إحياء الاتفاق النووي بين إيران والدول الكبرى يواجه الكثير من التحديات
إحياء الاتفاق النووي بين إيران والدول الكبرى يواجه الكثير من التحديات

توقع تحليل لوكالة "رويترز" أن تواجه محاولات إحياء الاتفاق النووي مع إيران وعودة الولايات المتحدة إليه، الكثير من العقبات والتحديات. 

وبينما استغرق بدء المفاوضات بين الولايات المتحدة وإيران سبع سنوات حتى تم التوصل إلى الاتفاق النووي في عام 2015، لمنع طهران من امتلاك أسلحة نووية، فإن التحليل لا يتوقع أن يستغرق الأمر مثل هذا الوقت لتحديد ما إذا كانت واشنطن ستعود إلى الاتفاق الذي انسحب منه الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، في 2018. 

وأبدت إدارة الرئيس الأميركي الجديد، جو بايدن، أكثر من مرة إمكانية إجراء محادثات مع إيران بشأن عودة البلدين للالتزام بالاتفاق، كان آخرها، الخميس، حيث أعلنت استعدادها لإرسال مبعوثها الخاص، روب مالي، للقاء المسؤولين الإيرانيين ومناقشة كيفية التوصل إلى إحياء الاتفاق، لكنها تشترط بداية عودة طهران لاحترام كامل التزاماتها. 

يرى التحليل أن الرد الإيراني على الدعوة الأميركية كان متشددا، عندما أكد وزير خارجية طهران، محمد جواد ظريف، ضرورة رفع غير مشروط لكل العقوبات التي فرضها الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، بعد انسحابه من الاتفاق النووي، عام 2018. 

وبعد نحو عام من هذا الانسحاب، بدأت إيران بالتراجع تدريجيا عن العديد من التزاماتها الأساسية بموجب الاتفاق المعروف بـ"خطة العمل الشاملة المشتركة"، والذي وضع إطاره القانوني بقرار من مجلس الأمن الدولي حمل الرقم 2231.

ورحبت بريطانيا وفرنسا وألمانيا باعتزام بايدن العودة إلى الدبلوماسية مع إيران. لكن ظريف رد بأن على واشنطن اتخاذ الخطوة الأولى.

وسرعت إيران وتيرة الانتهاكات في الأشهر القليلة الماضية، وتختلف مع إدارة بايدن بشأن من يتعين عليه أن يتحرك أولا لإنقاذ الاتفاق.

وقال مسؤول أميركي لرويترز إنه لا يرى صعوبة كبيرة في تحديد كيفية إحياء الاتفاق الذي تم تفصيل شروطه في 110 صفحات، ولا فيمن يجب عليه أن يتخذ الخطوة الأولى، وقال: "مسألة من يذهب أولا ... لا أعتقد أنها ستكون الأكثر صعوبة"، لكن التحدي الأكبر ربما يتمثل في تحديد ما الذي يعنيه الامتثال، من وجهة نظر كل طرف". 

وأوضح "مثلا العقوبات الأمريكية التي يمكن رفعها والخطوات التي اتخذتها إيران لخرق الاتفاقية انتقاما من انسحاب الولايات المتحدة، هل يمكن التراجع عنها كلها وكأنها لم تكن؟"

فالجانب الإيراني يطالب الولايات المتحدة برفع كل العقوبات التي فرضها ترامب لكن الأمر ليس بهذه السهولة، وفقا للتحليل.

اتفاق 2015 بشأن برنامج إيران النووي

فعندما أبرمت إيران الاتفاق النووي مع بريطانيا والصين وفرنسا وألمانيا وروسيا والولايات المتحدة، تضمنت الصفقة إزالة واشنطن العقوبات "المتعلقة بالبرنامج النووي" فقط على إيران.

لكن بعدما انسحب ترامب من الاتفاق في 2018، فرض على طهران عشرات العقوبات غير المرتبطة بالأنشطة النووية الإيرانية، ولأسباب أخرى مثل دعمها للإرهاب والصواريخ الباليستية. 

ويرى الخبراء أن بايدن سيجد أنه من المستحيل تلبية مطالب طهران برفع بعض العقوبات، لأنه سيقابل بحملة من الانتقادات من الجمهوريين وربما من بعض الديمقراطيين أيضا. 

