كان تقرير أممي في 2018 خلص إن مساعدات إنسانية جرى تبادلها مقابل الجنس في سوريا
كان تقرير أممي في 2018 خلص إن مساعدات إنسانية جرى تبادلها مقابل الجنس في سوريا

من تجمع مخيمات "مشهد روحين" للنازحين السوريين في الريف الشمالي لمدينة إدلب، خرجت قصصٌ لـ"نساء أرامل" تعرضن للتحرش والابتزاز الجنسي من قبل موظفين في المجال الإنساني، وورد ذكرها بناء على شهادتين في تقرير نشره "المرصد السوري لحقوق الإنسان". 

وجه المرصد اتهامات لمنظمتين إنسانيتين هما "إحسان الإنسانية" و"رحمة الإنسانية" بوقوف موظفين فيهما وراء تلك الممارسات، والتي لم تكن آنية بل تعود إلى فترات سابقة، حسب قوله، مشيرا إلى أن "ضحاياها" نساء يقمن في "مخيم الأرامل"، الواقع ضمن تجمع المخيمات غربي مدينة الدانا بريف إدلب. 

ومخيمات "مشهد روحين" مخصصة لنازحي مدينة معرة النعمان، وسميت بهذا الاسم نسبة للقرية التي تقع فيها (مشهد روحين)، وإلى جانبها هناك مخيمات أخرى لنازحين من ريف حماة الشمالي والغربي ومناطق أخرى من إدلب. 

وقال المرصد في تقريره إن نشطاءه رصدوا حدوث 5 حالات تحرش خلال الفترة الممتدة ما بين شهر أبريل من العام الفائت وحتى تاريخ 26 من الشهر الحالي، مضيفا: "من بين الضحايا السيدة (م.ح – 40 عاما) من مدينة معرة النعمان في ريف إدلب الجنوبي، والتي تقطن في المخيم برفقة 2 من أطفالها".

وإلى جانبها السيدة "أ.ع – 38 عاما" من بلدة معرشورين في ريف إدلب الجنوبي، وبحسب تقرير المرصد فقد سُجلت حالات التحرش والاستغلال الجنسي في أثناء توزيع المساعدات الإنسانية على تلك النساء، وتطورت فيما بعد إلى عمليات ابتزاز وتهديد عبر تطبيقات التواصل الاجتماعي.

حالة وثقتها الأمم المتحدة

الحديث عن حالات التحرش والابتزاز الجنسي في مخيمات النازحين وأيضا اللاجئين السوريين في دور الجوار ولاسيما في لبنان والأردن ليست بجديدة، وهو الأمر الذي سبق وأن تطرقت إليه الأمم المتحدة في تقارير سابقة.

وأجرى صندوق الأمم المتحدة للسكان تقييما للعنف القائم على نوع الجنس في سوريا، في عام 2018، وخلص إلى أن "المساعدات الإنسانية يجري تبادلها مقابل الجنس في مختلف المحافظات في البلاد".

وسلط التقرير الذي جاء تحت عنوان "أصوات من سوريا 2018" على أمثلة من النساء والفتيات اللواتي تزوجن مسؤولين لفترة قصيرة من الزمن لتقديم "الخدمات الجنسية"، مقابل الحصول على الطعام.

وأوضح أن الكثير من موزعي المساعدات الإنسانية يطلبون أرقام هواتف النساء والفتيات، ويعرضون إيصالهن لمنازلهن بسياراتهم مقابل الحصول على شيء في المقابل، أو يعرضون الحصول على معونات غذائية مقابل زيارتهن في منازلهن، وقضاء ليلة معهن.

ومنذ سنوات لم تسجل بشكل رسمي أية حالة تحرش تعرضت لها النساء في مخيمات الشمال السوري من قبل موظفي المنظمات الإنسانية، والتي تمارس أنشطتها في مناطق متفرقة ما بين محافظة إدلب وريفها وريفي حلب الغربي والشمالي. 

