Sudanese security forces are deployed during a protest a day after the military seized power Khartoum, Sudan, Tuesday, Oct. 26,…
مجلس الأمن يوافق بالإجماع على بيان أعدته بريطانيا وخففت روسيا من حدة وطأته

طالب مجلس الأمن الدولي، الخميس، العسكريين في السودان "بعودة حكومة انتقالية يديرها مدنيون" مبديا "قلقه البالغ حيال الاستيلاء العسكري على السلطة"، وذلك في بيان صدر بإجماع أعضائه.

وبعد مباحثات شاقة استمرت أياما، طالب البيان الذي أعدته بريطانيا وعمدت روسيا إلى التخفيف من وطأة مضمونه، باستئناف الحوار السياسي "من دون شروط مسبقة" و"الإفراج فورا" عن المعتقلين واحترام "حق التجمع السلمي".

وقتل 7 متظاهرين على الأقل في السودان منذ الاستيلاء العسكري على السلطة، الاثنين، وفق ما أعلن مدير الطب الشرعي السوداني هشام فقيري الخميس.

وكانت لجنة أطباء السودان المركزية التي قادت الاحتجاجات ضد الرئيس المخلوع عمر البشير، أعلنت سابقا مقتل أربعة "ثائرين بإطلاق نار من قوات المجلس العسكري الانقلابي" الاثنين خلال احتجاجات.

وأعلن قائد الجيش السوداني، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، الاثنين، حلّ مجلس السيادة والحكومة وفرض حالة الطوارئ. كما تضمنت قراراته حل جميع الكيانات النقابية والاتحادات المهنية. وبالتالي، تسلّم العسكر إدارة البلاد وأطيح بالمدنيين من العملية الانتقالية.

وأثار ذلك موجة احتجاج في البلاد، وانتقادات من المجتمع الدولي.
وحاول الجيش استيعاب الانتقاد الدولي عبر إعادة رئيس الوزراء المقال عبدالله حمدوك الذي كان أوقف الاثنين، إلى منزله.

لكن مكتبه قال إنه لا يزال "تحت حراسة مشددة"، مشيرا الى أن "عددا من الوزراء والقادة السياسيين لا يزالون قيد الاعتقال في أماكن مجهولة".

ومساء الأربعاء، أصدرت وزارة الثقافة والاعلام التابعة للحكومة المطاح بها والرافضة للانقلاب، بيانا نشرته على صفحتها على "فيسبوك" أشارت فيه إلى أن الانقلابيين "يمارسون أفظع الانتهاكات بحق الثوار السودانيين"، واصفة إياها بأنها "ترقى لمستوى جرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية".

وأضافت "تتم محاصرة الأحياء والشوارع بالسيارات المدرعة، والجنود المدججين بالبنادق، وتُسحل النساء، ويعتقل الأطفال ويُرمى الثوار السلميون بالرصاص الحي، ما أدى إلى سقوط عدد من الشهداء وعشرات الجرحى".

جنود سودانيون بالقرب من جنوب كردفان
جنود سودانيون بالقرب من جنوب كردفان - أرشيفية

بعد مواجهات مسلحة بين الطرفين في عدد من المناطق، أعلن الجيش السوداني والحركة الشعبية لتحرير السودان، بقيادة عبد العزيز الحلو، عن اتفاق لتوصيل المساعدات الإنسانية إلى المتضررين من الحرب، في مناطق سيطرة الحركة والجيش في ولاية جنوب كردفان وإقليم النيل الأزرق، وفق وكالة السودان للأنباء، السبت.

وجرى الإعلان عن الخطوة بعد لقاء جمع نائب القائد العام للجيش، شمس الدين كباشي، برئيس الحركة الشعبية في مدينة جوبا، عاصمة دولة جنوب السودان.