وقال المحلل، هنري روم، من مجموعة أوراسيا، لرويترز: "هذه قضية حساسة للغاية من الناحية السياسية في الولايات المتحدة لأن عددا منها (العقوبات) مرتبطة بالإرهاب"، مضيفا أن الطرفين "سيحتاجان إلى الانخراط في عملية معقدة من التفاوض لتقرير ما هي العقوبات التي يمكن إزالتها والأخرى التي سيتم الإبقاء عليها". 

هناك تحديات أخرى تشير إليها رويترز، منها ما يتعلق بدعم إيران لوكلاء إقليميين، والتي تتضمن من هم مشتبه بهم في تنفيذ عمليات ضد القوات الأمريكية، مثلما يحدث في العراق، وهو ما يجعل من الصعب على واشنطن تقديم تنازلات لطهران. 

كما تشكل أزمة المواطنين الأميركيين الذين تحتجزهم إيران، عقبة أخرى في التوصل لتفاهم بين واشنطن وطهران، وقد أعلنت واشنطن إجراء محادثات بشأنهم مؤخرا من خلال وساطة سويسرية. 

أما من الناحية الأخرى، يشكل تراجع إيران عن سلسلة انتهاكاتها للاتفاق النووي، عائقا إضافيا أمام العودة للاتفاق النووي.

ومن أحدث إجراءات التراجع عن الالتزامات، أعلنت طهران مطلع يناير، بدء إجراءات تخصيب اليورانيوم بنسبة 20 بالمئة، وهي كانت تعتمدها قبل اتفاق 2015 الذي حدّ مستوى التخصيب عند 3,67 بالمئة، وهو ما يمكن التراجع عنه، مثل العودة عن قرار طهران الأخير الخاص بتقليص عمليات التفتيش التي تجريها الوكالة الدولية للطاقة الذرية

لكن الأزمة تكمن في صعوبة التراجع مثلا عن الخبرات المكتسبة من البحث والتطوير لأجهزة الطرد المركزي المتقدمة التي من شأنها أن تساعد إيران على تخصيب اليورانيوم إلى مستوى 90 في المئة لتصنيف الأسلحة إذا سعت إلى ذلك، بحسب ما ذكره المحلل في معهد بروكينغز للأبحاث، روبرت أينهورن، لرويترز. 

غير أن ما تواجهه إيران من اقتصاد هش بسبب العقوبات الأميركية، فضلا عن وباء كورونا، يجعل الخيارات أمام طهران ضئيلة للغاية بخلاف التفاوض. 

وقال مصدر دبلوماسي فرنسي إن التحول في موقف واشنطن يمثل فرصة لإيران، لكن الطريق مليء بالعقبات.

وأضاف "ما زلنا في موقف محفوف بالمصاعب"، وأنه إذا تجاهلت إيران تلك التحذيرات فسيكون هناك على الأرجح "رد فعل صارم للغاية". 

الصين تشتري حوالي 90 بالمئة من النفط الإيراني
الصين تشتري حوالي 90 بالمئة من النفط الإيراني

كشفت صحيفة "بوليتيكو" الأميركية، نقلا عن مسؤولي استخبارات غربيين، أن الصين "تساعد إيران دون قصد" في خنق حركة السفن في البحر الأحمر، مما يعوق تدفقات التجارة العالمية.

وحسب الصحيفة، يرجع هذا إلى مشتريات الصين "غير المشروعة" من النفط الإيراني، التي تمول بشكل غير مباشر سلسلة الهجمات التي يشنها المتمردون الحوثيون في البحر الأحمر، وكان لها تأثير مروع على حركة الشحن العالمية.

ويتدفق نحو 15 بالمئة من التجارة العالمية عبر الممر الذي يمتد من خليج عدن عبر البحر الأحمر وقناة السويس في مصر، ويربط بين آسيا وأوروبا.

أكبر مشتر للنفط الإيراني

وتشتري الصين حوالي 90 بالمئة من النفط الإيراني، بما في ذلك النفط الخام الذي يبيعه فيلق القدس، الذراع شبه العسكرية للحرس الثوري الإيراني، والمسؤول عن العمليات العسكرية الخارجية لطهران، وفق "بوليتيكو".

ونوهت الصحيفة بأن فيلق القدس "يقوم بتدريب وتمويل وكلاء إيران الإرهابيين في جميع أنحاء الشرق الأوسط، بما في ذلك حزب الله في لبنان والمتمردين الحوثيين في اليمن".

