موكب عربات تابع للفصائل السورية المسلحة قرب مدينة مارع بريف حلب الشمالي
موكب عربات تابع للفصائل السورية المسلحة قرب مدينة مارع بريف حلب الشمالي

عندما تقصف روسيا مناطق ريف حلب شمال سوريا، فهي تهدد بذلك أبرز المناطق الخاضعة للإدارة التركية، والتي تسعى أنقرة، منذ سنوات، لتثبيت الاستقرار فيها، في خطوات استباقية لمشروع "المنطقة الآمنة"، والذي تحدث عنه المسؤولون الأتراك على عدة فترات، وفي مقدمتهم الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان.

التهديد حصل بالفعل ليل الجمعة، حيث قصفت موسكو ومعها نظام الأسد بصواريخ بالستية سوقين لتجارة المحروقات قرب مدينتي جرابلس والباب شرقي حلب السورية، ما أسفر عن مقتل 4 مدنيين وإصابة العشرات، إلى جانب احتراق أكثر من 200 شاحنة محملة بالنفط، يقدر ثمن تحمله بمئات آلاف الدولارات.

ريف حلب الغربي

الحادثة لم تكن الأولى من نوعها، إذ اعتاد سكان ريف حلب الشمالي والشرقي في الأشهر الماضية على هكذا نوع من القصف الصاروخي، والذي يتركّز بشكل أساسي على أسواق المحروقات، ويخرج فقط من منصات القواعد الروسية والتابعة لقوات الأسد.

هي أحداثٌ شكّلت وبشكل تراكمي "لغزا يصعب حله"، لا سيما مع صمت بالمواقف من أنقرة وموسكو لتوضيح ما يحصل، سواء كان نتاج خلافات بين الطرفين أو عمليات ضغط يسعى فيها الطرف المنفذ لتحقيق مآرب، قد تكون عسكرية أو اقتصادية.

ومما سبق هناك تخوف، وفي ذات الوقت وجومٌ يخيم على المدنيين، والذين خابت آمالهم في العثور على منطقة بعيدة عن الصواريخ والطائرات الحربية، فما تشهده مناطق ريف حلب حاليا كسر فرضية "المناطق الآمنة"، والتي ورغم إمكانية رسم حدودها الجغرافية، إلا أن سماءها ما تزال بيد حلفاء الأسد الروس.

"لغز النفط والصواريخ"

قبل الحديث عن الأسباب التي تدفع موسكو لقصف أسواق المحروقات في المناطق الخاضعة للإدارة التركية، لابد من تفصيل آلية دخول هذه المواد النفطية إلى المنطقة، والتي يبدأ طريقها من وجهة واحدة لا غيرها هي مناطق سيطرة "قوات سوريا الديمقراطية" في شرق سوريا.

أحد سائقي شاحنات الوقود التي طالها القصف الروسي في ريف حلب، تحدث لـ "موقع الحرة"، حيث يقول إن الصواريخ البالستية الروسية أسفرت، الجمعة، عن تدمير وتضرر قرابة 300 شاحنة. الواحدة منها محملة بـ175 برميل نقط خام، بوزن تقريبي يزيد عن 36 طنا".

ويضيف السائق، الذي فضّل عدم ذكر اسمه، أن عملية توريد المحروقات إلى ريف حلب الشمالي الخاضع لإدارة أنقرة يحتكرها تاجر سوري يدعى "محمود الخليفة"، حيث تدخل جميع التوريدات تحت اسمه، والجهة التي تخرج منها هي حقول الرميلان في محافظة الحسكة، الخاضعة لسيطرة القوات الكردية.

مبنى دمرته الغارات على بلدة أورم في ريف حلب

يتنقل الخليفة بين الفترة والأخرى بين مناطق ريف حلب وصولا إلى مناطق سيطرة "قسد"، من أجل إتمام صفقات شراء المحروقات، وبعد ذلك يوضح السائق: "وصول المواد النفطية يتم عبر سائقين، يتولون نقل كميات النفط المحددة بعد تعبئتها في الشاحنات، يدخلونها إلى مناطق الإدارة التركية من المعبر الواصل بين منبج ومنطقة الحمران التي طالها القصف الصاروخي".

