في عام 2004، أسفرت تفجيرات استهدفت قطارات في مدريد عن مقتل 193 شخصا وإصابة أكثر من ألفين آخرين
في عام 2004، أسفرت تفجيرات استهدفت قطارات في مدريد عن مقتل 193 شخصا وإصابة أكثر من ألفين آخرين

كشف تقرير لوكالة "أسوشييتد برس" الأسباب التي أدت إلى تحول أوروبا هدفا رئيسيا للهجمات الإرهابية التي قتلت مئات الأشخاص على أيدي متطرفين "إسلاميين" منذ هجمات 11 سبتمبر قبل عقدين.

ؤ، ساهمت في تحويل أوروبا إلى هدف رئيسي للجهاديين المصممين على إلحاق الضرر بالغرب في السنوات العشرين التي تلت هجمات 11 سبتمبر في الولايات المتحدة".

ومنذ الحادي عشر من سبتمبر، شهدت أوروبا عددا من الهجمات الإرهابية على أراضيها مقارنة بالولايات المتحدة، نتيجة مجموعة متنوعة من الأسباب، وفقا لمحللين.

يقول مدير برنامج التطرف والإرهاب العالمي في معهد إلكانو الملكي في مدريد فرناندو ريناريس، إن "ما رأيناه في أوروبا الغربية هو تعبئة جهادية غير مسبوقة" خلال العقد الماضي.

والدليل على ذلك، كما يقول ريناريس، ليس فقط التفجيرات ودهس الناس بالسيارات وحوادث الطعن التي عصفت بأوروبا الغربية في الآونة الأخيرة، ولكن أيضا شعور عشرات الآلاف من المسلمين الأوروبيين بأنهم مجبرون على الانضمام إلى الجماعات الإرهابية في سوريا والعراق. 

يقول التقرير إن أوروبا الغربية كافحت من أجل دمج عدد كبير من السكان المسلمين في المجتمع، فيما كان كثير من المسلمين محرومنين أو يشعرون بالحرمان، وبعضهم مستاؤون من البلدان التي يعيشون فيها.

يشير أستاذ الدراسات الأمنية في كينجز كوليدج لندن، بيتر نيومان، إلى أن "هناك شعورا بالغربة والإحباط استثمره الجهاديون بحماس في كثير من الأحيان".

ويقول نيومان إن "هذا الأمر مختلف في الولايات المتحدة، لأن المسلمين هناك أقل عداء تجاه بلدهم من المسلمين الأوروبيين، وهم مندمجون بشكل أفضل".

وفي السنوات الأخيرة، ووسط التأثير المتزايد لدعاية تنظيم الدولة الإسلامية ووعوده، شعر المقاتلون العائدون من سوريا والعراق بحافز لاستهداف بلدانهم الأصلية في أوروبا، مما أثار قلق الحكومات الأوروبية.

وكان عام 2001 عاما فاصلا لنشاط "الإرهاب الجهادي" في الولايات المتحدة وأوروبا، وفقا للتقرير.

ويقول أوليفييه غويتا المدير الإداري لشركة "غلوبال سترات"، وهي شركة استشارات دولية للأمن والمخاطر في لندن، إن الولايات المتحدة وليس أوروبا كانت "الجائزة الكبرى للقاعدة" في مطلع القرن.

ولكن بمجرد أن شددت الولايات المتحدة إجراءاتها الأمنية بعد 11 سبتمبر، وفقا لغويتا، بدأت القاعدة في البحث عن أهداف أسهل. 

يبين التقرير إلى أن القاعدة قامت بتجنيد شبكات من المؤيدين في المجتمعات المسلمة في أوروبا لشن هجمات مروعة.

ويضيف التقرير أن هذه الاستراتيجية جلبت بعض الأيام السوداء لأوروبا، ففي عام 2004، أسفرت تفجيرات استهدفت قطارات في مدريد عن مقتل 193 شخصا وإصابة أكثر من ألفين آخرين. 

وبعد عام حصلت تفجيرات لندن، التي تضمنت هجمات انتحارية منسقة استهدفت نظام النقل العام وأسفرت عن مقتل 52 شخصا وإصابة أكثر من 700 أخرين.

