قيس الخزعلي (يمين) ومقتدى الصدر (يسار)
قيس الخزعلي (يمين) ومقتدى الصدر (يسار)

كان دائم الظهور خلف مقتدى الصدر، لكن بمجرد اعتقاله من قبل القوات الأميركية لم يتوان في الكشف عن جميع المعلومات التي يمتلكها بشأن زعيمه السابق، بل وأكثر من ذلك.

"ليس لديه أي مبادئ ويعمل فقط من أجل مكاسب شخصية و لا يهتم للشعب العراقي" هكذا وصف زعيم عصائب أهل الحق قيس الخزعلي رجل الدين مقتدى الصدر خلال التحقيقات التي أجريت معه أثناء فترة اعتقاله على أيدي القوات الأميركية خلال عامي 2007 و2008.

وتكشف محاضر التحقيقات الأميركية التي ظلت سرية لعشر سنوات، تعاون الخزعلي مع المحققين في الكشف عن مصادر تمويل جيش المهدي التابع لمقتدى الصدر وعلاقاته بإيران وبقائد فيلق القدس قاسم سليماني، وكيف استغل الوزارات التي كان يديرها أتباعه لأغراض شخصية.

كما تحدث الخزعلي خلال التحقيقات عن رغبة الصدر في التحكم بالمال الإيراني المتدفق إلى الميليشيات المسلحة في العراق.

إيران والصدر 

في محظر تحقيق أجري بتاريخ الخامس من مايو 2007 رفض الخزعلي الإدلاء بمعلومات عن شخصين أحدهما يدعى أبو ذر والآخر أبو سلام.

لكنه أبدى تعاونا ملحوظا في تقديم جميع ما يمتلكه من معلومات عن مقتدى الصدر وعن مساعديه عباس الكوفي وأحمد الشيباني وعن الإيرانيين الذين وصفهم بأنهم يعملون مع الميليشيات العراقية ضد العراق.

وقال نص التحقيقات "رغم قبول المعتقل (الخزعلي) للدعم الإيراني، فإنه الآن يرفض الإيرانيين بشكل صارخ. إن المعتقل ضد مقتدى الصدر بشكل كلي. المعتقل له عدوان: هما إيران ومقتدى الصدر".

وثيقة أخرى بتاريخ 20 مارس 2007 أدلى الخزعلي بمعلومات مفصلة عن التاريخ الذي بدأت فيه علاقات مقتدى الصدر مع الإيرانيين بالتصاعد.

اعترف الخزعلي للأميركيين أنه سافر برفقة الصدر إلى ايران للمرة الأولى في عام 2003 وكان معهم قياديون في التيار الصدري آنذاك هم أحمد الشيباني ومصطفى اليعقوبي وعباس الكوفي.

يقول الخزعلي في اعترافاته إن الزيارة تمت بناء على دعوى من الحكومة الإيرانية وكان الغرض منها التعرف عن كثب على مقتدى الصدر وقيادات مكتب الشهيد الصدر وقادة ميليشيا جيش المهدي.

ويضيف لقد عقدوا اجتماعا خاصا مع هاشمي رفسنجاني ورئيس السلطة القضائية محمود الشاهرودي حيث ناقشوا قضايا العراق والنجف والشيعة.

قامت المجموعة بعد ذلك بعقد جلسة علنية مفتوحة مع المرشد الإيراني علي خامنئي. كما التقت مع قادة في الحرس الثوري الإيراني وقائد قوة القدس قاسم سليماني وقائد آخر يدعى حاجي يوسف، حيث تم إبلاغ الوفد العراقي الزائر أن الحرس الثوري يرغب بدعم ميليشيا جيش المهدي ماليا.

يقول الخزعلي ان مقتدى الصدر في حينه لم يقبل أو يرفض العرض الإيراني.

ويضيف "بعد ذلك، عقد الصدر ورفاقه اجتماعا مع رجل الدين العراقي المقيم في قم قاسم الحائري، وناقشوا إمكانية عودته للعراق، لكنه أبلغهم أنه غير قادر على ذلك في الوقت الحالي لأسباب صحية وأخرى تتعلق بالأمن.

دامت رحلة الخزعلي والصدر والآخرين عشرة أيام، زاروا خلالها أماكن مختلفة في إيران، كما يتحدث الخزعلي في اعترافاته.

بعد عودتهم إلى العراق بدأ الحرس الثوري بإرسال الأموال إلى مقتدى الصدر وجيش المهدي وكانت تتراوح بين 750 ألفا إلى مليون دولار شهريا كدعم للعمليات.

