ملصقات للأسد بأحد شوارع دمشق
ملصقات للأسد بأحد شوارع دمشق

انطلقت الجولة السابعة من اجتماعات "اللجنة الدستورية السورية"، صباح الاثنين، في مدينة جنيف السويسرية، على الرغم من "خيبة الآمال" التي سادت على مشهد الجولات الست الماضية، بحسب أعلن مؤخرا المبعوث الأممي إلى سوريا، غير بيدرسون، وشخصيات في المعارضة السورية.

وكان الرئيسان المشتركان للجنة من وفدي النظام السوري والمعارضة، أحمد الكزبري وهادي البحرة، قد اجتمعا، الأحد، بحضور بيدرسون، وقال الأخير في أعقاب ذلك: "لن أحكم مسبقا على نتيجة هذه الدورة، لكن سأحاول تقديم إحاطة في نهاية الأسبوع".

وأوضح بيدرسون، بحسب بيان نشر الاثنين، أنهم استعرضوا خلال الاجتماع جدول الأعمال لهذا الأسبوع، بينما اتفاق الكزبري والبحرة "على المبادئ أو العناوين الأربعة التي ستتم مناقشتها".

والمبادئ هي: أساسيات الحكم، هوية الدولة، رموز الدولة، تنظيم وعمل السلطات العامة، وأشار بيدرسون: "سوف نقضي يوما واحدا على كل مبدأ".

"بين 3 أطراف"

وإضافة إلى أن الجولات الست الماضية من "الدستورية" لم تقدم أي شيء على صعيد كتابة "الدستور السوري"، كانت روسيا قد "أوضحت على العلن ما يراه الكثير من السوريين" بالفعل.

وفي تصريحات له، في ديسمبر العام الماضي، أكد ألكسندر لافرنتييف، مبعوث الرئيس الروسي إلى سوريا لوكالة "تاس" الرسمية أن "كتابة وإعداد دستور جديد ينبغي ألا يهدف إلى تغيير السلطة في دمشق".

وأوضح أن حكومة النظام السوري "راضية عن الدستور الحالي، ولا ترى ضرورة لإحداث أي تغيير فيه، مضيفا: "طبعا إذا رأت المعارضة ضرورة إجراء تغييرات، فيجب النظر في القضايا التي تهمها وطرحها على التصويت سوءا عبر الاستفتاء أو من خلال طرق أخرى لإقراره".

ويطرح ذلك تساؤلات عن أسباب استمرار وفد المعارضة السورية بالانخراط في هذا المسار، الذي يراه معارضون بأنه "فاشل" تحت العبارات المتداولة بأنه "مخيبٌ للآمال".

وتشي تصريحات لمعارضين، تحدث إليهم موقع "الحرة" إلى وجود حالة من التوتر داخل المعارضة السورية، فأطراف تريد "التريث" من جهة بشأن مسار "الدستورية"، وآخرون يرفضون المتابعة بهذا المسار؛ بينما مضى قسم ثالث لحضور الجولة السابعة التي تعقد في الوقت الحالي، ليومين.

الدكتور يحيى العريضي عضو  "هيئة التفاوض السورية" قال لموقع "الحرة" إنه قرر "عدم المتابعة في طريق اللجنة الدستورية البائس، ومسارها العبثي".

وتحدث العريضي عن اجتماع عقدته "هيئة التفاوض" قبل أسابيع لاتخاذ موقف تجاه منهجية "خطوة بخطوة" التي يروّج لها بيدرسون، "وخاصة أنه لم يلتفت لكتاب اعتراض رسمي من الهيئة تجاه هذه المنهجية التي تخرج عن ولايته…".

ويضيف العريضي: "في اجتماعنا الأخير رفضنا مقاربة بيدرسون (خطوة بخطوة) ودعواته لعقد الجولة السابعة، حيث كنا أرسلنا كتابا بخصوص ذلك، لكنه ضرب كل شيء بعرض الحائط ودعا للمشاركة في الجولة الحالية".