وفي أثناء وصولها إلى منطقة الحمران، وأيضا إلى منطقة ترحين شمال مدينة الباب (ضمن مناطق الإدارة التركية)، تصطف الشاحنات لأيام وفي بعض الأحيان لأسابيع في ساحات يعود استثمارها للتاجر "الخليفة"، وتاجر آخر كان قد دخل على خط هذه العملية التجارية منذ قرابة شهر، وهو من عائلة "الجبان".

ويتابع السائق الذي تحدث إليه موقع "الحرة": "اصطفاف الشاحنات لأسابيع جعل منها هدفا سهلا للصواريخ الروسية"، ويشير إلى أن الضرر الأكبر يصيب السائقين كون ملكية الشاحنات تعود لهم، لاسيما أنهم يعملون بـ "الأجرة" على نقل المحروقات التي تعود كاملة لحساب التاجر محمود الخليفة.

وينحدر الخليفة من ريف حلب الشمالي، ويملك شركة كبرى لا يقتصر عملها فقط على توريد المحروقات من مناطق سيطرة القوات الكردية، بل ينسحب أيضا إلى تجارة الاسمنت والحديد، وتساعده في ذلك إحدى الفصائل العسكرية التابعة لـ"الجيش الوطني"، وبحسب السائق: "توفر له حماية أمنية وترفيق كامل للشاحنات".

واللافت أن التجارة التي يسير فيها تتناقض مع الحال العسكري والسياسي الخاص بكل من مناطق ريف حلب ومناطق سيطرة القوات الكردية، فهي مناطق نفوذ في حالة حرب مستمرة منذ سنوات.

"شحنات مسروقة"

ويغيب الموقف الروسي والتركي بشأن الاستهدافات المتكررة لأسواق المحروقات في ريف حلب، لكن مصادر من المعارضة السورية تقول إن موسكو سبق وأن هددت في عدة لقاءات واجتماعات بقصف أي شحنة نفط تدخل إلى المنطقة، كونها "شحنات مسروقة".

وقبل 25 يوما من القصف الروسي كانت "قوات سوريا الديمقراطية" قد منعت تمرير شحنات المحروقات إلى مناطق سيطرة نظام الأسد، والتي تعيش أزمات خانقة في الحصول على الوقود، الأمر الذي انعكس على مجالات اقتصادية أخرى، بينها الأفران وحصول المواطنين على الخبز.

في المقابل لم تنقطع الشحنات المخصصة لمناطق سيطرة فصائل المعارضة التي تدعمها أنقرة في ريف حلب، لتتحول إلى هدف روسي مباشر، لم يتبق منها ولو ليتر واحد من الوقود.

وزير الاقتصاد والمالية في "الحكومة السورية المؤقتة"، عبد الحكيم المصري، يرى أن الأسباب الاقتصادي تقف وراء استهداف الروس لأسواق المحروقات في ريف حلب.

ويقول المصري في تصريحات لموقع "الحرة" إن "موسكو تتعمد تنفيذ هكذا نوع من الاستهدافات، كونها لم تتمكن مؤخرا من الحصول على النفط من قسد. وتريد الاستحواذ على كامل الكمية، ومن جانب آخر تحاول إحداث أزمة في المناطق المحررة".

سوري يقف على بقايا منزله بعد دماره جراء القصف في ريف حلب، أرشيف

وعلى الرغم من حجم الكارثة التي ضربت أسواق المحروقات في ريف حلب الشمالي، إلا أن المصري يوضح أنها لن "تؤثر اقتصاديا"، كون المناطق الخاضعة للإدارة التركية تعتمد أيضا على المحروقات القادمة عبر طرق الترانزيت من أربيل في العراق، ومرورا بالأراضي التركية.

وبحسب المصري فإن "روسيا لا تضع أي اعتبار بشأن المناطق التي تستهدفها، من زاوية أنها تخضع للإدارة التركية"، ويتوقع أن يرد الجانب التركي عما يحصل من استهدافات في المرحلة المقبلة.

