الانتخابات اللبنانية أسفر عن "برلمان مواجهة"
الانتخابات اللبنانية أسفر عن "برلمان مواجهة"

جملة مفاجآت حملتها الانتخابات النيابية في لبنان، خالفت كل التوقعات والإحصاءات التي سوقت لنتائج مسبقة طيلة الأشهر الماضية وحتى اللحظات الأخيرة من فرز الأصوات في كل قلم اقتراع ودائرة. ومع صدور النتائج الأولية ظهر أن صورة المجلس النيابي الجديد ليست أبداً كسابقاتها، لاسيما مع انتزاع قوى ومرشحين جدد مقاعد عدة من حصص الأحزاب والمرشحين التقليديين، وعلى امتداد مناطق ودوائر كانت تعتبر قلاعاً محصنة لأحزاب السلطة الحاكمة، فيما منيت شخصيات سياسية بارزة وزعماء تقليديين امتدت ولاياتهم النيابية لعقود من الزمن. 

تقدم كبير لحزب "القوات اللبنانية"، مقابل تراجع لـ "التيار الوطني الحر"، فيما سجلت قوى التغيير، المنبثقة عن "ثورة 17 تشرين" (أكتوبر) خروقات فاقت التوقعات والإحصاءات السابقة للانتخابات، لتحقق كتلة وازنة معيدة خلط أوراق التحالفات والتموضع في المجلس النيابي الجديد. 

أما "الثنائي الشيعي"، تحالف حزب الله وحركة أمل، وعلى الرغم من أنه حافظ على حصرية تمثيله لمقاعد الطائفة الشيعية في لبنان البالغ عددها 27، إلا أنه تلقى ضربة قوية في خسارته للأكثرية النيابية التي كان يتمتع بها وحلفاؤه (71 نائبا) مقارنة بما أفرزته الانتخابات الماضية عام 2018. 

تقييم "جيد" لمسار الانتخابات

وأعلنت وزارة الداخلية على مراحل، نتائج 78 مقعداً من أصل 128، وذلك بعد إعلان نتائج 9 دوائر انتخابية بشكل رسمي ومصادق عليه، من أصل 15 دائرة في كل المناطق اللبنانية. وقال وزير الداخلية اللبنانية بسام المولوي في مؤتمر صحفي أن "رغم كل الصعوبات والتشكيك استطعنا إنجاز الاستحقاق الانتخابي بطريقة جيدة، وكل حملات التشكيك التي تترافق مع فرز النتائج لا تؤثر على عملنا ولا على عمل الموظفين والقضاة الذين واصلوا الليل بالنهار للقيام بواجبهم الوطني للمساهمة بخلاص البلد وإصدار النتائج، ونسب الاقتراع ليست منخفضة، بل جيدة، وهي تقريبا مثل أو أقل قليلا من النسب بالانتخابات السابقة".

وسجلت نسبة الاقتراع العامة تراجعاً عن انتخابات 2018 من 49.7% إلى 41.1% بحسب ما أعلنته وزارة الداخلية. وأضاف وزير الداخلية اللبناني أنه "بالنسبة للنتائج، يمكن أن تتأخر، وحرصاً على الشفافية سنعطي النتائج تباعاً". وتابع مولوي قائلا: "حريصون على جميع التفاصيل ونوثق كل الملاحظات للإجابة عليها، ولا يوجد أي تلاعب إذ إن الداخلية تعلن النتائج ولا تقررها وواجبنا ضمان أمن الانتخابات ولا نتدخل في عمل القضاء".

اختلفت نسبة التراجع على الاقتراع من دائرة إلى أخرى، فأعلى نسبة تراجع كما أوردت "الدولية للمعلومات" كانت في صيدا وبلغت (-16%) تليها المنية (-15%) والضنية ثم طرابلس، أما في بيروت الثانية فقد زادت نسبة الاقتراع (+8%).

وعلى الرغم من كل المخالفات والانتهاكات التي سجلتها الجمعية اللبنانية من أجل ديمقراطية الانتخابات "لادي"، اعتبر الخبير الانتخابي أنطوان مخيبر في حديثه لموقع "الحرة" أن سير العملية الانتخابية كان جيداً من ناحية تمكّن القوى الأمنية من ضبط الوضع الأمني على مستوى كبير، وقال "هذا لا ينفي حصول بعض الاشكاليات في عدد من الأقلام، وقد لوحظ سوء تعامل بعض رؤساء الأقلام مع الناخبين، لا بل منهم من لا يفقه بقانون الانتخابات، في وقت لم تتمكن وزارة الداخلية من ضبط جميع المخالفات". 

