تقارير صحفية تتحدث عن وجود خلاف بين الجيش السوداني وقوات الدعم
خلافات متزايدة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع

مايو الماضي، كان رئيس المجلس السيادي القائد العام للقوات المسلحة، عبد الفتاح البرهان، في مؤتمر باريس لدعم السودان. وأثناء غيابه عن البلاد، عقد نائبه قائد قوات الدعم السريع، محمد حمدان دقلو (حميدتي)، اجتماعا للمجلس، قُرر فيه قبول استقالة النائب العام وإقالة رئيسة القضاء، دون الرجوع إلى برهان، وهو ما أثار حفيظة الأخير. 

كانت هذه حلقة من حلقات التوتر المتزايدة بين البرهان وحميدتي، أو بين القوات المسلحة وقوات الدعم السريع. يصر الطرفان على نفي وجود هذه الخلافات، لكنها تطفو على السطح أمام العيان بين الحين والآخر. 

وفي مطلع الشهر الجاري، تحدثت تقارير صحفية سودانية عن تصاعد الخلاف بين الطرفين لدرجة رفع قوات الدعم درجة الاستعداد القصوى داخل الخرطوم، كما أشارت إلى استعداد القوات المسلحة لاشتباك محتمل، وبناء سواتر ترابية حول القيادة العامة للجيش السوداني بالخرطوم. 

كما كشفت مصادر سودانية لوكالة رويترز أن الخلافات المتزايدة بين الجيش وقوات الدعم السريع واحتمال تحوله إلى صراع، أكثر ما يقلق رئيس وزراء السودان عبد الله حمدوك. ومنبع الخلاف هو رغبة القوات المسلحة في ضم قوات الدعم السريع شبه العسكرية تحت مظلتها، وهو ماترفضه قوات الدعم التي تتمتع بهيكل مستقل. 

الخبير العسكري اللواء أمين إسماعيل المجذوب، يؤكد وجود خلاف بين الطرفين بشأن مسألة الترتيبات الأمنية والدمج والنفوذ.

لكن المجذوب، الباحث في معهد الدراسات الدولية، استبعد في تصريحات لموقع قناة "الحرة" أن يتحول هذا الخلاف إلى صراع مسلح بين الطرفين. وقال: "الطرفان يعلمان أن الصراع العسكري بينهم يعني نهاية السودان".

تشظ داخل الجيش

يقول المتحدث السابق باسم رئيس الحكومة، فايز السليك، إنه يوجد خلاف بالفعل بين المكون العسكري في المجلس السيادي مثلما توجد خلافات بين كل مكونات السلطة بشقيها المدني والعسكري.

وأضاف السليك في تصريحات لموقع قناة "الحرة"  أن الجميع في الخرطوم صار علي اليقين بوجود جفاء وعدم تصالح بين قائدي الدعم السريع والقوات المسلحة، مشيرا إلى أن ما يؤكد هذا الخلاف هي تصريحات رئيس الوزراء التي تحذر من تشظي الجيش.

كان رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك، حذر الثلاثاء، من "تشظ" داخل مؤسسات البلاد العسكرية، واصفا ذلك بأنه "أمر مقلق جدا"، داعيا إلى تضييق مساحة الخلافات السياسية بين المدنيين والعسكريين.

وقال حمدوك في بيان "إن جميع التحديات التي نواجهها، في رأيي، هي مظهر من مظاهر أزمة أعمق هي في الأساس وبامتياز أزمة سياسية"، وأضاف: "التشظي العسكري وداخل المؤسسة العسكرية أمر مقلق جدا".

كما دعا حمدوك إلى دمج قوات الدعم السريع في الجيش لحين إبرام اتفاق بين القيادتين والحكومة. وقال إن إصلاح القطاع الأمني قضية وطنية تحتاج إلى تدخل مدني.

وأرجع السليك الخلاف إلى صراع نفوذ بين القائدين ومحاولة كل طرف بسط نفوذه داخل المجلس السيادي، بالإضافة إلى المطالب بدمج قوات الدعم السريع في الجيش.

وأكد أن قادة الدعم لن تقبل بذلك؛ لأن ذلك يعني إذابة قواتها داخل الجيش، وبالتالي ضعف قواتها العسكرية التي تعتبر مصدر لقواتها السياسية.

ما هي قوات الدعم؟

وقوات الدعم السريع هي مليشيات شبه عسكرية مكّونة من مليشيات الجنجويد في أغسطس 2013، ثم أجازها المجلس الوطني في يناير 2017.