وقال أحد المسؤولين للصحيفة، إن الحوثيين "يهاجمون الطرق الدولية، والدولة الأولى التي تضررت منها هي الصين نفسها"، مشيرا إلى أنه "ليس متأكدا من أنهم يدركون ذلك".

ولم يستجب متحدث باسم الحكومة الصينية لطلب التعليق لصحيفة "بوليتكو".

وحسب الصحيفة، فإن العقوبات الدولية على النظام الإيراني تركته يعاني من ضائقة مالية، مما دفعه إلى "منح فيلق القدس مخصصات سنوية من النفط لبيعها في الخارج، من خلال شبكة معقدة من الشركات"، لتتمكن إيران من "مواصلة تمويل وكلائها" الإرهابيين.

وتستمد الصين نحو 10 بالمئة من نفطها من إيران، حيث تمكنت الشركات الصينية من شراء النفط الخام بخصم كبير.

وأضافت بوليتيكو أنه "على الرغم من أن الحوثيين تعهدوا بعدم مهاجمة السفن الصينية، فإنهم أطلقوا عدة صواريخ في وقت سابق من هذا الأسبوع، على السفينة هوانغ بو المملوكة للصين".

وهاجمت ميليشيا الحوثي عشرات السفن في خليج عدن والبحر الأحمر منذ أكتوبر، مما أدى إلى انخفاض حركة المرور بنسبة 60 بالمئة، وفقا لمعهد كيل للاقتصاد العالمي.

ويدعي الحوثيون أنهم نفذوا الهجمات تضامنا مع الفلسطينيين في غزة، في أعقاب الحرب التي اندلعت في 7 أكتوبر بعد هجوم حماس على إسرائيل.

لكن الكثير من السفن التي هاجموها ليست إسرائيلية أو متجهة إلى إسرائيل.

وعززت الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية وجودها في البحر الأحمر، لكن ذلك لم يكن كافيا لردع الهجمات، وفق "بوليتيكو".

ويقول مسؤولو الاستخبارات، حسب الصحيفة، إن الحوثيين "نفذوا الهجمات باستخدام طائرات بدون طيار وصواريخ زودتهم بها إيران".

غضب بلدان المحيط الهندي

ونتيجة للهجمات، اتجهت شركات الشحن الغربية الكبرى، مثل شركة ميرسك ومقرها الدنمارك، إلى تغيير مسار سفنها حول رأس الرجاء الصالح في إفريقيا، مما يضيف ما يصل إلى زمن الرحلة 14 يوما.

وعلى الرغم من أن اتخاذ الطريق الأطول لا يحدث فرقا كبيرا في التكاليف، بفضل ارتفاع رسوم عبور قناة السويس، فإن الوقت الإضافي يمكن أن يعطل سلاسل التوريد التي يعتمد عليها قطاع التصدير في الصين.

وقالت محللة السياسة التجارية في معهد كيل جوليان هينز:"التأثير الرئيسي هو قضاء وقت أطول في البحر. ومن المهم جدا بالنسبة للصين أن تعمل طرق التجارة العالمية دون انقطاع".

ووفق الصحيفة، فقد أثارت الهجمات غضب بلدان المحيط الهندي، بما في ذلك الهند وسريلانكا، معتبرة أنهما "تتحملان العبء الأكبر من اضطراب البحر الأحمر".

وفي مؤتمر حول التجارة عُقد في سريلانكا الشهر الماضي، واجهت إيران انتقادات حادة، حيث دعا بعض الممثلين عن المنظمة البحرية الدولية التابعة للأمم المتحدة، إلى اتخاذ إجراءات قانونية ضد طهران، وفقا لأشخاص مطلعين على الاجتماع، لم تسمهم "بوليتيكو".

واندلعت الحرب في غزة إثر هجمات حماس، المصنفة إرهابية في الولايات المتحدة ودول أخرى، والتي أسفرت عن مقتل نحو 1200 شخص في إسرائيل، معظمهم من المدنيين وبينهم نساء وأطفال، وفق السلطات الإسرائيلية.

في المقابل، قتل نحو 32 ألف شخص في قطاع غزة، أغلبهم نساء وأطفال، وفق السلطات الصحية في غزة، إثر العمليات العسكرية الإسرائيلية المدمرة، فيما نزح مئات الآلاف من منازلهم متجهين إلى جنوبي القطاع، في محاولة للنجاة.