المؤسسات الأمنية والعسكرية اليوم تعجز عن تأمين أبسط حقوق عناصرها
المؤسسات الأمنية والعسكرية اليوم تعجز عن تأمين أبسط حقوق عناصرها

"كيف الخلاص من وظيفة اعتبرتها في البداية ضمانة لي مدى الحياة، وإذ بي أجدها كحبل ملتف حول عنقي يخنقني في اليوم مئات المرات"، كلمات قالها الرقيب أول في قوى الأمن الداخلي في لبنان، علي. ح، لموقع "الحرة"، مختصرا معاناة عدد كبير من زملائه بسبب تراجع قيمة رواتبهم بشكل قياسي.

ويشهد لبنان أزمة اقتصادية حادة منذ صيف 2019، صنفها البنك الدولي بين الأسوأ في العالم منذ عام 1850، إذ فقدت الليرة اللبنانية حوالي 90 في المئة من قيمتها مقابل الدولار الأميركي، الأمر الذي أدى إلى اتساع رقعة الفقر، حيث خلص آخر تقييم أجرته "الإسكوا" إلى أن "معدل ‏الفقر في لبنان تضاعف من 42 في المئة في عام 2019 إلى 82 في المئة من ‏إجمالي السكان في عام 2021".

وفاقم انفجار مرفأ بيروت في الرابع من أغسطس 2020 من حدة الأزمة، إضافة إلى إجراءات مواجهة فيروس كورونا. وبعدما كان اللبنانيون ينتظرون من حكومة الرئيس نجيب ميقاتي أن تضع حلولاً على سكة الخلاص، صدموا أن الأوضاع تتراجع أكثر وسعر صرف الدولار يرتفع حتى بلغ حدوداً لم يشهدها من قبل، حيث تخطى قبل أيام عتبة الـ25 ألف ليرة.

الوضع مأساوي ولم يعد يحتمل، يوماً بعد يوم يزيد غرق اللبنانيين في الفقر، وكما قال علي: "حتى كفاف يوم عائلتي لا يمكنني تأمينه مع تراجع قيمة راتبي من 1200 دولار إلى 72 دولار، أي ما يعادل مليون و800 ألف ليرة، تكفي بدل فاتورة مولد الكهرباء، أجبرت على إيقافه لنمضي الليل وعائلتي على ضوء الشمعة إن تمكنت من شرائها".

ويشرح، بغصة لم تفارق حديثه، "نسينا مذاق اللحم والدجاج بسبب سعرهما المرتفع، وهذا يشعرني بالخجل، فكيف لي أن أفي بقسمي حين انضممت إلى مؤسسة قوى الأمن الداخلي وتدرجت في صفوفها حتى أصبحت رقيباً أولاً، في حين لا أستطيع شراء البطاطا والبرغل والأرز، وهي أطعمة الفقير سابقا، بينما اليوم أصبحت ترفا بكل ما للكلمة من معنى".

لم يعد علي يبالي، على حد قوله، "لا بالوطن ولا بما يدور فيه، همي الأول ألا تنام والدتي وشقيقي من دون طعام، ولهذا أرى أنه حان الوقت لإقرار قانون يسمح بتسريحنا من وظيفتنا، لا قانونا يمدد مهلة خدمتنا كالذي تقدم به النائب بلال عبد الله، فبدلاً من أن ينظر إلى حالنا، اقترح ما قد يفيد بعض المنتفعين من المؤسسة".

وأضاف "أنا أشدد على ضرورة عدم بقائنا رهينة توقيع يحول دون فك أسرنا، لأنني حقا أشعر أني في سجن كبير، حيث لا يمكنني السفر ولا العمل في أي مهنة تؤمن أدنى مقومات العيش الكريم لي ولعائلتي".

وتعجز المؤسسات الأمنية والعسكرية اليوم عن تأمين أبسط حقوق عناصرها، كالطبابة مثلا، على الرغم من محافظتها لسنوات على تقديمها لهم حتى خلال الحرب الأهلية.

