جانب من مظاهرة لنساء ليبيات في طرابلس- أرشيف
جانب من مظاهرة لنساء ليبيات في طرابلس- أرشيف

خلال "ثورة 17 فبراير" في عام 2011، والتي أنهت أربعة عقود من نظام العقيد الليبي معمر القذافي، وجدت المرأة نفسها في الصفوف الأولى من الحراك، تكتب وتعارض وتتظاهر وتخاطر بحياتها مثلها مثل الرجل في سبيل وطن حر ديموقراطي وغد أفضل.

لكن الإحباط والخذلان سرعان ما تسللا  إلى المرأة الليبية التي وجدت نفسها في النظام السياسي الجديد ضعيفة التمثيل في المؤتمر الوطني العام، وغير ممثلة بشكل كاف وعادل في وزارات الحكومات المتعاقبة.

وبعد مرور أكثر من ثلاث سنوات على التغيير في ليبيا، تتضاعف مخاوف المرأة الليبية بشأن حقوقها في ظل عدم الاستقرار الأمني الذي لم تسلم من تداعياته.

العمل السياسي

وقالت الناشطة نجيبة استيتة في اتصال هاتفي أجراه معها موقع "الحرة" "ولو أننا لا نزال في مرحلة الثورة، إلا أننا تحولنا من المرحلة الأولى التي كان فيها أول مدخل للمرأة في العمل السياسي عبر ترشيحات المجالس المحلية". أما المرحلة الثانية بحسب استيتة، فشهدت تقدم المرأة لانتخابات المؤتمر الوطني والترشيحات الأخرى.

وأوضحت استيتة، وهي مرشحة سابقة للمؤتمر الوطني العام، أن مشاركة المرأة في المجال
مشاركة المرأة في المجال السياسي لم تأت بعرض بل بطلب من الناشطات سواء في ترشيحات المجالس المحلية أو الحكومة
نجيبة أستيتة
​​السياسي خلال الحكومات الثلاث التي تعاقبت بعد الثورة والحكومة الأخيرة، لم تأت بعرض بل بطلب من الناشطات سواء في ترشيحات المجالس المحلية أو الحكومة.

وبحسب أستيتة فإن الناشطات كن يطالبن بنسبة 35 في المئة من مقاعد البرلمان كما هو الحال في كثير من البرلمانات حول العالم. وقالت إنها كانت تطالب بنسبة تمثيل للمرأة تصل إلى 50 في المئة، أي المطالبة بالسقف العالي حتى إذا كان هناك اعتراض فإن الاتفاق يقع على العدد المنطقي المقبول، حسب تعبيرها. إلا أنها لم تلق آذانا صاغية حتى من السيدات باعتبار أن الطلب صعب تحقيقه.

وبموجب الإعلان الدستوري، تشغل المرأة الليبية اليوم 33 من أصل 200 مقعد في المؤتمر الوطني العامويمثل المؤتمر الوطني العام أعلى سلطة سياسية وتشريعية في ليبيا غير أنه كان موضع احتجاج العديد من القوى السياسية والعسكرية في البلاد بعد تمديده ولايته التي انتهت في شباط/فبراير الماضي قبل عقد الانتخابات في أيار/مايو الماضي.

رغم ضعف التمثيل.. المشاركة جيدة     

وأكدت أستيتة أنه بعد ثلاث سنوات وأربعة أشهر على الثورة يمكن القول إن مشاركة المرأة جيدة رغم ضعف التمثيل، وأعربت عن أملها في أن يجلب الدستور تغييرا كبيرا وأن يحفظ حقوق المرأة.

وقالت عضو البرلمان الليبي أسماء سريبة في اتصال أجراه معها موقع "الحرة" إن المرأة وصلت اليوم إلى المؤتمر الوطني بفضل قانون الانتخاب الذي وإن لم يلب الطموحات إلا أن نظام القائمة الذي اعتمد منح 16.4 في المئة من نسبة المؤتمر الوطني للنساء.

وأوضحت أن بعد انتهاء فترة الحكومة المؤقتة كان هناك تمثيل للمرأة، لكنه لم يكن تمثيلا حقيقيا نظر لاستمرار فكرة أن الرجل هو الذي ينبغي أن يتصدى لهذه المرحلة الصعبة من تاريخ البلاد.

