منذ 2017 شهد قطاع الكهرباء توقيع ستة عقود مع شركات تركية في شمال سوريا، كان أولها في مدينة أعزاز
منذ 2017 شهد قطاع الكهرباء توقيع ستة عقود مع شركات تركية في شمال سوريا، كان أولها في مدينة أعزاز

من جرابلس والباب في الريف الشرقي لمدينة حلب السورية وصولا إلى عفرين في أقصى شمال غرب البلاد، تنشط استثمارات واسعة لشركات خاصة تركية، وتستهدف القطاعات الخدمية الأساسية التي يحتاجها المواطنون بشكل يومي، إضافة إلى قطاعات لا تدر إلا الربح، كالكهرباء والإنشاءات وأعمال البناء وغيرها. 

رواج الاستثمارات ليس وليد اليوم بل يعود إلى ثلاثة أعوام ماضية، ضمن الخطط التي وضعتها الولايات التركية ككلس وهاتاي وغازي عنتاب، وبدأت العمل بها لإدارة المناطق الخاضعة للنفوذ التركي، في منطقتي "درع الفرات" و"غصن الزيتون".

تركيا تفرض التعامل بليرتها في شمال سوريا

وحسب ما يقول مصدر مطلع لـ "موقع الحرة" فإن المناطق الحدودية الواقعة في ريف حلب السورية، ورغم أنها تتبع إداريا وخدميا لمجالس محلية سورية، إلا أن القرارات الخاصة بها لا يمكن تنفيذها، إلا بعلم وموافقة الجانب التركي. 

ويضيف المصدر أن الأشهر الماضية من العام الجاري شهدت رواجا كبيرا للشركات الخاصة التركية، والتي باتت تستحوذ بشكل أساسي على قطاع الكهرباء، من شرقي حلب إلى غربها، ضمن عقود وقعتها وأتاحت لها الدخول إلى المنطقة، وقضت بإنشاء محطات كهربائية وشبكات جديدة تصل إلى منزل كل مدني. 

آخر عقود الكهرباء التي دخلت بها شركة تركية إلى ريف حلب كانت في مدينة عفرين، والتي من المفترض أن يبدأ إيصال الشبكة إليها بشكل تدريجي، بموجب العقد الموقع مطلع العام الجاري بين المجلس المحلي لعفرين وشركة "ste energy" التركية.

"على النمط التركي" 

حسب رصد أجراه "موقع الحرة" بعد حديث مع أعضاء في المجالس المحلية في ريف حلب الشمالي، فقد شهد قطاع الكهرباء في المنطقة، ومنذ عام 2017 توقيع ستة عقود مع شركات خاصة تركية، كان أولها في مدينة أعزاز وتلتها مدن الباب وقباسين ومارع والراعي، وأخيرا ومنذ أسابيع في عفرين. 

ومن بين الشركات الخاصة: "ak energy" التي تنشط في الوقت الحالي في كل من أعزاز ومدينة الباب وريفها، بموجب العقد الذي تم وقعته في عام 2018 لأكثر من 10 سنوات، وبتكلفة مالية تفوق سبعة ملايين دولار، بالإضافة إلى "الشركة السورية- التركية للكهرباء" التي تستحوذ على استثمار الكهرباء في صوران، ودخلت مؤخرا في قرى وبلدات محيطة بها. 

ريف حلب - مظاهرة مناهضة لتركيا

لا تقتصر عقود الشركات الخاصة التركية على الكهرباء، فقد كانت قد شملت أيضا باقي القطاعات الحيوية في الشمال السوري، ولاسيما الإنشاءات والتي تفضي العقود الخاصة بها إلى إنشاء ضواحي سكنية، كضاحية قباسين السكنية، القريبة من مدينة الباب في الريف الشرقي لحلب.

وفق ما قال أحد المطلعين على تفاصيل الضاحية السكنية في تصريحات لـ "موقع الحرة"، فإن المشروع كان قد وقعه المجلس المحلي في قباسين مع شركة "جوك تورك" للإنشاءات والبناء التركية الخاصة، في يناير من عام 2018.