وفي وقت لاحق، أصبح تنظيم الدولة الإسلامية الخطر الرئيسي، حيث أعلن مسؤوليته عن سلسلة من الهجمات الوحشية، من بينها هجوم في باريس عام 2015 أسفر عن مقتل 130 شخصا وإصابة مئات آخرين، وهو أعنف هجوم شهدته فرنسا منذ الحرب العالمية الثانية. 

وفي عام 2016، وقعت تفجيرات في بروكسل أدت إلى مقتل 32 شخصا بالإضافة إلى المنفذين الثلاثة وإصابة أكثر من 300 شخص.

وفي وقت لاحق من العام نفسه، اقتحمت شاحنة حشودا في نيس بفرنسا، مما أسفر عن مقتل 86 شخصا وإصابة 434 آخرين.

ألقى بعض المحللين باللائمة في هذه الهجمات على "الروابط الأمنية الضعيفة" بين دول أوروبا، حيث تختلف القدرات الاستخباراتية على نطاق واسع بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي البالغ عددها 27 دولة.

يقول دانيال بنجامين، وهو كبير مستشاري مكافحة الإرهاب لوزيرة الخارجية الأميركية السابقة هيلاري كلينتون، رئيس الأكاديمية الأميركية في برلين حاليا، إن "من الصعب تجنب المشكلة في مثل هذا الخليط من البلدان ذات الأحجام والثروة المتفاوتة".

ويضيف "حتما ستكون هناك مجتمعات أقوى وأضعف في مجال الاستخبارات وإنفاذ القانون بين مجموعة متنوعة من البلدان، وخاصة تلك التي تتمتع بمثل هذه الموارد المتنوعة".

ومع ذلك، يقول غويتا إن "التعاون في مكافحة الإرهاب بين دول الاتحاد الأوروبي تحسن بشكل كبير منذ هجمات باريس عام 2015".

يشير التقرير إلى أن هذا التعاون قد يكون مهما خلال السنوات القادمة. ويتوقع فرناندو ريناريس أن يتنافس تنظيم القاعدة وداعش، على شن هجمات كبيرة في الغرب. 

وحذر ريناريس في مؤتمر عقد عبر الإنترنت، الخميس، إن أوروبا يجب أن تكون على أهبة الاستعداد لأنها هدف أسهل من أميركا الشمالية أو أستراليا.

وبين أن أوروبا تقع بالقرب من القواعد الجهادية وأكثر قابلية للاختراق، سواء داخليا من خلال عدم وجود عمليات تفتيش على الحدود عبر 26 دولة أو عبر طرق المهاجرين التي يستخدمها عشرات الآلاف من الأشخاص كل عام.

مقتل الظواهري يكشف قدرة الاستخبارات الأميركية على رصد النشاط الإرهابي في أفغانستان
مقتل الظواهري يكشف قدرة الاستخبارات الأميركية على رصد النشاط الإرهابي في أفغانستان

عدت مجلة "تايم"مقتل زعيم تنظيم القاعدة الإرهابي، أيمن الظواهري، في كابل إنجازا كبيرا لأجهزة الاستخبارات الأميركية ودليل واضح على مدى نفوذها رغم مرور عام على خروج قوات التحالف الدولي من أفغانستان.

ولكن المجلة نقلت عن خبراء في مكافحة الإرهاب أن العملية أظهرت أن التنظيم الإرهابي لا يزال يتمتع بمكانة خاصة لدى حركة طالبان مما يثير الكثير من القلق والترقب.

ونفت طالبان، الخميس، معرفتها بأن الظواهري كان في كابل، في حين أوضح الخبراء للمجلة أن تواجد الظواهري مع عائلته في العاصمة يكشف إلى أي مدى قد منحت طالبان تنظيم القاعدة رخصة للعمل داخل البلاد، وأنها وضعت قادة منها متعاطفين ومتعاونين مع الجماعة الإرهابية في مناصب حكومية عالية.

وكان مستشار الأمن القومي في الإدارة الأميركية، جيف سولفان قد كشف لشبكة "إن بي سي نيوز" عن اعتقاده بأن هناك "أعضاء بارزين في شبكة حقاني ينتمون إلى طالبان يعرفون أن الظواهري كان في كابلل".

