المؤسسات الأمنية والعسكرية اليوم تعجز عن تأمين أبسط حقوق عناصرها
المؤسسات الأمنية والعسكرية اليوم تعجز عن تأمين أبسط حقوق عناصرها

"كيف الخلاص من وظيفة اعتبرتها في البداية ضمانة لي مدى الحياة، وإذ بي أجدها كحبل ملتف حول عنقي يخنقني في اليوم مئات المرات"، كلمات قالها الرقيب أول في قوى الأمن الداخلي في لبنان، علي. ح، لموقع "الحرة"، مختصرا معاناة عدد كبير من زملائه بسبب تراجع قيمة رواتبهم بشكل قياسي.

ويشهد لبنان أزمة اقتصادية حادة منذ صيف 2019، صنفها البنك الدولي بين الأسوأ في العالم منذ عام 1850، إذ فقدت الليرة اللبنانية حوالي 90 في المئة من قيمتها مقابل الدولار الأميركي، الأمر الذي أدى إلى اتساع رقعة الفقر، حيث خلص آخر تقييم أجرته "الإسكوا" إلى أن "معدل ‏الفقر في لبنان تضاعف من 42 في المئة في عام 2019 إلى 82 في المئة من ‏إجمالي السكان في عام 2021".

وفاقم انفجار مرفأ بيروت في الرابع من أغسطس 2020 من حدة الأزمة، إضافة إلى إجراءات مواجهة فيروس كورونا. وبعدما كان اللبنانيون ينتظرون من حكومة الرئيس نجيب ميقاتي أن تضع حلولاً على سكة الخلاص، صدموا أن الأوضاع تتراجع أكثر وسعر صرف الدولار يرتفع حتى بلغ حدوداً لم يشهدها من قبل، حيث تخطى قبل أيام عتبة الـ25 ألف ليرة.

الوضع مأساوي ولم يعد يحتمل، يوماً بعد يوم يزيد غرق اللبنانيين في الفقر، وكما قال علي: "حتى كفاف يوم عائلتي لا يمكنني تأمينه مع تراجع قيمة راتبي من 1200 دولار إلى 72 دولار، أي ما يعادل مليون و800 ألف ليرة، تكفي بدل فاتورة مولد الكهرباء، أجبرت على إيقافه لنمضي الليل وعائلتي على ضوء الشمعة إن تمكنت من شرائها".

ويشرح، بغصة لم تفارق حديثه، "نسينا مذاق اللحم والدجاج بسبب سعرهما المرتفع، وهذا يشعرني بالخجل، فكيف لي أن أفي بقسمي حين انضممت إلى مؤسسة قوى الأمن الداخلي وتدرجت في صفوفها حتى أصبحت رقيباً أولاً، في حين لا أستطيع شراء البطاطا والبرغل والأرز، وهي أطعمة الفقير سابقا، بينما اليوم أصبحت ترفا بكل ما للكلمة من معنى".

لم يعد علي يبالي، على حد قوله، "لا بالوطن ولا بما يدور فيه، همي الأول ألا تنام والدتي وشقيقي من دون طعام، ولهذا أرى أنه حان الوقت لإقرار قانون يسمح بتسريحنا من وظيفتنا، لا قانونا يمدد مهلة خدمتنا كالذي تقدم به النائب بلال عبد الله، فبدلاً من أن ينظر إلى حالنا، اقترح ما قد يفيد بعض المنتفعين من المؤسسة".

وأضاف "أنا أشدد على ضرورة عدم بقائنا رهينة توقيع يحول دون فك أسرنا، لأنني حقا أشعر أني في سجن كبير، حيث لا يمكنني السفر ولا العمل في أي مهنة تؤمن أدنى مقومات العيش الكريم لي ولعائلتي".

وتعجز المؤسسات الأمنية والعسكرية اليوم عن تأمين أبسط حقوق عناصرها، كالطبابة مثلا، على الرغم من محافظتها لسنوات على تقديمها لهم حتى خلال الحرب الأهلية.

وفي هذا السياق، قال المعاون في قوى الأمن، سمير.م، لموقع الحرة: "بعدما كنا نعتبر أن المؤسسة الأمنية تحمينا من الموت على أبواب المستشفيات أصبحنا اليوم نواجه هذه المشكلة، فعدد كبير من المستشفيات يرفض استقبالنا وإن حصل ذلك، علينا أن ندفع بدل فاتورة الاستشفاء". 