يقول الخزعلي إن مقتدى الصدر كان قلقا جدا من أن تؤدي هذه الأموال إلى التأثير على استقلالية جيش المهدي لذلك طلب من الإيرانيين التالي: سأقبل الأموال بشرط عدم تدخل إيران أو الحرس الثوري في عملياتنا.

وافقت إيران، يضيف الخزعلي، على ذلك الشرط وظلت العلاقة بين الصدر والإيرانيين حذرة.

ويشير الخزعلي إلى أن الأموال كانت تسلم مباشرة للصدر وهو من يقرر أين تصرف.

لكنه يؤكد أن نحو 50 بالمئة فقط من تلك الأموال كانت تصرف على جيش المهدي والعمليات التي يقوم بها، فيما لم تشر الوثائق أين تذهب باقي الأموال.

الصدر والمشروع الإيراني 

يواصل الخزعلي اعترافاته بشأن تفاصيل علاقة الصدر مع الإيرانيين ويشير إلى أن الإيرانيين كانوا يعتقدون أن مشروعهم المقبل في العراق مرتبط بشكل وثيق بمقتدى الصدر.

"لقد ركزت إيران سابقا على محمد باقر الحكيم، لكن فيلق بدر ليس قويا مثل التيار الصدري و لا يمتلك حجما كبيرا في الشارع يمكنه من البقاء على المدى الطويل" يتابع الخزعلي.

فأعضاء منظمة بدر سيكونون في الحكم ويدخلون في مؤسسات الدولة بمرور الوقت، لكن الصدر يمكنه أن يوفر آلاف المقاتلين لدعم القضية الإيرانية وكذلك يوفر الدعم السياسي للإيرانيين وأهدافهم.

في وثيقة أخرى يعود تاريخها إلى الـ25 من مارس 2007، قدم الخزعلي معلومات عن العقود والتعاملات المالية لمقتدى الصدر وأعضاء التيار الصدري الذين يعملون في الحكومة و البرلمان العراقي.

يقول الخزعلي إنه عندما استحوذ الصدر على بعض الوزارات بعد الانتخابات العامة الأخيرة، تم إبرام صفقات كبيرة عبر هذه الوزارات التي يسيطر عليها أعضاء في التيار الصدري.

ويضيف أن العقود كانت تبرم حتى في حال كانت الصفقات غير مفيدة للوزارة، وكان الغرض منها الحصول على أموال لصالح أعضاء التيار الصدري بشكل شخصي.

ويؤكد أن بعضا من هذه الأموال كانت تذهب إلى مكتب الصدر في النجف.

في 20 مارس 2007 سأل المحققون الخزعلي عن سبب انفصاله عن جيش المهدي وهل حصل ذلك لأسباب مالية تتعلق برغبته في الحصول على دعم مباشر من إيران.

أجاب الخزعلي أن أسباب الانشقاق الأولية كانت مالية، لكن الانفصال التام حدث لأسباب آيديولوجية.

يضيف الخزعلي في اعترافاته أن الصدر والميليشيات التابعة له كانت تحصل على أموال إضافية، غير تلك التي تحصل عليها من إيران، من الأعمال غير القانونية وعمليات الخطف التي تقوم بها.

كما قدم الخزعلي معلومات عن مكاتب مقتدى الصدر والأماكن التي غالبا ما يتواجد فيها هو أو عناصر جيش المهدي في النجف أو يعقدون اجتماعات مهمة فيها.

وتم رفع السرية عن تقارير استجواب الخزعلي في أبريل عام 2018، وكانت صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية أول من نشر تفاصيلها في أغسطس من العام ذاته.

الميليشيات الوقحة

وليس من الغريب أن توتر العلاقة بين مقتدى الصدر ومساعده وحليفه السابق قيس الخزعلي.

فمنذ انفصال الخزعلي، الذي كان دائم الظهور خلف مقتدى الصدر، بدأ زعيم التيار الصدري بتوجيه نقد لاذع للفصائل الشيعية المسلحة المقربة من إيران، وأطلق عليها مرارا وصف "الميليشيات الوقحة" في إشارة إلى ميليشيا "عصائب أهل الحق".

وفي ديسمبر 2017 ظهر الخزعلي في لقطات تلفزيونية وهو يستهزئ بتوصيفات الصدر وقال "نعم نحن الميليشيات الوقحة، لكن وقاحتنا مع الحق ضد الباطل".

في الخامس من يناير 2012 قال مقتدى الصدر، في رد نشر على موقعه على الإنترنت على سؤال بشأن التكهنات الخاصة بانضمام عصائب أهل الحق إلى الحكومة، إن أياديهم جميعا مخضبة بدماء العراقيين وإنه يجب تحميلهم المسؤولية واستئصال شأفتهم.

