محمد بن سلمان
محمد بن سلمان

قبل أيام، طرأت تغيرات عدة على صعيد العلاقة بين تركيا وبعض الدول الخليجية، وفي وقت كشفت فيه تقارير إعلامية عن زيارة مرتقبة لولي عهد الإمارات، محمد بن زايد إلى أنقرة هذا الأسبوع، وصل وزير الخارجية البحريني، عبد اللطيف بن راشد الزياني إلى العاصمة التركية، والتقى نظيره، مولود جاويش أوغلو.

هذه التغيّرات يرى محللون أنها "تحوّل" قد يفضي إلى فتح "صفحة جديدة" بين الدول المذكورة وتركيا، بعد سنوات طويلة من الخلاف، وحالة العداء التي تشكلت مشاهدها من عدة ملفات داخلية، وعلى مستوى الإقليم.

ومن المقرر، بحسب وكالة "رويترز"، أن يصل محمد بن زايد إلى أنقرة يوم الأربعاء (24 نوفمبر الحالي)، على أن يلتقي الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، في زيارة هي الأولى من نوعها منذ عام 2012، مهدت لها سلسلة من التطورات، بينها زيارة مسؤول الأمن القومي الإماراتي، طحنون بن زايد، إلى تركيا في أغسطس الماضي.

في المقابل، كان الزياني وجاويش أوغلو قد أكدا بعد لقائهما في أنقرة، الأسبوع الماضي، على وجود "الإرادة المتبادلة للتعامل مع كافة القضايا التي تجمع البلدين عبر الحوار".

وعبّر وزير الخارجية التركية عن "سعادة بلاده الكبيرة" لعودة العلاقات إلى طبيعتها مع دول الخليج، فيما تعهد نظيره البحريني بتسهيل عملية منح تأشيرات البحرين للمواطنين الأتراك خلال الفترة المقبلة، مشيرا إلى أن العاهل البحريني، الملك حمد بن عيسى آل خليفة، كلفه بنقل رسالة خطية منه إلى إردوغان.

وعلى خلاف الموقفين المذكورين، لا تلوح في الأفق أي خطوات إزاء تركيا من جانب المملكة العربية السعودية، كبرى الدول الخليج.

وبحسب ما يقول محللون من الرياض لموقع "الحرة"، فإن الأخيرة "تتريث في إعادة العلاقات"، مع أخذها في الحسبان أن "أنقرة لاعب إقليمي لا يمكن إغفال دوره في عدد من الملفات".

أسباب متباينة

وفي مايو الماضي، لم تحظ الزيارة التي أجراها جاويش أوغلو إلى العاصمة الرياض بزخم إعلامي ودبلوماسي داخل الأوساط السياسية السعودية، وهو ما بدا من قبل الساسة أو من جانب وسائل الإعلام الرسمية، التي تنطق بلسان المملكة.

وكانت علاقات تركيا مع السعودية توترت بسبب دعم أنقرة لقطر في نزاع بين البلدين الخليجيين، ثم تصاعد التوتر إلى مرحلة الأزمة بعد اغتيال الكاتب والصحفي جمال خاشقجي، الذي كان معارضا لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، داخل قنصلية بلاده في إسطنبول.

وعقب تلك التطورات تأزمت العلاقات أكثر، ووصلت إلى حد المقاطعة التجارية للمنتجات التركية في السعودية، التي انعكست آثارها بالسلب على نسبة الصادرات التركية إلى أراضي المملكة، منذ أكتوبر العام الماضي.

إردوغان

وبينما يرى الباحث بالشأن التركي، مهند حافظ أوغلو، أن العلاقات بين السعودية وتركيا تختلف من حيث الملفات الخلافية عن باقي دول الخليج، يؤكد المستشار السابق في الخارجية السعودية، سالم اليامي أنه "لا يمكن الحديث عن علاقات ذات مسار واحد بين دول المنظومة الخليجية وبين تركيا".

ويقول حافظ أوغلو لموقع "الحرة": "الرياض ربما لها خطوات تجاه أنقرة وإن كانت أكثر بطئا. ستأخذ وقتا بسبب أن السعودية وتركيا دولتان إقليميتان، وتتنافسان مباشرة على العالم الإسلامي من جهة".

ومن جهة أخرى يضيف الباحث التركي: "الرياض لديها الكثير من الحسابات والرؤى المختلفة. هذه الرؤى تحتاج المزيد من الهدوء والبطء باتجاه أي سياسة خارجية مع تركيا".

فيما يشير اليامي، في تصريحات لموقع "الحرة"، إلى أن أسباب التوتر مع تركيا تتباين بين الدول الخليجية.

ومنذ عام 2016 ساد توتر عالٍ مع الإمارات في أعقاب الانقلاب الفاشل في تركيا، أما السعودية فقد بدأ التوتر بشكل أساسي منذ عام 2018، على إثر حادثة مقتل خاشقجي في إسطنبول.