لكن وفي مقابل ذلك تتناقل تقارير إعلامية بين الفترة والأخرى معلومات تتعلق بمحاولات التحرش والابتزاز الجنسي، وتقول إن الحالة العامة الخاصة بالنازحين تغذيها بشكل أكبر، خاصة أن العيش ينحصر ضمن خيمة ضيقة ومكشوفة الأطراف، مع انعدام الخصوصية وفي ظل أوضاع مأساوية ونقص كبير في الاحتياجات الإنسانية. 

"بين عشوائية ومنظمة"

ويبلغ أعداد النازحين السوريين في الشمال السوري نحو 2.1 مليون نازح، من أصل أكثر من 4 ملايين سوري يسكنون مناطق سيطرة المعارضة السورية.

في حين يبلغ عدد سكان المخيمات مليونا و43 ألفا و869 نازحا، يعيشون ضمن 1293 مخيما، من بينها 282 مخيما عشوائيا أقيمت في أراض زراعية، ولا تحصل على أي دعم أو مساعدة إنسانية أممية.

ولم يستبعد نشطاء مطلعون على النشاط الإغاثي في شمال غربي البلاد حدوث حالات تحرش واستغلال جنسي في مخيمات شمال سوريا، وأشاروا في حديث لهم لموقع "الحرة" إلى أن ذلك قد يتركز بشكل أساسي في المخيمات العشوائية، والتي يغيب فيها تنظيم العمل الإنساني سواء للمنظمات الرسمية، أو تلك التي تعتمد على الأفراد وعلى "الأعمال الخيرية". 

الناشط في المجال الإنساني شمال سوريا، أحمد عنكير يقول لموقع "الحرة" حول سؤاله عن صحة التقارير المتعلقة بمحاولات الابتزاز الجنسي التي تتعرض لها النساء في مخيمات شمال سوريا: "نعم للأسف ربما تم تسجيل متل هذه الحالات سابقا لكن حتى الآن لم تؤكد من مصادر رسمية". 

ويضيف عنكير أن الضوابط الداخلية في المنظمات الإنسانية "هي تخصيص أرقام توزع مع نشرات المشاريع ويتم تعريف المستفيدين على آلية الشكوى حول أي سوء معاملة أو حتى التواصل بهدف الإبلاغ عن أي قضية تخص تنفيذ البرامج (مع الحفاظ على سرية المستفيدين ومعالجة الشكاوى)". 

ما سبق هو أمر مطبّق في المؤسسات والمنظمات الإنسانية التي تطبق معايير عالية في تنفيذ المشاريع، وتعمل بفعالية بكل أقسامها، بما فيها "قسم المراقبة والتقييم". 

ويوضح الناشط الإنساني: "لكن هناك قسم آخر من المنظمات والجمعيات الأهلية قائمة على عمل شخصي أو مجموعة أفراد".

وهذا النوع من المنظمات والجمعيات الأهلية، حسب عنكير "تعتمد نظام جمع بعض التبرعات وتوزيعها دون استمرارية أو حتى دون آليات مراقبة وتحقق". 

"قصة مختلفة"

في مقابل اتهامات المرصد حول حالات الابتزاز الجنسي والتحرش التي تعرضت لها النساء في تجمع مخيمات "مشهد روحين" كان هناك رواية أخرى من قبل الأطراف التي وجهت لها الاتهامات بشأن ضلوع أفرادها بالوقوف وراء هذه الممارسات. 

تحدث موقع "الحرة" مع مدير أحد مخيمات مشهد روحين، وقال إنهم لم يسجلوا في السابق أية حالة من هذا الأمر إطلاقا، في إشارة منه إلى حالات التحرش والاستغلال الجنسي. 

ويضيف مدير المخيم الذي يطلق عليه لقب "أبو جواد" لموقع "الحرة": "بالنسبة لمنظمة إحسان الإنسانية فهي لم تدخل إلى مخيم الأرامل التابع لمشهد روحين نهائيا، في السنوات الماضية". 

بدوره اعتبر ناشط إغاثي مطلع على أوضاع مخيمات الشمال السوري أن حالات الابتزاز الجنسي "قد تكون رائجة" في بعض المخيمات، لكنه أضاف مستدركا: "الابتزاز ليس فقط من قبل الشبان، بل من بعض النساء أيضا".