ولعب الظواهري دورًا رئيسيًا في التخطيط لهجمات 11 سبتمبر 2001 ، بالإضافة إلى مشاركته في التخطيط للتفجيرات التي استهدفت سفارتي الولايات المتحدة في كينيا وتنزانيا في العام  1998، وقد تولى زعامة تنظيم القاعدة بعد مصرع المؤسس، أسامة بن لادن، في العام 2011. 

وقال مسؤولون في إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، إن الظواهري كان مسؤولا عن قيادة تلك الجماعة الإرهابية حتى لحظة مقتله.

وأوضح مايكل آلن، الذي شغل  منصب مدير موظفي لجنة المخابرات بمجلس النواب الأميركي من 2011 إلى 2013 إن ظروف عملية التخلص من الظواهري تعيد إلى الأذهان الخط الحازم الذي اتخذته إدارة  الرئيس الأميركي آنذاك، جورج بوش، تجاه البلدان التي سمحت للإرهابيين بالدخول إلى حدودها في أعقاب هجوم 11 سبتمبر. 

وأضاف آلن: "كانت عقيدة بوش تتمحور فيما إذا كنت تؤوي إرهابياً، فسوف نعاملك كما لو كنت إرهابياً.. والظواهري لم يكن يكن إرهابيا عاديا، فقد كان متورطا في هجمات سبتمبر، والاعتداء على سفارات أميركية".

وكان وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكين، قد أكد  في بيان يوم الاثنين أن حركة طالبان "من خلال استضافة وإيواء" زعيم القاعدة في كابول قد خرقت شروط اتفاق الدوحة الذي وقعته في فبراير 2020 مع إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب. 

وكان ترامب قد تعهد بموجب ذلك الاتفاق بإنهاء الوجود العسكري الأميركي في أفغانستان خلال العام 2021، مقابل عدم سماح حركة طالبان باستخدام الجماعات المتطرفة لأراضيها بغية شن هجمات إرهابية  تهدد المصالح الأميركية والغربية.

وأوضح بلينكين أن "طالبان قد انتهكت بشكل صارخ اتفاق الدوحة ولم تحترم تأكيداتها للعالم بأنها لن تسمح باستخدام الأراضي الأفغانية من قبل الإرهابيين لتهديد أمن الدول الأخرى".

طالبان تنفي

وقال مسؤول في طالبان، الخميس، إن الحركة تحقق في "إدعاءات" أميركية بأن زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري قُتل في غارة بطائرة مسيرة في كابل، مؤكدا أنها لم تكن على علم بوجوده في المدينة. 

وذكر مسؤولون أميركيون أن واشنطن قتلت الظواهري بصاروخ أطلقته طائرة مسيرة بينما كان يقف في شرفة مخبأه في كابل يوم الأحد الماضي، في أكبر ضربة للتنظيم منذ مقتل أسامة بن لادن بالرصاص قبل أكثر من عقد.

وقال سهيل شاهين، ممثل طالبان المُعين لدى الأمم المتحدة ومقره الدوحة، للصحفيين في رسالة: "لم تكن الحكومة أو القيادة على علم بهذه المزاعم"، وأضاف "التحقيق جار الآن لمعرفة مدى صحة الإدعاءات"، مشيراً إلى أنه سيتم نشر نتائج التحقيق علناً.

والتزم قادة طالبان الصمت إلى حد كبير بشأن غارة يوم الأحد ولم يؤكدوا وجود أو مقتل الظواهري في كابل، وقالت ثلاثة مصادر في الحركة إن كبار قادة طالبان أجروا مناقشات مطولة بشأن كيفية الرد على الضربة الأمريكية.

وقال شاهين إن إمارة أفغانستان الإسلامية، الاسم الذي تستخدمه طالبان للبلاد وحكومتها، ملتزمة بالاتفاق الموقع في العاصمة القطرية الدوحة، بينما قال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إن طالبان "انتهكت بشكل صارخ الاتفاق باستضافة الظواهري وإيوائه".

لكن بروس هوفمان، الخبير في مكافحة الإرهاب والأمن الداخلي في "مجلس العلاقات الخارجية" المختص بدراسة الإرهاب وتطور تنظيم القاعدة على مدى عقود، قال إن الظواهري "كان يتلقى معاملة كبار الشخصيات كابل وأنه يمكن للمرء أن يتخيل نوع المعاملة التي يتلقاها مسؤولو ومقاتلو القاعدة الآخرون".