وقبل الانتهاء من فرز الأصوات هنأ  قائد الجيش، العماد جوزاف عون، العسكريين على الإنجاز الذي حققوه بتوفير الأمن والنظام لإتمام العملية الانتخابية، قائلاً "إن الجهود التي بذلتموها والمسؤولية التي تحليتم بها، هي التي وفرت الأجواء الآمنة لإنجاز هذا الاستحقاق، وفض بعض الإشكالات بشكل سريع ومحترف".

من جهتها وفي أول تعليق لها عقب انتهاء الانتخابات النيابية في لبنان قالت الخارجية الأميركية "نرحّب بإجراء الانتخابات اللبنانية في موعدها بلا حوادث أمنية كبيرة ونحضّ القادة اللبنانيين على الالتزام بتنفيذ الإصلاحات لإنقاذ الاقتصاد".

الفائزون بحسب النتائج الرسمية

وأعلن مولوي أسماء الفائزين وحصص اللوائح في مختلف الأراضي اللبنانية، حيث فاز في دائرة بيروت الأولى كل من غسان حاصباني ونديم الجميّل ونقولا الصحناوي وهاغوب ترزيان وجان طالوزيان وبولا يعقوبيان وسينتيا زرازير وجهاد بقرادوني. 

أما في دائرة جبل لبنان الأولى فقد فاز علي عمار وبيار بو عاصي وهادي أبو الحسن وسعيد علامة وكميل دوري شمعون وألان عون. وفي جبل لبنان الثانية فاز ملحم الرياشي وسامي الجميّل والياس حنكش وابراهيم كنعان وميشال المر وهاغوب بقرادونيان والياس بو صعب ورازي الحاج. 

في دائرة جبل لبنان الرابعة الشوف - عاليه فاز كل من تيمور جنبلاط ومروان حمادة وبلال عبدالله وجورج عدوان ونجاة خطار عون وحليمة القعقور وفريد البستاني وجورج عطالله وأكرم شهيّب ومارك ضوّ وراجي السعد.

جنوباً فاز في دائرة الجنوب الثانية نبيه بري، علي عسيران ، حسن عز الدين، علي خريس، حسين سعيد جشي وعناية عز الدين وميشال حنا موسى. أما الفائزين في دائرة الجنوب الثالثة، فهم حسن فضل الله ومحمد رعد وعلي فياض وهاني قبيسي وعلي حسن خليل والياس جرادي وأيوب حميد وقاسم هاشم وفراس حمدان وأشرف بيضون وناصر جابر. 

شمالاً فاز في دائرة الشمال الثالثة ستريدا جعجع ووليم طوق وميشال معوض وطوني فرنجية وغياث يزبك وجبران باسيل وأديب عبد المسيح وجورج عطالله وميشال الدويهي.

 أما في البقاع في دائرة بعلبك الهرمل، فاز حسين الحاج حسن، غازي زعيتر، علي المقداد، إبراهيم الموسوي، إيهاب حمادة، جميل السيد، سامر التوم، ينال صلح، وملحم الحجيري، ولائحة "بناء الدولة" بمقعد واحد فاز به أنطوان حبشي. أما في دائرة البقاع الغربي - راشيا فاز كل من هم حسن مراد ووائل ابو فاعور وياسين ياسين وشربل مارون وغسان سكاف وقبلان قبلان

أبرز المتغيرات

أبرز ما سجلته الانتخابات كان دخول كتلة نيابية جديدة تمثل قوى التغييريين والمنبثقين عن انتفاضة "17 تشرين" (أكتوبر)، حيث نجحوا وعلى الرغم من التوقعات والإحصاءات التي قللت من حظوظهم، في تحقيق خروقات على كامل الساحة الانتخابية في لبنان، كان أبرزها في دوائر الجنوب الثالثة، التي تمثل معقلا لحزب الله، دائرة بيروت الثانية، ودائرة الشوف عاليه.