كانت تقاتل  نيابة عن الحكومة السودانية في عهد الرئيس السابق عمر البشير خلال الحرب في دارفور.  واتهمت بارتكاب جرائم ضد الإنسانية بتلك الفترة. كما استخدمها النظام السابق في قمع المعارضين واضطهادهم.

وبعد اندلاع الثورة السودانية في 2019، التي أسقطت نظام البشير، أصبح حميدتي نائب المجلس السيادي الذي يدير البلاد في المرحلة الانتقالية، وبدأ يتعاون مع قمع القوات المسلحة في قمع مظاهرات الشباب. كما وجهت له اتهمت بالمسؤولية عن مجزرة القيادة العامة في يونيو 2019 والتي راحَ ضحيّتها أكثر من 100 شخص.

وتمتلك القوات مقرات ومركز في العاصمة الخرطوم وفي بعض المدن الأخرى، كما يوجد لها تواجد على الحدود مع ليبيا وإريتريا لمراقبة الحدود ووقف تدفق المهاجرين.

ولا توجد أرقام محددة بأعداد هذه القوات، لكن المجذوب يقدر عددها بنحو 40 ألف مقاتل، وتعتمد على طريقة الحرب التشادية، وهو أسلوب حرب منتشر في إفريقيا يعتمد على القتال بسيارات الدفع الرباعي والأسلحة الخفيفة والمتوسطة والرشاشات التي توضع على السيارات.

أما عن مقارنة إمكانياته بالقوات المسلحة الرسمية، قال المجذوب إنه لا توجد وجه للمقارنة بين الطرفين سواء في الإمكانيات والتسليح والتمويل.

صراع مسلح

ويشكو حميدتي باستمرار من أنه وقواته يتعرضان للتحجيم. وأصدر بيانات علنية برفض ضم قواته إلى الجيش. وأصدر كل من الجيش وقوات الدعم السريع بيانات تنفي وجود أي نزاع.

وقال حميدتي في 8 يونيو: "الحديث عن دمج قوات الدعم السريع في الجيش يمكن أن يفكك البلد. الدعم السريع مكون بقانون مُجاز من برلمان منتخب، وهو ليس كتيبة أو سرية حتى يضموها للجيش، إنه قوة كبيرة".

ويدار السودان وفق اتفاق لتقاسم سلطة تم توقيعه بين العسكريين والمدنيين في أغسطس 2019.

ومنذ توليها السلطة في 2019، تسعى حكومة حمدوك لمعالجة أزمة البلاد الاقتصادية وإنهاء عزلتها الدولية وتوقيع اتفاق سلام مع الحركات المسلحة.

ووقعت الحكومة العام الماضي اتفاق سلام مع مجموعة من الحركات المسلحة، لكن الحركة الشعبية لتحرير السودان جناح عبد العزيز الحلو وهي الحركة المسلحة الرئيسية رفضت توقيع اتفاق سلام مع الحكومة، وعلقت المفاوضات معها الأسبوع الماضي في جوبا عاصمة جنوب السودان.

وأشارت الصحافة المحلية إلى أن دمج قوات الدعم السريع في الجيش كان نقطة الخلاف الأساسية التي أدت إلى تعليق التفاوض بين الحركة والحكومة.

وأوضح المجذوب أن بعض الحركات المسلحة وخاصة الحركة الشعبية لتحرير السودان (المعروفة باسم حركة الحلو) تصر على ضرورة دمج قوات حميدتي في الجيش، لإنشاء جيش سوداني موحد، والتخلص من الحركة التي قضت على سيطرتهم في دارفور.

ويخشى مراقبون من أن يتحول هذا الخلاف إلى صراع مسلح في وقت تعقد فيه الحكومة اتفاقيات سلام مع مجموعة من الحركات المسلحة كانت تقاتل الحكومة في إقليم دارفور غرب البلاد، وولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق جنوب البلاد، لوقف الحرب الاهلية.

ولم يستبعد السليك احتمالية تطور هذا الخلاف بين الطرفين إلى صراع عسكري. وأشار أن هذا الخلاف يأتي في الوقت الذي يزداد فيه الرفض الشعبي للحكومة والمطالبة بتغيرها.

أما عن تأثير الخلاف على المرحلة الانتقالية والمشهد السياسي في البلاد، يرى المجذوب أنه سيؤثر سلبيا على المرحلة الانتقالية، وأشار إلى أنه سيؤخر خروج القوات المسلحة من المشهد السياسي، وعدم اكتمال المرحلة الانتقالية.