وبدأ فصيل الخزعلي كجماعة منشقة عن جيش المهدي وهي قوة شكلها الزعيم الشيعي المناهض للولايات المتحدة مقتدى الصدر بعد عام 2003.

واعتقلت القوات الأميركية الخزعلي عام 2007 للاشتباه بدوره في الهجوم على مجمع حكومي في مدينة كربلاء نتج عنه مقتل خمسة جنود أميركيين.

تم تسليم الخزعلي للسلطات العراقية في أواخر 2009 بعدما تعهد بأن الميليشيا التي يقودها ستتخلى عن السلاح، وأطلق سراحه بعد ذلك بفترة قصيرة خلال فترة حكم رئيس الوزراء العراقي الأسبق نوري المالكي.

دول الخليج تخشى على مصالحها الاقتصادية - أرشيفية
دول الخليج تسعى إلى منع التصعيد بين إسرائيل وإيران

في الوقت الذي تتسارع فيه الخطوات الطموحة لدول الخليح، سعيا لتنويع مصادر دخلها بعيدا عن الوقود الأحفوري، تتزايد الأحداث في المنطقة تعقيدا، في ظل المخاوف من توسع رقعة الصراع الذي بدأ بين حركة حماس وإسرائيل، ووصل إلى المواجهة المباشرة بين الأخيرة وإيران.

وتعمل دول الخليج جاهدة في محاولة لاحتواء التصعيد بين إسرائيل وطهران، في محاولة لحماية أمنها وسياساتها الاقتصادية الطموحة، المهددة خصوصًا بالتصعيد العسكري الأخير بين إيران وإسرائيل، وفق محللين تحدثوا لفرانس برس.

وتقع الدول الغنية بموارد الطاقة في الخليج العربي على الضفة المقابلة للأراضي الإيرانية، حيث أُطلقت مئات الصواريخ والمسيّرات ليل السبت الأحد باتجاه اسرائيل، ردًا على هجوم استهدف قنصلية طهران في دمشق ونُسب إلى إسرائيل، وأدى إلى مقتل 7 من أفراد الحرس الثوري.

وتمكنت الدفاعات الجوية الإسرائيلية بمساعدة الولايات المتحدة وحلفاء آخرين، من اعتراض القسم الأكبر من الصواريخ والمسيّرات.

ويرى الخبير في شؤون الشرق الأوسط في جامعة "كينغز كوليدج" في لندن، أندرياس كريغ، أن دول الخليج تتشارك "إدراكًا عامًا بأن الصراع مضرّ للأعمال، وأن تجنب النزاع أصبح الآن أمرًا ضروريًا مهما كلّف الثمن".

وبعد الهجوم الإيراني على إسرائيل، أجرى قادة دول الخليج اتصالات دبلوماسية مكثّفة، وفق وكالة فرانس برس. 

وتحدث أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، الإثنين، مع الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، عن "ضرورة خفض كافة أشكال التصعيد، وتجنب اتساع رقعة الصراع في المنطقة"، حسب بيان للديوان الأميري.

وكان رئيس دولة الإمارات، الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، قد ناقش، الأحد، مع كل من الشيخ تميم، وملك الأردن عبد الله الثاني، والعاهل البحريني حمد بن عيسى آل خليفة، "تطورات الأوضاع في المنطقة"، وفق ما أفادت وكالة أنباء الإمارات "وام". 

وتحدث ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، مع رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، حسب وزارة الخارجية السعودية.

وأجرى كل من رئيس الوزراء القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، ووزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، محادثات هاتفية مع نظيرهما الإيراني حسين أمير عبداللهيان، في حين تواصل وزيرا الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان، والكويتي الشيخ فهد اليوسف الصباح، مع نظيرهما الأميركي لويد أوستن، وفق وسائل إعلام رسمية.

وعقد وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي، الإثنين، اجتماعًا استثنائيًا في هذا الصدد.

"كثرة الأهداف"

ويضع التصعيد الأخير الكثير من الأمور على المحك بالنسبة للدول النفطية الست، التي يستضيف أغلبها منشآت عسكرية أميركية.

ويعتمد تحقيق أهداف خططها باهظة التكلفة، الرامية لتنويع اقتصاداتها، على ضمان السلام والأمان لازدهار الأعمال والسياحة في مرحلة ما بعد الوقود الأحفوري.

والسعودية، أكبر مُصدّر للنفط الخام في العالم، هي أكثر الدول الخليجية إنفاقًا في هذا المجال، إذ استثمرت مئات مليارات الدولارات لبناء مدن جديدة ومعالم ترفيهية، ضمن خطة إصلاحات اقتصادية واجتماعية طموحة تعرف باسم "رؤية 2030" أطلقها ولي العهد.