ويوضح العريضي: "رغم كل تلك المخاطر والتطورات الكارثية التي تحيط بالحق السوري، دأب البعض في مؤسسات المعارضة السورية على التفرد والإقصاء وتسيير المؤسسات بالاتجاه الذي يريدونه".

ما هي "خطوة بخطوة"؟

وقبل أشهر قليلة بدا توجه يقوده المبعوث الأممي إلى سوريا، غير بيدرسون تحت مقاربة تسمى بـ"خطوة مقابل خطوة"، من أجل التوصل إلى حل سياسي للملف السوري "المستعصي".

وهذه المقاربة تتلخص في أن تُقدم واشنطن مع حلفائها على رفع أو تخفيف بعض العقوبات عن النظام السوري، مقابل دفع موسكو الأخير لتنازلات من شأنها أن تحرز تقدما في مسار عملية الحل السياسي.

ورغم تأكيد بيدرسون عليها كسبيل للحل، إلا أن النظام السوري سبق أن رفضها على لسان وزير خارجيته، فيصل المقداد، وكذلك الأمر بالنسبة لـ"هيئة التفاوض السورية" و"الائتلاف الوطني السوري".

وقبل الموقف الذي أبداه العريضي خلال حديثه لموقع "الحرة" كان المعارض السوري، إبراهيم الجباوي قد أعلن قبل أشهر انسحابه من مسار اللجنة الدستورية.

ويقول الجباوي لموقع "الحرة": "اللجنة الدستورية لم تقدم أي شيء سلبي أو إيجابي. هي متماهية مع إملاءات الدول عليها. قيادات اللجنة تتماهى مع التعليمات الجغرافية أو القطرية أو الإقليمية والدولية".

ويضيف السياسي المعارض، في إشارة له عن وفد المعارضة: "ذهبت هذه القيادة باللجنة إلى ما هو أبعد من ذلك، حينما اعتبرت أنها كيان مستقل عن هيئة التفاوض ولا تتشاور مع اللجنة الموسعة وهيئة التفاوض".

وزاد الجباوي: "الرئيس المشترك عن وفد المعارضة يذهب باللجنة المصغرة، ويتماهى مع جميع القرارات. اللجنة عبثية ولم تحقق أي شيء ولن تنتج أي شيء".

وحاول موقع "الحرة" التواصل مع الرئيس المشترك للجنة، هادي البحرة، للحصول على رد يتعلق بأسباب الانخراط في هذا المسار "المخيب للآمال"، إلا أنه لم يتلق ردا حتى ساعة إعداد هذا التقرير.

ويوضح الجباوي في تعليقه على جدول أعمال الجولة السابعة: "كل بند يحتاج نقاشه يوم. بذلك ستنعقد مئات الجولات لوضع دستور جديد، وهذا إن انخرط النظام السوري فيه"، مستدركا: "ولن ينخرط!".

"على قيد الحياة"

وكانت فكرة اللجنة الدستورية لصياغة دستور جديد لسوريا برزت في مؤتمر سوتشي بروسيا، الذي عقد في يناير من العام 2018 برعاية الدول الثلاثة الضامنة روسيا وتركيا وإيران، بيد أن العديد من المعارضين والحقوقيين أشاروا إلى أن فكرة تلك اللجنة ومنذ انطلاقها لم تكن موجودة في الوثائق الدولية، ولا في كل قرارات مجلس الأمن، التي هي في الأصل الحاضنة القانونية للحالة السورية.

وعقدت آخر جولات اللجنة (الجولة السادسة)، في 18 أكتوبر 2021، بعد تعطيل دام أكثر من 9 أشهر، ولكنها وكسابق الجولات لم تسفر عن أي تقدم، وجرى الاتفاق على عقد جولة سابعة عقب شهر، إلى أن أعلن عنها ليومين في أواخر مارس الحالي.

وكانت الفقرة الرابعة من قرار مجلس الأمن "2254" نصت على أن العملية السياسية في سوريا تتضمن تأسيس حكم شامل وغير طائفي خلال ستة أشهر، وعقب ذلك يتم النظر في النظام الدستوري للوصول إلى انتخابات برلمانية ورئاسية في 18 شهرا، أي أن الدستور حسب الوثائق يأتي ما بعد "هيئة الحكم الانتقالي".