ويتابع الناشط الذي فضل عدم ذكر اسمه: "جميع المخيمات المنظمة في شمال سوريا شهدت في السنوات الماضية تدريبات وورشات حول حماية النساء. مساعدات الأمم المتحدة يخصص ما نسبته 50 بالمئة منها لهذه الإجراءات بهدف حماية الأطفال والنساء بصورة أكبر من تأمين احتياجاتهم الإنسانية". 

ويشير الناشط لموقع "الحرة": "في حال تعرضت أي امرأة للتحرش فبإمكانها تقديم شكوى. أرقام الشكاوى منتشرة في جميع المخيمات، وبإمكان أي امرأة أو شخص تقديمها في أي وقت".

"اتهامات كيدية"

وبالعودة إلى المنظمات الإنسانية التي اتهم "المرصد السوري" موظفين فيها بالوقوف وراء حالات التحرش والابتزاز الجنسي فقد تواصل موقع "الحرة" مع منظمة "رحمة الإنسانية" عبر البريد الالكتروني، ونفت بدورها ما جاء في تقرير "المرصد" واعتبرت أنه تضمن "اتهامات كيدية".

وجاء في تصريح المنظمة التي تتخذ من مدينة إسطنبول مقرا لها: "نرفض بشكل قاطع ما جاء في تقرير المرصد السوري، الذي لا يستند إلى أي مستند في صدق ما تم سرده، ونعتقد أن الهدف من هكذا تقارير هو إضعاف العمل الإنساني، وإخراجه عن سياقه في مساعدة الناس الذين تعرضوا للظلم".

وأضافت المنظمة لموقع "الحرة": "نحن مستغربون من عدم ذكر اسم الشخص الذي قام بعملية الابتزاز والاكتفاء فقط بذكر المنظمة التي يعمل بها".

وتابعت: "مع العلم أننا نعمل تحت إشراف من مديرية شؤون المهجرين، وبالتنسيق مع إدارة كل مخيم. نقدم لهم المساعدات والخدمات وفي حال قدوم أي شكوى ضد أحد من كوادرنا نقوم بمتابعة الأمر واتخاذ الإجراءات".

وفي ختام ردها أكدت "رحمة الإنسانية" أنها ترفض وتجرم أساليب الابتزاز للنساء والرجال والأطفال، على اعتبار أن ذلك "منافي لقيمنا ومبادئنا التي نحملها ونعمل بها".

لبس وجدل حول "إحسان" 

أما فيما يتعلق بالمنظمة التي ورد ذكرها في التقرير (إحسان الإنسانية) نفت مصادر من إحدى المنظمات التي تحمل هذا الاسم الاتهامات الموجهة لها، مؤكدة أن أعمالها الإنسانية لم يسبق وأن استهدفت "مخيم الأرامل" في "مشهد روحين". 

وهناك عدة منظمات إنسانية تحمل اسم "إحسان"، وهو الأمر الذي سبق وأن نتج عنه حالة التباس وجدل، كون الاتهامات كانت تستهدف جميع الجهات التي تحمل هذا الاسم، ولو بصورته المقتضبة (إحسان). 

وفي تصريحات لموقع "الحرة" أكد المكتب الإعلامي لمنظمة "إحسان للإغاثة والتنمية" أن نشاطهم الإنساني لم يستهدف مخيمات "مشهد روحين" في الفترة التي تحدث عنها "المرصد" في تقريره. 

وقال مكتب المنظمة: "قبل نفي الاتهام (وهو هام) يجب أن نصرّح بأننا نأخذ هكذا جرائم بجدية عالية جدا، سيما وأنها ترتكب ضد الفئات المحتاجة للحماية".

وأضاف: "نحن ننفي الاتهامات في حال كانت موجهة لنا، علما أن نشاطاتنا الإنسانية تنحصر في غالبيتها مع المجالس المحلية الموجودة في المنطقة، ونتيجة النزوح الأخير قدمنا خدمات في المخيمات لكنها كانت لبناء الكتل وترحيل النفايات ومشاريع إيصال المياه". 

وأشار مكتب المنظمة في سياق التصريح: "مع ذلك نحن اعتبرنا أن الحديث موجه لنا، وقمنا بواجبنا من خلال فتح تحقيقات، كما تواصلنا مع مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة من أجل التواصل مع المرصد لاستيضاح الجهات التي يتهمها بالتحديد". 