ويقول المحلل السعودي المقرب من الديوان الملكي، علي الشهابي، لوكالة فرانس برس، إن "الأولوية القصوى بالنسبة للسعودية هي عدم تصاعد الأزمة".

ويوضح أنه في حال تعرضت إيران لهجوم، قد "تميل (طهران) إلى الرد في دول مجلس التعاون الخليجي، نظرًا لقربها (الجغرافي)، وكثرة الأهداف التي تصعب حمايتها".

وسبق أن تعرضت السعودية والإمارات بين عامي 2019 و2022 لهجمات شنها المتمردون الحوثيون في اليمن، المدعومون من إيران، في خضم نزاعهم المتواصل منذ أكثر من عقد من الزمن مع الحكومة اليمنية الشرعية المدعومة من تحالف عسكري تقوده السعودية.

ويضيف الشهابي: "أدركت إيران للتو مدى صعوبة استهداف إسرائيل الواقعة على بعد آلاف الأميال، لكن دول مجلس التعاون بقربها وحجمها الهائل مقارنة بإسرائيل، هي قصة أخرى".

ولعل استئناف الرياض علاقاتها مع طهران العام الماضي بعد قطيعة طويلة، أمر ينعكس إيجابا على المملكة، بالإضافة إلى قدرتها على التأثير على واشنطن التي تسعى جاهدة لدفع المملكة إلى الاعتراف بإسرائيل، كما فعلت الإمارات والبحرين.

وتسببت حرب غزة التي اندلعت في السابع من أكتوبر الماضي بعد هجوم حركة حماس، بعرقلة جهود الوساطة الأميركية للتوصل إلى تطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل.

ويقول الباحث المتخصص في السياسة الخارجية السعودية في جامعة برمنغهام البريطانية، عمر كريم: "ستضغط السعودية بالطبع على الولايات المتحدة لتضغط بدورها على إسرائيل لوقف إطلاق النار في غزة، وعدم الرد على الهجمات الإيرانية".

"لا خيارات جيدة"

على خطّ موازٍ، تبقى سلطنة عُمان المقربة من إيران، وسيطًا أساسيًا، وكذلك قطر التي تقيم علاقات جيدة مع كل من الولايات المتحدة وإيران، أدت إلى التوصل الى اتفاق لتبادل سجناء بينهما وتحويل أرصدة كانت مجمدة لطهران العام الماضي.

ويرى كريغ أن "قطر مميزة جدًا بسبب قاعدة العُديد"، وهي أكبر قاعدة عسكرية أميركية في الشرق الأوسط، مشيرًا إلى أن الدوحة ستواصل على الأرجح "القول للأميركيين إنهم لا يستطيعون استخدام مجالها الجوي، ولا قواعدهم (الموجودة على أراضيها) لشن هجمات على إيران".

ويعتبر أن "هذا الأمر سيصعب على الولايات المتحدة مساعدة إسرائيل فعليًا في ضربة هجومية محتملة داخل إيران".

وجددت واشنطن تأكيدها على دعمها "الصارم" لإسرائيل، مؤكدة في الوقت نفسه أنها لن تشارك في أي هجوم إسرائيلي مضاد محتمل ضد إيران.

بعد "فشل الهجوم الإيراني".. ما حسابات الرد الإسرائيلي وخيارات طهران؟
تمكنت إسرائيل من صد الهجوم الإيراني "غير المسبوق"، بفضل نظام الدفاع الجوي الإسرائيلي المتطور والمساعدات الحاسمة التي قدمتها الولايات المتحدة وغيرها من الشركاء الغربيين والعرب، لكن "التصعيد المرتقب" بين الجانبين قد يحمل "تداعيات خطيرة"، وفق تقرير لصحيفة "وول ستريت جورنال".

وبحسب كريم، فإن أي "تدهور إضافي لن يترك خيارات جيدة لدول الخليج".

ويقول: "بالتأكيد كلما انتهى هذا الصراع مبكرًا، كلما كان ذلك أفضل لكافة دول الخليج. الصراع يخلق بشكل متزايد توازنًا إقليميًا جديدًا للقوى.. مع إسرائيل المدعومة من الولايات المتحدة من جهة، وإيران ووكلائها من جهة أخرى. وتكافح دول الخليج من أجل المكانة والتأثير السياسي".

ويتابع: "بالتالي، فإن التصعيد يضع الخليجيين في موقف صعب للغاية، لأنهم لا يريدون الوقوف مع أي من المعسكرين لكنهم سيتأثرون بغض النظر عن كل شيء".