ويرى الدبلوماسي السوري السابق، بشار الحاج، أن "المسار الدستوري في جنيف جزء من العملية السياسية التفاوضية، التي بدأت بدعم وتوافق دولي تحت مظلة الأمم المتحدة وقرارت مجلس الأمن، وبسبب تعثر المفاوضات السابقة وفشل المبعوثين الأمميين ماقبل السيد بيدرسون. ليس بسببهم باعتقادي بل بسبب الوضع الدولي العاجز".

ويقول الحاج علي لموقع "الحرة": "لم يتبق من العملية السياسية تحت هذا العنوان حتى الآن سوى اللجنة الدستورية بجولاتها غير المنتجة، كدليل على بقاء ما يسمى الحل السياسي على قيد الحياة".

وبوجهة نظر الدبلوماسي السوري السابق: "في ظل العجز المتراكب دوليا ووطنيا عن الوصول لحل من الجيد لنا كقوى ثورة ومعارضة الاستمرار في وضع المجتمع الدولي أمام عجزه، وأمام مسؤليته عن المأساة السورية، وهنا تقع المشاركة في جولات اللجنة الدستورية ضمن هذا السياق".

و"ليس من الحكمة"، بحسب السياسي المعارض "التخلي عن الدستورية دون مقابل أو مكسب سياسي"، لاسيما أنها تعمل "تحت القرارات الأممية ذات الصلة وخاصة القرار 2254، وتم تشكيلها بالمساواة بين قوى الثورة والمعارضة من جهة والنظام من جهة أخرى، بإلاضافة لثلث المجتمع المدني".

وحول إمكانية الوصول لنقاط مشتركة من خلال النقاشات في جولات الدستورية، يعتقد الحاج علي أن "ذلك ممكنا، لكن ارتهان النظام القمعي لأعضاء وفده يجعلهم يرتبكون ويتراجعون، كما حدث في الجولة السابقة".

ولم يخف النظام السوري مؤخرا موقفه الرسمي من "اللجنة الدستورية السورية" بل كان صريحا، وبشكل خاص على لسان بشار الأسد، في أثناء مقابلة له مع "زيفيردا" التابعة لوزارة الدفاع الروسية، في أكتوبر 2020.

وقال الأسد حينها إن "تركيا والدول الداعمة لها، بما فيها الولايات المتحدة وحلفاؤها، غير مهتمة بعمل اللجنة الدستورية بصورة بناءة، ومطالبها تهدف إلى إضعاف الدولة السورية وتجزئتها"، وإنه يرفض التفاوض حول قضايا تخص استقرار سوريا وأمنها.

ووصف الأسد محادثات اللجنة في جنيف بأنها "لعبة سياسية"، وأنها ليست ما يركز عليه عموم السوريين، في لقاء آخر مع وكالة "سبوتنيك" الروسية، في أكتوبر 2020.

والشعب السوري، برأي الأسد "لا يفكر بالدستور، ولا أحد منه يتحدث عنه، واهتمامات الشعب السوري تتعلق بالإصلاحات التي ينبغي تنفيذها، والسياسات التي يحتاج تغييرها لضمان تلبية احتياجات الشعب السوري".

تنتشر الكثير من التقارير التي تفيد بمساعي تقودها إيران للعب الورقة العشائرية ضد الولايات المتحدة الأميركية في سوريا
الكثير من التقارير تفيد بمساعي تقودها إيران للعب الورقة العشائرية ضد الولايات المتحدة الأميركية في سوريا

ما إن أعلنت "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) في شرق سوريا عن لقاء جمع قائدها مظلوم عبدي مع شيوخ ووجهاء عشائر في محافظة دير الزور قبل أسبوع حتى خرجت صورة متشابهة ومتناقضة في آن واحد من الضفة الأخرى لنهر الفرات (الغربية).

والوجهاء الذين التقاهم قائد "قسد" من قبيلتي "العكيدات" و"البكارة"، وأكد عبدي بحسب بيان رسمي خلال الاجتماع على عدة نقاط أبرزها أن "العشائر هم الضمانة الأساسية لحماية المنطقة من كل التهديدات التي تتعرض لها".