وفي هذا السياق، قال المعاون في قوى الأمن، سمير.م، لموقع الحرة: "بعدما كنا نعتبر أن المؤسسة الأمنية تحمينا من الموت على أبواب المستشفيات أصبحنا اليوم نواجه هذه المشكلة، فعدد كبير من المستشفيات يرفض استقبالنا وإن حصل ذلك، علينا أن ندفع بدل فاتورة الاستشفاء". 

وأكد سمير أن "الدولة تحاسب على سعر صرف 3900 ليرة، في حين يتجاوز سعر صرف الدولار في  السوق السوداء الـ24 ألف ليرة، أما الأدوية فأصبح سعر بعضها يعادل نصف راتبنا".

في الوقت الذي لم تسمح فيه الظروف المادية لعلي بالارتباط، لدى سمير أربعة أولاد، وقال: "وحده الله يعلم كيف أؤمن قوت يومهم، فكرت كثيراً بالفرار من الخدمة والهرب خارج البلاد، لكن أخشى من التبعات في حال أقدمت على ذلك".

اقتراح قانوني يعاكس "الأغلبية"

حتى الآن، فرّ من صفوف القوى الأمنية، بحسب ما أعلنه وزير الداخلية اللبناني، بسام مولوي، 243 عنصراً وأربعة ضباط، وفي الوقت الذي ينتظر فيه عدد لا بأس به من الأفراد والرتباء تسريحهم.

وتقدم النائب، بلال عبدالله، باسم "اللقاء الديمقراطي" بزعامة وليد جنبلاط، باقتراح قانون يتعلق بتمديد مدة تسريح الرتباء والأفراد.

وعن الأسباب الموجبة، قال عبدالله: "لما كان قانون الدفاع الوطني قد صدر بالمرسوم الاشتراعي رقم 102 تاريخ 16 /9/ 1983 ولما كانت المادة 57 والتي تتناول أحكام التسريح من الخدمة لم يطرأ عليها أي تعديل منذ ذلك الزمن، وتنص المادة أيضا على أن يسرح الرتباء عند بلوغهم سن الـ48 سنة، كما تنص على تسريح الأفراد عند بلوغهم الـ45 سنة، وبما أن نص المادة يعود الى ما يقارب الـ 40 سنة، حصلت خلالها تطورات عديدة على المتوسط العام للعمر". 

وأضاف "ولما كان الوضع القائم حاليا في البلاد لا يسمح بتطويع عناصر لصالح المؤسسة العسكرية يقابله تسريح العسكريين الذين بلغوا السن القانونية ناهيك عن العسكريين الذين يتقدمون بطلب استقالاتهم، ولما كان الاتجاه التشريعي منذ العام 2019  قد انتهى إلى تمديد سنوات الخدمة وقد ظهر ذلك في المادة 90 من القانون 144 الصادر في العام 2019 من خلال رفع عدد سنوات الخدمة الفعلية التي تتيح الحق بالتقاعد من 18 سنة إلى 23 بالنسبة للرتباء والأفراد، وعليه تقدمنا بهذا الاقتراح آملين من المجلس النيابي الكريم مناقشته وإقراره".

تمديد اختياري لا إجباري

وتعليقاً على ما تقدم به، قال النائب عبد الله، في حديث لموقع الحرة، إن "اقتراح القانون هو لتمديد خدمة العناصر والرتباء الأمنيين اختيارياً وليس اجبارياً، وذلك بناء على طلب بعضهم مني، لاسيما أنه لا يوجد توظيفات في الوقت الحالي وقسم لا بأس به من الأجهزة الأمنية والعسكرية تحتاجهم".

وعن انخفاض قيمة رواتب العناصر الأمنية بسبب ارتفاع سعر صرف الدولار إلى حدود خيالية، أوضح: "هي أزمة عامة في البلد، أزمة المداخيل وغلاء الأسعار وغيرهما".

