لا إجماع ولا تسليم بأن المواجهة العالمية اليوم هي بين "الإسلام" و "الغرب"- حسن منيمنة
لا إجماع ولا تسليم بأن المواجهة العالمية اليوم هي بين "الإسلام" و "الغرب"- حسن منيمنة

لا يخفى عن أحد في العالم العربي والإسلامي الزيادة المضطردة في ظاهرة الإلحاد خاصة في فئة الشباب. ولقد تجلى ذلك في بكاء الشيخ أحمد كريمة على حال الإسلام، على الهواء مباشرة في شبكات التليفزيون وأمام الملايين.

وجاء تخلي الفنانة بسمة الكويتية عن الإسلام واعتناقها الديانة اليهودية في الأسبوع الماضي كصدمة عنيفة لكثير من المسلمين. ومما ضاعف من أثر الصدمة لهؤلاء أن ذلك جاء في وقت قريب من إعلان المذيع الكويتي محمد االمؤمن تركه أيضاً للديانة الإسلامية واعتناقه للديانة المسيحية. 

وسواء تمت معرفة أعداد الملحدين بدقة أم لا داخل العالم الإسلامي نظراً لوجود حكم ردة في العديد من البلدان العربية وهو ما يعيق إعلان الإلحاد - فإن وجود الأمر (أي الإلحاد) وزيادته أصبح ظاهرة واضحة أمام الجميع وتستحق الدراسة والفهم.

وبتحليل بسيط لهذه الظاهرة نجد أن هناك العديد من الأسباب أو العوامل التي أدت إلى انتشار - أو كما يراها البعض استفحال- ظاهرة الإلحاد في العالم العربي والإسلامي.

ومن هذه العوامل مايلي:

العامل الأول:

عجز رجال الدين الإسلامي وشيوخ الأزهر عن إيجاد "رد مناسب" ومنطقي على الأمور الدينية الشائكة والتي تتعارض مع الحضارة الإنسانية والضميرالبشري مثل إباحة ضرب المرأة وقبول سبي النساء في الحروب وإعلان الجهاد على الشعوب الأخرى لعرض الخيارات الثلاث المعروفة: إما الإسلام وإما الجزية وإما القتل.

العامل الثاني:

فشل الإسلام السياسي في أن يجلب الرخاء للشعوب التي سيطر عليها. فمن طالبان في أفغانستان وداعش في العراق وسوريا إلى منظمة الشباب في الصومال وغير ذلك من الحركات الإسلامية المتطرفة، لم ير الناس غير البؤس والدمار والفقر والعوز، والذي إنهارت أمامه فكرة أن "الإسلام هو الحل" التى تبنتها منظمة الإخوان المسلمين في القرن الماضي. 

فلا ينسى كثيرون كيف وعد الإسلاميون الشعوب الإسلامية الفقيرة في الثمانينيات والتسعينيات بأن البلاء أو الفقر وغلاء الأسعار سيختفوا إذا لبست النساء الحجاب. ولبست النساء الحجاب حتى يتحقق الوعد بانتهاء الفقر والبلاء ولم تزداد هذه الشعوب شيئا بعد ذلك إلا المزيد من الفقر والبلاء!

العامل الثالث:

فشل ظاهرة "الصحوة الإسلامية" في تحسين أخلاق الناس. فلم ير الناس بعد هذه الظاهرة والتي انتشرت في أواخر السبعينيات إلا زيادة مجنونة في معدلات التحرش بالنساء في الشوارع وفي استخدام الألفاظ البذيئة والنابية وانهيار العديد من القيم المجتمعية مثل الأمانة والصدق والوفاء والإخلاص. 

العامل الرابع:

انهيار صورة المتدينين الإسلاميين بعد استخدامهم لأقذر وأحط الكلمات البذيئة ضد من يخالفونهم في الفكر، فلا ينسى أحد الشيخ "وجدي غنيم" وهو يستخدم أقذر شتائم يمكن للإنسان أن يتصورها في تعامله مع الآخرين. ومن الصعب بل من المستحيل أن أذكر هذه الكلمات في المقالة نظرا لشدة انحطاطها.