وحمل المشروع اسم "ضاحية قباسين السكنية"، وهو مؤلف من خمس كتل إسمنتية، ويحتوي على 225 شقة سكنية، وحوالي 30 محلا تجاريا، تمتاز بمساحات مختلفة، ومبنية على النمط التركي.

"في 2020 تغير الكثير" 

وتحدث "موقع الحرة" مع، حسين عيسى، رئيس غرفة تجارة مدينة الراعي الحدودية مع تركيا، وقال إن استثمارات الشركات الخاصة التركية تشمل الإنشاءات والبناء والمواد الغذائية، بالإضافة إلى الكهرباء ومعامل الموبيليا ومجال الوقود.

عيسى أضاف أن الكثير من التغييرات حصلت في ريف حلب الشمالي في العام الجاري، وخاصة فيما يتعلق بمجال الاستثمار والمشاريع التي دخلت بها الشركات التركية، والتي كان آخرها الاستثمارات الخاصة ببناء المدن الصناعية في كل من الراعي ومدينة الباب. 

وفي مدينة الراعي لوحدها تنشط 16 شركة خاصة تركية، حسب عيسى الذي يشير إلى أن جميعها وقع عقود استثمار في المدينة الصناعية التي يتم إنشائها في الوقت الحالي. 

"علامات استفهام"

رغم أن الاستثمارات المذكورة تصب في الإطار الخدمي والإداري لمناطق ريف حلب الشمالي، ومن شأنها أن تدفع بالمنطقة إلى محطة أكثر استقرارا، إلا أن عدة إشارات استفهام تدور في فلكها ولا توجد أجوبة لها، لاسيما المتعلقة بطبيعة العقود المبرمة والمدة الزمنية المحددة لها، عدا عن كيفية تحصيل الرسوم ومقياسها. 

مدينة أعزاز التي تعتبر من أبرز مناطق "درع الفرات" كانت قد شهدت في تموز من عام 2019 مظاهرات شعبية خرج بها المئات، احتجاجا على الأسعار الباهظة التي حددتها الشركة التركية بالليرة التركية، وذلك لقاء الرسوم المفروضة على إيصال الكهرباء واستهلاكها. 

المحتجون في ذلك الوقت طالبوا بتخفيض سعر الرسوم والاشتراكات، ودعوا المجلس المحلي في أعزاز للضغط على الشركة التركية من أجل تخفيض سعر الكهرباء، ليتماشى مع وضع أهالي المدينة، والمهجرين الموجودين فيها.

مصدر إعلامي من أعزاز يقول في تصريحات لـ "موقع الحرة" إن العقد الذي دخلت به شركة "ak energy" التركية إلى المدينة لا توجد له أي ضوابط ولا محددات واضحة.

ويضيف: "الشركة بدأت بتقاضي رسوم الكهرباء بأسعار مرتفعة، بشكل فوري وبعد الانتهاء من المشروع، ووصل سعر الكيلو واط 85 إلى قرشا حتى ليرة تركية".

وحسب المصدر الإعلامي فإن العقود التي تدخل بها الشركات الخاصة التركية تكون بشكل مباشر مع المجلس المحلي لكل مدينة، على أن تكون إحدى الولايات التركية (كلس، غازي عنتاب، هاتاي) طرفا وسيطا. 

كيف تبرم العقود؟

يختلف كل قطاع استثماري عن الآخر بطبيعة العقود التي تدخل بها الشركات الخاصة التركية، والتي لا علاقة لـ "الحكومة السورية المؤقتة" بها، رغم أنها وفي سياق حديثها عن المنطقة بين الفترة والأخرى تقول إنها تتبع إداريا وخدميا لها. 