لماذا لم تقدم شكوى؟

من جانبه يقول مدير فريق "منسقو الاستجابة في الشمال السوري"، محمد حلاج تعليقا على شهادات النساء ضمن تقرير الرصد: "نحن لا ننكر عن وجود حالات، لكنها شاذة وبالنادر أن تنوجد". 

ويضيف حلاج في تصريحات لموقع "الحرة": "عند وجود إنسان ضعيف النفس لا يمكن لوم المنظمة كاملة، لأن الأخيرة وعند حصولها على أي إثبات ستتجه لفصله بشكل فوري وفتح تحقيق معه". 

ويوقّع غالبية موظفي المنظمات الإنسانية على معايير تتعلق بانتهاكات الخصوصية سواء للأطفال والنساء قبل البدء بالعمل، وبمجرد تجاوزها سيكونون معرضون للفصل الفوري.

ويتابع حلاج خلال حديثه: "في حال كان حديث المرصد صحيحا كان بإمكان النساء تقديم شكوى للمنظمة بشكل فوري مع الحفاظ على خصوصيتهن. أنا مستعد أن استلم الشكاوى في أي وقت وأحولها إلى المنظمات المتهمة، من أجل التحقيق مع الموظفين وإحالتهم أيضا إلى الجهات القضائية الموجودة في المنطقة".

وردا على ما سبق قلل مدير "المرصد السوري لحقوق الإنسان"، رامي عبد الرحمن من فعالية تقديم الشكوى من قبل النساء "الأرامل".

وقال: "سأحاول رغم أنه لا ثقة. هناك أشخاص قطعوا عنهم المساعدات بعد أن اعتقدوا أنهم هم من تحدثوا مع المرصد".

وامتنع عبد الرحمن عرض تفاصيل أكثر عن حالات التحرش والابتزاز الجنسي التي تحدث عنها في تقريره، واتهم شخصا بالوقوف ورائها يدعى (ع.ش.ع)، ويعتذر موقع "الحرة" عن عرض اسمه كاملا كونه ورد على لسان مصدر واحد ولم تؤكده مصادر أخرى.

وتابع عبد الرحمن: "ليس هناك داع لتقديم الشكوى بعد نشرها على وسائل الإعلام، المهتم بمتابعة القضية يجب عليه الذهاب إلى المخيم، وإجراء لقاءات مع النساء، وبالتالي سيصل للنتيجة التي يريدها". 

يعيش آلاف الأطفال في سوريا في ظروف خطرة وغير آمنة
تشير إحصائيات أممية إلى أن شمال غرب سوريا يضم أكثر من مليوني طفل يحتاج أغلبهم لمساعدات صحية - تعبيرية

عندما يولد الطفل ويخرج من رحم أمه تمثل صرخته الأولى إعلان قدومه إلى الحياة.

وفي حالة الطفل أصلان المقيم في شمال غرب سوريا سمعت "صرخته الأولى" مرتين، حيث "ولد مجددا"، حسبما يرى والده الذي تحدث عن حالته ما قبل وما بعد تركيب جهاز "الحلزون".

لم يكن أبو أصلان برفقه ابنه البالغ من العمر 5 سنوات حين دخل إلى تركيا قبل عشرة أيام لإجراء عملية تركيب "الحلزون"، بتنسيق من منظمة "الأمين للمساندة الإنسانية" وبأيدي أطباء سعوديين، وكان يترقب عن بعد "مكالمة على أحر من الجمر".

وعندما سمع صوت ابنه لأول مرة عبر الهاتف انتابته "مشاعر لا توصف"، كما يقول لموقع "الحرة"، ويضيف: "كنا فاقدين للأمل بالنطق أو السمع لكن وبفضل من الله انقلب كل شيء رأسا على عقب".

ذات "المشاعر التي لا توصف" انتابت أيضا صطوف نصوح والد الطفل عمر ووالد الطفلة إيمان موسى العبدو، وحسن علي درويش والد الطفل علي، الذي بات يعرف من أين يأتي الصوت ويتلقاه "بترتيب آلهي" ويستجيب له بالإشارات وأحرفه الأولى، وفق حديثه لموقع "الحرة".