وضمت حكومة عبد الله الثني المنتهية ولايتها، وزيرتين إحداهما كلفت بوزارة السياحة والأخرى بوزارة الشؤون الاجتماعية،  فضلا عن عدد من الوكيلات في وزارات بينها الإعلام والثقافة والخارجية والشؤون الاجتماعية.

"
محاولات لرد المرأة"

في سياق آخر، أعربت أستيتة عن أسفها لوجود محاولات لرد المرأة الليبية إلى الخلف، مشيرة إلى أن قوانين سابقة أعطت حقوقا للمرأة لكنها لم تفعّل.  

وفي الإطار نفسه قالت سريبة إن ما تشهده ليبيا الآن من اضطرابات أمنية، وعلى سبيل المثال ما تشهده درنة التي يسيطر مسلحون وصفتهم بالتكفيريين عليها، وقرار الفصل بين الجنسين الذي تم في جامعات المدينة قد يكون مؤشرا على خطط لمنع المرأة من المشاركة
غياب آليات سريعة لمواجهة التيار المتشدد قد يوصل درنة إلى مرحلة ربما تمنع فيها الفتاة من دخول الجامعة
أسماء سريبة
​​في بناء ليبيا الجديدة.

 
وحذرت من أن غياب آليات سريعة لمواجهة التيار المتشدد قد يوصل درنة إلى مرحلة ربما تمنع فيها الفتاة من دخول الجامعة وليس فقط الفصل بينها وبين الرجل.

وإضافة إلى الفصل بين الذكور والإناث في درنة، كانت هناك جهود مشابهة في مدن أخرى بينها بنغازي وسرت ومصراتة إلا أنها لم تنجح.

مكتسبات فبراير

وفي ما يخص الحفاظ على المكتسبات التي حققتها المرأة الليبية خلال الثورة بعد أن كانت مختصرة في عائشة القذافي وحارسات الزعيم الليبي السابق، قالت أستيتة إن تحقيق ذلك يتم بإرادة المرأة، لأن المكتسبات حتى وإن فرضت بالقانون فإن تحقيقها لا يمكن أن يتم في غياب المرأة ونشاطها ومؤازرتها لأختها المرأة في الانتخابات مثلا.

وقالت إن الناشطات الليبيات يعملن جاهدات في سبيل ذلك، لكن ما سيضمن للمرأة حقوقها هو الدستور، خاصة في ظل التحديات التي تواجهها والتي عادة ما تكون عبارة عن تقييد اجتماعي بسبب الخلط بين الأعراف والدين.
ليبيا تمر بمرحلة لا يمكن الفصل فيها المرأة عن الرجل بل الحديث عن المواطن الليبي
​​أما سريبة، التي كانت تعرف باسم ليلى محمد قبل انهيار نظام القذافي، فأوضحت أن ليبيا تمر بمرحلة لا يمكن الفصل فيها المرأة عن الرجل بل الحديث عن المواطن الليبي الذي يمثل المرأة والرجل على حد سواء.

وأضافت أن التحديات التي تواجه المرأة من اختطاف وقتل واعتداء يتعرض لها الرجل كذلك، مشيرة إلى أن المسألة تحتاج إلى وقفة جادة من كل المواطنين والمسؤولين الليبيين الذين يسعون إلى دولة مدنية تحترم فيها حقوق المواطن سواء ذكر كان أم أنثى.

وقالت إنه لا يمكن الإغفال أن المرأة الليبية موجودة في المجتمع المدني رغم أن تلك المؤسسات إلى حد ما لا يوجد قانون ينظمها بشكل حقيقي أو دعم حقيقي، وأن المظاهرات المنددة بحالات الاغتيال والتفجيرات والاختطاف حين تخرج تكون المرأة في الصفوف الأمامية فضلا عن أن عددا من الممثلات في المؤتمر الوطني أثبتن أنهن لا يخشين الإرهاب وأنهن يقفن مع دولة القانون والعدالة بعيدا عن التطرف الفكري.

وبالرغم المشهد الضبابي الذي يطغى على ليبيا في الوقت الرهن، إلا أن هناك حراكا شعبيا إذ لا يزال المواطنون رجالا ونساء يسعون إلى الارتقاء ببلدهم إلى الأفضل بعيدا عن التشدد والإرهاب.