وتسيطر الحركة الشعبية على عدد من المناطق في جنوب كردفان، وسبق أن رفضت الانضمام إلى اتفاق سلام وقعته الحكومة المدنية التي تشكلت بعد سقوط نظام الرئيس السابق عمر البشير، مع عدد من الحركات المسلحة.

وبعد اندلاع الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع في 15 أبريل 2023 دخلت الحركة الشعبية في مواجهات مع الجيش واستولت على بعض المناطق الواقعة تحت سيطرته.

ترحيب وثناء

أثنت قوى الحرية والتغيير، وهي تحالف سياسي باحث عن الديمقراطية وداعم لإيقاف الحرب، بالاتفاق بين الجيش والحركة الشعبية، ووصفته بأنه "ضوء في نفق الحرب".

وقال التحالف في بيان إن "الوقت حان لاتخاذ قرار شجاع وحاسم من الجيش وقوات الدعم السريع لإنهاء المعاناة، ووقف الحرب التي يصر عليها عناصر من النظام المباد للعودة إلى السلطة".

ودعا البيان "طرفي الحرب للإيفاء بالتزاماتهما المبرمة في منبر جدة بالسعودية بما يضمن إيصال المساعدات الإنسانية وإنقاذ حياة ملايين السودانيين والسودانيات خاصة من الأطفال والنساء وكبار السن".

ووقع الجيش وقوات الدعم السريع في 11 مايو الماضي، اتفاقا في مدينة جدة، برعاية من السعودية والولايات المتحدة، ينص على "حماية المدنيين، وحماية كافة المرافق الخاصة والعامة والامتناع عن استخدامها لأغراض عسكرية".

ويحتاج نحو 25 مليونا، أي نصف عدد سكان السودان، إلى المساعدات، بينما فرّ نحو ثمانية ملايين من منازلهم بسبب الحرب، في وقت تهدد فيه المجاعة نحو 5 ملايين شخص، وفق وكالات الأمم المتحدة.

ورحب والي ولاية جنوب كردفان المكلف، محمد إبراهيم عبد الكريم بالاتفاق، ووصف الخطوة بـ"الجريئة" وقال إنها "تمثل اختراقا مهما في الملف الإنساني ومستقبل العملية السياسية".

وقال عبد الكريم في بيان إن "الخطوة تمثل بداية لعمل جاد يساعد الطرفين لتلافي خطر الأوضاع في مناطق سيطرة الحكومة والحركة الشعبية". 

بين غضب الجيش وضغط الإمارات.. لماذا صعّد السودان لهجته ضد بريطانيا؟
بعد شكاوى ومذكرات رسمية، عادت السجالات بين السودان والإمارات إلى أروقة مجلس الأمن الدولي مجددا، بينما اتهم السودان بريطانيا بأنها "غيرت أجندة جلسة مغلقة مخصصة لمناقشة شكواه ضد الإمارات، إلى مناقشة الأوضاع السودانية العامة، وأوضاع مدينة الفاشر"، وفق بيان للخارجية السودانية.

ويرى أستاذ العلوم السياسية بالجامعات السودانية، مأمون أبو زيد، أن "الاتفاق يعد أول تحرك عملي لتلافي الكارثة التي يعانيها السكان في ولاية جنوب كردفان وإقليم النيل الأزرق".

وقال أبو زيد لموقع الحرة، إن "الحرب في السودان أفرزت واقعا كارثيا في معظم ولايات البلاد، بما في ذلك التي تقع خارج دائرة المعارك، مما يحتم على القادة العسكريين والسياسيين العمل لإيجاد حلول إسعافية عاجلة".

ولفت إلى أن "الخطوة يمكن أن تؤسس لمنهج جديد يسهّل مهمة المنظمات الدولية والإقليمية التي تنشط لتقديم المساعدات إلى السودانيين المتضررين من الحرب".

وأضاف "الأطراف المنخرطة في الحرب بالسودان متهمة من قبل المجتمع الدولي بأنها تعرقل عمليات وصول المساعدات الإنسانية إلى المتضررين، وهذا الاتفاق من شأنه أن يختبر مصداقية وجدية الجيش والحركة الشعبية".

