العالم لايزال يترقب ما ستقوم به طالبان ومدى إمكانية أن تغير شكلها الذي ظهرت عليه خلال ولايتها الأولى على أفغانستان
العالم لايزال يترقب ما ستقوم به طالبان ومدى إمكانية أن تغير شكلها الذي ظهرت عليه خلال ولايتها الأولى على أفغانستان

لا يزال الجدل قائما بشأن إمكانية عودة أفغانستان للاندماج في المجتمع الدولي بعد سيطرة حركة طالبان على مقاليد الحكم في هذا البلد، في ظل مساع تقوم بها بعض الدول، ومنها قطر وباكستان والصين، للمضي قدما في هذا المشروع.

خلال الأيام القليلة الماضية حثت قطر وباكستان في مناسبات عدة المجتمع الدولي على عدم مقاطعة أفغانستان تحت حكم طالبان، وكذلك أبدت الصين مواقف مماثلة في هذا الخصوص.

و لايزال العالم يترقب ما ستقوم به طالبان ومدى إمكانية أن تغير شكلها الذي ظهرت عليه خلال ولايتها الأولى على أفغانستان بين عامي 1996 و 2001 عندما كانت تفرض حكما صارما يعتمد على الشريعة ويحظر خروج المرأة والموسيقى والتصوير والتلفزيون وحتى ألعاب الأطفال.

يقول رئيس المركز الأفغاني للإعلام والدراسات عبد الجبار بهير إن "حركة طالبان تمتلك علاقات طيبة مع الصين، وبالتالي ترى بكين أن تمتع (طالبان) بعلاقات طبيعية مع باقي دول العالم سيفتح المجال أمامها للاستفادة اقتصاديا من خلال بعض المشاريع والاستثمارات".

ويضيف بهير في حديثه لموقع "الحرة" أن "باكستان والصين لديهما علاقات متينة، وبالتالي تحاول إسلام آباد الضغط والاستفادة من تلك العلاقات لصالح طالبان".

"كذلك تمكنت قطر من بناء أواصر متينة مع طالبان من خلال لعبها لدور سياسي واضح في السابق ساهم في المفاوضات التي أقامتها طالبان مع الولايات المتحدة"، وفقا لبهير الذي أشار إلى أن الدوحة لا تريد أن تخسر ذلك كله في حال استمرت القطيعة الدولية لنظام حكم طالبان.

ويتفق الكاتب والصحفي الأفغاني زمرالاي أباسين مع هذا الطرح، ويرى أن قطر وباكستان والصين يعتبران من الحلفاء المقربين لطالبان، وخصوصا في السنوات الأخيرة.

ويضيف أباسين في حديث لموقع "الحرة" أن "الجميع يعلم أن قطر هي من رعت المفاوضات بين الحركة والولايات المتحدة في الدوحة، وبالتالي هناك مصالح متبادلة بين الطرفين في السابق وحاليا وبالتأكيد مستقبلا".

في الخطاب الذي ألقاه عبر الفيديو أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة السبت، أشار رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان إلى أن طالبان وعدت باحترام حقوق الإنسان وتأليف حكومة شاملة منذ سيطرتها على البلاد الشهر الماضي، رغم خيبة الأمل العالمية في الحكومة الموقتة التي شكلتها الحركة.

وقال خان "إذا قام المجتمع الدولي بتحفيزها وشجعها على المضي قدما في هذا الحوار، سيكون الوضع مربحا للجميع".

كذلك، دافع خان عن موقف بلده، الداعم الرئيسي لنظام طالبان بين عامي 1996 و2001 الذي فرض تفسيره المتشدد للشريعة الإسلامية وأوى تنظيم القاعدة، ما أدى إلى الغزو الأميركي لأفغانستان عقب هجمات 11 سبتمبر 2001.

واقترح وزير الخارجية الباكستاني شاه محمود قريشي في مقابلة مع وكالة "أسوشيتد برس"، الأربعاء، أن يطور المجتمع الدولي خارطة طريق تؤدي إلى الاعتراف الدبلوماسي بحركة طالبان، مع حوافز إذا استوفت متطلباتها ثم الجلوس وجها لوجه والتحدث مع قادتها.