وأكد سمير أن "الدولة تحاسب على سعر صرف 3900 ليرة، في حين يتجاوز سعر صرف الدولار في  السوق السوداء الـ24 ألف ليرة، أما الأدوية فأصبح سعر بعضها يعادل نصف راتبنا".

في الوقت الذي لم تسمح فيه الظروف المادية لعلي بالارتباط، لدى سمير أربعة أولاد، وقال: "وحده الله يعلم كيف أؤمن قوت يومهم، فكرت كثيراً بالفرار من الخدمة والهرب خارج البلاد، لكن أخشى من التبعات في حال أقدمت على ذلك".

اقتراح قانوني يعاكس "الأغلبية"

حتى الآن، فرّ من صفوف القوى الأمنية، بحسب ما أعلنه وزير الداخلية اللبناني، بسام مولوي، 243 عنصراً وأربعة ضباط، وفي الوقت الذي ينتظر فيه عدد لا بأس به من الأفراد والرتباء تسريحهم.

وتقدم النائب، بلال عبدالله، باسم "اللقاء الديمقراطي" بزعامة وليد جنبلاط، باقتراح قانون يتعلق بتمديد مدة تسريح الرتباء والأفراد.

وعن الأسباب الموجبة، قال عبدالله: "لما كان قانون الدفاع الوطني قد صدر بالمرسوم الاشتراعي رقم 102 تاريخ 16 /9/ 1983 ولما كانت المادة 57 والتي تتناول أحكام التسريح من الخدمة لم يطرأ عليها أي تعديل منذ ذلك الزمن، وتنص المادة أيضا على أن يسرح الرتباء عند بلوغهم سن الـ48 سنة، كما تنص على تسريح الأفراد عند بلوغهم الـ45 سنة، وبما أن نص المادة يعود الى ما يقارب الـ 40 سنة، حصلت خلالها تطورات عديدة على المتوسط العام للعمر". 

وأضاف "ولما كان الوضع القائم حاليا في البلاد لا يسمح بتطويع عناصر لصالح المؤسسة العسكرية يقابله تسريح العسكريين الذين بلغوا السن القانونية ناهيك عن العسكريين الذين يتقدمون بطلب استقالاتهم، ولما كان الاتجاه التشريعي منذ العام 2019  قد انتهى إلى تمديد سنوات الخدمة وقد ظهر ذلك في المادة 90 من القانون 144 الصادر في العام 2019 من خلال رفع عدد سنوات الخدمة الفعلية التي تتيح الحق بالتقاعد من 18 سنة إلى 23 بالنسبة للرتباء والأفراد، وعليه تقدمنا بهذا الاقتراح آملين من المجلس النيابي الكريم مناقشته وإقراره".

تمديد اختياري لا إجباري

وتعليقاً على ما تقدم به، قال النائب عبد الله، في حديث لموقع الحرة، إن "اقتراح القانون هو لتمديد خدمة العناصر والرتباء الأمنيين اختيارياً وليس اجبارياً، وذلك بناء على طلب بعضهم مني، لاسيما أنه لا يوجد توظيفات في الوقت الحالي وقسم لا بأس به من الأجهزة الأمنية والعسكرية تحتاجهم".

وعن انخفاض قيمة رواتب العناصر الأمنية بسبب ارتفاع سعر صرف الدولار إلى حدود خيالية، أوضح: "هي أزمة عامة في البلد، أزمة المداخيل وغلاء الأسعار وغيرهما".

وعن إمكانية اقتراح قانون لرفع رواتب القوى الأمنية والعسكرية، أكد عبد الله أن "القوانين الشعبوية التي يمكن اقتراحها كثيرة لكن المهم أن نجد مداخيل، فهل نتجه إلى طبع المزيد من العملة المحلية؟ فالدفع على طاقات من دون أي رؤية اقتصادية وتحريك الاقتصاد ورفع امكانات البلد المالية يعني أننا ندفع في مكان ونأخذهم من مكان آخر".