أيامٌ قليلة مضت على الحدث، الذي لم ينفصل عن المواجهات التي شهدتها دير الزور في سبتمبر 2023، حتى أعلنت إحدى القبائل في المحافظة ذاتها لكن ضمن المناطق الخاضعة لسيطرة نظام الأسد عن تشكيلٍ حمل اسم "سرايا البوشعبان".

ومن المقرر حسبما ذكر صحفيون لموقع "الحرة"، وبيان نشرته وسائل إعلام محلية، أن تكون مهمة "السرايا الجديدة" محاربة "قسد"، التي تتلقى دعما من الولايات المتحدة الأميركية.

ويوضح الصحفي، زين العابدين العكيدي لموقع "الحرة" أن الإعلان عن تشكيلها جاء في أعقاب اجتماع في دير الزور أشرف عليه النقيب أحمد عبد الكريم المحيميد، الذي يشغل مسؤول غرفة العمليات في مكتب العشائر التابع للنظام السوري.

وضم كلا من إبراهيم الهفل شيخ قبيلة "العكيدات" الذي قاد مواجهات ضد "قسد" مؤخرا وانتقل إلى مناطق سيطرة النظام، والشيخ علاء اللباد أحد شيوخ قبيلة "البوشعبان" وصبحي الحنان أحد وجهاء قبيلة "البكارة".

ورغم أن الصحفي العكيدي اعتبر أن السرايا "لم تبصر النور على الأرض" حتى الآن وقرار الإعلان عنها بمثابة "ضغط إعلامي" سادت تكهنات لدى البعض من المراقبين، حيث رأوا أن تشكيلها يرتبط "بأيادٍ إيرانية".

ومع تضارب الصورة المتعلقة بما حصل أصبحت "العباءة العشائرية" أكثر ما يحكم مشهد مناطق الشرق السوري، وخاصة محافظة دير الزور، وفق قول وقراءة مراقبين تحدثوا لموقع "الحرة".

ما هو موقف الولايات المتحدة؟

منذ سنوات تنتشر الكثير من التقارير التي تفيد بمساعي تقودها إيران للعب الورقة العشائرية ضد الولايات المتحدة الأميركية، في سبيل الضغط عليها، ودفعها للخروج من المناطق التي تنتشر فيها في شمال وشرق سوريا.

ومع أن تلك المساعي أكدتها تحركات ومؤشرات بقيت الكثير من تفاصيلها غامضة، نظرا لصعوبة التغطية الإعلامية في دير الزور، والقيود التي تفرضها ميليشيات إيران هناك، وكذلك "قسد"، التي تسيطر على مناطق الضفة الشرقية للفرات. 

وردا على سؤال يتعلق بموقف الولايات المتحدة من التحركات الإيرانية المتعلقة بـ"استغلال العشائر" قال السكرتير الصحفي لوزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون)، بات رايدر إن ذلك "ليس سلوكا جديدا على إيران".

وأضاف يوم الخميس أن الطريقة التي تدير فيها إيران أعمالها هي تدريب المجموعات الوكيلة والتأثير عليها، في إطار سياستها الخارجية الهادفة لطرد الولايات المتحدة من الشرق الأوسط.

رايدر أشار إلى أن هدف طهران من إزاحة واشنطن من المنطقة هو إتاحة المجال لتنفيذ ما ترغب به إيران في المنطقة "دون رادع"، وأكد أن تلك المساعي هي مسار تواصل الولايات المتحدة مراقبته.

كما تابع أنه من المهم، من وجهة نظر الولايات المتحدة، وعندما يتعلق الأمر بالشرق الأوسط، أن تحترم سيادة البلدان التي تعمل معها، على عكس بعض هذه المجموعات الوكيلة (الميليشيات الموالية لإيران)، التي دمجت نفسها في هذه الدول.