وتسلط عملية زرع "الحلزون" التي أجراها وفد طبي سعودي ل30 طفلا سوريا في شمال غرب سوريا قبل أسبوعين الضوء على واقع الأطفال في المنطقة الخارجة عن سيطرة النظام السوري هناك. 

وعند الخوض بتفاصيلها وتفاصيل العائلات والأبناء ترتسم صورة مأساوية لا تخلو من "الغصّة" رغم الفرحة، وإعلان "الولادة الجديد" الذي ترجمه الطفل أصلان بجسده لا إراديا، والتقطته الكاميرات وأثار مشاعر رواد التواصل الاجتماعي، السوريين منهم والعرب.

وبحسب المسؤول في منظمة "الأمين للمساندة الإنسانية"، ياسر طراف، تشير الإحصائيات لديهم إلى وجود 700 طفل في شمال غرب سوريا بحاجة إلى إجراء عملية زراعة "حلزون".

ويوضح لموقع "الحرة" أنه من بين الرقم 320 حالة قابلة للاستجابة للجهاز الذي يتم زرعه داخل الأذن، بعد إجراء التحاليل والصور والسير بالمعايير اللازمة.

الحملة الأخيرة التي نسقتها المنظمة الإنسانية استهدفت 30 طفلا. وهؤلاء دخلوا من الشمال السوري إلى تركيا وخضعوا لعمليات زرع حلزون من قبل أطباء سعوديين.

ويشير طراف إلى وجود حملة أخرى لاحقة من المقرر أن تستهدف 30 طفلا جديدا، في شهر يونيو المقبل.

"الرحلة لم تنته"

لم تنته الرحلة بعودة السمع إلى أصلان، إذ يحتاج إلى متابعة وعملية تأهيل خاصة بالنطق كما يرى والده المقيم في محافظة إدلب، ومع ذلك يقول إن طفله "طرق باب الحياة من جديد".

ومنذ عشرة أيام (تاريخ إجراء العملية في تركيا) وحتى الآن التمست العائلة تحسنا ملحوظا، حيث يوضح والده أن أصبح قادرا على تحليل الصوت بشكل صحيح، بعدما كان يشعر بوجود الضجيج فقط في السابق.

في تسجيل مصور أرسله لموقع "الحرة" يظهر أصلان وهو يستجيب للكلمات والأحرف التي يلقنها له والده، ويقول الأخير إن أي اسم يذكر أمامه أكثر من مرة بدأ يعيد نطقه من جديد.

"فرحتي لا يمكن أن أصفها بشكل دقيق"، على حد تعبير أبو أصلان، الذي لازمته هذه العبارة في كل التسجيلات الصوتية التي أرسلها ردا على الاستفسارات المتعلقة بحالة ابنه.

ويضيف: "تخيل أن لديك طفلا يبلغ من العمر 5 سنوات ولا ينطق.. وبين يوم وليلة تغيّر كل شيء".

صطوف نصوح، والد الطفل عمر، الذي يبلغ من العمر 4 سنوات "لا يزال يعيش في حلم منذ لحظة وصول البشارة"، كما يقول لموقع "الحرة".

ورغم أنه طرق أبواب المشافي والمراكز الطبية أكثر من مرة في شمال غرب سوريا ولم يصل إلى أي نتيجة، كان يصر على "تبرءة ذمته أمام طفله"، على حد تعبيره.

ويضيف: "كنت أحرسه وأراقبه طوال الوقت خاصة أننا نعيش في مخيم.. صدمته الدراجات النارية لأكثر من مرة لأنه لم يكن يعي الأصوات التي في محيطه".

وبعد تركيب "الحلزون" ولد عمر مرة ثانية.

ويشير والده نصوح إلى وجود عدد كبير من الأطفال الصم، وأن: "هذه الحالات لا يعلم بها إلا الله وأهلها.. هم يسيرون ويمشون على الأرض بكل قواهم لكن لا يسمعونّ!".