اقتراح يضر بالمؤسسة العسكرية

أما قائد الدرك الأسبق، العميد صلاح جبران، فقد اعتبر أن "اقتراح القانون يخدم عسكراً يرغبون بالبقاء في السلك بعد إيقاف التطوع، وهو يعاكس ما تطمح إليه الأغلبية التي تتوق إلى تسريحها، كون أي عمل خارج المؤسسة العسكرية مردوده أكبر من الراتب الذي يتقاضاه الأمني في ظل الظروف الحالية".

وأردف قائلا لموقع الحرة: "حتى هذا الاقتراح يمكن تعديله من خلال ذكر أنه يسمح التطوّع في المؤسسات العسكرية بنسبة تعادل نسبة الذين سيتقاعدون والمتوفين والمستقيلين والمطرودين والمنتهية عقود تعاقدهم"، لكن هذا الاقتراح سيجعل المؤسسة العسكرية هرمة، وهذا الأمر ضد مصلحتها، فالفرد في سن الـ 47 يكون قد استنفذ طاقاته، والعسكري الذي يرفض تسريحه لا يعود منتجاً حيث سيخدم مرغماً".

ويمكن تأجيل التسريح للمتطوع ولو بلغ السن القانونية، بحسب المادة 55، في الحالات التالية، أولا، إذا كان في وضع اعتلال لم يبت به، وفي هذه الحالة يبقى بصفته السابقة حتى صدور مقررات اللجنة الصحية. ثانيا، بناء على قرار وزير الدفاع الوطني المبني على اقتراح قائد الجيش في حالات الحرب او اعلان حالة الطوارئ او اثناء تكليف الجيش بالمحافظة على الامن. والجيش الآن برأي العميد جبران "مكلف بالحفاظ على الأمن ويمكنه تأجيل التسريح وليس من الضروري وضع سن معين".

المشكلة الكبرى

"وضع أفراد المؤسسة العسكرية مزرٍ ومأساوي"، وفق العميد جبران الذي رأى أن "وضع الجيش أفضل حالاً من القوى الأمنية بفضل الاتصالات التي قام بها قائده والتي أسفرت عن مساعدات طبية ومادية، على عكس القوى الأمنية حيث بات سعر الدواء الذي يحتاجه رجل الأمن  يساوي راتبه وأكثر، عدا عن أن جميع المستشفيات المتعاقدة معها قوى الأمن ترفض استقبال رجال قوى الأمن للمعالجة ولا يوجد لديهم مستشفى على غرار الجيش اللبناني".

ويضيف "من هنا نشهد حالة تذمر كبيرة، والوضع كما أراه غير سليم وإذا لم يتم تداركه سيؤدي إلى مضاعفات كبيرة، فالحالة تسوء يوماً بعد يوم والمسؤولون غير مكترثين لهذا الوضع".

وعما تردد من طلب المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي من جميع عناصرها تسليم جوازات سفرهم، قال العميد المتقاعد: "أمر طبيعي، فأي عسكري يدخل السلك يسلم جواز سفره، وإذا أراد السفر عليه طلب إذن خاص".

أما الطلب من بعضهم تسليم سلاحهم، فهو يعود كما قال إلى "حالات معينة قام بها عسكر ببيع سلاحه وادعاء فقدانه، من هنا قد يطلب من العسكري الإداري تسليمه، لا سيما وأن ليس لديه مهمات أمنية".

الوضع الأمني في لبنان هش ويزيد خطورة مع الأيام في ظل استحقاقات عدة قادمة منها الانتخابات النيابية في حين العسكر في وضع يرثى له، والمشكلة الكبرى، كما يرى العميد جبران. 

ويشير إلى أن "المسؤولين لا يعيرون ذلك أهمية، يوجهون القوى الأمنية المولجة بتأمين أمن المواطن إلى المخالفات الإدارية، إذ أن 90 في المئة من عمل العسكر في الوقت الحالي يقتصر على التبليغات ومتابعة مخالفات البناء، الأولى من صلاحية المباشرين العدليين والثانية من اختصاص البلديات التي تمنح الترخيص، في وقت ترتفع فيه نسبة السرقات وجرائم القتل والسلاح المتفلت منتشر في كل مكان".

