العمارات، بالإضافة إلى ارتكابهم اعتداءات على السكان المحليين".

ولفتت أيضا إلى أن "هناك حديث عن مقابر عشوائية لدفن جثث المهاجرين داخل الغابات والأراضي الزراعية".

عنف وصدامات ووضع "خطير جدا".. ماذا يجري في صفاقس التونسية؟
تعيش مدينة صفاقس بتونس، منذ أيام على وقع صدامات واشتباكات عنيفة بين السكان ومهاجرين من بلدان أفريقيا جنوب الصحراء، زادت حدتها ليلة الثلاثاء الأربعاء، في أعقاب مصرع مواطن تونسي، وتدخل السلطات التونسية لترحيل آلاف المهاجرين من المدينة.

وخلال الأسابيع الماضية، داهمت السلطات الأمنية التونسية عددا من المخيمات، وحجزت بعض الخيام الصغيرة ودمرت بعضها، إثر شكاوى تقدم بها سكان في المنطقة.

وشاهد فريق وكالة فرانس برس في المكان بقايا شوادر بلاستيكية ممزقة وقنابل مسيلة للدموع ملقاة على الأرض.

في هذا الجانب، يقول الناشط الحقوقي عبد الكبير، إن سياسة الدولة الخاطئة في تدبير ملف الهجرة "أدت إلى تأجيج الأوضاع وتأزيم ملف الهجرة بصفاقس"، لافتا إلى "قرار السلطات التونسية، العام الماضي، بنقل كل المهاجرين من بعض الأحياء والساحات إلى خارج المدينة دون توفير بديل مناسب".

ويوضح أن نقل المهاجرين إلى غابات الزيتون التي تمثل مورد الرزق الأساسي لعدد من الأسر التونسي تسبب في تجدد الاشتباكات، معتبرا أن المشكلة ليست في التونسيين أو في المهاجرين بل "تتمثل في الحلول التي تقدمها الدولة".

ويضيف عبد الكبير أن "عدم اعتماد السلطات التونسية لمبادرة حقيقية تنموية وحقوقية مقابل التركيز على المقاربة الأمنية يعمّق مشكلة الهجرة بالبلاد".

ومن جهته، يربط الكرباعي الاحتقان الحاصل في البلاد بشأن المهاجرين، بالأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي تمر بها تونس، خاصة في ظل النقص الحاصل في عدد من المواد الغذائية.

ويختم حديثه، معتبرا أن المسؤولين في تونس "يحمّلون المهاجرين مسؤولية هذا التردي، ويعلقون عليهم شماعة فشل سياساتهم وقراراتهم السياسية والاقتصادية".