وأضاف أنه سيؤدي إلى تراجع ثقة المدنيين في المكون العسكري، والذي أصبح واضحا في رفضهم لأي قرار أو خطة يتخذها المجلس السيادي.

الحكومة تنفي

من جهتها، نفت الحكومة والقوات المسلحة مرارا هذه التقارير، وقال القادة العسكريون في الحكومة الانتقالية في السودان يوم الأربعاء، إن قواتهم متحدة في الدفاع عن البلاد وأن الشائعات عن وجود خلافات في هذا الشأن زائفة، وذلك في بيان مشترك نادر للجيش وقوات الدعم السريع.

وقال البيان المشترك: "القوات المسلحة والدعم السريع على قلب رجل واحد للمحافظة على أمن الوطن والمواطنين ووحدة التراب وأنهما بالمرصاد للعدو الذى يسعى إلى تفكيك السودان وشرذمته".

وشدد البرهان في البيان على "عدم الالتفات إلى الشائعات التي تستهدف وحدة المنظومة الأمنية" مؤكدا على انسجامها وتماسكها وعملها لأجل هدف واحد.

كما قال حميدتي: "هدفنا واحد ولدينا مسئولية تاريخية فى الخروج بالبلاد إلى بر الأمان، الأعداء ينتظرون تنافرنا"، وأضاف: "القوات المسلحة والدعم السريع يمثلان قوة واحدة تتبع للقائد العام وتأتمر بأمره"، مجدداً تمسكه بإحداث التحول الديمقراطي فى البلاد.

ولكن السليك علق أن تصريحات حميدتي والبرهان هي محاولة لإطفاء نار سرية تشتعل بين الاثنين وردا على تصريحات حمدوك. وأكد أنه لابد من دمج من قوات الدعم في الجيش؛ لأنه لا يوجد دولة في العالم بها جيوش متعددة. 

حرية الصحافة تتراجع في معظم الدول العربية
حرية الصحافة تتراجع في معظم الدول العربية

يعتبر اليوم العالمي لحرية الصحافة، المُحدَّد من قبل الأمم المتحدة في اليوم الثالث من شهر مايو كل عام، مناسبة لتسليط الضوء على واقع هذه الحرية والتحديات التي تواجهها وتقوضها، وفرصة لتقديم جردة حساب سنوية للانتهاكات التي تعرض لها الجسم الإعلامي والصحفيون حول العالم، ما من شأنه أن يقدم صورة عن المخاطر والاستحقاقات التي تهدد واحدة من أبرز مقومات الديمقراطية حول العالم. 

وتبدو الحرية الصحفية في عام 2024 مُهدَّدة أكثر من أي وقت مضى، بحسب المؤشرات والتقارير الصادرة عن الجهات المختصة بهذا الشأن، والأكثر تأثراً بالتطورات التي يشهدها العالم، لاسيما الحروب العسكرية والصراعات السياسية، في حين باتت أبرز مصادر هذه التهديدات هي الجهات ذاتها المخوَّلة والمسؤولة عن رعاية وصون الحريات الإعلامية، خاصة الحكومات والسلطات السياسية حول العالم، التي ما عادت تتوانى عن محاولاتها تطويع العمل الصحفي لينسجم مع أجنداتها. 

وكانت الجمعية العامة للأمم المتحدة أعلنت اليوم العالمي لحرية الصحافة، في ديسمبر عام 1993، بناء على توصية من المؤتمر العام لليونسكو. ومنذ ذلك الحين يُحتفل بالذكرى السنوية في جميع أنحاء العالم، في 3 مايو، حيث يأتي كمناسبة لتذكير الحكومات بضرورة احترام التزامها بحرية الصحافة، ويُخصَّص للاحتفال بالمبادئ الأساسية لحرية الصحافة وتقييم حالتها في جميع أنحاء العالم، فضلاً عن الدفاع عن وسائل الإعلام من الاعتداءات على استقلاليتها، كما يمثّل تحية للصحفيين الذين فقدوا أرواحهم في أداء واجباتهم. 

التدخلات السياسية.. أبرز التحديات 

وبحسب المؤشر العالمي لحرية الصحافة الذي تصدره منظمة "مراسلون بلا حدود" سنوياً، والذي صدر الجمعة، 3 مايو 2024، كان المؤشر السياسي، وهو واحد من المؤشرات الخمسة المستخدمة لتجميع تصنيف الدول، الأكثر تراجعاً.

