الشباب العراقي عبر عن رغبته في دولة مدنية بمظاهرات تشرين
الشباب العراقي عبر عن رغبته في دولة مدنية بمظاهرات تشرين

 يُعلّق المتفائلون كثيرا من الآمال على الزيارة التاريخية التي قام بها بابا الفاتيكان للعراق بين الخامس والثامن من هذا الشهر، على اعتبار أنها يُمْكن أن تُطْفِئ سُعَار الاحتراب الديني والمذهبي الذي تصاعدت وتيرته في العراق على نحو حاد بعد 2003، أو على الأقل، تَحُدّ من هذا السُعار الاحترابي كثيرا؛ لتصل به إلى درجة معقولة، يمكن أن تُحقِّق الحدّ الأدنى من إمكان التعايش السلمي بين الأديان والطوائف في مجتمع مُتَنوّع بطبيعته: بطبيعة تاريخه ذي الحضارات المتعاقبة، وطبيعة جغرافيّته التي جعلته على خط التقاء التحولات الكبرى في التاريخ.

لا ريب أن أشرس الصراعات الدائرة في العراق اليوم تقوم على محاور دينية/ مذهبية في تمظهرها العلني. لم يكن التنظيم الإرهابي "داعش" إلا فُوّهة بركانها الذي فار بحمم الموت الملتهب بجنون الإرهاب. لكن، ليست كل صور الصراع على هذا النحو الذي يتوسّل الديني، فمنها ما هو عِرقي، كالمسألة الكردية، ومها ما هو اجتماعي/ نفعي، أو حزبي مُسيّس في هذا الاتجاه أو ذاك. هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فالصراعات التي تقوم على محاور دينية/ مذهبية في تمظهرها العلني، لا تعني بالضرورة أن مُحَدِّدات المعتقد الديني هي ذاتها التي تصنع مُحَدِّدات الواقع؛ دونما محفّزات/ دوافع ذات ارتباط بما وراء هذا المعتقد الديني.  

 هنا، نقف أمام مسألة شائكة في تحديد ما هو الأجدى لتحقيق مستوى أفضل من التعايش/ السلم الأهلي، في العراق خاصة، وفي المجتمعات العربية عامة: هل هو بإرساء قِيم التصالح والتواصل بين الأديان والمذاهب، أم بالتأسيس لقاعدة مدنيّة مُتَجاوِزة ـ ومُتَجَاهِلة في الآن نفسه ـ لتباينات وتناقضات هذه الأديان وهذه المذاهب ؟
 
أولئك الذين يرون أن المجتمعات العربية هي مجتمعات لا تزال تقليدية، وبالتالي، مُتَديّنة في العمق؛ حتى في مساراتها التي تعتقد فيها أنها تجاوزت الديني، هؤلاء يرون أن الحَلَّ ـ وخاصة في مجتمعات من هذا النوع ـ لا بد أن يكون من خلال الاشتغال على الديني، من حيث هو المحرك الأساس. ما يعني أن لا سلام ولا تعايش؛ دون أن تُطْرَح عقائد المُفاصَلة والتّنَابُذ داخل كل دين/ كل مذهب على طاولة التشريح النقدي، وأن تُحَاكم ـ نقديا ـ إلى بدهيات حقوق الإنسان وأساسيات مبادئ العدالة الاجتماعية/ الوطنية التي تجعل من مواطني الوطن الواحد يقفون على حَدٍّ سواء في الحقوق والواجبات؛ فيما بينهم؛ ومع غيرهم/ اللاّمواطنين: الإنسان المجرّد، وفقَ مُقرّرات حقوق الإنسان التي يتساوى فيها الجميع بإزاء الجميع.

في المقابل، يرى آخرون (المراهنون على المدني/ على تجاوز وتجاهل الديني) أن الاتكاء ـ ابتداء ـ على الحل الديني، يتضمن بالضرورة تعزيزا وتدعيما لمحورية البُعْد العقائدي الديني، الذي هو ـ كما يرون ـ مصدر أولي للتمايز والمفاصلة والاحتراب. وبناء على هذا، فأنت إذْ تستنجد بالمذاهب والعقائد ورجالاتها لتحقيق التصالح/ التسالم، فإنما تقوم ـ من غير قصد ـ بمنحهم مشروعية القيادة الاجتماعية، وتُسْهم في توسيع دائرة نفوذهم، هذا النفوذ الذي به وعليه تأسس ذلك الاحتراب سلفا. 

هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فالأمل في تحقيق التسالم من هذه الزاوية ضعيف، إذ جوهر العقائد هو "الاختلاف" و "التمايز"، وادعاء "احتكار الحقيقة" صراحة أو ضمنا، وبدون ذلك يصبح الإيمان ضعيفا، وتغدو القناعة بالدين/ المذهب باهتة، وتتراجع فعالية الانقياد/ الامتثال للدين/ المذهب إلى الهامشي والظرفي والنادر. وهنا ـ وذلك في مفارقة عملية مُحْبِطة ـ تَفقِد العقائد والأديان تأثيرها الذي كان يُراد له أن يكون حاسما في توجيه وتأطير مجمل السلوك الاجتماعي.  

إن القسم الأول/ أولئك الذين يرون جدوى الرهان على الحل الديني بوساطة رجال الدين، ومن خلال المتغيرات/ التطوير للخطاب الديني، يُؤكّدون أن النظام الاعتقادي الديني هو "الداء" الذي يفتك بجسد المجتمع الواحد؛ تَكارُهاً وتَنَابُذَاً واحْتِرَاباً، ومن ثَمَّ؛ فمنه ـ لا من غيره ـ يأتي "الدواء". بينما القسم الثاني/ أولئك الذين يرون جدوى الرهان على الحل  المدني الخالص، يُؤكِّدون المقدمة التي أكدّها أصحاب الحل الديني، وهي: أن النظام الاعتقادي الديني هو "الداء" الذي يفتك بجسد المجتمع الواحد؛ تَكارُهاً وتَنابُذَاً واحْتِرَاباً، ولكنهم ـ على العكس ـ يُؤكّدون أن هذه المقدمة بذاتها تُشكّل سَبباً كافيا لتجاوز وتجاهل الحَلّ الديني.   

 المؤكدون على الحل المدني الخالص، يُبَرّرون توجّههم بأن "الدواء" لا يمكن أن يكون من مصدر "الداء"، وأن العائد الإيجابي ـ فيما لو كان ثمة عائد من هذا النوع ـ يبقى ضئيلا، ولا يمكن أن يُكَافِئ حجمَ المُخاطرة المتمثلة برفع درجة أهلية الديني لممارسة دور اجتماعي/ سياسي حاسم، دور خطير لا يمكن التنبؤ بمساره الذي سيبدأ من "احتلال مساحات العقل الجمعي"، وصولا إلى صنع قواعد ماديّة للنفوذ الاجتماعي. 

 ويزيد من اتساع دائرة الافتراق بين درجة المخاطرة من جهة، والعائد الضئيل المتوقع من جهة أخرى، أن التاريخ الطويل/ تاريخ العقائد، وتاريخ سدنة العقائد، لم يَثبت في يوم من الأيام أنه أسهم بشكل جِدّي في التأسيس للسلم الاجتماعي، بل على العكس، هذا التاريخ العقائدي الطويل أثبت أنه يسير وفق ديناميكيّة احترابية تصارعية ذات طابع جدلي في علاقتها بطرفي التمظهر الديني: العقائد، وسلوكيات المتدينين.

 أمام هذه الحجج التي لا يُمكن تَجَاهلها، يُدافِع المنحازون للحل الديني  باستحالة الحل المدني الخالص في مجتمعات متدينة؛ كما هو الحال في العالم العربي. ففي تصور هؤلاء أن الحل المدني، حتى لو كان هو الأسلم والأنجع على المستوى النظري، وفي المطلق/ العام، فإنه ـ عند الاشتغال عليه تطبيقا/ تفعيلا ـ في المجتمعات العربية تحديدا، يتحوّل من حل ممكن  إلى حل مستحيل. وعلى اقتراض أن العبور إليه يكون من خلال تخفيض درجة التدين، فإن هذه العملية بحد ذاتها ستؤدي ـ بانعكاساتها المتوقعة ـ إلى ردود أفعال تَعصّبيّة؛ جرّاء الشعور بالتهديد الذي سيتسرب إلى كثير من أولئك الذين يجدون أن تحقّقاتهم الهُويّاتية لا وجود لها إلا داخل الإطار الانتمائي الذي تُوَفّره لهم هذه الأديان/ المذاهب.  

