حفتر تلقى سلسلة هزائم قاسية مؤخرا
يطمح البلدان إلى مليارات الدولارات من عقود النفط والغاز والبناء

قللت سلسلة من الانتكاسات العسكرية السريعة في ليبيا من آمال خليفة حفتر في فرض السيطرة في ليبيا إحدى كبار الدول المنتجة للنفط في شمال أفريقيا وسمحت لتركيا وروسيا بتعميق بصماتهما على واحدة من أكثر المناطق استراتيجية في العالم، وفق تقرير لصحيفة "واشنطن بوست" الأميركية.

في الأسابيع الأخيرة، ساعدت الطائرات التركية بدون طيار وأنظمة الدفاع الجوي الحكومة المعترف بها من الأمم المتحدة على استعادة كل غرب ليبيا تقريبا من قوات خليفة حفتر، الذي تدعمه روسيا والذي حاول منذ العام الماضي اجتياح العاصمة طرابلس.

وكان حفتر قد أعلن انسحاب مقاتليه من بعض الخطوط الأمامية في طرابلس الأسبوع الماضي. لكن خصومه استمروا في الضغط ما مكنهم من السيطرة على سلسلة من المدن الساحلية وقاعدة جوية رئيسية. وتتعرض قوات حفتر  الآن لضغوط في معقلها الغربي الأخير.

حرب بالوكالة

وقال أنس الغوماتي، المحلل الليبي الذي يرأس معهد صادق، وهو مركز أبحاث مقره طرابلس، إن "حفتر يواجه أسوأ أزمة له منذ ست سنوات".

لكن الصراع لم ينته بعد، كما يقول مسؤولون ومحللون في الأمم المتحدة، مع تزايد المخاوف من أن يجذب تركيا وروسيا إلى مواجهة أخرى بالوكالة ويحول ليبيا إلى ساحة معركة شبيهة بسوريا.

لا يزال حفتر البالغ من العمر 76 عاما يسيطر على جزء كبير من ليبيا ويحظى بدعم كبير من قوى خارجية. وفي الأسبوع الماضي، أكد مسؤول رفيع المستوى في طرابلس أن الطائرات الحربية الروسية جاءت من سوريا لدعم حفتر، في إضافة إلى الأسلحة الروسية والمرتزقة الروس الذين يساعدوا الرجل القوي.

حذرت مبعوثة الأمم المتحدة بالإنابة إلى ليبيا، ستيفاني ويليامز، مجلس الأمن الدولي من أن "الحشد العسكري المقلق" يتكشف في انتهاك لحظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة.

وقالت "لقد وصلنا إلى نقطة تحول أخرى في الصراع"، مشيرة إلى أن التصعيد يمكن أن يؤدى إلى "حرب بالوكالة ".

وتعيش ليبيا بالفعل حربا بالوكالة، في أحد أكثر الصراعات تدويلا في العالم على موارد النفط والغاز المربحة، والأراضي، والطموحات الأيديولوجية والجيوستراتيجية.

وقتل أو جرح عدة آلاف من المدنيين، من بينهم أكثر من 200 شخص منذ 1 أبريل، في حين فر حوالي 200,000 شخص من منازلهم في العام الماضي وحده، وفقا لأرقام الأمم المتحدة.

انقسام أوروبي بشأن حفتر

الأوروبيون منقسمون. إذ تدعم دول مثل فرنسا واليونان حفتر بينما تدعم إيطاليا ودول أخرى حكومة طرابلس التي نصبتها الأمم المتحدة . وتدعم الولايات المتحدة الحكومة مع إبقاء اتصالات مع حفتر، حسب الصحيفة الأميركية.

واليوم، برزت تركيا وروسيا كصانعتين للملوك في ليبيا. وتطمح كل منهما إلى مليارات الدولارات من عقود النفط والغاز والبناء، فضلا عن القواعد العسكرية لتكون بمثابة بوابات لبناء النفوذ في جميع أنحاء أفريقيا.