وسجل المؤشر السياسي متوسط انخفاض عالمي قدره 7.6 نقاط، وهو ما يشير إلى أن "الصحافة وخطوط التحرير التابعة للوسائل الإعلامية تقبع تحت الضغط السياسي بما يفوق السنوات الماضية"، وفق ما يؤكده مسؤول مكتب الشرق الأوسط في منظمة مراسلون بلا حدود، جوناثان داغر، في حديثه لموقع "الحرة".

ويهدف التصنيف إلى المقارنة بين درجة الحرية التي يتمتع بها الصحفيون ووسائل الإعلام في البلدان الـ 180 التي يشملها التحليل، ويتمحور استبيان وخريطة حرية الصحافة حول خمسة مؤشرات: السياق السياسي، الإطار القانوني، السياق الاقتصادي، السياق الاجتماعي والثقافي، والسياق الأمني.

كما يشكل التصنيف انعكاساً للواقع الذي تشهده الدول، ويتم احتسابه على أساس الحصيلة الكمية للانتهاكات المُرتكَبة ضد الإعلاميين أثناء ممارسة عملهم، وكذلك ضد وسائل الإعلام، إضافة إلى تحليل نوعي للوضع في كل بلد، حيث تُقاس درجة حرية الصحافة من خلال إجابات الخبراء المتخصصين في هذا المجال. 

وبحسب تقرير المنظمة، هناك عدد متزايد من الحكومات والسلطات السياسية التي لا تقوم بدورها كضامنة لأفضل بيئة ممكنة للصحافة ولحق الجمهور في الحصول على أخبار ومعلومات موثوقة ومستقلة ومتنوعة.

كما عبّرت المنظمة عن قلقها من التراجع في دعم استقلالية وسائل الإعلام واحترامها وزيادة في الضغوط التي تمارسها الدولة أو غيرها من الجهات السياسية الفاعلة.

وفي هذا الإطار يرى داغر أن المصالح السياسية "باتت تعرقل كل مبادرات الضغط لحماية الصحفيين أو محاسبة مرتكبي الانتهاكات بحق الصحفيين وتحقيق العدالة لمنع الإفلات من العقاب." 

وتقول "مراسلون بلا حدود" في تقريرها أنه وعلى المستوى الدولي، يتميز هذا العام "بغياب واضح للإرادة السياسية من جانب المجتمع الدولي لفرض مبادئ حماية الصحفيين، وخاصة قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2222".

عام الانتخابات

يأتي ذلك في وقت يشكل عام 2024 لحظة فارقة في الحياة السياسية حول العالم، بكونه يحمل أكبر عدد من الانتخابات المُقرَّرة حول العالم، وهو ما يزيد من الضغوط السياسية لاسيما على الإعلام، فيما تنعكس نتائج تلك الانتخابات بصورة مباشرة على واقع الحريات الصحفية في تلك الدول. 

وفي مثال على ذلك، يذكّر تقرير "مراسلون بلا حدود" بنتائج الانتخابات في أميركا اللاتينية، خاصة في الأرجنتين حيث نتج عنها فوز "أشخاص يتباهون بأنهم مفترسون لحرية الصحافة والتنوع الإعلامي، وعلى رأسهم خافيير مايلي الذي أغلق أكبر وكالة أنباء في البلاد في عمل رمزي مثير للقلق".

كذلك ينوه التقرير إلى إعادة انتخاب رجب طيب إردوغان رئيسا لتركيا الذي شكّل وفق المنظمة "مصدراً لبعض القلق"، وأدى إلى استمرار خسارة تركيا لنقاطها في المؤشر حيث احتلت المركز 158 من أصل 180.

وغالباً ما تكون الانتخابات مصحوبة بأعمال عنف ضد الصحفيين، كما هو الحال في نيجيريا وجمهورية الكونغو الديمقراطية.  إضافة إلى ذلك فإن استيلاء الشخصيات العسكرية على السلطة في انقلابات في منطقة الساحل الأفريقي، وخاصة النيجر وبوركينا فاسو ومالي، شددت قبضتها باستمرار على وسائل الإعلام وعرقلت عمل الصحفيين. 

ومن الظواهر المثيرة للقلق، استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي في ترسانة المعلومات المضللة لأغراض سياسية، حيث تحتل تقنية "التزييف العميق" (Deepfake) الآن مكانة رائدة في التأثير على مسار الانتخابات، وتؤثر بدورها على واقع الحريات الصحفية، بحسب التقرير.