"لكن رغم كل الظروف الاقتصادية الصعبة التي انعكست بشكل كبير على العناصر الأمنية والعسكرية تبقى خدمة بلدهم فوق كل اعتبار"، بحسب ما قاله مصدر أمني لموقع "الحرة"، "فالقضية تتعلق بالأمن القومي والانتماء للوطن وواجبنا مساعدة أهلنا وحفظ الأمن، لاسيما وأن المؤسسات الأمنية بحاجة لعناصر مع عدم فتح باب التطوع منذ سنوات في وقت يتقاعد سنوياً بين 500 إلى 700 عنصر".

وشدد المصدر، الذي طلب عدم الكشف عن هويته، على أن "القيادات الأمنية تسعى جاهدة لمحاولة سد الثغرات ومعالجة المشاكل الاجتماعية والطبية والاقتصادية".

وعن اقتراح قانون تمديد التسريح، علّق قائلا: "عند إقراره سنصبح ملزمين بتطبيقه".

الوضع القانوني للفار من خدمته

"دفع الوضع الاقتصادي الصعب ومنْع العسكريين في الأسلاك الأمنية والعسكرية من العمل خارج مؤسستهم في وقت ترفض فيه طلبات تسريحهم ومنحهم مأذونيات للسفر، إلى شعورهم أنهم تحت الاقامة الجبرية" بحسب ما قالته المحامية، ندين عراجي، لموقع "الحرة".

وأضافت "حدد الفصل الخامس من قانون رقم 17 من قانون تنظيم قوى الأمن حالات تسريح الرتباء والأفراد حكما بقرار من قائد الوحدة عند بلوغهم حدود السن القانونية أو اختيارياً عند إكمالهم مدة خدمتهم".

وفي رد على سؤال حول الوضع القانوني للفار من خدمته، أجابت "بحسب القانون رقم 17 لتنظيم قوى الأمن الداخلي، يحول إلى المحكمة العسكرية، ويكون أمام عقوبة تتراوح بين شهر وشهرين، قبل تحويله إلى المجلس التأديبي، حيث مصيره الطرد من المؤسسة، لكن بسبب الظروف التي يمر بها لبنان يقتصر الأمر في هذه الأيام على سجن العسكري الفار وكسر رتبته قبل إعادته إلى وظيفته".

كذلك أشارت عراجي إلى المادة 90 من قانون العقوبات العسكري الذي ينص على أن "كل شخص ارتكب جريمة التخلف المبينة في قانون التجنيد يعاقب في زمن السلم بالسجن من شهر إلى سنة، وفي زمن الحرب بالسجن من سنتين إلى خمس سنوات. وإذا كان الفار ضابطا فإنه يعاقب فوق ذلك بالعزل". 

وتضيف "في حين نصت المادة 92 يعد فارا إلى خارج البلاد في زمن السلم كل عسكري يجتاز الحدود اللبنانية بدون إذن، أو يترك القطعة (السلاح) التابع لها ويلتحق ببلاد أجنبية، ويعاقب العسكري الفار إلى خارج البلاد بالسجن من سنتين إلى خمس سنوات، وإذا كان ضابطا، فإنه يعاقب بالاعتقال المؤقت، وإذا منح الأسباب التخفيفية وعوقب بالسجن فيقضى عليه فوق ذلك بعقوبة العزل".

المسيرات سلاح فعال للجانبين
المسيرات سلاح فعال للجانبين

تشهد "حرب المسيرات" تصاعداً مستمراً بين "حزب الله" وإسرائيل، إذ يستخدم الطرفان هذا السلاح الفعّال لتحقيق أهداف متعددة، بدءا من الاستطلاع والمراقبة، إلى الضربات الجوية وعمليات الاغتيال.

وبرزت الطائرات المسيرة باعتبارها أداة رئيسية في عمليات اغتيال إسرائيل لقادة حزب الله على طول الأراضي اللبنانية وحتى السورية، وكذلك في استهداف حزب الله للمواقع والمرابض الإسرائيلية.

ويسعى كلا الطرفين إلى التصدي لمسيرات الطرف الآخر، وآخر عملية ناجحة كانت، الأحد الماضي، إذ أعلن الجيش الإسرائيلي سقوط إحدى طائراته المسيرة في الأجواء اللبنانية بعد استهدافها بصاروخ أرض-جو.