وأضاف أن "وفاء الحركة بوعودها يسهل حصولها على الاعتراف الدولي".

والثلاثاء الماضي دعا أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني إلى "ضرورة استمرار الحوار مع طالبان"، مضيفا خلال كلمة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة أن "المقاطعة لا تؤدي إلا إلى الاستقطاب وردود الفعل، في حين أن الحوار يمكن أن يأتي بنتائج إيجابية".

بالمقابل طالبت الصين بإنهاء العقوبات الاقتصادية على أفغانستان ورد احتياطاتها بالعملات الصعبة، التي "لا يجب استخدامها كورقة مساومة لممارسة ضغط سياسي".

لكن ومع ذلك يشير أباسين إلى أنه "عندما يكون هناك حديث عن العلاقات الدولية والمجتمع الدولي والاعتراف الدولي، فلا أعتقد أن هذا الدعم الذي تتلقاه طالبان من الدول الثلاث (قطر وباكستان والصين) سيلعب دورا محوريا في الحصول على الاعتراف".

بعد شهر من سيطرتها على البلاد عقب هجوم خاطف في أفغانستان، أكملت حركة طالبان هذا الأسبوع تشكيل حكومتها المؤقتة.

ولا يزال القلق يسود بين الأفغان والمجتمع الدولي من أن الإسلاميين المتشددين يتجهون نحو فرض السياسات الوحشية نفسها ضد النساء والمعارضين التي تبنوها في فترة حكمهم السابقة.

ويعتبر احترام حقوق الإنسان وإعطاء حقوق النساء من أكثر المجالات التي يترقبها المجتمع الدولي في سياسة طالبان المقبلة، بالإضافة لمسائل أخرى تتعلق بالإرهاب، وفقا لأباسين.

وتابع أن "موضوع الاعتراف ليس بيد الصين وباكستان وقطر، وانما تسيطر عليه دول عظمى كالولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا".

ويشير إلى أن الأمور ستكون صعبة بالنسبة لطالبان، لأن الأمر بالنهاية يعتمد عليها هي بالذات، كيف سيكون شكل علاقتها بالولايات المتحدة والدول الغربية؟ وأيضا موضوع قطع علاقاتها بالجماعات الإرهابية العالمية والمتشددين سيكون مهما".

تقول طالبان إنها فعلت ذلك، بحسب أباسين، "لكن العالم ينتظر الآن أن يرى ذلك يتحقق فعليا على الأرض".

ويبين "هم يريدون الاعتراف وأن يكونوا جزءا من المجتمع الدولي، لكن إذا كان هناك أي شخص يتوقع أن تكون حكومة طالبان حكومة على الطراز الحديث على المدى القصير أو المتوسط سيكون هذا خاطئا، لأنهم من غير الممكن أن يغيروا الأيدولوجية التي يتبعونها بهذه السهولة".

قالت الحركة منذ سيطرتها على البلاد في 15 أغسطس، إنها ستحترم حقوق المرأة بما يتماشى مع الشريعة الإسلامية، دون الخوض في التفاصيل. وخلال فترة حكمها الأخيرة، أُجبرت النساء على ارتداء البرقع ومنعتهن من العمل أو الدراسة إلا في حالات نادرة.

وطُلب من معظمهن عدم العودة إلى العمل حتى تضع طالبان "أنظمة جديدة" فيما بقي بعضهن في المنزل خوفا من هجمات انتقامية في المستقبل كونهن نسوة عاملات.

وسمح للفتيات بالذهاب إلى المدارس الابتدائية لكن لم يسمح للأكبر سنا بارتياد المدارس الثانوية، حيث تقول طالبان إن جميع هذه الإجراءات مؤقتة.

ويرى عبد الجبار بهير أن "الحركة تواجه اليوم ظروفا اقتصادية قاسية وأزمة إنسانية مرتقبة، لإنها غير قادرة على توفير رواتب الموظفين".

ويعتقد أن "تغييرات جذرية ستطرأ على مواقف حركة طالبان خاصة في ما يتعلق بالحريات والحقوق المدنية لأن الواقع الداخلي والخارجي يفرض عليها ذلك".