ونبه هوفمان إلى أنه كان قد جرى إطلاق سراح 36 من كبار قادة القاعدة من السجن عندما وصلت طالبان إلى سدة الحكم في منتصف أغسطس من العام الماضي، مشيرا إلى أن وزير الداخلية في الحكومة المؤقتة، سراج الدين حقاني، يعد حليفا مقربا منذ فترة طويلة للتنظيم الإرهابي.

ولفت هوفمان إلى أن حلفاء آخرين للقاعدة من حركة طالبان قد جرى تعيينهم  مسؤولين عن أجهزة المخابرات وخدمات اللاجئين في البلاد وأعطوا مناصب إدارية مهمة في مختلف مقاطعات أفغانستان.

تحذيرات.. ومخاوف

ويحذر خبراء مكافحة الإرهاب من أن دعم طالبان للقاعدة قد يتجاوز مجرد تمكين قادتهم، إذ يقول الباحث البارز في معهد الدفاع عن الديمقراطيات، بيل روجيو، إن الحركة الأصولية قد تسمح مرة أخرى للقاعدة بإقامة معسكرات تدريب في البلاد، وأن أفغانستان قد تصبح منطلقا لتخطيط وتنفيذ هجمات إرهابية،بالإضافة إلى إدارة فروعها في اليمن وسوريا وجميع أنحاء أفريقيا.

وزاد روجيو: "مقتل الظواهري في كابول يكشف إلى أي مدى يعتقد تنظيم القاعدة أن أفغانستان قد أصبحت آمنة بما يكفي لقادتها لتجميع صفوفهم هناك وأنهم بإمكانهم أن يحصلوا على قسط من الراحة هناك".

ويرى روجيو أنه وحتى قبل أن تستعيد طالبان السيطرة على كابول في الصيف الماضي، فإنه قد كان هناك أدلة على أنها سمحت سابقًا للقاعدة بتدريب مقاتلين في مناطق أفغانستان الخاضعة لسيطرتها.

وأوضح أنه في العام 215، "وبينما كانت قوات التحالف الدولي تتواجد داخل البلاد، فقد سمحت الحركة الأصولية لذلك التنظيم الإرهابي بإقامة معسكرات تدريب في مقاطعة قندهار".

وقال روجيو، نقلاً عن وثائق وزارة الخارجية الأميركية، إن الجيش الأميركي قد أغار على المعسكر في أكتوبر من ذلك العام، مما أسفر عن مقتل العشرات من المتدربين في القاعدة.

ووصف الظروف في أفغانستان بأنها ناضجة لإنشاء معسكرات تدريب مماثلة، مضيفا: "لدى الجماعة الإرهابية الآن الوقت والمساحة لإعادة التنظيم والتجمع واستئناف الهجمات ضد الغرب".

وقدر تقرير صادر عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في 15 يوليو أن القاعدة لديها "ملاذ آمن" في أفغانستان، وأن لديها طموحات "ليتم الاعتراف بها مرة أخرى كزعيمة للتنظيمات الأصولية" في باقي أصقاع الكرة الأرضية..

وقال التقرير إن الجماعة، "لا يُنظر إليها على أنها تشكل تهديدًا دوليًا فوريًا من ملاذها الآمن في أفغانستان لأنها تفتقر إلى القدرة التشغيلية الخارجية ولا ترغب حاليًا في التسبب في أي مصاعب أو إحراج دولي لطالبان".

من جانب آخر، أوضح مسؤولو البيت الأبيض أن بايدن أرسل إشارة قاتلة بمقتل الظواهري، ويجب ألا يشعر قادة القاعدة بالأمان في العمل في أفغانستان.

وفي هذا الصدد قال المتحدث باسم الإدارة الأميركية، جون كيربي، أمس الثلاثاء:  "أعتقد أنه إذا كنتم سوف تسألون بعض أعضاء القاعدة  عن مدى شعورهم بالأمان في أفغانستان في الوقت الحالي فسوف يجيبون أنها ليست ملاذا آمنا".