وامتدت نيران حرب غزة إلى الجبهة الجنوبية للبنان في الثامن من أكتوبر، مع إعلان حزب الله عدم وقوفه على الحياد، وفتح "جبهة إسناد" لحركة حماس عملاً بقاعدة "وحدة الساحات"، وعلى مدى حوالي سبعة أشهر كسر وإسرائيل "قواعد الاشتباك "من دون الانزلاق إلى حرب شاملة.

إسرائيل.. الرائدة

تعتمد حروب الجيل الخامس على المسيرات، وفق الخبير الاستراتيجي والعسكري، العميد المتقاعد ناجي ملاعب لموقع "الحرة"، ويشكّل دخولها إلى ميادين القتال، بحسب الخبير في أسلحة الدمار الشامل والقانون الدولي أكرم كمال سريوي "عاملاً مهماً، غيّر مفاهيم وتكتيك المعارك والعمليات العسكرية بشكل كبير".

 وتحوّلت المسّيرات بحسب ما يقوله سريوي لموقع "الحرة" "إلى سلاح دقيق ومرتفع الفعالية، يسمح بتدمير أهداف مهمة للعدو بتكلفة رخيصة، ودون مخاطرة كبرى من الجنود".

وتعد إسرائيل بحسب ملاعب "الرائدة عالمياً في مجال المسيرات، فهي من تصنّعها وتطوّرها، ومنها من لم تستخدمه بعد في لبنان، كفخر مسيّراتها، هارون تي بي، وهي بحجم طائرة ركاب، تسير بسرعة الصوت، تستطيع حمل طن من المتفجرات".

أما الطائرات التي استخدمتها إسرائيل في لبنان فهي هيرميس 450 وهيرميس 900، وكلا الطرازين يطيران على علو منخفض ومتوسط، وقد نجحت الدفاعات الجوية لحزب الله من إسقاطهما.

وتمتلك إسرائيل أنواع عدة من المسيرات منها إيتان، أوربيتر، ثاندر بي، سباي لايت، مايكرو بي، وسكاي سترايكر الانتحارية وغيرها.

وتعود بداية سباق التسلح بالطائرات المسيرة وفق ما قاله الدكتور المدير التنفيذي لمعهد كورنيل للسياسة والتكنولوجيا في جامعة كورنيل، جيمس باتون روجرز، لـ"بي بي سي" "إلى أواخر السبعينيات أو أوائل الثمانينيات، حيث عملت كل من إسرائيل وإيران على تطوير طائرات بدون طيار منذ ذلك الوقت، والبلدان يعتبران أنظمة الأسلحة عن بعد جزءاً لا يتجزأ من الدفاع الوطني".

قدرات حزب الله المتنامية

وفي عصر المسيرات الذي شهد ازدهاراً خلال السنوات الأربع الماضية، يمتلك حزب الله بحسب ما يقوله رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات والعلاقات العامة، العميد الركن المتقاعد، الدكتور هشام جابر، لموقع "الحرة" "ترسانة متنوعة من هذه الأسلحة التكنولوجية، ولا شك أن إيران تلعب دوراً محورياً في تطوير قدراتها، حيث تعدّ رائدة في هذا المجال على مستوى المنطقة والعالم."

ويمتلك حزب الله بحسب ما كشف مركز أبحاث "ألما" الإسرائيلي عام 2021 نحو 2000 مسيرة، منها ما تم تصنيعه في إيران، وأخرى صنعها الحزب، أو صينية الصنع، "والتي يمكن شراؤها من السوق المدنية، حيث يقوم الحزب بتعديلها حسب احتياجاته، سواء للتصوير الفوتوغرافي أو حمل القنابل وإسقاطها".

ومن أنواع مسيرات الحزب، مسيرة "أيوب" المستوحاة من طائرة "شاهد 129" الإيرانية المستوحاة هي الأخرى من طراز "هيرميس 450" الإسرائيلي التي سقطت في بيروت خلال حرب 2006، كما يملك الحزب "مرصاد 1 و"مرصاد 2" و"أبابيل ت".

وقدّر المركز أن لدى حزب الله أنواع إضافية من المسيرات المتقدمة، من أنواع "المهاجر" و"الشاهد" و"صامد"، و"كرار" و"الصاعقة".