قبل أقل من خمسة أشهر، كان لحفتر اليد العليا إذ كان يسيطر على شرق وجنوب ليبيا، وكذلك معظم المنشآت النفطية الليبية. وكانت قواته - وهي مجموعات من الميليشيات التي تعمل تحت اسم القوات المسلحة العربية الليبية - تمضي قدما في عدة خطوط أمامية لطرابلس واستولت على مدينة سرت الاستراتيجية المطلة على البحر الأبيض المتوسط في يناير.

وبحلول ذلك الوقت، كانت حكومة طرابلس، المعروفة باسم حكومة الوفاق الوطني، قد وقعت اتفاقات مع تركيا، مما سمح لها بالوصول إلى حقول الغاز في البحر الأبيض المتوسط. وفي المقابل، زادت أنقرة من دعمها العسكري، وأرسلت طائرات بدون طيار، ومرتزقة سوريين، ومدربين عسكريين، وعربات مدرعة، من بين أسلحة أخرى.

وفي الشهر الماضي، تقدمت الميليشيات المتحالفة مع حكومة الوفاق الوطني ضد منافسيها، واستولت على بلدات على طول الساحل غرب طرابلس. لكن أهم عملية منذ أشهر كانت السيطرة على قاعدة الوطية الجوية، التي تبعد حوالي 140 كلم جنوب العاصمة، التي كان حفتر يسيطر عليها منذ عام 2014.

وقد عزز ذلك معنويات قوات حكومة الوفاق، التي استعرضت نظام الدفاع الجوي الروسي الذي استولت عليه في شوارع طرابلس. وقد أحرج الاستيلاء على العديد من أنظمة "بانانترس" الأخرى وتدميرها بواسطة طائرات تركية بدون طيار، شركاء موسكو وحفتر العسكريين الآخرين.

و السبت، كانت قوات حكومة الوفاق تتقدم نحو مدينة ترهونة، آخر معاقل حفتر الغربية.

خطوة حفتر القادمة

وكتب طارق مجيريسي، المحلل الليبي في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية هذا الأسبوع، في تعليق له، أن مسار الحرب يتوقف الآن على استجابة داعمي حفتر الأجانب وجهودهم الرامية إلى كبح "الصعود التركي".

ويوم الخميس، تعهد قائد القوات الجوية لحفتر في بيان بشن "أكبر حملة جوية في التاريخ الليبي" بما في ذلك ضد أهداف تركية.

وقال فتحي باشاغ، وزير داخلية حكومة الوفاق، لوكالة بلومبرج إن ما لا يقل عن ست طائرات مقاتلة روسية من طراز ميغ 29 وطائرتين من طراز سوخوي 24 قدمت إلى معقل حفتر الشرقي من سوريا.

ووصف الخبراء والمحللين الأمنيين بأن هذه التحذيرات موجهة لتركيا. وقالت الصحيفة إنها لم تتمكن من التحقق من وجود الطائرات الروسية بشكل مستقل.

ولكن إذا أرسلت موسكو هذه المقاتلات، فإن ذلك سيمثل تصعيدا كبيرا. وحتى الآن، كان الدور الأكثر أهمية لروسيا هو من خلال مئات المرتزقة الروس من مجموعة فاغنر، وهي شركة غامضة مرتبطة بالكرملين، ساعدت حفتر على تحقيق مكاسب.

ولم ترد موسكو على تقارير عن وصول الطائرات الحربية . بيد أنها انضمت إلى أنقرة هذا الأسبوع في تأييد الدعوات لوقف إطلاق النار ودعم عملية السلام السياسية بقيادة الأمم المتحدة في محاولة واضحة لتجنب المواجهة .

كما حاولت القوتان في يناير التوصل إلى وقف لإطلاق النار، ولكن حفتر انسحب فجأة من العملية، مما أحرج الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

كما حاولت القوى الأوروبية والولايات المتحدة في يناير إيجاد حل سياسي لإنهاء الحرب الليبية. لكن المحادثات في برلين لم تفعل الكثير.