وعن إمكانية اقتراح قانون لرفع رواتب القوى الأمنية والعسكرية، أكد عبد الله أن "القوانين الشعبوية التي يمكن اقتراحها كثيرة لكن المهم أن نجد مداخيل، فهل نتجه إلى طبع المزيد من العملة المحلية؟ فالدفع على طاقات من دون أي رؤية اقتصادية وتحريك الاقتصاد ورفع امكانات البلد المالية يعني أننا ندفع في مكان ونأخذهم من مكان آخر".

اقتراح يضر بالمؤسسة العسكرية

أما قائد الدرك الأسبق، العميد صلاح جبران، فقد اعتبر أن "اقتراح القانون يخدم عسكراً يرغبون بالبقاء في السلك بعد إيقاف التطوع، وهو يعاكس ما تطمح إليه الأغلبية التي تتوق إلى تسريحها، كون أي عمل خارج المؤسسة العسكرية مردوده أكبر من الراتب الذي يتقاضاه الأمني في ظل الظروف الحالية".

وأردف قائلا لموقع الحرة: "حتى هذا الاقتراح يمكن تعديله من خلال ذكر أنه يسمح التطوّع في المؤسسات العسكرية بنسبة تعادل نسبة الذين سيتقاعدون والمتوفين والمستقيلين والمطرودين والمنتهية عقود تعاقدهم"، لكن هذا الاقتراح سيجعل المؤسسة العسكرية هرمة، وهذا الأمر ضد مصلحتها، فالفرد في سن الـ 47 يكون قد استنفذ طاقاته، والعسكري الذي يرفض تسريحه لا يعود منتجاً حيث سيخدم مرغماً".

ويمكن تأجيل التسريح للمتطوع ولو بلغ السن القانونية، بحسب المادة 55، في الحالات التالية، أولا، إذا كان في وضع اعتلال لم يبت به، وفي هذه الحالة يبقى بصفته السابقة حتى صدور مقررات اللجنة الصحية. ثانيا، بناء على قرار وزير الدفاع الوطني المبني على اقتراح قائد الجيش في حالات الحرب او اعلان حالة الطوارئ او اثناء تكليف الجيش بالمحافظة على الامن. والجيش الآن برأي العميد جبران "مكلف بالحفاظ على الأمن ويمكنه تأجيل التسريح وليس من الضروري وضع سن معين".

المشكلة الكبرى

"وضع أفراد المؤسسة العسكرية مزرٍ ومأساوي"، وفق العميد جبران الذي رأى أن "وضع الجيش أفضل حالاً من القوى الأمنية بفضل الاتصالات التي قام بها قائده والتي أسفرت عن مساعدات طبية ومادية، على عكس القوى الأمنية حيث بات سعر الدواء الذي يحتاجه رجل الأمن  يساوي راتبه وأكثر، عدا عن أن جميع المستشفيات المتعاقدة معها قوى الأمن ترفض استقبال رجال قوى الأمن للمعالجة ولا يوجد لديهم مستشفى على غرار الجيش اللبناني".

ويضيف "من هنا نشهد حالة تذمر كبيرة، والوضع كما أراه غير سليم وإذا لم يتم تداركه سيؤدي إلى مضاعفات كبيرة، فالحالة تسوء يوماً بعد يوم والمسؤولون غير مكترثين لهذا الوضع".

وعما تردد من طلب المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي من جميع عناصرها تسليم جوازات سفرهم، قال العميد المتقاعد: "أمر طبيعي، فأي عسكري يدخل السلك يسلم جواز سفره، وإذا أراد السفر عليه طلب إذن خاص".