تقول منظمات إن الأطفال يعانون تبعات الوضع الأمني غير المستقر في ليبيا - صورة تعبيرية
تقول منظمات إن الأطفال يعانون تبعات الوضع الأمني غير المستقر في ليبيا - صورة تعبيرية | Source: أصوات مغاربية

أعلن مكتب النائب العام في ليبيا، السبت، عن "تحرير" الطفل محمد امحمد، البالغ ثلاث سنوات، بعد تعرضه لعملية اختطاف من قبل مجموعة أشخاص أرغموا أهله على دفع فدية تقدر بـ 20 ألف دولار لإطلاق سراحه.

وقال بيان النيابة العامة في ليبيا "تمكن أعضاء قسم الإدارة العامة للبحث الجنائي ببنغازي، وركن الشؤون الأمنية، برئاسة أركان الوحدات الأمنية، من إلقاء القبض على عناصر الشبكة وتخليص الشبكة".

وقد أثارت الحادثة جدلا كبيرا في ليبيا، خاصة بعدما نشر الخاطفون فيديو للطفل الضحية وهو يخضع لتعذيب جسدي وترهيب بواسطة السلاح، وفق موقع "أصوات مغاربية".

وفي شهر مارس الماضي، أعلن مكتب النائب العام القبض على متهم بخطف طفل، يبلغ من العمر 4 سنوات، في مدينة زليتن، مع إنقاذ الطفل.

وأوضحت الجهات القضائية أن ضبط المتهم جاء إثر ‏تلقي سلطة التحقيق نبأ خطف الطفل بهدف إجبار أهله على دفع فدية مالية، قدرها 100 ألف دولار.

وتبقى قضية الطفل مصطفى البركولي، الذي اختفى عن الأنظار لأكثر من عام كامل بعد تعرضه للاختطاف، واحدة من القضايا الشاهدة على ما تعانيه هذه الشريحة.

ومصطفى البركولي هو طفل ليبي اختطف من أمام منزل أهله في مدينة سبها، في أبريل عام 2021، وانقطعت أخباره لعدة أشهر قبل أن تطالب العصابة عائلته بدفع فدية مالية مقدارها مليون دولار، ولم يعد الضحية إلى أحضان عائلته إلا بعد أمضى أزيد عام كامل عند خاطفيه.

وأدى الانفلات الأمني الذي تشهده ليبيا، في السنوات الأخيرة، إلى ظهور شبكات مختصة في سرقة واختطاف الأطفال من أجل مطالبة عائلاتهم بدفع أموال باهظة لإطلاق سراحهم.

مخاوف كبيرة

وتفيد إحصائيات متداولة في الأوساط الإعلامية الليبية بأن "عدد الأطفال الذين خطفوا عام 2016 بلغ 8، وارتفع إلى 11 عام 2017، ثم تراجع إلى 6 عام 2018، وفق ما نقله "أصوات مغاربية".

وجميعهم عادوا إلى عائلاتهم بعد دفع أموال للعصابات الخاطفة، ولم تقف أي جهة عسكرية أو حكومية وراء عملية إطلاق سراح هؤلاء الأطفال، بحب الموقع ذاته.

وتبدي العديد من الجهات الحقوقية تخوفات كبيرة عن مستقبل شريحة الأطفال في ليبيا، لا سيما بعد تحذيرات أطلقتها جهات رسمية تفيد بسعي العديد من المليشيات والجماعات إلى الاستثمار في الجيل الجديد من الليبيين من أجل تعزيز صفوفها.

وكشف وزير التربية والتعليم في حكومة الوحدة الوطنية، موسى المقريف، في تصريحات أدلى بها مؤخرا، عن وجود تسرب كبير وسط المتمدرسين الذكور في الطور الثانوي والجامعي"، مشيرا إلى أن "العديد من هؤلاء يلتحقون بالجماعات المسلحة طمعا في الحصول على رواتب مالية".

ومن جانبه، نفى مدير المكتب الإعلامي بإدارة البحث الجنائي، وليد العرفي، جميع الأخبار المتداولة على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي حول خطف الأطفال في مدينة بنغازي.

وأبدى العرفي، في تصريح خاص لوكالة الأنباء الليبية، "استغرابه من انتشار مثل هذه الأخبار بين الناس دون دليل ملموس"، على حد قوله.

وأكد المسؤول "عدم ورود أي بلاغات أو شكاوى رسمية لإدارة البحث أو مراكز الأمن بالمدينة، فيما يتعلق بالاختفاء أو الاختطاف"، كما دعا المواطنين إلى "التبليغ فورا في حالة وقوع أي محاولة خطف أو اختفاء لأي طفل".