طبعا، يُرَاهِن كثيرون على الخفوت الذاتي للحماس الديني بعد فشل الإسلام السياسي، أي الإسلام الحركي المؤدلج الذي دخل المعترك السياسي على نحو مباشر في السنوات العشر الماضية/ ما بعد الربيع العربي. فالتدين الحماسي ذي البعد العقائدي ـ الإيديولوجي، إنما تصاعد منذ بداية السبعينيات من القرن الميلادي المنصرم بفعل إغراء الوعود الطوباوية التي بشّرت بتجاوز الواقع البائس: واقع التخلف والانحطاط والهزائم الساحقة المتلاحقة. وإذْ أثبت الإسلاميون في السودان وإيران ومصر وتونس أيضا فشلهم ـ على تفاوت في مستويات الفشل وطبيعته وظروفه ـ، فقد تضاءلت مُغْريات التديّن في العموم، والتدين المؤدلج على نحو أخص، فلم يعد الحلم الأصولي الذي يرفع شعار "الإسلام هو الحل" يُرَاود تطلعات الأجيال الصاعدة. ما يعني أن القناعة بالحل الديني للشأن المدني قد تراجعت كثيرا، وبقي التديّن ـ عند المقتنعين به بعد كل هذه الصدمات، وبعد انفتاح آفاق التواصل الثقافي اللامحدود ـ لا يتعدّى حدود التجربة الروحانية الفردية/ الذاتية، والشأن العائلي الخاص.   

 هذا الخفوت أو التراجع الحاد الذي طال مسار الإسلام السياسي، وتتابعت تردّداته اليائسة لتطال مسار التدين الإسلامي في العموم، انعكس على مجمل مسارات التدين في الأديان الأخرى/ غير الإسلامية، التي تَتشارَك مع المسلمين في العالم العربي خارطةَ الجغرافيا. 

عندما يُصبح شعار "الإسلام هو الحل" شعارَ تديّن اجتماعي؛ فسرعان ما تسري العدوى ـ كمؤثر إيجابي، وكمؤثر سلبي/ ردة فعل احتمائية ـ إلى بقية الطوائف الأخرى/ غير الإسلامية، التي لن تطرح بالضرورة شعارا مضادا/ مناقضا، ولكنها ستشعر تلقائيا بالاستهداف، وستقوم بتعزيز الهوية الدينية الخاصة، وستؤكد على تمايزاتها العقدية؛ لأن سؤال الدين ـ بكل تمفصلاته مع الواقعي ـ  سيصبح مطروحا على نحو حاد، بحيث لا يمكن تجاهله بحال. 

وفي المقابل، فإن تراجع تهديد الإسلام السياسي، وغياب سؤال الديني عن الاجتماعي/ السياسي، سيؤدي إلى حالة استرخاء ديني هُويّاتي عند بقية المختلفين من شركاء الخارطة الجغرافية/ الوطنية، وهذا ما حدث، ويحدث على الدوام.

مع هذا، يبقى أن الواقع الصراعي يفرض نفسه كحقيقة مؤكدة، وأنه يتوسّل الديني وغير الديني: القومي/ العرقي خاصة في تأكيد حضوره. وتبقى هذه الإشكالية ذات أبعاد أخرى، يصعب تأطيرها هنا، وليس البعد السيكولوجي التعصبي المتواشج مع البنية الثقافية/ الاجتماعية التي تضرب في عمق التاريخ، إلا أحد التحديات التي لم تدخل المجتمعات العربية إلى الآن معها طورَ المواجهة الحاسمة، باستثناء جهود ثقافية فردية متناثرة، لا تزال تواجه ممانعة، على مستوى المطاوعة الاجتماعية، وعلى مستوى التراث الفاعل الممتد لأكثر من ستة عشر قرنا.

 أخيرا، إذا كانت المسألة على هذا النحو من التعقيد، بل ومن الالتباس، وبالتالي، من الاستعصاء على الحل/ الحلول، فما الموقف الواجب اتخاذه في مثل هذه الحال ؟ هل نَستخِف ونستهين بكل محاولات التواصل الديني والمذهبي؛ بدعوى أنها غير مُجْدِية وَفق التحديات التي سبق ذكرها ؟ وهل نرفض كل المحاولات المدنية التي تتجاوز أو تتجاهل الواقعة الدينية رغم ثقلها الاجتماعي؛ بدعوى أنها لن تستطيع تحقيق الفعل الإيجابي المؤثر في مجتمعاتنا المتدينة ؟ وبهذا، تصبح زيارة البابا بلا فائدة تُرجى من ورائها، وتصبح كل تأكيدات رجال الدين/ رموز التأثير الديني على التسامح نوعا من  العبث الذي لا يستفيد منه الواقع الاجتماعي، بقدر ما يستفيد منه الواقع الديني/ المسار الديني ؟