أما الطلب من بعضهم تسليم سلاحهم، فهو يعود كما قال إلى "حالات معينة قام بها عسكر ببيع سلاحه وادعاء فقدانه، من هنا قد يطلب من العسكري الإداري تسليمه، لا سيما وأن ليس لديه مهمات أمنية".

الوضع الأمني في لبنان هش ويزيد خطورة مع الأيام في ظل استحقاقات عدة قادمة منها الانتخابات النيابية في حين العسكر في وضع يرثى له، والمشكلة الكبرى، كما يرى العميد جبران. 

ويشير إلى أن "المسؤولين لا يعيرون ذلك أهمية، يوجهون القوى الأمنية المولجة بتأمين أمن المواطن إلى المخالفات الإدارية، إذ أن 90 في المئة من عمل العسكر في الوقت الحالي يقتصر على التبليغات ومتابعة مخالفات البناء، الأولى من صلاحية المباشرين العدليين والثانية من اختصاص البلديات التي تمنح الترخيص، في وقت ترتفع فيه نسبة السرقات وجرائم القتل والسلاح المتفلت منتشر في كل مكان".

"لكن رغم كل الظروف الاقتصادية الصعبة التي انعكست بشكل كبير على العناصر الأمنية والعسكرية تبقى خدمة بلدهم فوق كل اعتبار"، بحسب ما قاله مصدر أمني لموقع "الحرة"، "فالقضية تتعلق بالأمن القومي والانتماء للوطن وواجبنا مساعدة أهلنا وحفظ الأمن، لاسيما وأن المؤسسات الأمنية بحاجة لعناصر مع عدم فتح باب التطوع منذ سنوات في وقت يتقاعد سنوياً بين 500 إلى 700 عنصر".

وشدد المصدر، الذي طلب عدم الكشف عن هويته، على أن "القيادات الأمنية تسعى جاهدة لمحاولة سد الثغرات ومعالجة المشاكل الاجتماعية والطبية والاقتصادية".

وعن اقتراح قانون تمديد التسريح، علّق قائلا: "عند إقراره سنصبح ملزمين بتطبيقه".

الوضع القانوني للفار من خدمته

"دفع الوضع الاقتصادي الصعب ومنْع العسكريين في الأسلاك الأمنية والعسكرية من العمل خارج مؤسستهم في وقت ترفض فيه طلبات تسريحهم ومنحهم مأذونيات للسفر، إلى شعورهم أنهم تحت الاقامة الجبرية" بحسب ما قالته المحامية، ندين عراجي، لموقع "الحرة".

وأضافت "حدد الفصل الخامس من قانون رقم 17 من قانون تنظيم قوى الأمن حالات تسريح الرتباء والأفراد حكما بقرار من قائد الوحدة عند بلوغهم حدود السن القانونية أو اختيارياً عند إكمالهم مدة خدمتهم".

وفي رد على سؤال حول الوضع القانوني للفار من خدمته، أجابت "بحسب القانون رقم 17 لتنظيم قوى الأمن الداخلي، يحول إلى المحكمة العسكرية، ويكون أمام عقوبة تتراوح بين شهر وشهرين، قبل تحويله إلى المجلس التأديبي، حيث مصيره الطرد من المؤسسة، لكن بسبب الظروف التي يمر بها لبنان يقتصر الأمر في هذه الأيام على سجن العسكري الفار وكسر رتبته قبل إعادته إلى وظيفته".

كذلك أشارت عراجي إلى المادة 90 من قانون العقوبات العسكري الذي ينص على أن "كل شخص ارتكب جريمة التخلف المبينة في قانون التجنيد يعاقب في زمن السلم بالسجن من شهر إلى سنة، وفي زمن الحرب بالسجن من سنتين إلى خمس سنوات. وإذا كان الفار ضابطا فإنه يعاقب فوق ذلك بالعزل". 