"لا بد من وجود غصّة"

ويعيش في شمال غرب سوريا أكثر من مليوني طفل، ووفق الأمم المتحدة، فإن أكثر من 85 بالمئة منهم بحاجة إلى مساعدات وخدمات على المستوى النفسي والاجتماعي والصحي، ومجالات أخرى.

وتوضح "يونيسيف" أنه وبالعموم يحتاج ما يقارب 7.5 مليون طفل سوري إلى مساعدات إنسانية، وذلك أكثر من أي وقت مضى بعد مرور 13 عاما من الحرب في سوريا.

وذكرت المنظمة في بيان لها، مارس 2024، أن الدورات المتكررة من العنف والنزوح، والأزمة الاقتصادية الطاحنة والحرمان الشديد، وتفشي الأمراض والزلازل المدمرة تركت مئات الآلاف من الأطفال عرضة لآثار جسدية ونفسية-اجتماعية طويلة المدى.

إلى جانب عمر، الذي سمع بعد إجراء العملية، لدى صطوف نصوح طفلان اثنان أخران لم يسعفهما القدر والنصيب.

الطفل الأول عمره 17 عاما والثاني 6 سنوات، ويقول إنه عانى لكي تعود إليهما حاسة السمع، لكن دون أي نتيجة.

ويعيش أبو أصلان ذات الوضع، فيما يتعلق بطفلته الثانية سيلين، التي لا تسمع أيضا.

ويقول بنبرة تعترضها غصّة: "بنجاح عملية أصلان راودتنا فرحة وحرقة في آن واحد. أصلان بدأ ينطق وعاد للحياة وابنتي الثاني لا تزال خارج منظومة الحياة الاجتماعية". 

موسى العبدو المقيم في مدينة إدلب، وهو والد الطفلة إيمان، التي زرع لها الأطباء السعوديون "حلزون" يشير إلى أنه اختار ابنته من بين أبنائه الآخرين الذين تعترضهم مشاكل في السمع "لكونها أنثى".

ويقول لموقع "الحرة": "شعورنا لا يوصف. الحياة عادت لها. كنا نعاني كثيرا ونخشى عليها الخروج من المنزل. الآن باتت تسمع كل شيء في محيطها".

"محاصرون في الحرب"

ويشير تقرير لمنظمة "هيومان رايتس ووتش"، صدر عام 2022، إلى أن الأطفال ذوي الإعاقة المحاصرين في الحرب السورية "أكثر عرضة للأذى ويفتقرون إلى الرعاية الصحية والتعليم والمساعدات الإنسانية اللازمة لحماية حقوقهم الأساسية". 

ووفقا للأمم المتحدة، لدى قرابة 28 بالمئة من السوريين إعاقة، أي حوالي ضعف المعدل العالمي، لأسباب منها إصابات الحرب وعدم تلقي الرعاية والخدمات. 

وغالبا ما يكافح الأشخاص ذوو الإعاقة في سوريا، بمن فيهم الأطفال، للفرار من الهجمات، لا سيما بسبب الافتقار إلى الأجهزة المساعدة أو التحذيرات المسبقة الفعالة والشاملة.

وتوضح "رايتس ووتش" أن النزاع ساهم في الأزمة الاقتصادية في سوريا، وأثّر على قدرة السوريين، لا سيما الأطفال ذوي الإعاقة وأسرهم، على تحصيل حقوقهم واحتياجاتهم الأساسية، بما فيها الغذاء والمأوى. 

كما أثّر الفقر المرتبط بالنزاع، إلى جانب تدمير البنية التحتية المادية وأنظمة الدعم، على أسر الأطفال ذوي الإعاقة الذين يحتاجون إلى الرعاية الصحية، والعلاجات، والأجهزة المساعِدة، والخدمات الاجتماعية.

وما سبق أشار إليه آباء الأطفال الذين عادت إليهم حاسة السمع.

ويقول موسى العبدو إن طفلته إيمان بحاجة لاستشاريين ومختصين من أجل متابعة رحلة النطق في المرحلة المقبلة.

ويتابع: "علينا تخيل ذلك في ظل الواقع الذي نعيشه، سواء على مستوى المعيشة والصحة".