وفازت لوائح التغيير والمستقلين بـ 15 مقعداً، لتتقارب بذلك مع كبريات الكتل النيابية التي حصدتها الأحزاب التقليدية، وهو ما سيمنحها قدرة كبيرة على التأثير داخل البرلمان المقبل، حيث من المتوقع أن يكون المستقلون ميزان القبان الذي يفصل في التصويت. 

وفازت لوائح التغيير بمقعدين في دائرة بيروت الأولى لكل من بولا يعقوبيان وسينتيا زرازير، كذلك في دائرة بيروت الثانية حيث فاز كل من إبراهيم منيمنة وملحم خلف. وفاز المرشح ميشال الدويهي في زغرتا، فيما أعلنت الماكينات الحزبية فوز رامي فنج في مدينة طرابلس، بإنتظار إصدار النتائج الرسمية.

أما في الجنوب فقد نجحت لائحة التغيير بخرق لائحة الثنائي الشيعي، بمقعدين، فاز بهما فراس حمدان والياس جرادة، في مقابل خسارة مدوية مني بها مرشح الحزب السوري القومي الاجتماعي أسعد حردان، المدعوم من حزب الله والمقرب من النظام السوري، إضافة إلى خسارة المرشح مروان خير الدين الذي أثار ترشحه على لائحة الثنائي الشيعي، جدلا شعبيا لكونه صاحب أحد المصارف اللبنانية، المتهمة باحتجاز أموال اللبنانيين. 

خسارة حلفاء حزب الله ولاسيما المحسوبين على النظام السوري، انتقلت من الجنوب إلى البقاع الغربي، وذلك مع خسارة المرشح إيلي الفرزلي لمقعده النيابي، بعدما كان نائبا لرئيس مجلس النواب اللبناني. 

أما أبرز الخاسرين، والذي يعتبر من رموز النظام السياسي اللبناني، وزعيم من زعمائه الطائفيين، كان طلال أرسلان، وهو الآخر حليف قريب لحزب الله على الساحة الدرزية، ومقرب جداً من النظام السوري، ويمثل حضوراً عائليا تاريخيا في البرلمان اللبناني. كذلك الأمر بالنسبة إلى المرشح الدرزي وئام وهاب، المقرب من النظام السوري وحزب الله، حيث خسر هو الآخر، بينما سجل أكبر فوز للوائح التغييريين على تلك الدائرة، بـ 3 مقاعد، جاءت من نصيب حليمة قعقور، مارك ضو، ونجاة صليبا.

وفي هذا السياق يعتبر الخبير الانتخابي كمال فغالي أن نتائج الانتخابات النيابية  جاءت كما التوقعات، "فيما عدا خسارة رئيس الحزب الديمقراطي اللبناني طلال ارسلان، أما عدم فوز الوزير السابق وئام وهاب فكان متوقعاً حيث ركز الحزب الاشتراكي معركته على هذا الهدف".

دائرة صيدا- جزين هي الأخرى، حملت فوزاً ثلاثياً لمعارضي أحزاب السلطة الحاكمة في لبنان، حيث فاز كل من أسامة سعد، عبد الرحمن البزري، وشربل مسعد.  

ويرى مخيبر أنه "كان من الواضح أن هناك توجهاً لدى الناخبين للتصويت للمعارضة وإن كان حجم التصويت أقل من المتوقع، وقد تمكنت قوى التغيير من الخرق في أكثر من دائرةأثبتت فيها قوى المعارضة ثقلها وحضورها، ولو كان لديها تنظيماً أكبر وتوحدت في اغلب الدوائر لكانت تمكنت من قلب الطاولة من المرة الأولى".

من جانبه وصف الكاتب والمحلل السياسي مكرم رباح نتائج الانتخابات بالممتازة، رافضاً استخدام مصطلح "خرق" قوى التغيير للوائح السلطة، مشيراً إلى أن "هذه القوى أخذت حصتها في التصويت الذي كان واضحاً وجيداً، والأهم من ذلك أن موقف من فاز من التغييريين جليّ من حزب الله وسلاحه ومن الصراع السياسي مع الطبقة الحاكمة".