ويضيف اليامي: "حاول الجانب التركي استثمار هذه الواقعة التي اعترفت المملكة بأنها خطأ وقع فيه أشخاص نالوا عقابهم، وسعت بشكل يقترب من الابتزاز للجانب السعودي، وفي المحصلة النهائية لم يحققوا شيئا مما أرادوا".

لماذا الآن؟ 

فيما يخص العلاقة بين أبوظبي وأنقرة، هناك تحليلات عدة بشأن الأسباب التي دفعت إلى العلاقة بينهما إلى النحو الحالي.

وضمن تقرير سابق لموقع "الحرة" قال المحلل السياسي، عبد الخالق عبد الله إنه "لا عودة إلى الوراء، وأن كلا من تركيا والإمارات ينظران إلى المستقبل"، معتبرا أن "أهم ما سيتم تناوله في اللقاء المرتقب بين بن زايد وإردوغان هو العلاقات الثنائية بين البلدين، التي تحتاج إلى المزيد من التفعيل والتطوير".

وأوضح المحلل الإماراتي أن "الهدف الأساس من هذه الزيارة إعادة العلاقات مع تركيا إلى طبيعتها بعد انقطاع طويل، لاسيما بشأن الجوانب السياسية والدبلوماسية منها".

ولا تختلف البحرين كثيرا عن الإمارات، وفق المحلل السياسي، سعد راشد، إذ يقول إن المنامة "جزء من الكيان الخليجي، وتأتي خطواتها ضمن توجه مجلس التعاون إلى فتح آفاق مع جميع الدول، من بينها تركيا".

ويضيف راشد لموقع "الحرة": "إضافة إلى ذلك تركيا لديها الكثير من الفرص الاستثمارية وكذلك لديها الكثير من التقنيات العسكرية التي تحتاجها البحرين، وخصوصا الطائرات المسيرة".

وبحسب راشد: "هناك رؤية واضحة للجانبين في الاستفادة من الخبرات المتبادلة، وكذلك الخبرة التركية في مجال الزراعة وغيرها من المجالات"، مشيرا: "نأمل خلال الفترة المقبلة أن نشهد مزيدا من العلاقات، خصوصا في الجانب الأمني".

من جهته يرى الباحث التركي، مهند حافظ أوغلو أن "التغير في السياسة الخارجية لدول الخليج حيال تركيا يرتبط بقدوم إدارة بايدن إلى البيت الأبيض قبل نحو عام".

ويوضح بالقول: "هذا القدوم انعكس بالسلب، ودفع الدول الخليجية إلى البحث عن تحالفات جديدة وارتباطات تضمن لها بعض القوة والدور في العديد من الملفات، وإن كانت البدايات من البوابة الاقتصادية".

واعتبر المستشار السابق في الخارجية السعودية، سالم اليامي، أن التغيرات في المواقف ترتبط بالأمور الكثيرة التي تغيرت إقليميا، بما في ذلك "التقارب المصري التركي الحذر"، وحالات تقارب تركية خليجية فرضتها حالة المصالحات التي تسود المنطقة منذ قدوم الإدارة الأميركية الجديدة.

ويقول اليامي: "تركيا تحاول أن تكون خلافاتها مع الدول الخليجية والعربية من الماضي، نظرا للظروف الاقتصادية السيئة التي تمر بها، ونظرا للمعاناة التي خلفتها جائحة كورونا".

لكنه يضيف مستدركا: "الدول الخليجية، خاصة المملكة العربية السعودية، هي تعلم أن تركيا لاعب إقليمي لا يمكن إغفال دوره في عدد من الملفات، ومع ذلك تتريث في إعادة العلاقات إلى سابق عهدها".

صعود وهبوط

ومنذ أكثر من ثلاث سنوات كانت أنقرة حاضرة في الساعات الأولى للقرار الخليجي بمقاطعة قطر، لتعيد ذات الأمر في يناير الماضي، لكن بموقف يبتعد كل البعد عن السابق، عندما رحبّت وبعثت برسائل إيجابية بشأن المصالحة الخليجية التاريخية في العلا.

وفي ذلك الوقت اعتبرت أنقرة نفسها بأنها "شريكة استراتيجية" لهذا لمجلس التعاون الخليجي، وهو مصطلح يحمل عدة أبعاد، تبعه تصريحات للمتحدث باسم الخارجية التركية، تانجو بيلغيتش، أبدى فيها رغبة بلاده في تطوير التعاون مع دول الخليج والمنطقة.

وتطرق بيلغيتش خلال مؤتمر صحفي، في يونيو الماضي، إلى حل الخلاف بين دول الخليج العربي، مشددا على أن تركيا تولي أهمية لأمن واستقرار منطقة الخليج.

وفي الوقت الحالي لا يرى رئيس "منتدى الخليج للأمن والسلام"، فهد الشليمي، أي تنسيق بين الدول الخليجية، على صعيد إعادة العلاقات مع أنقرة.