"محطة سبتمبر وما بعدها"

ولا ينفصل اللقاء الذي جمع مظلوم عبدي مع شيوخ ووجهاء العشائر، قبل أسبوع، عما عاشته دير الزور قبل ثمانية أشهر من مواجهات، حيث كان أحد طرفيها "قسد" والثاني قوات عشائرية قادها شيخ قبيلة العكيدات، إبراهيم الهفل.

واستمرت المواجهات لعدة أيام، وانتهت بإعلان "قسد" دخول معقل الهفل في بلدة ذبيان، وعبور شيخ قبيلة "العكيدات" باتجاه مناطق سيطرة النظام السوري، على الضفة الأخرى من نهر الفرات.

كما لا ينفصل التشكيل الجديد (سرايا البوشعبان) عن مواجهات سبتمبر أيضا، ويأتي ضمن إطار استكمال المواجهات ضد "قسد"، والتي أخذت خلال الأشهر الماضية طبيعة الاستهدافات الليلة في الريف الشرقي لدير الزور.

وكانت الميليشيات التابعة لـ"الحرس الثوري" في دير الزور وأخرى منخرطة ضمن ما يسمى بـ"المقاومة الإسلامية في العراق" قد صعّدت من هجماتها ضد القوات الأميركية في شمال وشرق سوريا، في أعقاب الحرب بغزة.

لكنها توقفت بعد الرد الأميركي الأخير على حادثة قصف قاعدة "البرج 22"، الواقعة داخل الأراضي الأردنية.

ويشير تحليل نشرته "مجموعة الأزمات الدولية" الجمعة أن "إيران حولت تركيزها بعد الضربات الانتقامية إلى تخفيف القبضة الهشة بالفعل لقوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الأكراد شرق نهر الفرات".

واستندت بذلك على "الميليشيات القبلية العربية"، وعلى الطابع العشائري الذي تعرف به المنطقة هناك.

وتوصل التحليل أن "استهداف قسد له منطق استراتيجي واضح"، وهو "إبقاء الصراع محليا، وبالتالي فرض خطر محدود من الانتقام الأميركي". ويصل كل ذلك إلى نقطة دفع واشنطن لتقليص وجودها هناك.

ماذا يقول المراقبون؟

تختلف قراءات المراقبين الذين تحدثوا لموقع "الحرة" ببعض الجزئيات فيما يتعلق بالمحاولات التي تقودها إيران مع العشائر العربية.

ورغم أنهم لا يستبعدون نوايا طهران وحرسها الثوري وأهدافها في شرق سوريا يرفضون فكرة وسم "الانتفاضة العشائرية" التي خرجت ضد "قسد" مؤخرا بطابع إيران، وخدمة لمصالحها.

وكانت المواجهات الأخيرة قد اندلعت شرارتها بسبب "ممارسات قسد" ضد العشائر ولأسباب كامنة تتعلق بحقوق أبناء المنطقة في دير الزور.

وتطورت المجريات شيئا فشيئا ووصلت إلى حد إجبار إبراهيم الهفل شيخ قبيلة العكيدات للخروج إلى مناطق سيطرة النظام، بعد محاصرته من كل الجهات.

لكن في المقابل ألمحت "قسد" في بيانات سابقة إلى وجود "خلايا تتبع للنظام السوري وإيران كانت وراء المواجهات التي اندلعت ضدها في سبتمبر الماضي".

وتحدث قائدها عبدي في اللقاء الأخير عن "أخطاء فردية" وقعت في دير الزور أثناء "ملاحقة خلايا داعش"، في إشارة منه إلى الاعتقالات التي استهدفت أبناء من العشائر العربية.

ويقول الصحفي العكيدي إن "علاقة الشيخ إبراهيم الهفل بإيران والحرس الثوري غير صحيحة"، لكنه يضيف أنه يتلقى دعما من مكتب العشائر التابع للنظام، ومن اللواء 104 التابع لـ"الحرس الجمهوري" و"الفرقة الرابعة".

ويستبعد أن يُحدث التشكيل الأخير في مناطق النظام (سرايا البوشعبان) أثرا فعليا، لاسيما أن أبناء هذه القبيلة يتواجدون في المناطق الخاضعة لـ"قسد" في ريف حلب، وفي الريف الجنوبي الشرقي للرقة.