صطوف نصوح والد الطفل عمر أب لسبعة أطفال، ورغم أن "الله ينعم عليه بأكثر من مصلحة لا يجد منذ سنوات أي عمل في شمال سوريا"، على حد تعبيره.

ويقول: "الأحوال المعيشية صعبة، وخاصة بعد انقطاع الإيرادات الإنسانية عن الشمال السوري".

كما يضيف أن "الوضع بات معدوما في المخيمات بعد تضاؤل نسبة الإغاثة الإنسانية".

ويوضح ناصيف ناصيف، وهو مدرب في مجال الحماية أن الأطفال في شمال غرب سوريا يعانون من النقص في كافة الخدمات، من التعليم إلى الصحة والرفاه النفسي.

ويقول لموقع "الحرة" إن هذه الفئة هي "المتأثر الأكبر بظروف الحرب والنزوح والكوارث".

حادثة تعذيب وحشي "لا يتخيله عقل" لطفل سوري تثير ضجة في تركيا
"ممددٌ على سرير المشفى منذ يومين ولا يعي ما يجري حوله. بين ساعة وأخرى يتعرض لتشجنات عصبية حادة.. لم يستقر وضعه وهو في العناية المركزة".. هي الحالة الأخيرة للطفل السوري "أحمد.ز" بعد تعرضه لتعذيب وحشي "لا يتخيله عقل"، كما يروي والده المقيم في مدينة غازي عنتاب التركية لموقع "الحرة".

ما بعد زراعة "الحلزون"

وزراعة "الحلزون" عبارة عن جهاز يتم زرعه في الأذن الداخلية، الهدف منه مساعدة الناس الصم أو المصابين بنقص سمع حسي عصبي عالي الدرجة على السمع. 

ويقول المسؤول في منظمة "الأمين للمساندة الإنسانية"، ياسر طراف، إنهم جهزوا مركزا لتأهيل النطق في مدينة إدلب وآخر في عفرين بريف حلب.

ويضيف أن الهدف من المركزين متابعة الحالات في مراحل متقدمة، على يد أخصائيين.

وتوجد فئتان من الحالات التي من المقرر أن يستهدفها عمل المراكز، الأولى الأطفال الذين تم زرع "حلزون" في أذنهم، والثانية الأطفال الذين يعانون من ضعف السمع فقط.

ويضيف طراف أنهم، بعد الحملة الأخيرة، أطلقوا رابطا لتسجيل حالات جدد، وكانت المفاجئة بالرقم الذي وصل، حيث تجاوز 1400 وهو ما كان خارج التوقعات.

ورغم مليارات الدولارات من المساعدات، تقاعست العمليات الإنسانية في سوريا عن تحديد ومعالجة حقوق واحتياجات الأطفال ذوي الإعاقات بمختلف أنواعها بما يكفي، وفق تقرير "رايتس ووتش" في 2022.

ونقل المنظمة عن أحد موظفي الإغاثة قوله: "لم نتدرب على دعم الأشخاص ذوي الإعاقة ولا يزال معظم موظفي الإغاثة يعتقدون أن دمج الإعاقة يتمحور حول مراكز إعادة التأهيل، وبناء المنحدرات، وتوفير الكراسي المتحركة". 

ووجدت المنظمة الحقوقية أنه رغم أن بعض وكالات الأمم المتحدة، والجهات المانحة وجماعات الإغاثة بدأت في إيلاء اهتمام أكبر لاحتياجات الأشخاص ذوي الإعاقة في سوريا، فإن عمل الأمم المتحدة لمساعدة الأطفال المتأثرين بالنزاع المسلح لا يزال يتجاهل الأطفال ذوي الإعاقة بشكل كبير. 

وفي 2019 اعتمد "مجلس الأمن قرارا بشأن حماية الأشخاص ذوي الإعاقة وطلب على وجه التحديد من الأمين العام إدراج معلومات بخصوص المسائل التي تهم الأشخاص ذوي الإعاقة في النزاعات المسلحة. 

ومع ذلك، لا تتناول أي من تقارير الأمين العام للأمم المتحدة بشأن الوضع الإنساني في سوريا احتياجات الأطفال ذوي الإعاقة، حسب "رايتس ووتش".