في تقديري أننا سنكون مُحْبطين جدا إذا ما نظرنا إلى كل هذه الأمور من زاوية ما ننتظره منها/ ما نأمله على مستوى الطموح المتفائل. لكن، عندما نعاين الأمور من زاوية أخرى، زاوية: ماذا لو لم يقم رجال الدين بالتواصل والحوار والدعوة للسلام، ماذا لو سكتوا، أو حتى عززوا المواقف/ الأفكار الصراعية ؟ وأيضا، دعاة الخيار المدني؛ ماذا لو سكتوا، أو أعلنوا استسلامهم للواقع البائس، تاركين هذا الواقع فريسة سهلة لدعاة العصبيات الاحترابية ؟ 

هنا، وأمام خيارين: خيار مشاركة إيجابية يُرجَى لها أن تقوم بدور في تدعيم السلم الأهلي/ التعايش؛ حتى ولو كان العائد ضئيلا، أو خيار حيادٍ سلبي، سنختار بلا شك: الفعل الإيجابي، سواء الذي يصدر عن رجال الدين أو الذي يصدر عن دعاة الحل المدني؛ مهما كانت عوائد هذا الفعل  محدودة أو دون المُتوقّع.    

كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.
كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.

على بعد نحو ساعة بالسيارة عن مدينة دريسدن تقع باوتسن، التي كانت تعد موطنا لمرفق سيئ السمعة في القرن الماضي، ألا وهو سجن معروف باسم المدينة نفسها. 

من عام 1933 إلى 1945، استخدم النازيون سجن "باوتسن" مقرا "للحجز الوقائي" قبل نقل المحتجزين إلى معسكرات الاعتقال. 

وفي الحقبة الممتدة من 1945 إلى 1949، احتجزت سلطات الاتحاد السوفياتي السابق المنشقين في زنزانات مكتظة مع القليل من الطعام والماء، وانتزعت منهم الاعترافات تحت التعذيب. 

وبعد عام 1949، استخدم عناصر "ستاسي"، وهو جهاز أمن الدولة في ألمانيا الشرقية سابقا، الذين دربهم جهاز الاستخبارات السوفياتية  "كي.جي.بي"، الأسلوب عينه إزاء حوالي ألفي معتقل سياسي في "باوتسن". 

هذا هو عالم الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في عصرنا الحالي، هو الذي كان عضوا في في جهاز الاستخبارات السوفييتية، حين انضم للجهاز عندما كان في الثالثة والعشرين من عمره، وقضى عدة سنوات في دريسدن.

ومنذ أيامه الأولى، وباعترافه الشخصي، كان بوتين يحلم بالعنف والسيطرة. 

واليوم تواجه، آلسو كرماشيفا، الصحفية الروسية-الأميركية التي تعمل لحساب إذاعة أوروبا الحرة الممولة من الكونغرس الأميركي، نفس المصير الذي واجه أصحاب القلم والفكر الحر في القرن الماضي خلال حقبة الاتحاد السوفياتي.

فمنذ شهر أكتوبر الماضي، تقبع كرماشيفا في زنزانة باردة وسيئة الإضاءة ومكتظة في مدينة قازان الروسية، التي تبعد نحو 800 كيلومترا شرقي موسكو. 

وتعرضت كرماشيفا للضغط من أجل انتزاع الاعترافات منها، وهو نهج كان مترسخا عند الـ"كي.جي.بي" الذي يعتبر الفكر المستقل تهديدا، والصحافة الحرة جريمة. 

سافرت كرماشيفا، وهي أم لطفلتين، الصيف الماضي إلى قازان من مسقط رأسها في براغ، لزيارة والدتها المسنة واعتقدت أنها ستكون في مأمن. 

في الثاني من يونيو الماضي، وعندما كانت في مطار قازان، استعدادا لرحلة العودة، جرى استدعاء كرماشيفا قبل خمس عشرة دقيقة من صعودها إلى الطائرة.  

اعتقلتها السلطات الروسية واتهمتها بعدم تسجيلها جواز سفرها الأميركي في روسيا، لتتم إعادتها إلى منزل والدتها وحكم عليها بغرامة تقدر بـ100 دولار تقريبا. 

وفي سبتمبر الماضي، اتهمت السلطات الروسية كرماشيفا بعدم التصريح عن نفسها بصفتها "عميلة لجهة أجنبية".  

وفي 18 أكتوبر، اقتحمت مجموعة من الملثمين المنزل واعتقلت كرماشيفا، وجرى تقييدها ومن ثم نقلها لمحتجز للاستجواب.  