وتضيف "في حين نصت المادة 92 يعد فارا إلى خارج البلاد في زمن السلم كل عسكري يجتاز الحدود اللبنانية بدون إذن، أو يترك القطعة (السلاح) التابع لها ويلتحق ببلاد أجنبية، ويعاقب العسكري الفار إلى خارج البلاد بالسجن من سنتين إلى خمس سنوات، وإذا كان ضابطا، فإنه يعاقب بالاعتقال المؤقت، وإذا منح الأسباب التخفيفية وعوقب بالسجن فيقضى عليه فوق ذلك بعقوبة العزل".

الضحايا تعرضوا للاغتصاب بعد تخديرهم بمواد وضعت في مشروبات قُدّمت لهم - صورة تعبيرية
الضحايا تعرضوا للاغتصاب بعد تخديرهم بمواد وضعت في مشروبات قُدّمت لهم - صورة تعبيرية

لا تزال قضية "عصابة اغتصاب الأطفال" التي أعلنت الأجهزة الأمنية اللبنانية إلقاء القبض عليها قبل يومين، تتصدر اهتمامات الرأي العام اللبناني، بعدما أثارت صدمة اجتماعية عارمة في أسلوبها وتفاصيلها وما تكشف حول أعداد المتورطين فيها وهوياتهم، بعدما تبين أن من بينهم شخصيات مشهورة على مواقع التواصل الاجتماعي، ولاسيما على تطبيق "تيك توك".

وتجري التحقيقات في جرائم هذه العصابة بالموازاة مع حملة ملاحقة وبحث عن متورطين أفضت إلى توقيف شخص سابع، الخميس، وفق ما أكدت تقارير إعلامية محلية، بالإضافة إلى الأفراد الستة الذين سبق وأعلنت قوى الأمن اللبناني عن توقيفهم في بيان لها في الأول من مايو.

وتحقق السلطات اللبنانية في شبهات قيام هذه العصابة، التي تضم نحو 30 متورطاً، باستدراج أطفال وقاصرين، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وتقديم مغريات لهم بهدف تخديرهم واغتصابهم ومن ثم ابتزازهم بعد تصويرهم.

وكانت المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي في لبنان قد أعلنت أن اعتقال العصابة جاء بعد "ادعاء عدد من القاصرين" بتعرضهم "لاعتداءات جنسية، وتصوير، من قبل أفراد إحدى العصابات المنظمة، بالإضافة إلى إجبارهم على تعاطي المخدرات، في فنادق عدة".

وأضاف البيان أن السلطات تمكنت من اعتقال أفراد العصابة بعد عملية "جمع معلومات استمرت لحوالي الشهر تقريبا".

وأشار البيان إلى توقيف ستة أشخاص في بيروت وجبل لبنان والشمال، بينهم ذائعي الصيت على تطبيق تيك توك"، مشيرا إلى أن أفراد العصابة يحملون جنسيات لبنانية وسورية وتركية، من بينهم ثلاثة قُصَّر.

وكشف مصدر قضائي لوكالة فرانس برس أنه "جرى حتى الآن التعرّف على 28 شخصاً على الأقل من أفراد العصابة المتعددة الرؤوس، والتي جنّدت مراهقين محترفين من خارج لبنان لاستدراج الأطفال عبر تيك توك".

وأضاف أن الضحايا "تعرضوا للاغتصاب بعد تخديرهم بمواد وضعت في مشروبات قُدّمت لهم، وأُجبروا على تعاطي المخدرات ثم الترويج لها تحت طائل ابتزازهم بمقاطع مصورة".

وأوضح مصدر أمني مواكب للتحقيقات للوكالة أن "ست ضحايا أدلوا بإفاداتهم حتى الآن ولا تتجاوز أعمارهم 16 عاماً".

وأشار إلى أنه "جرى استدراجهم بطرق عدة على غرار عروض هدايا من محل للملابس وإيهامهم بتصوير دعايات أو عبر صالون مصفّف شعر أو حسابات مزيّفة على مواقع التواصل الاجتماعي".