وحصل الحزب بحسب ملاعب "على مسيرات من طهران من طراز شاهد 136 وهي طائرة انتحارية قصيرة المدى، استخدمت في عملية عرب العرامشة، وقد يكون حصل على شاهد 238، المشابهة لمسيرة "هارون تي بي" الإسرائيلية من حيث القدرة، كما يملك مسيرات صغيرة للاستطلاع والمراقبة".

ولا تقتصر إمكانيات حزب الله على المسيرات الاستطلاعية والهجومية فقط، بل يمتلك أيضاً وفق ما يقوله "منظومة دفاع جوي لم يتم الكشف عن تفاصيلها، "وقد أثبتت هذه المنظومة فعاليتها من خلال إسقاط طائرات مسيرة إسرائيلية من طراز "هيرميس 450" و"هيرميس 900".

وتتوفر في مسيرات الحزب ثلاث تقنيات، وردت في صحيفة "يديعوت أحرنوت" كما يشير ملاعب "الأولى تتمثل باستخدام كاميرا مثبتة عليها، مما يسمح للمشغل بالتحكم يدوياً بها، أما النظام الثاني فيستخدم مسار طيران محدد مسبقا يسترشد بإشارات الراديو من الأقمار الصناعية، مثل نظام تحديد المواقع العالمي "جي بي أس" والثالث، يتبع مسارا مخططا مسبقا دون اتصال خارجي، مما يزيد من صعوبة تعطيله".

ويتبع حزب الله استراتيجية الكشف التدريجي عن قدراته في مجال المسيرات والدفاع الجوي، وفق جابر "مما يثير تساؤلات حول ما يخفيه من إمكانيات، حيث تبذل إسرائيل جهوداً مكثفة للكشف عن قدرات حزب الله في مجال المسيرات".

وبدأ "الظهور العلني" لمسيرات حزب الله في عام 2004، حيث نجح كما ورد في تقرير "ألما" في إرسال مسيرة من طراز "مرصاد" جابت سماء شمال إسرائيل لمدة 18 دقيقة، قبل أن تعود إلى قاعدتها بسلام، وقد فعل الشيء نفسه في عام 2005.

وخلال حرب 2006، قام حزب الله ببعض المحاولات لإرسال مسيرات إلى الأراضي الإسرائيلية، بما فيها "أبابيل"، لكن تم اعتراضها كلها، وفي عام 2012، أطلق مسيرة عبر البحر الأبيض المتوسط، وصلت إلى منطقة النقب واعترضتها الطائرات الحربية، وفي السنة التالية، تم اعتراض مسيرة له بالقرب من خليج حيفا.

كما استخدم الحزب المسيرات خلال انخراطه في الحرب السورية، لاسيما خلال شنّه هجمات على منطقة القلمون.

وفي عام 2019 ادعى حزب الله أن طائرة استطلاع تمكنت من التحليق فوق منطقة الجليل خلال تدريب للجيش الإسرائيلي، كما أرسل طائرة إلى الأراضي الإسرائيلية في 2022، وفي ذات العام تبنى مسؤولية إطلاق "ثلاث مسيرات غير مسلحة باتجاه حقل كاريش".

تفوق متعدد الأوجه

وتمتلك المسيرات بحسب سريوي "تقنية تعدُّد الاستخدام، كما في الجانب المدني، كذلك في النواحي العسكرية، فهي قادرة على الطيران إلى مسافات بعيدة، وتنفيذ مهام الرصد، والاستطلاع، والمراقبة، وضرب الأهداف في عمق العدو".

وهي تتفوق على الطائرات النفاثة، كما يقول "وذلك بقدرتها على البقاء في الجو لمدة طويلة، تتراوح بين 20 إلى 72 ساعة. كما أنها أقل ضجيجاً، وبصمتها الرادارية أقل بكثير، والأهم من ذلك أنها قادرة على التسلل والطيران على ارتفاع منخفض، بحيث لا تستطيع الرادارات كشفها".

ويشدد على أنه "حتى من ناحية مدى الطيران، فهناك مسيرات مثل MQ-4 الأميركية، يفوق مداها 15 ألف كلم، بينما لا يتجاوز مدى أفضل الطائرات النفاثة الفي كلم. وتتمتع هذه المسيّرة بميزات وقدرات هامة جداً، فهي يمكنها التحليق فوق منطقة العمليات، وإرسال صور وفيديوهات دقيقة جداً، بشكل فوري، إلى مركز القيادة، في عدة أماكن من العالم في نفس الوقت".