التصدعات الداخلية

وقال المحللون إن خسائر حفتر فى الغرب تسببت في تصدع داخل معسكره. وكذلك إلغاء اتفاق سياسي مؤخرا وإعلان نفسه مسيطرا تماما على شرق ليبيا، الأمر الذي أدى إلى نفور العديد من حلفائه السياسيين والقبائل المؤثرة.

وقال غوماتي: "لم تلق دعوة حفتر للعودة إلى الحكم العسكري شعبية. "حلفاؤه السياسيون في شرق ليبيا لا يثقون به .. ويعملون على إجراء محادثات استكشافية مع حكومة الوفاق الوطني نتيجة لذلك. ويريد مؤيدوه الدوليون دعمه ولكنهم يجدونه غير فعال عسكريا وغير منتظم سياسيا. إنه يخوض الكثير من المعارك الداخلية والخارجية".

وقد تبحث روسيا، الحليف الرئيسي، عن بدائل لحفتر. وقد دعمت موسكو مبادرة سياسية جديدة من عقيلة صالح رئيس البرلمان لحكومة منافسة في الشرق.

وقال مجيريسي إن "نافذة فرصة أوروبا تضيق".

وأضاف "يجب أن تتحرك بسرعة إذا رغبت أن تحمي بقوة مصالحها ودورها كحاجز ضد التعدي الروسي على البلاد"، وأيضا منع تطور صراع آخر على غرار سوريا في جوارها".

مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى ليبيا يشدد على ضرورة إجراء مصالحة وطنية في البلاد (أرشيف)
مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى ليبيا يشدد على ضرورة إجراء مصالحة وطنية في البلاد (أرشيف)

لا يزال الغموض يكتنف الملف السياسي في ليبيا بعد استقالة مبعوث الأمم المتحدة الخاص بهذا البلد الأفريقي، عبدالله باتيلي، وسط تساؤلات بشأن مستقبل الدولة المنقسمة.

وقدم باتيلي استقالته، الأسبوع الماضي، معتبرا أن الجهود السلمية التي تبذلها المنظمة الأممية ستظل محكومة بالفشل ما دام قادة هذا البلد "يضعون مصالحهم الشخصية فوق حاجات بلدهم".

ويطغى سؤالان على المشهد السياسي المحلي وسط تحركات دولية تعكس تخوفات من تطورات الوضع في ليبيا: أي مصير ستعرفه ليبيا بعد استقالة باتيلي؟، وما هي الشروط المطلوبة في الرئيس القادم للبعثة الأممية حتى يتمكن من تسوية الأزمة في هذا البلد المغاربي؟.

واختلفت قراءات الأجسام السياسية المؤثرة في المشهد المحلي بخصوص الخلفيات التي دفعت الدبلوماسي السنغالي إلى تقديم استقالته المفاجئة، بين من اعتبرتها "نتيجة منطقية" لفشل الأخير في التوحيد بين الليبيين، وبين من ربطها بـ"ضغوطات جهات دولية".

مقابل ذلك، دعا وزراء خارجية مجموعة السبع إلى "تعيين مبعوث أممي جديد إلى ليبيا"، مشددين على الدعوة إلى "الدخول في حوار هادف لكسر الجمود والتحرك نحو خريطة طريق لإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية دون تأخير".

وقال هؤلاء في بيان نشرته سفارة إيطاليا لدى ليبيا: "سنواصل مساعدة ليبيا على وضع حد للصراع الضروس الذي طال أمده، والذي تغذيه أيضا القوات الأجنبية والمقاتلون والمرتزقة، من أجل بناء مستقبل أكثر سلاما وازدهارا ودعم استقرارها واستقلالها وسلامة أراضيها ووحدتها الوطنية".

وتتكون مجموعة السبع من الولايات المتحدة، وكندا، والمملكة المتحدة، وفرنسا، وألمانيا، وإيطاليا، واليابان.

وفي مارس الماضي، عيّن الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، الأميركية من أصل لبناني، ستيفاني خوري، نائبة للشؤون السياسية لرئيس البعثة في ليبيا باتيلي، ويتوقع استمرارها في هذا المنصب حتى تعيين مبعوث أممي جديد.