وبحسب المصدر الأمني، فقد أقدم المتورطون بعد استدراج الأطفال "على اغتصابهم وتصوير عملية الاغتصاب ومن ثم جعلهم يشاهدون المقاطع المصورة، وابتزازهم بنشرها في حال تحدّثوا عمّا تعرّضوا له".

وتكمن خطورة الملف، وفق ما نقلت الوكالة عن المصدر الأمني، في كون "حوادث الاغتصاب والتحرّش التي تطال قاصرين ليست حوادث فردية بل عمل منظم ضمن أفراد عصابة يقدمون تسهيلات لبعضهم البعض ويتبادلون الضحايا".

ولا تزال القضية تثير ضجة كبيرة على مواقع التواصل الاجتماعي في لبنان، حيث تتصدر الوسوم المرتبطة بها أكثر المواضيع تداولاً في البلاد، وانتشرت في سياق ذلك سيناريوهات عدة وروايات مختلفة للجرائم المنسوبة للعصابة، فضلاً عن أسماء كثيرة قيل إنهم متورطون في تلك العصابة، تبين صحة بعضها، وزيف العديد منها، حيث تحول زج الأسماء إلى تصفية حسابات شخصية بين "مشاهير" على مواقع التواصل الاجتماعي.

موقع "الحرة" تواصل مع الوكيل القانوني لأحد أبرز الموقوفين في القضية، والذي أكد أن التحقيق لا يزال سرياًّ وكل التسريبات الجارية حوله "غير دقيقة".

المحامي الذي فضل عدم الكشف عن اسمه لكونه لم يدخل بعد على ملف موكله، أكد أنه لا يمكن بعد لأحد أن يطلع على مضمون التحقيقات تحت طائلة الملاحقة الجزائية بحكم وجود إشارة من النيابة العامة تمنع أحد الدخول على الملف أو معرفة تفاصيله بمن فيهم المحامين، وبالتالي حتماً لم تطلع الوسائل الإعلامية التي تتناقل الروايات على التفاصيل والمعطيات الحقيقية.

ولفت إلى أنه حتى الآن لم يحضر الاستجواب والتحقيق مع موكله، الذي يوجب حضور محامي معه بحكم المادة 47 من أصول المحاكمات، مشدداً على أن موكله لا يزال محتجزاً وليس موقوفاً، معتبراً أن كل الأشخاص الذين يقومون بالتشهير ونشر الأخبار والروايات "ليسوا على دراية بشيء".

الأولوية لحماية الضحايا

وأثارت السرية التي تحيط بالتحقيقات وعدم صدور رواية رسمية كاملة حول القضية استياء لدى بعض اللبنانيين الذين عبروا عن مخاوف من تدخلات سياسية أو محسوبيات في القضية، وحملوا هذا الغموض الرسمي مسؤولية انتشار الروايات المغلوطة وفوضى التسريبات والمعلومات المتضاربة، مطالبين السلطات اللبنانية باعتماد الشفافية في عرض القضية.

في المقابل شدد آخرون على أهمية السرية في التحقيقات الجارية لضمان عدم إفلات المتورطين مع هذه العصابة، والحرص على خصوصية الضحايا وحمايتهم من التشهير، خاصة وأنهم أطفال ومراهقون.

وفي هذا السياق تقول رئيسة الاتحاد لحماية الأحداث، أميرة سكر، إن أهم ما يجب الحفاظ عليه هو السرية التامة في تفاصيل القضية، وعدم إفشاء أسماء أو أعمار أو جنسيات أو طائفة أي قاصر من ضحايا هذه العصابة، "فالطفل هو طفل أولا وأخيرا"، وعدم نشر حيثيات الملف لما قد يحمله من تأثير على الضحايا من جهة، وقد يؤدي من جهة أخرى إلى أخذ الحذر والحيطة من قبل المرتكبين في حال كانوا عصابة.