وتعد النيابة العامة الروسية قضية ضدها بحجة نشرها معلومات كاذبة عن الجيش الروسي، وهو أمر ليس صحيحا. 

فخلال فترة عملها في إذاعة أوروبا الحرة محررة باللغة التتارية، دأبت كرماشيفا على إعداد تقارير عن اللغة والعرق والمجتمع المدني وحقوق الأقليات. 

وتتحدر كرماشيفا، وهي مسلمة، من قازان عاصمة جمهورية تتارستان المنضوية ضمن الاتحاد الروسي وتضم حوالي 50 في المئة من التتار ذوي الأصول التركية. 

ويسعى بوتين إلى جمع رهائن أميركيين لمبادلهم مع معتقلين روس. فخلال السنوات الماضية، اعتقلت روسيا نجمة كرة السلة الأميركية، بريتني غرينر، قبل أن يتم إطلاق سراحها مقابل إطلاق واشنطن تاجر الأسلحة الروسي، فيكتور بوت، في ديسمبر 2022. 

ولا تزال أسهم بوتين في التفاوض تشمل كرماشيفا ومراسل صحيفة وول ستريت جورنال، إيفان غيرشكوفيتش، وجندي البحرية السابق، بول ويلان.  

ولتخفيف العزلة وتمهيد الطريق للعودة إلى الوطن، لدى إيفان وبول عاملين، لا تزال كرماشيفا تكافح من أجل الحصول عليهما، أولا الحصول على الخدمات القنصلية، وثانيا اعتراف من وزارة الخارجية الأميركية بأنها  "محتجزة بشكل غير مشروع"، وهو ما سيزيد من فرص إطلاق سراحها في عملية لتبادل المعتقلين. 

ماذا يريد بوتين؟ 

إذا كان الأمر يتعلق بصفقات التبادل، فمن الواضح أن الكرملين يريد، فاديم كراسيكوف، الذي يقبع في أحد السجون الألمانية. 

كراسيكوف، الذي عمل سابقا لدى جهاز الأمن الفيدرالي الروسي، هو قاتل مأجور أقدم على اغتيال معارض شيشاني وسط برلين في أغسطس 2019، بإطلاق رصاصتين على رأسه من مسدس مزود بكاتم للصوت. 

لن يكن الأمر سهلا على الإطلاق، ولكن في الماضي كان من الممكن أن تكون الأمور أكثر وضوحا في بعض الأحيان. فعلى سبيل المثال، أراد الشيوعيون في ألمانيا الشرقية الحصول على أموال من الألمان الغربيين.  

وبحلول أواخر حقبة الشيوعية في الثمانينيات، كان نحو 85 ألف مارك ألماني غربي (حوالي 47 ألف دولار) هو ثمن شراء سجين واحد من ألمانيا الشرقية.  

زرت سجن باوتسن قبل وباء كورونا، حيث تحول اليوم إلى متحف ونصب تذكاري. 

وعندما رأيت زنزانة كانت تحتجز فيها شابة من سكان برلين الغربية دأبت على تهريب منشورات سياسية عبر الحدود لمساعدة الناشطين في ألمانيا الشرقية، أصيب بالذعر. 

وأثارت قصة، هايكه فاتيركوت، هلعي، فقد تم اعتقال الشابة البالغة من العمر عشرين عاما في ديسمبر 1976، وبعد ثمانية أشهر من الاعتقال، حُكم عليها بالسجن لمدة أربع سنوات وعشرة أشهر في باوتسن بتهمة التحريض ضد الدولة. 

كانت تلك كانت ثقافة الـ"كي.جي.بي" في ذلك الوقت. ويتعين علينا أن نعمل بجد أكبر لإنقاذ الأبرياء، وبالتأكيد المواطنين الأميركيين مثل كرماشيفا، من دولة الـ"كي.جي.بي" اليوم. 

#هذا المقال كتبه الرئيس التنفيذي المكلف بشكل مؤقت لـ"شبكة الشرق الأوسط للإرسال" (MBN) عضو المجلس الاستشاري للبث الدولي،  الرئيس السابق لإذاعة أوروبا الحرة، جيفري غدمن، في 23 يناير الماضي بمناسبة مرور 100 يوم على احتجاز روسيا لصحافية أميركية-روسية، قارن فيه بين ما جرى في تلك الفترة والتكتيكات التي باتت موسكو تتبعها في عهد بوتين.