يأتي ذلك بينما عززت العديد من الحكومات سيطرتها على وسائل التواصل الاجتماعي والإنترنت، حيث قامت بتقييد الوصول إليها، وحظر الحسابات، وقمع الرسائل التي تحمل الأخبار والمعلومات، كما هو الحال في الصين التي تحتجز أكبر عدد من الصحفيين في العالم، وتواصل ممارسة رقابة صارمة على قنوات المعلومات، وتنفيذ سياسات الرقابة والمراقبة لتنظيم المحتوى عبر الإنترنت وتقييد انتشار المعلومات التي تعتبر حساسة أو خلافا لخط الحزب الحاكم.

تقرير: الأنظمة الشمولية والحروب تهدد حياة الصحفيين عبر العالم
بينما كانت أخبار اعتقال ومقتل صحفيين تأتي من دول استبدادية معروفه بتضييقها على الإعلام منذ عشرات السنين، ساهمت الحروب خلال الأهر الأخير في رفع وتيرة الاعتقالات التي تطال الصحفيين بسبب ممارستهم لمهنتهم والمحاكمات التسعفية ضدجهم وحتى القتل.

ووفقاً للتقرير، تعمل بعض الجماعات السياسية على تغذية الكراهية وانعدام الثقة في الصحفيين من خلال إهانتهم أو تشويه سمعتهم أو تهديدهم. ويقوم آخرون بتنظيم عملية الاستيلاء على النظام البيئي الإعلامي، سواء وسائل الإعلام المملوكة للدولة والتي أصبحت تحت سيطرتهم، بالإضافة إلى الاستحواذ على وسائل الإعلام المملوكة للقطاع الخاص من قبل رجال الأعمال المتحالفين.

الشرق الأوسط.. أخطر الأماكن

وبينما شهدت معظم دول العالم تراجعاً في النقاط على المؤشر، احتلت النرويج المرتبة الأولى عالمياً رغم تراجعها، بينما تراجعت إيرلندا للمرتبة الثامنة بعدما كانت في الطليعة العام الماضي، وحلت في المرتبة الثانية الدنمارك تليها السويد في المرتبة الثالثة. 

وبينما كانت فيتنام والصين وكوريا الشمالية في ذيل قائمة الدول لعام 2023، احتلت مكانها ثلاث دول جديدة هي أفغانستان وسوريا في المرتبة ما قبل الأخيرة بعد تراجعها أربع مراتب، وإريتريا في آخر القائمة، ووصف التصنيف سوريا واريتيريا كمنطقتين خارجتين عن القانون بالنسبة لوسائل الإعلام، حيث تتواجد أعداد قياسية من الصحفيين المحتجزين أو المختفين أو المحتجزين كرهائن.

وصنف المؤشر منطقة المغرب العربي والشرق الأوسط بكونها ذات الوضع الأسوأ على المؤشر، تليها منطقة آسيا والمحيط الهادئ، حيث تخنق الحكومات الاستبدادية الصحافة، ومن ثم أفريقيا، حيث يصنف الوضع على أنه "خطير للغاية" في 10 في المئة من دولها، و"صعب" في نصف دولها تقريباً. 

ويشهد المؤشر السياسي لتصنيف حرية الصحافة لعام 2024 سقوطا حرا في معظم دول الشرق الأوسط، بحسب "مراسلون بلا حدود"، حيث تواصل السلطات محاولاتها للسيطرة على وسائل الإعلام بكل الوسائل الممكنة بما في ذلك العنف والاعتقالات والقوانين الصارمة والضغوط المالية أو التلاعب بالأعراف المجتمعية، ويتفاقم ذلك بسبب الإفلات المنهجي من العقاب على جرائم العنف ضد الصحفيين.

وصنف المؤشر الأراضي الفلسطينية على أنها الأكثر خطورة بالنسبة للصحفيين، حيث تدفع ثمناً باهظاً بالأرواح الخسائر. ويلفت المؤشر إلى أن الجيش الإسرائيلي "قتل حتى الآن أكثر من 100 صحفي في غزة، من بينهم 22 صحفياً على الأقل أثناء عملهم"، وذلك في سياق ما وصفه "محاولة إسرائيلية لقمع التقارير الواردة من غزة بينما تتسلل المعلومات المضللة إلى إعلامها".

وعليه خسرت إسرائيل، موقعها الأول في المنطقة، وتحول تصنيف وضع حرية الصحافة لديها من "إشكالي" إلى "صعب".

وتصدرت موريتانيا الدول العربية والأفريقية في مجال حرية الصحافة بعد حصولها على المركز 33  عالميا، حيث تقدمت بـ 53 نقطة هذا العام، حيث حصلت العام الماضي على المرتبة 86 عالميا، وفق ما ذكرته مراسلة الحرة.