ويشير تصنيف صادر عن الأمم المتحدة إلى أن ما يقرب من 3.6 مليون طفل دون سن الخامسة، و1.2 مليون امرأة حامل ومرضعة في السودان، يعانون من سوء التغذية الحاد.

ويلفت التصنيف الذي صدر في مارس الماضي إلى أن إنتاج الحبوب في السودان كان أقل بنسبة 46 بالمئة عن العام السابق بسبب القتال في مناطق إنتاج المحاصيل الأساسية.

وأشار التصنيف إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية في الأسواق بنسبة 73 بالمئة عما كانت عليه في نفس الفترة من العام الماضي.

بدوره، يرى الباحث السياسي السوداني، مرتضى نورين، أن "مستويات الجوع والكارثة الإنسانية التي يعانيها السودانيون برهنت على أن القادة العسكريين والسياسيين ليس لديهم أدنى اهتمام بالمواطن السوداني، وأنهم يبحثون عن مصالحهم الخاصة".

وقال نورين لموقع الحرة إن "الاتفاق الذي جرى بين الجيش والحركة الشعبية تكتيكي ولن يصمد على الأرض وسينهار سريعا، لانعدام الثقة بين الطرفين، ولأنه لم يتأسس على أرضية صلبة ومتينة".

ولفت إلى أن "حكومة دولة جنوب السودان التي رعت الاتفاق تحاول أن تسوّق نفسها كلاعب مهم في تسوية الأزمة السودانية، ولذلك ضغطت على قادة الحركة الشعبية المقيمين على أراضيها، للاتفاق مع الجيش بخصوص المساعدات الإنسانية".

وأشار إلى أن "الحركة الشعبية سبق أن وقعت إعلان مبادي مع رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان، برعاية من جنوب السودان، ولم يسفر الاتفاق عن شئ، لأنه كان اتفاقا تكتيكيا مرحليا".

في مارس 2021 وقع البرهان وزعيم الحركة الشعبية، عبد العزيز الحلو إعلان مبادئ نص على "فصل الدين عن الدولة"، لكن الحركة التي تدعو إلى نظام علماني في السودان، رفعت يدها عن الاتفاق بعد أن أطاح الجيش حكومة حمدوك، وسيطر على السلطة في 25 أكتوبر 2021.

ماذا بعد؟

الترحيب الذي حازه اتفاق الجيش والحركة الشعبية بخصوص توصيل المساعدات إلى المتضررين من الحرب في جنوب كردفان والنيل الأزرق، اعتبرته أحزاب سياسية "مدخلا مناسبا" لتعميم التجربة على باقي ولايات السودان.

ويشير أبو زيد إلى أن "الاتفاق يمكن أن يؤسس لتجارب مماثلة في الخرطوم وولاية الجزيرة وإقليم دارفور، خاصة أن الأزمة الإنسانية تتصاعد بشكل مخيف، لدرجة أن بعض السكان في بعض المناطق لجأوا إلى أكل القطط والحشائش، بسبب انعدام الغذاء"، وفق تعبيره.

وأضاف "التقارير التي ترد من معسكرات النازحين ومراكز إيواء الفارين من الحرب تكشف عن واقع مفزع ومخيف، إذ يعيش أكثرية النازحين على وجبة أو أقل في اليوم".

ودعت تنسيقة القوى الديمقراطية المدنية "تقدم"، في بيان، الجيش وقوات الدعم السريع إلى العودة إلى طاولة المفاوضات في جدة، "لوضع حد لمعاناة السودانيين الذين تضرروا من الحرب".

وناشدت التنسيقية التي يقودها رئيس الوزراء السوداني السابق، عبد الله حمدوك، طرفي الحرب ضرورة "لوقف العدائيات، والتوصل إلى حل سياسي تفاوضي ينهي الحرب ويعيد تأسيس وبناء الدولة السودانية ويحقق السلام العادل والشامل".