ويقول الشليمي لموقع "الحرة" إن موقف الإمارات يندرج ضمن السياسة التي بدأتها قبل أشهر، والقائمة على "صفر خلافات"، وبالتالي فإنها تسير بمنهجية جديدة للارتباط مع الجميع، ليس مع تركيا فقط، بل مع الإيرانيين أيضا.

وبحسب الباحث السياسي الكويتي، فإن العلاقات الخليجية مع تركيا مرت في السابق "بفترات هبوط وصعود، أما اليوم فهذه العلاقات تتباين، مشيرا "علاقة تركيا بالكويت مستقرة. مع عُمان هادئة. مع قطر ممتازة. مع الإمارات تعود. أما السعودية بالانتظار".

ويعتقد الشليمي أن السعودية تحتاج إلى مبادرات من الحكومة التركية، موضحا أن "الرياض لن تقوم بالخطوة الأولى، كون تركيا هي التي تتعرض للضغط سواء الاقتصاد أو غير ذلك".

ومنذ مطلع العام الحالي كان مسؤولون أتراك، على رأسهم وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، أشاروا إلى خطوات يتم العمل عليها لتعديل السياسة الخارجية.

وقال جاويش أوغلو في أبريل الماضي: "العالم يتغير بسرعة. مجال السياسة الخارجية يتغير بسرعة. في مواجهة هذه التطورات هناك حاجة لتغييرات في السياسة الخارجية".

وأضاف قناة "خبر تورك": "يجب أن نكون رواد أعمال، ويجب أن نجد حلولا للنزاعات. يجب أن تكون تركيا وسيطا. تعود نجاحاتنا في الوساطة إلى نهجه الصادق والمتوازن".

 

فشل رفع البنك المركزي التركي لأسعار الفائدة، بين يونيو ومارس، في وقف التضخم
فشل رفع البنك المركزي التركي لأسعار الفائدة، بين يونيو ومارس، في وقف التضخم

بلغ التضخم في تركيا 69.8 في المئة بأبريل بمعدل سنوي في مقابل 68.5 بالمئة في مارس، على ما أظهرت بيانات رسمية نُشرت الجمعة، وفق ما نقلته فرانس برس، في حين ذكرت رويترز أن التضخم سجل مستوى أقل قليلا من التوقعات لكنه الأعلى منذ أواخر 2022 بسبب الزيادات الكبيرة في أسعار التعليم والمطاعم والفنادق.

وارتفعت أسعار السلع الاستهلاكية بنسبة 3.2 في المئة بمعدل شهري، على ما أفاد المكتب الوطني للاحصاءات في تركيا.

وفشل رفع البنك المركزي التركي أسعار الفائدة من 8.5 في المئة إلى 50 في المئة، بين يونيو ومارس، في وقف التضخم الذي يغذيه تراجع شبه مستمر في سعر صرف الليرة التركية.

وأكد وزير العمل التركي، فيدات إيسيخان، في منتصف أبريل، عدم رفع الحد الأدنى للأجور في يوليو المقبل، بخلاف العامين السابقين، وذلك لمكافحة ضغوط التضخم. 

وكان الحد الأدنى للأجور رُفع بنسبة 50 بالمئة تقريبا في الأول من يناير. 

ووفقا للبيانات الرسمية، تتعلق زيادة الأسعار خصوصا بالتعليم (+103.9% على سنة واحدة)، والفنادق والمطاعم (+95.8%)، والنقل (+80.4%)، والصحة (+77.7%). 

ويعتبر محللون أن ارتفاع الأسعار هو السبب الرئيسي لهزيمة حزب العدالة والتنمية بزعامة الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، في الانتخابات المحلية التي جرت في نهاية مارس. 

وتقدر مجموعة "إيناغ" (Enag) التي تضم اقتصاديين أتراك مستقلين أن معدل التضخم تجاوز 124 في المئة على أساس سنوي في أبريل، بزيادة خمس نقاط خلال شهر واحد.

وفي يناير وفبراير ، ارتفع التضخم 6.7 بالمئة و4.53 بالمئة على الترتيب على أساس شهري، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى زيادة قوية في الحد الأدنى للأجور ومجموعة من تحديثات الأسعار في العام الجديد.

ورفع البنك المركزي أسعار الفائدة بمقدار 3650 نقطة أساس منذ يونيو حزيران، ومنها زيادة 500 نقطة أساس في مارس آذار بسبب تدهور توقعات التضخم.

وأبقى البنك على أسعار الفائدة دون تغيير، في أبريل الماضي، مشيرا إلى تأخر ظهور آثار التشديد النقدي، وتعهد بتشديد السياسة النقدية بشكل أكبر في حال حدوث تدهور كبير في التضخم.

ويتوقع البنك المركزي أن يصل التضخم إلى ذروته عند حوالي 73-75 بالمئة في مايو، ثم يبدأ في الانخفاض في النصف الثاني من العام ليصل إلى 36 بالمئة في نهاية 2024.