وتعهد الرئيس الموريتاني، محمد ولد الشيخ الغزواني، في حديث للصحفيين، الجمعة، بمواصلة العمل على خلق بيئة أكثر ملاءمة للصحفيين، وذلك في تغريدة نشرها على صفحته الرسمية على منصة إكس.

وشهدت قطر تحسين الأطر القانونية وانخفض عدد المخالفات بحق الصحفيين بعد انتهاء فعاليات كأس العالم، بحسب داغر. 

ولم تدخر حكومات الشرق الأوسط أي جهد لتشديد القيود على الحق في الحصول على المعلومات، باستخدام كل أنواع المراقبة كما هو حال منطقة الخليج، والتخطيط لتشريعات تقييدية وقاسية كما في الكويت ولبنان، أو إصدارها بالفعل في الأردن والجزائر "حيث وسائل الإعلام المستقلة على وشك الانقراض تماما"، بحسب مراسلون بلا حدود.

وتتواجد في الشرق الأوسط أربع دول من أكبر عشرة سجّانين للصحفيين في العالم، وفق التقرير، وهي: إسرائيل والسعودية وسوريا وإيران، التي تحافظ بسياسة السجن الجماعي التي تنتهجها، على تصنيفها المنخفض للغاية.

ويصف داغر إيران بكونها دولة خطيرة جداً على الصحفيين، حيث لا يجرؤون على القيام بعملهم بالشكل اللازم، بينما يقبع آخرون وراء القضبان، وبعضهم مهدد والبعض الآخر يخضع للمحاكمات، مثل نيلوفر حميدي وإلهه محمدي المهددين بإعادة توقيفهم في أي لحظة بسبب عملهم الصحفي، ويمنع عليهم الحديث للإعلام أو مغادرة البلد. 

وبالرغم من أن سوريا تعد من أخطر الدول على الصحفيين حول العالم، إلا أن ذلك لا يمنع دولا أخرى، مثل لبنان والأردن وتركيا، من ترحيل صحفيين إليها، حيث يواجه الصحفيون من بين اللاجئين السوريين، بحسب داغر، مشاكل كثيرة من ملاحقات واعتقالات وتهديدات بالترحيل، في حين يواجهون بترحيلهم خطر الموت أو التعذيب أو الاخفاء القسري والاعتقال، بحسب التقرير.

وكان لافتاً في تصنيف دول الشرق الأوسط لهذا العام التراجع الكبير الذي لحق بمركز الإمارات، حيث كانت من أكثر الدول المتراجعة على الصعيد العالمي، وذلك بسبب "زيادة القمع على الصحفيين وأدوات الترهيب فضلاً عن التجسس على الصحفيين ومراقبة عملهم"، وفقاً لداغر. 

الأمر ذاته ينطبق على لبنان، الذي شهد أيضاً تراجعاً هائلاً بـ 21 مرتبة على صعيد العالم، وذلك بعد مقتل ثلاثة صحفيين في جنوب لبنان نتيجة قصف إسرائيلي ما أثر على تصنيف البلد لناحية سلامة الصحفيين، وفق داغر.

كما شهدت مرحلة ما قبل السابع من أكتوبر ازديادا في استدعاء الصحفيين للتحقيق بناء على عملهم، كما حصلت حوادث ضرب واعتداءات وترهيب وتهديد طالت العديد من الصحفيين، في وقت يواجه الصحفيون في لبنان ضغوطات هائلة على الصعيد الاقتصادي تنعكس على المؤشر الاقتصادي في التصنيف، في وقت يخضع الإعلام أكثر فأكثر لسيطرة القوى الاقتصادية النافذة في البلاد. 

من جهته، رصد مركز الدفاع عن الحريات الإعلامية والثقافية "سكايز" انخفاض عدد الانتهاكات بحق الصحافة في لبنان هذا العام، "ولكن ذلك لا يعني أن الديمقراطية في لبنان بملاذ آمن"، وفق ما يقول المسؤول الإعلامي في المركز جاد شحرور لموقع "الحرة"، بل يوضح أنه على العكس فإن "واقع الحريات عموماً بتدهور، شهدنا استدعاءات لصحفيين وناشطين، ودعاوى قضائية بحق صحفيين نتيجة عملهم الصحفي، فضلاً عن أنه حتى الآن لم تجر تحقيقات جدية في واحدة من أشهر قضايا اغتيال الصحفيين وهي قضية لقمان سليم، وبالتالي ظاهرة الإفلات من العقاب في لبنان مستمرة".