العامل الخامس:

انتشار الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعى سمح بانتشار بشاعات ما يسمى بكتب التراث الإسلامى مثل "إرضاع الكبير" و "نكاح الصغيرات" و دموية "الخلافة الإسلامية" وغير ذلك من الفظائع التى تتناقض تماماً مع محاولة رجال الدين إقناع العالم بأن الإسلام هو أعظم دين حضاري على وجه الأرض!  

العامل السادس:

انتشار "الإرهاب" في العديد من الدول الإسلامية ورؤية بشاعاته وكيف يتم تبريرها باسم الدين من قبل الجماعات التكفيرية وغيرها من الذين يبررون العنف والوحشية باستخدام أحاديث منسوبة للنبي مثل "نصرت بالرعب" ومثل "جعل رزقي تحت ظل رمحي" وغيرها من الأحاديث الموجودة في البخاري وغيره من كتب التراث.  

العامل السابع:

إحساس البعض بضعف الديانة الإسلامية بسبب وجود "حد الردة". فهو كما يرى هؤلاء دلالة على وهن وضعف الدين الإسلامي لأن قتل المرتد يدل على عجز الدين أن يستخدم المنطق في إقناع الآخرين، ولذا يلجأ إلى العنف والقتل ليعوض هذا الضعف. ومَثَلهم في ذلك هو لاعب الكرة الفاشل والعاجز الذي يلجأ للعنف في الملعب لأنه غير قادرعلى اللعب الجيد.

العامل الثامن:

إصرار رجال الدين الإسلامي على التمسك بقصص وأحاديث تشوه صورة الرسول عليه السلام، مثل قصة زواجه من عائشة وهي طفلة صغيرة بنت سبع سنين والأحاديث التي تتكلم عن قدرته الجنسية الهائلة والتي جعلته قادرا - كما يزعمون - أن يجامع تسع زوجات في ساعة واحدة من نهار وبغسل واحد كما روت كتب الحديث! فإصرار رجال الدين على التمسك بهذه الأحاديث لأنها جاءت في كتاب البخاري أو صحيح مسلم دفع الكثيرين أن يتخلوا عن الدين الذي يصف نبيه بهذه الصفات المخجلة والتي تتناقض مع مفهوم أنه (أي الرسول) هو"الأسوة الحسنة" للبشرية جمعاء.

العامل التاسع:

اضطراب وتناقض المفاهيم الدينية. فبعد أن كانت قيادة المرأة للسيارة "حرام" عند بعض رجال الدين أصبحت اليوم حلال الحلال عند نفس الشيوخ، وبعد أن كانت المرأة غير قادرة على ترك الزوج إن لم يطلقها، عرف الناس "الخلع" بعد أن كتمه رجال الدين عنهم لعقود إن لم يكن قرون!

وهذا الاضطراب في مفاهيم الدين تسبب في إحداث هزة شديدة عند الكثير من الناس، فما يظنونه حلالا اليوم قد يصبح حراما غداً والعكس صحيح! ولسان حال هؤلاء يكاد يتساءل "أين إذاً الدين الحقيقي إن كانت شرائعه تتغير بهذه البساطة ... أين الحق!".

العامل العاشر:

انهيار صورة قيادات الحركة الإسلامية في العديد من النواحي. وقد أوجز ذلك تعليق رأيته في صفحة "شيوخ الضلالة" على الفيس بووك حيث وضعت صورة مجموعة من شيوخ الدعوة السلفية وتحتها هذا التعليق "تحتوي هذه الصورة على خمسة شيوخ  يمتلكون أكثر من مليار جنيه مصري وقرابة ٨٠ زوجة ومطلقة هؤلاء الخمسة يدعونك إلى الزهد والتقشف وغض البصر عن النساء ... بونجور ياولاد"!  