الأكثرية المسيحية تتبدل

ومن أبرز الملاحظات على نتائج الانتخابات الصادرة، جاء تقدم حزب القوات اللبنانية في عدد المقاعد التي حجزها، والبالغ عددها نحو 20 مقعداً، مرجحة للارتفاع بحسب الماكينة الانتخابية للقوات (تحسمها النتائج النهائية)، بعدما كان حجم كتلة القوات في انتخابات 2018 يبلغ 15 نائباً. 

وبذلك يكون حزب القوات قد حجز لنفسه التمثيل المسيحي الأكبر في لبنان، متقدما على التيار الوطني الحر، الحليف المسيحي لحزب الله، والذي سجلت نتائجه تراجعاً على صعيد لبنان، عما كانت عليه عام 2018، وهو ما انسجم مع الإحصاءات المسبقة التي توقعت ذلك، نظراً للنقمة الشعبية الكبيرة على التيار وما نتج عن فترة امساكه بالسلطة اللبنانية ورئاسة الجمهورية، أو ما يسمى لبنانياً بـ "العهد". 

بينما تقاسم كل من حزب الكتائب اللبنانية، وحزب المردة، ومجموعة كبيرة من الشخصيات السياسية المستقلة باقي المقاعد المسيحية، إلى جانب القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر. 

وتعتبر هذه النتيجة طبيعية، لكون معركة الانتخابات الأساسية دارت، بحسب مخيبر، بين "حزب الله" و"القوات اللبنانية" "حيث تركز التجييش الطائفي، وفي النهاية تمكنت هاتان الجبهتان من حصد أكبر عدد من المقاعد ورغم ذلك لم يعد هناك أكثرية بيد أي فريق، لذلك هناك حاجة للتعاون بين جميع الأطراف على أكثر من مستوى". مشدداً أن "الأهم من نتائج الانتخابات هو ماذا سيفعل السياسيون في المرحلة القادمة، فالوضع متجه نحو التأزم على المستوى السياسي والاقتصادي والمالي والاجتماعي، فهل سينجحون في ايجاد الحلول"؟

مرحلة مواجهة

يركز رباح على أهمية ما أظهرته النتائج لاسيما التصويت ضد "حزب الله" في بيئته الشيعية مؤكداً أنه و"على الرغم من كل التجييش الطائفي والتحريض جاءت نسبة الاقتراع منخفضه في الدوائر المحسوبة على الحزب، وهذا الأمر انعكس سلباً عليه، وإن كان في الانتخابات الماضية يستفيد من نسب الاقتراع المتدنية لتمرير كتلته فإنه هذه المرة لم يتمكن من ذلك".

وتطرق رباح إلى سقوط رموز النظام السوري في لبنان معتبراً أنه "بعد أن كانوا يستخدمون سلاح حزب الله ويركبون على محادل الأحزاب الانتخابية جرى تأديبهم، فظهر اليوم أنهم لا يمثلون أحداً، فالشعب الذي يواجه حزب الله يواجه أيضاً النظام السوري الذي لم يعد لديه وجوداً في لبنان".

على المقلب الآخر، يرى الصحفي والكاتب السياسي غسان جواد أن "الثنائي الشيعي" حافظ بالدرجة الأولى على عدم اختراق مقاعده الشيعية، وحقق أرقاماً مضاعفة عشرات المرات عن خصومه بحسب النتائج."  

وبالنسبة إلى التيار الوطني الحر يقول جواد " كما قال جبران باسيل أنه لم يكن يواجه في الداخل فقط وإنما كان يواجه ماكينة ضخمة في وجهه من الداخل والخارج حيث بذلت جهود دولية لإسقاطه ودفعت أموال ضخمة في وجهه، ولكن مع ذلك خسر التيار الوطني من مقاعده، ولكن لا يمكننا ان نسميها هزيمة ساحقة، وعلى الرغم من تراجعه سيبقى في الحياة السياسية اللبنانية بكتلة وازنة وميثاقية ذات تمثيل مسيحي وشعبي."

لا ينفي جواد أن ثنائي "حركة أمل وحزب الله"، كان يرغب في خسارة حزب القوات اللبنانية للانتخابات النيابية، وذلك "ليتمكن من فرض تسوية في البلد، مع الداخل والخارج، لاتؤدي إلى مزيد من التأزيم في الواقع اللبناني، للشروع في نهوض البلد"، حسب تعبيره.