وزير الاقتصاد والمالية في "الحكومة السورية المؤقتة"، عبد الحكيم المصري يقول إن "معظم الاستثمارات التركية ريف حلب في قطاع الكهرباء، كونه قطاع خدمي، يحتاجه الناس ويدر أرباح في نفس الوقت"، مضيفا في تصريحات لـ "موقع الحرة": "العقود لا تتم مع الحكومة المؤقتة".

قوات تركية في شمالي سوريا

وبعيدا عن "الحكومة المؤقتة" تكون الاستثمارات والعقود عن طريق الحكومة التركية، حسب ما قال مصدر مطلع على إبرامها لـ "موقع الحرة".

ويضيف المصدر: "يوجد في كل مجلس محلي لجنة قانونية خاصة ومكتب فني ومالي يتم عن طريقهم إعلان وفض العروض، موضحا أن "غالبية العقود تتم في الجانب التركي في بلدية كلس وولاية مرعش وأحيانا في غازي عنتاب حسب العقد والمشروع".

وبين الفترة والأخرى يرفع المجلس المحلي المشروع الذي يحتاجه إلى الولاية المذكورة لتجري بدورها مناقصة لاختيار المتعهد المطلوب لعملية التنفيذ، وفيما بعد تأتي مرحلة التباحث في بنود العقد وآلية التنفيذ ومعدل الاستفادة.

"المعاملة بالمثل" 

في سياق ما سبق وربما تكون النقطة الشائكة الأبرز هي في العقود التي دخلت بها الشركات الخاصة التركية إلى ريف حلب، فإلى اليوم تغيب بنود قانون الاستثمار الخاص بالمناطق الحدودية مع تركيا، وهو القانون الذي يجب أن يحكم أي استثمار سواء عقاري أو غيره في المنطقة الممتدة من جرابلس إلى عفرين. 

وحسب ما تظهره الصورة العامة للاستثمارات التركية في الشمال السوري، فإنها تختلف بالعقود المبرمة كل على حدة، ولا يوجد أي شيء يوحدها، وعدا عن ذلك فهناك عدة اختراقات ماتزال عالقة حتى الآن وتغيب عنها أية توضيحات. 

وفي تصريحات لـ "موقع الحرة" أشار مسؤول إداري في مدينة الراعي إلى أن بعض العقود المبرمة مع الشركات الخاصة التركية، تتيح للأخيرة شراء قطع من الأراضي، على مبدأ "التعامل بالمثل". 

ويضيف المسؤول: "كما هو الحال بالنسبة لتملك السوريين أي عقار في تركيا، ينطبق ذلك على الأتراك في ريف حلب، بمعنى أن التركي أو شركته يجب أن يرخص في الداخل السوري أولا، وفيما بعد يتاح له شراء قطعة من الأرض لتنفيذ استثماراته"، وهو الأمر الذي ينطبق على المدينة الصناعية في مدينة الراعي في الوقت الحالي. 

12 عاما على اختفاء أوستن تايس
12 عاما على اختفاء أوستن تايس

منذ 12 عاما تنتظر ديبرا تايس، والدة الصحفي الأميركي أوستن تايس، المختطف في سوريا معرفة مصير ابنها، وتؤكد أن "الأمور صعبة" ولم تصبح "سهلة على الإطلاق".

وتقول تايس في مقابلة مع قناة "الحرة" إن "الكثير من الأمور تغيرت" وحدثت تطورات كثيرة.

وأعربت عن أملها بأن ابنها "تايس سيخرج من الاحتجاز"، فهي مسألة "وقت"، مشيرة إلى أن الحكومة السورية "تقول إنها تريد إجراء مفاوضات مع الحكومة الأميركية، والسعي للتقارب" ولكن واشنطن "تبقى على موقفها بعدم الانخراط بمفاوضات مع الحكومة السورية".

واختطف أوستن تايس، وهو مراسل مستقل وجندي سابق في مشاة البحرية الأميركية، في أغسطس 2012 أثناء تغطيته للانتفاضة على رئيس النظام السوري، بشار الأسد، في دمشق، وكان يبلغ من العمر آنذاك 31 عاما.