وللحديث بقية! 

كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.
كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.

على بعد نحو ساعة بالسيارة عن مدينة دريسدن تقع باوتسن، التي كانت تعد موطنا لمرفق سيئ السمعة في القرن الماضي، ألا وهو سجن معروف باسم المدينة نفسها. 

من عام 1933 إلى 1945، استخدم النازيون سجن "باوتسن" مقرا "للحجز الوقائي" قبل نقل المحتجزين إلى معسكرات الاعتقال. 

وفي الحقبة الممتدة من 1945 إلى 1949، احتجزت سلطات الاتحاد السوفياتي السابق المنشقين في زنزانات مكتظة مع القليل من الطعام والماء، وانتزعت منهم الاعترافات تحت التعذيب. 

وبعد عام 1949، استخدم عناصر "ستاسي"، وهو جهاز أمن الدولة في ألمانيا الشرقية سابقا، الذين دربهم جهاز الاستخبارات السوفياتية  "كي.جي.بي"، الأسلوب عينه إزاء حوالي ألفي معتقل سياسي في "باوتسن". 

هذا هو عالم الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في عصرنا الحالي، هو الذي كان عضوا في في جهاز الاستخبارات السوفييتية، حين انضم للجهاز عندما كان في الثالثة والعشرين من عمره، وقضى عدة سنوات في دريسدن.

ومنذ أيامه الأولى، وباعترافه الشخصي، كان بوتين يحلم بالعنف والسيطرة. 

واليوم تواجه، آلسو كرماشيفا، الصحفية الروسية-الأميركية التي تعمل لحساب إذاعة أوروبا الحرة الممولة من الكونغرس الأميركي، نفس المصير الذي واجه أصحاب القلم والفكر الحر في القرن الماضي خلال حقبة الاتحاد السوفياتي.

فمنذ شهر أكتوبر الماضي، تقبع كرماشيفا في زنزانة باردة وسيئة الإضاءة ومكتظة في مدينة قازان الروسية، التي تبعد نحو 800 كيلومترا شرقي موسكو. 

وتعرضت كرماشيفا للضغط من أجل انتزاع الاعترافات منها، وهو نهج كان مترسخا عند الـ"كي.جي.بي" الذي يعتبر الفكر المستقل تهديدا، والصحافة الحرة جريمة. 

سافرت كرماشيفا، وهي أم لطفلتين، الصيف الماضي إلى قازان من مسقط رأسها في براغ، لزيارة والدتها المسنة واعتقدت أنها ستكون في مأمن. 

في الثاني من يونيو الماضي، وعندما كانت في مطار قازان، استعدادا لرحلة العودة، جرى استدعاء كرماشيفا قبل خمس عشرة دقيقة من صعودها إلى الطائرة.  

اعتقلتها السلطات الروسية واتهمتها بعدم تسجيلها جواز سفرها الأميركي في روسيا، لتتم إعادتها إلى منزل والدتها وحكم عليها بغرامة تقدر بـ100 دولار تقريبا. 

وفي سبتمبر الماضي، اتهمت السلطات الروسية كرماشيفا بعدم التصريح عن نفسها بصفتها "عميلة لجهة أجنبية".  

وفي 18 أكتوبر، اقتحمت مجموعة من الملثمين المنزل واعتقلت كرماشيفا، وجرى تقييدها ومن ثم نقلها لمحتجز للاستجواب.  

وتعد النيابة العامة الروسية قضية ضدها بحجة نشرها معلومات كاذبة عن الجيش الروسي، وهو أمر ليس صحيحا. 

فخلال فترة عملها في إذاعة أوروبا الحرة محررة باللغة التتارية، دأبت كرماشيفا على إعداد تقارير عن اللغة والعرق والمجتمع المدني وحقوق الأقليات. 