(صورة توزيع الضحايا بالأرقام من سكايز)

ورصد المركز خلال العام الماضي 803 انتهاكات في كل من الأراضي الفلسطينية ولبنان وسوريا والأردن، طالت صحفيين ومصورين وفنانين وناشطين، بينها 500 انتهاك في الأراضي الفلسطينية، 65 في لبنان، 36 في سوريا و31 في الأردن. 

وطالت تلك الانتهاكات 673 ذكراً و143 أنثى و6 حالات غير محددة الجنس. 

وتمثلت أبرز الانتهاكات بالاعتداء الجسدي (251)، قتل (211)، اقتحام/اعتداء على مبانٍ (117)، اعتقال (95)، إعاقة العمل الصحفي (94)، فضلا عن الاستدعاءات والتحقيقات واستهداف منازل الصحفيين وعائلاتهم والتهديد والابتزاز وغيرها من الانتهاكات. 

صورة بيانية من سكايز لطبيعة الانتهاكات

ورغم تقدم تصنيف مصر على مؤشر الحرية الإعلامية لمراسلون بلا حدود، مقارنة بالسنوات الماضية، نتيجة إطلاقها سراح عدد من الصحفيين استجابة للضغوط الدولية، ينوه التقرير إلى أنها لا تزال من بين الدول الأخطر للعمل الصحفي في العالم، ومن أكبر السجون للصحفيين حيث يقبع فيها حتى الآن 14 صحفيا وراء القضبان، في حين يتعرض الصحفيون المستقلون لملاحقات قانونية، بينما يستمر استخدام الأطر التي تعرقل العمل الصحفي.  

ويتعرض الصحفيون لضغوط من السياسيين في جميع دول المنطقة، وفق المنظمة، وغالباً ما يدفعون ثمناً باهظاً للاستقطاب السياسي، كما هو الحال في العراق، حيث وتيرة عرقلة العمل الصحفي تسجل بصورة شبه يومية فيما يجري تصوير العمل الصحفي على أنه خطر على المجتمع. 

العفو الدولية تطالب سلطات كردستان العراق بإيقاف "اعتداءاتها" على الصحفيين
قالت منظمة العفو الدولية، الخميس، إنه يجب على سلطات إقليم كردستان العراق أن تضع حدًا لاعتدائها على الحق في حرية التعبير وحرية الصحافة، بما في ذلك الاعتقال التعسفي والضرب والمحاكمات الجائرة للصحفيين.

كذلك في تونس، حيث يتم اعتقال واستجواب المراسلين الذين ينتقدون تمسك الرئيس، قيس سعيّد، بالسلطة منذ عام 2019، في تذكير بالممارسات التي كانت سائدة في فترة ما قبل الثورة.

وفي السودان، أدت الحرب الأهلية منذ أبريل عام 2023 إلى مقتل العديد من الصحفيين، حيث يصنف وضع حرية الصحافة فيه الآن على أنه "خطير للغاية".

"بوليس إعلامي".. تصاعد التوتر بين الصحفيين والسلطات في تونس
أعاد الخلاف بين نقابة الصحفيين التونسيين وهيئة الانتخابات في تونس، الجدل مجددا حول واقع الحريات الصحفية في البلد الذي سجل أول حضور في دفتر الربيع العربي.

وعلقت نقابة الصحفيين التونسيين، الجمعة، تنسيقها مع هيئة الانتخابات، اعتراضا على لفت نظر أرسلته الهيئة إلى موقع "نواة" الإخباري، احتجاجا على مقال نشره الموقع عن "توظيف القضاء خدمة للسلطة السياسية".

وتظل السعودية من بين أسوأ الدول أيضاً، حيث لم يطرأ تغييرات ملحوظة في تصنيفها العام وواقع الحرية الإعلامية فيها، حيث ينعدم أي إطار يسمح بالصحافة الحرة في السعودية، كما لا تزال قضية جمال خاشقجي حتى اليوم في وضع الإفلات من العقاب وولم تتحقق العدالة فيها، وفق داغر. 

ويعتبر المغرب الدولة الوحيدة التي شهدت ارتفاعا في مؤشرها السياسي، لكن الارتفاع جاء بسبب عدم وجود اعتقالات جديدة، في حين أن حجم اضطهاد الصحفيين، وخاصة الاضطهاد القضائي، لا يزال دون تغيير في المغرب.