لكن في المقابل يقول الباحث السوري في مركز "عمران للدراسات الاستراتيجية"، سامر الأحمد إن "إيران استفادت من انتفاضة العشائر والحركة الأخيرة للشيخ إبراهيم الهفل، واستطاعت كسبه إلى طرفها".

كما كسبت عددا من التشكيلات العشائرية التي هربت من ضفة الفرات الشرقية إلى الغربية، وحاولت العمل على بعض الهجمات بعبوات ناسفة ضد "قسد".

وتندرج قصة "سرايا البوشعبان" تحت السياق الذي ذكره الأحمد.

ويرى في حديثه لموقع "الحرة" أن إيران تحاول عبر استغلال وجهاء عشائر موالين للنظام الإعلان عن تشكيلات عسكرية، بهدف استهداف مناطق قسد والقوات الأميركية".

وكان من بين تلك التشكيلات سابقا "حركة أبناء الجزيرة والفرات" والقوات التابعة لشيخ قبيلة "البكارة"، نواف البشير.

ويضيف الباحث السوري أن ذلك يصب في إطار "إطلاق ما يسمى بالمقاومة الشعبية العشائرية"، في محاولة منها للإيحاء بأنها قادرة على ما اتبعته في السابق بالعراق.

"تحت عنوان العشائر"

ويتحدث عمر أبو ليلى، وهو مدير شبكة "دير الزور 24"، عن وجود "ميليشيات في شرق سوريا تتلقى تمويلا علنيا من النظام السوري والحرس الثوري الإيراني، وتعمل تحت مسمى وعنوان (المقاتلين العشائريين)".

ويقول لموقع "الحرة" إن الاستقطاب الذي تسير به إيران وصل مؤخرا إلى حد دخول "حزب الله" اللبناني على الخط".

وبين فترة وأخرى يتسلل قياديون من "حزب الله" إلى شرق سوريا وبالتحديد إلى دير الزور، ويعلمون على مسار "تمكين المقاتلين العشائريين وإغرائهم وتحفيزهم على تنفيذ هجمات" على ضفة الفرات الشرقية.

ويضيف أبو ليلى: "الهجمات بهدف الضغط على الأميركيين"، وأن إيران و"الحرس الثوري" تطلق يد عناصر وقادة الميليشيات لقاء ذلك للقيام بعمليات تهريب سلاح وبشر ومخدرات وما إلى ذلك.

ويغلب على مناطق شمال وشرق سوريا الطابع العشائري، وتوجد الكثير من العشائر الكبيرة، وعلى هذا الوتر تلعب إيران ومليشياتها، وفق مدير الشبكة الإخبارية.

ويورد تحليل لمعهد واشنطن، في أبريل 2021 أن ما يساعد إيران لتوسيع نفوذها في شرق سوريا هو "تكرار التوتر بين قسد وبعض أفراد العشائر العربية".

وذلك بسبب الخلافات على التمثيل في المحافظة المحلية وتوزيع المنافع المكتسبة من بيع النفط والغاز"، وفق التحليل.

وجاء فيه أن "أي جهود للتخلص شرعيا من النفوذ الإيراني في شرق سوريا تستوجب عمليات تكافح النفوذ الإيراني على الأصعدة الاجتماعية والعسكرية والمالية بين العشائر المحلية هناك، الأمر الذي قد يكون صعبا للغاية".

هل تنجح إيران بمساعيها؟

وكان النظام السوري و"الحرس الثوري" الإيراني قد فعّل مؤخرا تشكيل مسلح قديم جديد يطلق عليه اسم "قوات الكربلاء"، كما يشرح الصحفي العكيدي لموقع "الحرة". 

يقود هذه القوات شخص من بلدة كفريا (الشيعية) في ريف إدلب ويدعى أبو علي الكربلائي، وبدأت قواته بالفعل وعددها يصل إلى 80 عنصرا بشن هجمات ضد "قسد" في الريف الشرقي لدير الزور. 