وتتحدر كرماشيفا، وهي مسلمة، من قازان عاصمة جمهورية تتارستان المنضوية ضمن الاتحاد الروسي وتضم حوالي 50 في المئة من التتار ذوي الأصول التركية. 

ويسعى بوتين إلى جمع رهائن أميركيين لمبادلهم مع معتقلين روس. فخلال السنوات الماضية، اعتقلت روسيا نجمة كرة السلة الأميركية، بريتني غرينر، قبل أن يتم إطلاق سراحها مقابل إطلاق واشنطن تاجر الأسلحة الروسي، فيكتور بوت، في ديسمبر 2022. 

ولا تزال أسهم بوتين في التفاوض تشمل كرماشيفا ومراسل صحيفة وول ستريت جورنال، إيفان غيرشكوفيتش، وجندي البحرية السابق، بول ويلان.  

ولتخفيف العزلة وتمهيد الطريق للعودة إلى الوطن، لدى إيفان وبول عاملين، لا تزال كرماشيفا تكافح من أجل الحصول عليهما، أولا الحصول على الخدمات القنصلية، وثانيا اعتراف من وزارة الخارجية الأميركية بأنها  "محتجزة بشكل غير مشروع"، وهو ما سيزيد من فرص إطلاق سراحها في عملية لتبادل المعتقلين. 

ماذا يريد بوتين؟ 

إذا كان الأمر يتعلق بصفقات التبادل، فمن الواضح أن الكرملين يريد، فاديم كراسيكوف، الذي يقبع في أحد السجون الألمانية. 

كراسيكوف، الذي عمل سابقا لدى جهاز الأمن الفيدرالي الروسي، هو قاتل مأجور أقدم على اغتيال معارض شيشاني وسط برلين في أغسطس 2019، بإطلاق رصاصتين على رأسه من مسدس مزود بكاتم للصوت. 

لن يكن الأمر سهلا على الإطلاق، ولكن في الماضي كان من الممكن أن تكون الأمور أكثر وضوحا في بعض الأحيان. فعلى سبيل المثال، أراد الشيوعيون في ألمانيا الشرقية الحصول على أموال من الألمان الغربيين.  

وبحلول أواخر حقبة الشيوعية في الثمانينيات، كان نحو 85 ألف مارك ألماني غربي (حوالي 47 ألف دولار) هو ثمن شراء سجين واحد من ألمانيا الشرقية.  

زرت سجن باوتسن قبل وباء كورونا، حيث تحول اليوم إلى متحف ونصب تذكاري. 

وعندما رأيت زنزانة كانت تحتجز فيها شابة من سكان برلين الغربية دأبت على تهريب منشورات سياسية عبر الحدود لمساعدة الناشطين في ألمانيا الشرقية، أصيب بالذعر. 

وأثارت قصة، هايكه فاتيركوت، هلعي، فقد تم اعتقال الشابة البالغة من العمر عشرين عاما في ديسمبر 1976، وبعد ثمانية أشهر من الاعتقال، حُكم عليها بالسجن لمدة أربع سنوات وعشرة أشهر في باوتسن بتهمة التحريض ضد الدولة. 

كانت تلك كانت ثقافة الـ"كي.جي.بي" في ذلك الوقت. ويتعين علينا أن نعمل بجد أكبر لإنقاذ الأبرياء، وبالتأكيد المواطنين الأميركيين مثل كرماشيفا، من دولة الـ"كي.جي.بي" اليوم. 

#هذا المقال كتبه الرئيس التنفيذي المكلف بشكل مؤقت لـ"شبكة الشرق الأوسط للإرسال" (MBN) عضو المجلس الاستشاري للبث الدولي،  الرئيس السابق لإذاعة أوروبا الحرة، جيفري غدمن، في 23 يناير الماضي بمناسبة مرور 100 يوم على احتجاز روسيا لصحافية أميركية-روسية، قارن فيه بين ما جرى في تلك الفترة والتكتيكات التي باتت موسكو تتبعها في عهد بوتين.