"أهداف مجتمعة"

قد لا تنحصر أسباب القصف الروسي على مناطق الإدارة التركية على الشق الاقتصادي فقط، بل تنحسب إلى أسباب عسكرية، وهو الأمر الذي تؤكده الضربات الصاروخية والمدفعية التي تستهدف مدينة الباب بين الفترة والأخرى، كبرى مدن "درع الفرات".

ومنذ عام 2020 نفذت روسيا عدة ضربات جوية استهدفت بها وسط مدينة الباب، والتي تضم مئات الآلاف من المواطنين الأصليين والنازحين، الأمر الذي فسّره مراقبون بمثابة رسائل تحاول إيصالها موسكو لأنقرة بأن المناطق الحدودية لن تكون آمنة ومستقرة على الدوام.

يقول الباحث السوري، أحمد حسن، في تصريحات لـ "موقع الحرة" إن "الهدف الأول من الاستهدافات الروسية هو ضمان عدم الاستقرار الاقتصادي في المناطق المحررة، وإبقاء المنطقة تحت حالة الضغط العسكري بدون معارك عسكرية، والاكتفاء بتهديد هذا الاستقرار عبر رسائل دورية كل فترة".

أما الهدف الثاني فهو "الضغط على قسد والفصائل المتعاونة معها في تجارة النفط وإضعاف مواردها الاقتصادية".

وهناك هدف ثالث، بحسب حسن، يكمن في محاولة روسيا "تجريب بعض الصواريخ الروسية البالستية التي هي قيد الاختبار حاليا، حيث يتم اختبارها في هذه النشاطات الروسية المتقطعة في كل فترة".

ووفق ما قالت مصادر عسكرية من ريف حلب لـ "موقع الحرة" فإن الصاروخ الذي استهدف أسواق المحروقات منذ أيام من نوع "9M79M Tochka"، وهو صاروخ روسي بالستي، سبق وأن استخدمته موسكو في مناطق سورية متفرقة، تخضع لسيطرة فصائل المعارضة.

وتمتلك القوات الروسية المنتشرة في سوريا مخزونات من الذخائر العنقودية، كما هو موثّق في صور نشرتها وسائل الإعلام الرسمية.

تبدأ المحاكمة يوم الثلاثاء في فرنسا
تبدأ المحاكمة يوم الثلاثاء في فرنسا

للمرة الأولى في فرنسا، تنطلق، الثلاثاء، محاكمة غيابية أمام محكمة الجنايات في باريس، لثلاثة مسؤولين أمنيين رفيعي المستوى في النظام السوري، بتهمة التواطؤ في ارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب على خلفية مقتل فرنسيَين سوريَين اعتُقلا في 2013.

وحسب الفدرالية الدولية لحقوق الإنسان، تهدف الإجراءات إلى "محاكمة أعلى المسؤولين في النظام منذ اندلاع الثورة السورية في مارس 2011" ضد الرئيس بشار الأسد.

وتشمل المحاكمة الغيابية في باريس، 3 متهمين هم المدير السابق لمكتب الأمن الوطني، علي مملوك، والمدير السابق للمخابرات الجوية، جميل حسن، والمدير السابق لفرع التحقيق في المخابرات الجوية، عبد السلام محمود.

وسبق لمسؤولين أقل شأناً أن خضعوا لمحاكمات في أماكن أخرى في أوروبا، وخصوصاً في ألمانيا، بشأن انتهاكات النظام. كما حضر هؤلاء جلسات الاستماع.

وستضم هيئة محكمة الجنايات 3 قضاة من دون محلفين، وسيتم تصوير جلسات الاستماع المقررة على مدى 4 أيام لحفظها ضمن أرشيف القضاء.

وسيتم لأول مرة في محكمة الجنايات في باريس، توفير الترجمة العربية للجمهور.

تنديد منظمات حقوقية بالطعن الفرنسي على مذكرة اعتقال الأسد.. "بيان أخلاقي" يصطدم بالحصانة
اعتبر ناشطون وحقوقيون سوريون أن البيان الذي دانت فيه منظمات حقوقية سورية ودولية قرار القضاء الفرنسي الطعن في صلاحية مذكرة الاعتقال الصادرة بحق رئيس النظام الأسد، بشار الأسد، خطوة جيدة، ولكنها غير كافية لتحقيق العدالة لشعبهم وإنهاء الأزمة الدامية التي تمر بها البلاد منذ أكثر من 13 عاما.