وتعتقد أسرته أنه على قيد الحياة ولا يزال محتجزا في سوريا. ولا تزال هوية خاطفي تايس غير معروفة، ولم تعلن أي جهة مسؤوليتها عن خطفه.

وظهر تايس الذي كان يبلغ 31 عاما معصوب العينين في مقطع فيديو في سبتمبر 2012، لكن لم ترد أي معلومات عنه منذ ذلك الحين.

وقالت ديبرا تايس إن آخر المحاولات للانخراط في مفاوضات "كانت في مارس الماضي"، ولكنه لم يفض إلى "التزام ورغبة في مواصلة الحوار للوصول لاتفاق"، مشيرة إلى أن الأمور "لا تشبه ما نراه من الحكومة الأميركية وتصميمها على تحرير الرهائن الموجودين لدى حماس".

وأكدت أن "أوستن لم يحصل على الالتزام والتفاني" الذي تبذله الحكومة الأميركية لتحرير الرهائن الإسرائيليين الموجودين لدى حماس، مشيرة إلى وجود "كيانات" أو وسطاء آخرين أبدوا رغبتهم بالانخراط في مفاوضات بين واشنطن ودمشق، ولكن الحكومة السورية تريد "التقارب المباشر مع الحكومة الأميركية".

وبشأن الجهة التي تعتقل أوستن، قالت تايس "إننا نعلم أنه يمكن تغيير مكان السجناء من مكان لآخر، ولدينا أسباب للاعتقاد أنه بين أيدي كيان غير الحكومة السورية".

وأعادت ديبرا التذكير برحلتها إلى سوريا في 2014، حيث بقيت هناك لنحو ثلاثة أشهر، ولكن الحكومة السورية رفضت التفاوض معها، وطلبت الحديث مع مسؤولين أميركين رسميين لبحث مسألة اختطاف أوستن.

الحكومة السورية تنفي احتجازها أوستن تايس. أرشيفية

وتساءلت لماذا "ترفض الحكومة الأميركية التفاوض مع الحكومة السورية؟ في الوقت الذي تتفاوض فيه مع الحكومات الروسية والإيرانية وحتى حماس، ولماذا تستثنى الحكومة السورية".

وذكرت أن آخر الاجتماعات التي جرت في مارس الماضي لم تكن جدية رغم توجيهات الرئيس الأميركي، جو بايدن.

وكان الرئيس الأميركي بايدن قد اتهم دمشق باحتجاز تايس عام 2022 ودعا الحكومة السورية إلى المساعدة في تأمين إطلاق سراحه.

لكن الخارجية السورية نفت حينها احتجاز أي مواطن أميركي بمن فيهم تايس.

وأعلنت السلطات الأميركية في العام 2018 مكافأة قدرها مليون دولار لمن يقدم أي معلومات يمكن أن تقود إلى تحرير تايس.

وفي بيان بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة، تحدث بايدن عن تايس الذي يحتجز "كرهينة في سوريا بعد ما يقرب من 12 عاما".

ودعا إلى الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع الصحفيين الذين تم وضعهم خلف القضبان لمجرد قيامهم بعملهم.

وأضاف بايدن "لا ينبغي للصحافة أن تكون جريمة في أي مكان على وجه الأرض".

وكانت الولايات المتحدة من أوائل الدول التي قطعت علاقاتها مع النظام السوري بعد اندلاع الاحتجاجات الشعبية المناهضة له عام 2011، وما لبثت أن تبعتها عواصم عربية وغربية، كما فرضت عليه عقوبات قاسية.

وكشف الرئيس السوري بشار الأسد في مقابلة أواخر أبريل عن لقاءات تجري "بين الحين والآخر" مع الولايات المتحدة الأميركية، مشيرا إلى أن هذه "اللقاءات لا توصلنا إلى أي شيء".