الصحفي يعود بالذاكرة إلى الوراء، ويشير إلى أن محاولات إيران لاستقطاب العشائر ليست بالأمر السهل، ويلقى رفضا اتضح في أكثر من مناسبة.

وفي وقت سابق طرح عبد الله الشلاش الذي ينتمي لقبيلة "البوسرايا" فكرة على شيخ العشيرة مهند الفياض، أساسها تشكيل فصيل عسكري خاص بهم وبتمويل من إيران.

لكن المقترح قوبل بالرفض، وتعرض صاحبه الشلاش لتهديدات وصلت إلى حد القتل، حسب العكيدي، ما دفعه لنفي ما أشيع على لسانه.

وتمتد قبيلة البوسرايا من منطقة العياش إلى التبني، وتهيمن على الريف الغربي لدير الزور بالكامل.

ورغم أن "الدفاع الوطني" التابع للنظام والمعروف بـ"القطاع الغربي" تأسس بانخراط أبنائها، إلا أن العشيرة ككل بقيت بعيدة عن إيران وعادتها.

ولعبت خلال السنوات الماضية دورا إيجابيا على صعيد إبعاد أي تهديد يطال أبناءها، وخاصة الذين كانوا منخرطين في السابق بالقتال ضد النظام السوري ضمن تشكيلات إسلامية ومعارضة، حسب العكيدي.

ويشير الباحث السوري الأحمد إلى أن إيران بدأت منذ عام ونصف العمل على مشروع استقطاب مقاتلين من أبناء العشائر.

وروجت لأكثر من مرة مع وسائل إعلام النظام السوري على "فكرة المقاومة العشائرية للاحتلال الأميركي في شمال وشرق سوريا"، حسب حديثه.

ولا يعرف ما إذا كانت التشكيلات المعلنة حاليا سيترسخ نشاطها على الأرض، وما إذا كانت إيران ستنجح بشن هجمات ضد القوات الأميركية "بأيدي عشائرية".

ويقول الأحمد: "إيران تحاول القول: (كما فعلنا في العراق سنشكل مقاومة عشائرية في سوريا)"، ويضيف أن الأمر مرتبط بمدى قدرة شيوخ العشائر على استقطاب شبانهم.

ماذا عن "قوات سوريا الديمقراطية"؟

في اجتماعه الأخير مع الوجهاء غازل قائد "قسد" عبدي شيوخ العشائر بعد توتر دام لأشهر، وبينما أكد على دورهم الآن وسابقا في محاربة تنظيم داعش وحماية مكتسبات المنطقة، أشار إلى "فضلهم الكبير في تحرير المنطقة من الإرهاب".

وتطرق البيان الرسمي الذي نشرته "قسد" إلى "الدور  التخريبي الذي تلعبه الأجهزة الأمنية للنظام السوري، وحلفاؤه في دير الزور".

وترتبط "قسد" بالنظام السوري بعلاقة ملتبسة منذ سنوات.

ورغم أنها تتهمه بالقيام بعمليات "تخريب" في دير الزور كانت قد فتحت الباب أمامه في 2019، حيث أدخل قوات وتعزيزات إلى طول المناطق الحدودية مع تركيا وإلى الرقة وريف حلب.

ويوضح الباحث السوري الأحمد أن "قسد" عملت على أكثر من اتجاه لاستمالة العشائر، وأدخلت شخصيات عشائرية إلى مجلسها السياسي الجديد (مسد).

كما رعت تأسيس "مجلس قبيلة طي" لمنافسة مجلس آخر بذات الاسم والعشيرة في مناطق سيطرة النظام السوري.

ورغم هذه التحركات يرى الأحمد أن "قسد لم تقدم الأدوات المناسبة لاستمالة العشائر حتى الآن"، والتي تذهب باتجاه تمكينهم اقتصاديا وتخفيف الضغط الأمني على أبنائها مع توزيع ثروات المنطقة بشكل عادل.

ويضيف في سياق متصل أن "التحالف الدولي أيضا غير مهتم بالموضوع، وليس لديه أي تحركات على الأرض لكسب العشائر، وهي نقطة الضعف التي تستغلها إيران".