يؤكد جواد أنه ما من أكثرية مؤكدة لطرف ضد طرف بنتيجة هذه الانتخابات، "الفارق ضئيل جدا، لا يسمح بوجود أكثرية مطلقة، لاسيما بوجود القوى التغييرية والفائزون الجدد الذين سيكونون خارج الاصطفافات التقليدية لمجلس النواب اللبناني. وبالتالي لا يمكن احتساب كل من هو ليس من تحالف الثامن من آذار بأنه في صف القوات اللبنانية وقوى ١٤ آذار."

ويتابع حديثه لموقع الحرة معتبراً أن "ما أفرزته نتائج الانتخابات من اصطفافات بهذا الشكل، الذي لا يتجه نحو منطق التسوية والتفاهم، قد يذهب بالأمور نحو مواجهة في البلاد، فالمجلس كما بدأ يتضح في شكله، واضح أنه مجلس مواجهة، يشبه نوعاً ما مجلس نواب العام 2005، لناحية الاصطفاف الحاد في البلاد".

وقد بدأت ملامح هذه المواجهة تتضح من خلال تصريحات الفائزين، لاسيما لناحية أول استحقاق أمام المجلس النيابي الجديد وهو انتخاب رئيس جديد له، حيث عبر رئيس حزب القوات اللبنانية في أول موقف سياسي له بعد صدور النتائج عن أنه لن يصوت لنبيه بري لرئاسة مجلس النواب، وكذلك الأمر بالنسبة إلى لوائح التغيير، ومعها عدد كبير من الفائزين المعارضين لحزب الله والثنائي الشيعي. 

كذلك سيكون أمام البرلمان الجديد بالتشاور مع رئيس الجمهورية، مهمة تسمية شخصية لرئاسة الحكومة ومن ثم منح حكومته الثقة، وهو ما يتوقع أن يحمل تأجيل وتعطيل في سياق الكباش السياسي، ما قد يعني تأخيراً في تشكيل الحكومة الجديدة التي يفترض أن تبدأ مسارا اصلاحيا يتوافق مع شروط البنك الدولي لمساعدة لبنان في الخروج من أزمته الاقتصادية الحادة.

ليبقى استحقاق انتخاب رئيس جديد للجمهورية، في أكتوبر المقبل، خلفاً للرئيس الحالي ميشال عون، وهو ملف من المتوقع أن يثير انقساماً حاداً في البلاد، لا يستبعد معه أن يحل فراغ في رئاسة الدولة اللبنانية، على غرار ما جرى قبل العام 2016، حين عطل حزب الله وحلفائه انتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية.

مقاطعة الحريري محط جدل

وفيما تحسم النتائج معارك المتنافسين، مشهد واحد لم يجد رأياً حاسماً في تقييمه، وهو موقف تيار المستقبل الذي يرأسه سعد الحريري، الذي قاطع الانتخابات معلنا تعليق العمل السياسي في لبنان، وفي ذلك رهان على إظهار حجم الالتزام تلك المقاطعة، ومن خلفها إظهار حجم التمثيل الذي يحظى به "المستقبل"، على الساحة السنية في لبنان. 
وعلى هذا الصعيد تفاوتت التقديرات بين الخبراء نسبة لتفاوت الالتزام بالمقاطعة بين المناطق، لاسيما ذات الثقل التمثيلي للطائفة السنية، ففي كل من طرابلس وصيدا وعكار، انخفضت نسب الاقتراع عما كان عليه عام 2018، وهو ما اعتبره فغالي برهان على أن  على أن الرئيس الأسبق سعد الحريري، وبالرغم من مقاطعته للانتخابات النيابية، "لديه مونة على جماعته وأن تأثيره لا بأس به، كون في المناطق السنية حيث كان هناك حملة لمقاطعة الانتخابات انخفضت نسبة الاقتراع".

في المقابل يرى رباح أن "أنانية سعد الحريري ارتدت عليه بالنسبة إلى خيار المقاطعة، وعلى الرغم من أن الرئيس الأسبق فؤاد السنيورة لم يستطع الحصول على عدد كبير من المقاعد، إلا أن تجييشه للشارع السني خدم الثوار عبر تحريك الركود الذي خلقه الحريري، فلولا وجود قدامى تيار المستقبل لكانت مهمة المعارضة أصعب بكثير".