ويختتم بالقول "في ظل الضغوط الدولية وفي ظل الواقع الحالي الذي تعيشه أفغانستان من تراجع اقتصادي، لا يمكن لطالبان إلا المضي قدما وتقديم التنازلات للمجتمع الدولي".

جنود أوكرانيون في خط المواجهة على حدود منطقتي خاركيف ولوغانسك في 3 نوفمبر 2022
جنود أوكرانيون في خط المواجهة على حدود منطقتي خاركيف ولوغانسك في 3 نوفمبر 2022

على الرغم من علم أوكرانيا بنوايا روسيا لشن هجوم صيفي، إلا أنها لم تكن متأكدة من الموقع الذي ستنطلق منه القوات الروسية. ومع اجتياح هذه الأخيرة للمنطقة الحدودية شمال مدينة خاركيف في العاشر من مايو، فقد بدأت ملامح الخطة الروسية في الاتضاح، وفقا لهيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي". 

ومنذ نحو أسبوع، تمكنت روسيا من السيطرة على عدة قرى قرب الحدود وسط محاولاتها المستمرة للتقدم، بينما تسعى القوات الأوكرانية التي تعاني من نقص في التسليح، جاهدة لصد الهجوم.

إقامة منطقة عازلة أم توسيع السيطرة

وكشف محللون عسكريون لـ"بي بي سي"، أنه بعد سيطرة القوات الروسية على مدينة فوفتشانسك الواقعة على بعد 5 كيلومترات داخل الحدود الأوكرانية، وتوسيعها لنفوذها على حيز كبير من الأراضي المحيطة بمدينة خاركيف، قد تسعى إلى تأسيس منطقة عازلة تحمي حدودها من أي هجمات أوكرانية محتملة.

ورجح محللون أن تكون لموسكو خطط "أكثر طموحا بكثير"، بعد أن شاهدوا الحالة السيئة نسبيا لدفاعات أوكرانيا.

ومنذ فترة، يتحدث الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن إنشاء "منطقة عازلة" التي ستحمي منطقة بيلغورود الجنوبية من هجمات الطائرات بدون طيار والصواريخ وأيضا من التوغلات التي تنفذها اثنتين من القوات شبه العسكرية الروسية المعارضة للكرملين والتي تتمركز في أوكرانيا.

وصرّح سيرجي شويغو، الذي تولى مؤخرا منصب رئيس مجلس الأمن الروسي، بأن القوات الروسية تحرز تقدما على كافة الجبهات دون الخوض في التفاصيل.

وقد تنطوي تصريحات شويغو على احتمالية توغل روسي أعمق في الأراضي الأوكرانية، سواء بهدف دفع كييف إلى سحب قواتها من خط المواجهة الساخن في دونباس شرق البلاد، أو للاستيلاء على المزيد من المناطق الأوكرانية.

ويرجح معهد "دراسة الحرب" أن الهدف الأساسي للعملية العسكرية الروسية هو إنشاء منطقة عازلة على الحدود، وهو ما يتفق معه المحلل العسكري الروسي، أناتولي ماتفيتشوك.

وتتقدم القوات الروسية أيضا باتجاه قرية ليبتسي التي تقع على مسافة 20 كيلومترا من الضواحي الشمالية لمدينة خاركيف. ويقول ماتفيتشوك: "بإمكاننا رؤية ضواحي خاركيف عمليا باستخدام المناظير". 

وفقا لتقديرات كيريلو بودانوف، رئيس الاستخبارات العسكرية الأوكرانية، فإن روسيا تعتزم شن هجوم آخر عابر للحدود باتجاه مدينة سومي الواقعة في شمال غرب أوكرانيا. 

ويعتقد بودانوف أن "مجموعة صغيرة من القوات" الروسية تتركز في تلك المنطقة وجاهزة للتحرك والمضي قدماً في الهجوم المرتقب.

وبحسب الهيئة البريطانية، فإن المستجدات الأخيرة، تشير إلى أن الهدف الروسي المقبل قد يكون السيطرة على خاركيف، ثاني أكبر مدن أوكرانيا، وإخضاعها للسيطرة الروسية.