ودعت التنسيقية طرفي الحرب، الجيش وقوات الدعم السريع، "لإزالة كافة العوائق التي تعرقل وصول المساعدات الإنسانية للمتأثرين من الحرب".

ويواجه عاملون في المجال الإنساني بالسودان مخاطر متعلقة بالسلامة الشخصية والوصول الآمن إلى المتضررين من الحرب، وفق وكالات أممية.

وأعلنت اللجنة الدولية للصليب الأحمر، الخميس، مقتل اثنين من سائقيها وإصابة ثلاثة من موظفيها بإطلاق نار من مسلحين في ولاية جنوب دارفور بغرب السودان.

وأوردت اللجنة في بيان أن فريقها "كان في طريق العودة.. لتقييم الوضع الإنساني في المجتمعات المتضررة من العنف المسلّح في المنطقة".

حصار الفاشر.. ذكريات المذابح السابقة وشبح الانقسام تُرعب السودانيين
يحاصر المقاتلون الموالون لقوات الدعم السريع السودانية، مدينة الفاشر عاصمة إقليم دارفور غربي البلاد، وذلك منذ 14 أبريل، ما خلق مخاوف هائلة من تكرار مذابح شهدها الإقليم على يد قوات "الجنجويد" التي تحولت بعد ذلك إلى الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو.

من جانبه استبعد نورين أن "يسهم اتفاق الجيش والحركة الشعبية في عودة الدعم السريع والجيش إلى طاولة التفاوض مجددا، لأن "الثقة تكاد تكون انعدمت بين الطرفين"، وفق قوله.

ولفت إلى أن "القتال بين الجيش والحركة الشعبية لا تغذيه الخلافات السياسية، أو الصراع على السلطة، لأن الحركة تسيطر على مواقع عدة لم يدخلها الجيش السوداني منذ ثمانينيات القرن الماضي، وهي مناطق تخضع لما يشبه الحكم الذاتي".

وأضاف: "لكن الصراع بين الجيش والدعم السريع تغذيه الأجندة السياسية والتنافس على السلطة، لذلك من العسير التوصل إلى أي اتفاق، حتى بخصوص القضايا الإنسانية، ما لم تتراجع الأجندة السياسية، ويتخلى السياسيون والعسكريون عن مصالحهم الضيقة، وتغليب أجندة ومصالح الشعب السوداني".

ومع تفجُّر الصراع بين الجيش وقوات الدعم السريع في 15 أبريل 2023، نشطت سريعا مبادرة من السعودية، بدعم من الولايات المتحدة، لإنهاء الحرب. ولاحقا انضم إلى المبادرة ممثلون عن الاتحاد الأفريقي والهيئة الحكومة للتنمية في شرق أفريقيا "إيغاد".

وفي يوليو 2023 استضافت مصر مؤتمر دول جوار السودان، بمشاركة عدد من الدول والمنظمات، "لبحث سبل إيقاف القتال بين الطرفين".

لكن الجهود المبذولة من لاعبيين إقليميين ودوليين لا تبدو، حتى الآن، قادرة على وضع حد للقتال بين الطرفين، فكثيراً ما تصطدم تلك الجهود بترسانة من الرفض والممانعة، من قبل أطراف "لها تأثير واضح في معادلة الصراع والغلبة القتالية"، برأي مختصين.

وأودت الحرب التي دخلت عامها الثاني، بحياة 13 ألف شخص على الأقل، وفق تقديرات "مشروع بيانات مواقع النزاعات المسلحة وأحداثها" (أكليد).

وأشار تقرير لمنظمة أطباء بلا حدود، صدر في أبريل الماضي، إلى أن 3 من كل 10 أطفال دون سن الخامسة، في مخيم زمزم للنازحين في شمال دارفور، يعانون من سوء التغذية الحاد.