كما أن تحريك وقيادة الطائرة من مركز بعيد محصّن على الأرض، يسمح بحسب الخبير في أسلحة الدمار الشامل "بمعالجة المعلومات بشكل دقيق، وبسرعة عالية. هذا إضافة إلى عامل الأمان، الذي يشعر به طاقم قيادة المسيرة".

ويتابع "أصبح بإمكان المسيرات حمل قذائف وصواريخ موجهة، جو-ارض وجو-جو، وهذا يسمح لها بضرب أهداف بأحجام مختلفة، وبدقة عالية، لدرجة ملاحقة الأفراد، وتنفيذ عملية اغتيال، واستهداف قادة الوحدات، وكذلك مراقبة السفن والفرقاطات في عرض البحار واستهدافها".

كما تفوقت المسيرات بحسب سريوي "على سلاح المروحيات، في تنفيذ مهام ضد مدرعات العدو، ومراكز القيادة، على خط الجبهة، وكذلك في عمق دفاعات العدو، وتحوّلت المسيرات الانتحارية، إلى قذائف ذكية، بعيدة المدى، تقطع آلاف الكيلومترات".

"سباق" المسيرات

مما لا شك فيه أننا دخلنا بحسب ملاعب "عصراً جديداً، ستلعب فيه المسيرات دوراً بارزاً، قد تغيّر مفاهيم ومبادئ القتال، التي كانت سائدة حتى اليوم".

وأثبتت المسيرات فعاليتها في تغيير مسار المعارك، يقول ملاعب "كما حدث في أوكرانيا مع طائرة بيرقدار التركية الصنع والتي كان لها دوراً حاسماً في وقف تقدم القوات الروسية ومنع حصار العاصمة كييف، وهي تتمتع بمميزات عديدة تجعلها أداة قوية في الحروب الحديثة، ومن أهمها، قدرتها على التحليق على ارتفاعات عالية، والبقاء في الجو لفترة طويلة، والدقة العالية في إصابة الهدف، والتكلفة المنخفضة، وسهولة الاستخدام".

وتعمل معظم الدول اليوم وفق سريوي "على تطوير ترساناتها من المسيرات، بأحجام مختلفة، وعلى اتجاهين، الأول: صناعة مسيرات كبيرة الحجم، لتحل مستقبلاً بشكل كامل مكان الطائرات المقاتلة، والثاني: مسيرات صغيرة الحجم (بحجم نحلة)، تكون بمثابة رصاصة ذكية، بحيث يتم إطلاق الآلاف منها فوق منطقة العمليات، وتتجه تلك الرصاصات لملاحقة جنود العدو والفتك بهم، حتى لو كانوا داخل الغرف او التحصينات، فهذه المسيرات ستكون قادرة على الدخول من فتحات صغيرة جداً، وذكية كفاية لإصابة جنود العدو في مكان قاتل".

ويضيف: "هناك إمكانية استخدام مسيرات صغيرة، وتحويلها من الاستخدام المدني إلى العسكري، كما فعلت "حماس" في مسيرات "الزواري" التي بات بإمكانها اسقاط قذائف متنوعة حتى قذائف الهاون من عيار 120 ملم، وبشكل دقيق على الأهداف، ويمكن تدمير دبابة سعرها 10 ملايين دولار، بمسيرة لا يتعدى سعرها 500 دولار".

ومع التطور التقني الكبير واستخدام الذكاء الصناعي في سلاح المسيرات، ستصبح المسيرات بحسب سريوي "السلاح الأخطر في ميادين القتال، وستتحول قريباً إلى مصدر للرعب، وإثارة القلق، حتى لدى أقوى جيوش العالم".

لكن تبقى المشكلة الوحيدة حتى الآن في المسيرات، كما يقول "هي بطء سرعتها، فغالبيتها لا تتجاوز سرعتها الـ200 كلم في الساعة، وتصل سرعة أفضلها إلى حوالي 575 كلم في الساعة، وهذا يجعلها أهدافاً سهلة لأسلحة المضاد للطائرات المتنوعة والمتعددة، كما أنها ما زالت ضعيفة في مواجهة الطائرات المقاتلة".