الخطة الأميركية

ويستبعد الناشط السياسي والمرشح السابق للانتخابات الرئاسية في ليبيا، أسعد ازهيو، تعيين مبعوث أممي جديد في الأفق القريب، مؤكدا "استمرار نائبة رئيس البعثة الأممية، خوري، لمرحلة طويلة سيتم خلالها الشروع في تطبيق خطة بديلة لتلك التي طرحها الدبلوماسي السينغالي، باتيلي".

وقال ازهيو في تصريح لـ"أصوات مغاربية"، إن الأمر مرتبط بـ"ترتيبات تصب في صالح الخطة التي وضعتها واشنطن في ليبيا"، مؤكدا أن "استقالة باتيلي تعد جزءا من هذه الخطة، خاصة أنها جاءت بعد أيام قليلة بعد تعيين نائبته الأميركية خوري".

وأضاف: "هم واشنطن الكبير، حاليا، هو إخراج القوات الروسية المتمركزة في عدة مناطق في ليبيا، بالإضافة إلى تلك المجموعات المناوئة لسياستها وسياسة الاتحاد الأوروبي، والأمور في ليبيا ستسير مستقبلا وفق هذه القاعدة".

وتابع المتحدث ذاته: "من الغباء اعتبار الدول المتصارعة على الملف جمعيات خيرية، على اعتبار أن طرف يسعى لتحقيق مصالح اقتصادية وأمنية بالدرجة الأولى في بلدنا"، مشيرا إلى أن "المأمول هو ألا تتعارض هذه الأطماع مع مصالح ليبيا، وهو الحد الأدنى من الشرط المطلوب".

التغيرات الدولية

ويحكم البلاد التي تشهد أعمال عنف وانقسامات، حكومتان متنافستان. إحداهما في طرابلس (غرب) برئاسة عبد الحميد دبيبة ومعترف بها من الأمم المتحدة، والأخرى في الشرق يدعمها المشير خليفة حفتر ومعقلها في بنغازي.

وعُيّن باتيلي ممثلا خاصا للأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا في سبتمبر 2022، بعد شغور المنصب لأشهر إثر الاستقالة المفاجئة لسلفه، يان كوبيش، في نوفمبر 2021.

وباتيلي هو تاسع مبعوث أممي لليبيا منذ 2011، وقد عيّن في منصبه بعد أن رفض مجلس الأمن الدولي أسماء أخرى عديدة طرحها غوتيريش.

إلى أين تتجه الأزمة في ليبيا في ظل "التنافس الدولي وأنانية أطراف الداخل"؟
أعلن مبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا، عبدالله باتيلي، استقالته بشكل مفاجئ الثلاثاء، مُطلقا موجة من التساؤلات بشأن مستقبل العملية السياسية الهشة في البلاد، خصوصا في ظل الإحباط الذي عبر عنه في تصريحات نقلتها وكالات الأنباء من "غياب الإرادة السياسية" و"أنانية" القادة.

ويقترن التغيير الحقيقي في ليبيا، حسب عدة فاعليين محليين، بالقدرة على تحديد موعد سياسي لإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية، بالإضافة إلى توحيد مؤسسة الجيش وتحييد جميع المليشيات المسلحة عن واجهة الأحداث.

وقال أستاذ القانون والباحث السياسي، رمضان التويجر، إن "التغيير الحقيقي في ليبيا مرهون بالدرجة الأولى بتغير الوضع في المشهد الدولي، وسط الصراع الدائر بين القوى والدول المسيطرة".

وأضاف في تصريح لـ"أصوات مغاربية"، أن "كل دول العالم قسمت إلى مناطق نفوذ بالنسبة لهذه القوى الدولية بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، وقد وقع خلل في السنوات الأخيرة بخصوص هذا التقسيم".

وأكد أن "الوضع في ليبيا مرهون باتفاق دولي جديد بخصوص جغرافية النفوذ لهذه الدول الكبرى".

وقال التويجر إن "الوضع في ليبيا سيبقى على حاله لأنه يعتبر جزء التنافس على مناطق النفود بالنسبة لهذه الدول المتنافسة".