حرب غزة.. نموذج قاسٍ 

بناء على ما سبق، يرى شحرور أن ملف الحريات الإعلامية في الشرق الأوسط "لا يمكنه أن يحقق تقدماً في ظل وجود أنظمة قمعية كالتي تحكم دول المنطقة"، وفي ظل حروب تعزز سياسة الإفلات من العقاب، كما يحصل في غزة حيث لم يصدر حتى الآن أي تحقيق جدي يحدد المسؤوليات عن استهداف أكثر من 150 صحفياً بالإضافة إلى مراكز إعلامية ومكاتب وسائل إعلام.

وتعتبر حرب غزة أحدث مثال عن تأثير الحروب والنزاعات المسلحة على واقع الحريات الإعلامية والصحفية، حيث لم يقتصر تأثيرها على غزة وإسرائيل والأراضي الفلسطينية، وانما امتد التأثير المباشر للحرب على واقع الحريات الإعلامية في معظم الدول المجاورة. 

وبالإضافة إلى العدد الهائل من القتلى الصحفيين في غزة، والذي وصفته "لجنة حماية الصحفيين" بأنه "قياسي وغير مسبوق"، يعاني الصحفيون هناك من حصار منعهم من مغادرة القطاع إلا بصعوبة كبيرة، وفقاً لداغر، ومنع دخول الصحفيين الأجانب للتغطية، وضرب البنى التحتية الإعلامية وقطع للإنترنت والكهرباء، وشن دعاية ضدهم وتشكيك بمصداقيتهم ومهنيتهم، واتهامهم بأنهم إرهابيين أو ينتمون لحماس، "ما يجري في غزة كارثي لاسيما لناحية ملاحقة الصحفيين، وعائلاتهم، واستهداف بيوتهم ومكاتبهم". 

ويضيف أن هذا العنف تُرجِم أيضا في لبنان مع مقتل الصحفيين الثلاثة بعد استهدافهم خلال قيامهم بعملهم الصحفي بشكل واضح من الجانب الإسرائيلي، وفق ما أظهرت كافة التحقيقات، من بينها تحقيق "مراسلون بلا حدود" بمقتل مراسل وكالة رويترز عصام عبدالله، ومن بعده أربعة تحقيقات من "أمنستي" و"هيومن رايتس ووتش" وفرانس برس ورويترز، وأخيرا من جانب قوات اليونيفيل، أكدت كلها أن الاستهداف من الجانب الإسرائيلي كان واضحاً، "وبهذه الحالة نتحدث عن جريمة حرب وقعت بحسب معاهدة جينيف".

في الوقت ذاته، يلفت داغر إلى ضغوطات كبيرة بفعل الحرب على الصحفيين وعملهم في لبنان، إن كان من طرف حزب الله أو من أطراف سياسية أخرى في لبنان، نتيجة التشنج على جميع الأصعدة، "حتى أن الجمهور ذاته بات جزءا من الضغوطات على وسائل الإعلام وعلى الخطاب الإعلامي." 

الأردن شهد بدوره أيضاً ضغطاً كبيراً على الصحفيين خلال الحرب المستمرة، وفقاً لداغر، لا سيما الذين يقومون بتغطية التظاهرات المناصرة لغزة، ترجم على شكل حملات واسعة من الاعتقالات لصحفيين واعتداء عليهم خلال التظاهرات، وتجري محاولات لتفعيل قوانين لملاحقة منتحلي صفة الصحفيين مثلا، وهو ما يمكن أن يستخدم في سبيل القمع والتضييق على العمل الصحفي. 

وشهدت مصر أيضا ملاحقات بحق الصحفيين على خلفية تغطية حرب غزة، كما حصل مع فريق "مدى مصر" خلال عملهم على قضية اللجوء الفلسطيني من غزة إلى الأراضي المصرية، حيث تعرضوا لضغوطات كبيرة وجرى حجبهم وأحيلوا إلى النيابة العامة بتهمة "نشر الأخبار الكاذبة".
 
كل ذلك بحسب داغر، دليل على أن العنف والإفلات من العقاب لا ينحصر في جهة ولا في منطقة، والخوف اليوم من أن يتوسع ونشهده على نطاق عالمي، خاصة إذا ما جرى استغلاله من أطراف أخرى وأنظمة لا تحترم بدورها حقوق وحرية الصحفيين، فيستخدمون ما يجري الآن لتبرير انتهاكاتهم في المقابل، كما فعلت إيران في ردها على تقارير ملاحقة الصحفيين المعارضين في الخارج، حيث استخدمت الانتهاكات الجارية في غزة للتهرب من المسؤولية وحرف الأنظار، وفق تعبيره.

ويختم: "في ظل وجود جريمة مستمرة وإفلات من العقاب، يصبح الدفاع عن قضايا الصحفيين أكثر صعوبة".