وترتبط القضية بالضحيتين باتريك الدباغ ووالده مازن. وكان باتريك (وُلد في 1993) طالباً في كلية الآداب والعلوم الإنسانية في دمشق، بينما كان والده (وُلد عام 1956) مستشاراً تربوياً رئيسياً في المدرسة الفرنسية بالعاصمة السورية.

واعتُقل الاثنان في نوفمبر 2013 على يد عناصر قالوا إنهم من جهاز المخابرات الجوية السورية.

تعذيب

وحسب صهر مازن الذي اعتُقل في الوقت ذاته ثم أُطلق سراحه بعد يومين، فقد نُقل الرجلان اللذان يحملان الجنسيتين الفرنسية والسورية، إلى مطار المزّة قرب دمشق، الذي يوصف بأنه أحد أسوأ مراكز التعذيب التابعة للنظام.

إثر ذلك، غابت أي مؤشرات الى أنهما على قيد الحياة، إلى تم الإعلان عن وفاتهما في أغسطس 2018. 

ووفق شهادات الوفاة المرسلة إلى العائلة، فقد توفي باتريك في 21 يناير 2014، ومازن في 25 نوفمبر 2017.

وفي اللائحة الاتهامية، اعتبر قضاة التحقيق أنه "من الثابت بما فيه الكفاية" أن الرجلين "عانيا، مثل آلاف المعتقلين لدى المخابرات الجوية، من تعذيب قاس لدرجة أنهما ماتا بسببه".

وفي السياق ذاته، قدم عشرات الشهود، من بينهم العديد من الفارين من الجيش السوري ومحتجزين سابقين في المزّة، تفاصيل للمحققين الفرنسيين واللجنة الدولية للعدالة والمساءلة، وهي منظمة غير حكومية، بشأن التعذيب في هذا السجن. وتحدثوا عن الضرب بقضبان من الحديد على أخمص القدمين وصدمات كهربائية وعنف جنسي.

من ناحية أخرى، طُردت زوجة مازن الدباغ وابنته من منزلهما في دمشق الذي استولى عليه عبد السلام محمود.

ونص الاتهام على أن هذه الوقائع "من المرجح أن تشكل جرائم حرب وابتزاز وتمويه ابتزاز"، كما أن "الحجز على ممتلكات سوريين اختفوا أو وُضعوا في معتقلات أو مهجّرين قسراً أو لاجئين، كان ممارسة منتشرة للنظام السوري".

وقالت المحامية كليمانس بيكتارت التي تمثل عدداً من الأطراف المدنية إن "كثيرين قد يعتبرون هذه المحاكمة رمزية، لكنّها جزء من عملية طويلة ويجب قراءتها في ضوء المحاكمات".

وأضافت: "كل هذا يصب في جهد لمكافحة الإفلات من العقاب على جرائم النظام السوري، وهو الأمر الأكثر أهمية لأن هذا الكفاح من أجل العدالة هو أيضاً كفاح من أجل الحقيقة".

وتابعت بيكتارت: "نميل لأن ننسى أن جرائم النظام لا تزال تُرتكب حتى اليوم"، مشيرة إلى أن هذه المحاكمة بمثابة تذكير بأنّه "يجب ألا نقوم بأي حال من الأحوال بتطبيع العلاقات مع نظام بشار الأسد".

وتشهد سوريا منذ عام 2011 نزاعاً دامياً تسبب بمقتل أكثر من نصف مليون شخص، وألحق دماراً هائلاً بالبنى التحتية وأدى إلى نزوح وتشريد ملايين السكان داخل البلاد وخارجها.

ولا يزال مصير عشرات الآلاف من المفقودين والمخطوفين والمعتقلين لدى أطراف النزاع كافة، خصوصاً في سجون ومعتقلات النظام السوري، مجهولاً.