وتركز سكر في حديثها لموقع "الحرة" أنه على الأهل في هذه المرحلة وبعد هذه الواقعة، اعتماد إجراءات وقائية مع أولادهم، واتباع أسس "الوالدية الإيجابية"، ومراقبة كافة حسابات الطفل على الإنترنت.

وتشدد سكر على ضرورة التعاطف مع القاصرين، إن كانوا ضحايا أو حتى من بين المرتكبين، "حيث أنهم أساسا تم استدراجهم واستغلالهم كي يرتكبوا مخالفات أو يشاركوا في هكذا أعمال فيها استغلال للقاصرين الآخرين".

من جهتها نشرت منظمة "سميكس" المعنية بالحقوق والسلامة الرقمية توجيهات مرتبطة بهذا النوع من القضايا التي تمس بسلامة المستخدمين، لاسيما القصّر. حيث لفتت، سمر حلال، مسؤولة منصة السلامة الرقمية في "سمكس" إلى أن نصائح السلامة الرقمية مهمّة وضرورية، "ويوجد على تطبيق تيك توك عدداً من الميزات لتعزيز سلامة المستخدمين القاصرين مثل ميزة الخصوصية، والإشراف العائلي وغيرها"، ومع ذلك تؤكّد أنّ "هذا لا يكفي لحماية الأشخاص القاصرين من هذا النوع من الابتزاز".

وأدى انتشار اسم أحد مشاهير "تيك توك" كعضو في العصابة، إلى توقيف حسابه وحجبه من قبل شركة "تيك توك" بعد موجة تبليغات طالته. ولكن، بحسب "سميكس"، لا يزال بإمكان الأجهزة الأمنية وجهات إنفاذ القانون أن يطلبوا الوصول إلى محتوى الحساب المحجوب والرسائل المتبادلة من قبل المتهم مع الآخرين على التطبيق، في مدة 90 يوماً بناءً على طلب رسمي، وفق ما تقوله الشركة في "إرشادات تيك توك بشأن إنفاذ القانون".

وبالإضافة إلى المسؤولية الواقعة على عاتق المرتكبين في القضية، تضيف حلال أنّ "المسؤولية تقع أيضاً على الدولة وأجهزتها، وعلى تطبيق تيك توك، وأيضاً على الأهل".

وتتابع: "الأهل ينبغي أن يكونوا واعين لما يحصل مع أولادهم ويؤمّنوا ملاذاً آمناً للأولاد كي يستطيعوا التحدث معهم عن التعرض لحالات مشابهة، أمّا الأجهزة الأمنية فينبغي أن تعزّز الثقة لدى المواطنين إذ تقع عليها مسؤولية كبيرة ولديها القدرة على توقيف هؤلاء".

أما بالنسبة لتطبيق تيك توك فترى حلال أن المسؤولية عليه كبيرة، وتضيف أنه "يجب على الشركة المالكة للتطبيق أن تؤمّن حماية للأشخاص القصر والذين يشكلون أكثرية مستخدمي تطبيقها".

وذكّرت المنظمة أن تطبيق "تيك توك" يقدم في "دليل أولياء الأمور"، بعض الخطوات التي تمكّن الأهل من مراقبة حسابات أبنائهم، لا سيما إذا كانوا تحت سن 13 عاماً، وذلك عن طريق ربط حسابات العائلة مع بعضها البعض "لتمكين واستخدام مجموعة متنوعة من إعدادات المحتوى والخصوصية والرفاهية" على حسابات الأولاد.

ويمكن عن طريق هذا الربط أن يضيف الأهل بعض خصائص الحماية لحسابات أولادهم على التطبيق، مثل جعل الحساب خاصّاً، والحد من التعليقات على مقاطع الفيديو، والاطّلاع على الرسائل المباشرة، والبحث، وتحديد مدة الاستخدام اليومية، وصولاً إلى تقييد الحساب.