هل خاركيف معرضة للخطر؟

وقبل اندلاع الحرب، كان عدد سكان مدينة خاركيف يبلغ 1.4 مليون نسمة، مما يجعلها ثالث أهم مدينة في أوكرانيا من الناحية الاقتصادية بعد العاصمة كييف ومدينة دنيبرو.

ونظرا لقربها الشديد من الحدود، تفتقر خاركيف إلى دفاعات جوية كافية، وقد تعرضت مرارا لقصف روسي مدمر بصواريخ باليستية وصواريخ مضادة للطائرات معدلة وقنابل انزلاقية.

ويرى المحلل العسكري ماتفيتشوك، أن سيطرة روسيا على خاركيف ستشكل "نقطة تحول" في مسار الحرب، وستوجه ضربة قوية للقدرات الصناعية الأوكرانية.

لكن هذا السيناريو يبدو مستبعدا إلى حد كبير، إذ أن المراقبين الأوكرانيين والغربيين على قناعة بأن روسيا تفتقر إلى الموارد اللازمة لتحقيق ذلك. 

وخلال زيارة له إلى خاركيف، أكد الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي أن الوضع في المنطقة "تحت السيطرة بشكل عام"، رغم أن الأوضاع لا تزال بالغة الصعوبة.

من جانبه، يقول أولكساندر موسيينكو، رئيس مركز الدراسات العسكرية والسياسية في كييف، إن "الاستراتيجية الروسية تهدف إلى محاصرة خاركيف باعتبارها مركزا إقليميا".

وبهذه الطريقة، لن يقتصر الأمر على إنشاء منطقة عازلة بعمق 10-15 كم فحسب، بل سيتيح ذلك لروسيا خيار مهاجمة خاركيف في وقت لاحق.

ويشير المدون العسكري الأوكراني، يوري بوتوسوف، إلى ارتكاب العديد من الأخطاء في الدفاع عن الحدود. والآن، بعد أن رأت القوات الروسية ضعف خطوط الدفاع الأوكرانية، قد تسعى إلى إنشاء منطقة عازلة ورأس جسر للتوغل بشكل أعمق في الأراضي الأوكرانية، مؤكداً: "هذا هو هدفهم بكل تأكيد".

روسيا تركز على الشرق

وعلى مدى عدة أشهر، استمرت الحرب بوتيرة بطيئة، حيث حققت القوات الروسية مكاسب طفيفة بتكلفة بشرية باهظة، لا سيما في منطقة دونيتسك الشرقية.

ويرى جاك واتلينغ من "المعهد الملكي للخدمات المتحدة"، أن الهدف الأساسي من الهجوم الصيفي هو "توسيع نطاق التقدم الروسي في دونباس"، بغية قطع خطوط الإمداد ومنح القوات الروسية طريقا للتقدم شمالا وجنوبا.

وبعد ثلاثة أشهر من السيطرة على أفدييفكا، وضعت القوات الروسية نصب أعينها أهدافا أخرى في منطقة دونيتسك إلى الشمال الغربي، بما في ذلك بلدة تشاسيف يار الاستراتيجية الواقعة على قمة تل.

وبحسب روب لي من معهد "أبحاث السياسة الخارجية"، فإن القوات الأوكرانية التي كانت متمركزة في تشاسيف يار نُقلت على الأرجح إلى خاركيف، مما أدى إلى تقليص عدد الوحدات المتاحة هناك.

وأضاف أن "خسارة تشاسيف يار ستجعل المدن الأوكرانية في دونباس أكثر عرضة للهجوم الروسي".

ومن خلال إجبار أوكرانيا على تخصيص قوات ودفاعات جوية ومدفعية للدفاع عن ثاني أكبر مدنها، سيتم الضغط أيضا على خط الجبهة الجنوبي بالقرب من نهر دنيبرو، مما يشكل تهديدا لمدينة زابوريجيا الكبيرة جنوب شرق البلاد.

واستولت القوات الروسية بالفعل على قرية جنوبية واحدة كانت أوكرانيا قد استعادتها الصيف الماضي. وحتى لو كانت أوكرانيا لا تزال تسيطر على قرية روبوتين، فمن الواضح أن الهجوم الروسي في الشمال يضع ضغطا هائلا على القوات الأوكرانية التي تعاني من نقص العدد في مناطق أخرى.