ومع اتضاح صورة النتائج، غرّد الحريري، عبر حسابه عبر "تويتر"، كاتباً "إنتهت الانتخابات ولبنان أمام منعطف جديد. الانتصار الحقيقي لدخول دم جديد الى الحياة السياسية"، معتبراً أن قرار انسحابه  "كان صائباً، هز هياكل الخلل السياسي وهو لا يعني التخلي عن مسؤولياتنا" وتابع "سنبقى حيث نحن نحمل حلم رفيق الحريري ونفتح قلوبنا وبيوتنا للناس".

وفي هذا السياق يشدد منسّق عام الإعلام في التيار عبد السلام موسى، على أن الحريري وتيار المستقبل لم يدع إلى مقاطعة الانتخابات، مشدداً على أنه "لو دعينا إلى المقاطعة لكانت نسب التصويت أدنى من ذلك بكثير، فقد تركنا للناخبين حرية القرار والاختيار، جزء قرر المقاطعة وآخر المشاركة، وجزء قرر الاستقالة من التيار والترشح للانتخاب أو الانضواء في ماكينات انتخابية".

وشرح موسى أن " دعوة المقاطعة أتت من جمهور المستقبل وكرّسها من خلال النسب المتدنية التي شهدتها كل الدوائر حيث ثقله، من عكار إلى طرابلس إلى بيروت والبقاع وصيدا، ما يدل على المزاج الشعبي وبالتحديد عند قاعدة

التيار التي اعتبرت أنه بغياب الرئيس سعد ليس هناك من يمثلها وبالتالي لن تصوت".
النتيجة الأبرز لهذه الانتخابات بحسب موسى هي "تقهقر التيار الوطني الحر في المناطق المسيحية وتراجعه أمام القوات اللبنانية، ومن الطبيعي أن يدفع ثمن فشل سياسته وعهده، كما كان من المتوقع أن تخرق قوى التغيير في عدة دوائر وهذا أمر يبنى عليه".

 العبرة كما قال موسى "ليست بنتائج الانتخابات بل بما بعدها، حيث تطرح علامات استفهام حول كيفية تعامل المنتخبون مع الاستحقاقات القادمة وما الذي سيحققونه من الشعارات التي رفعوها وما الذي سيستطيعون تغييره وانجازه"؟

الضحايا تعرضوا للاغتصاب بعد تخديرهم بمواد وضعت في مشروبات قُدّمت لهم - صورة تعبيرية
الضحايا تعرضوا للاغتصاب بعد تخديرهم بمواد وضعت في مشروبات قُدّمت لهم - صورة تعبيرية

لا تزال قضية "عصابة اغتصاب الأطفال" التي أعلنت الأجهزة الأمنية اللبنانية إلقاء القبض عليها قبل يومين، تتصدر اهتمامات الرأي العام اللبناني، بعدما أثارت صدمة اجتماعية عارمة في أسلوبها وتفاصيلها وما تكشف حول أعداد المتورطين فيها وهوياتهم، بعدما تبين أن من بينهم شخصيات مشهورة على مواقع التواصل الاجتماعي، ولاسيما على تطبيق "تيك توك".

وتجري التحقيقات في جرائم هذه العصابة بالموازاة مع حملة ملاحقة وبحث عن متورطين أفضت إلى توقيف شخص سابع، الخميس، وفق ما أكدت تقارير إعلامية محلية، بالإضافة إلى الأفراد الستة الذين سبق وأعلنت قوى الأمن اللبناني عن توقيفهم في بيان لها في الأول من مايو.

وتحقق السلطات اللبنانية في شبهات قيام هذه العصابة، التي تضم نحو 30 متورطاً، باستدراج أطفال وقاصرين، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وتقديم مغريات لهم بهدف تخديرهم واغتصابهم ومن ثم ابتزازهم بعد تصويرهم.

وكانت المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي في لبنان قد أعلنت أن اعتقال العصابة جاء بعد "ادعاء عدد من القاصرين" بتعرضهم "لاعتداءات جنسية، وتصوير، من قبل أفراد إحدى العصابات المنظمة، بالإضافة إلى إجبارهم على تعاطي المخدرات، في فنادق عدة".

وأضاف البيان أن السلطات تمكنت من اعتقال أفراد العصابة بعد عملية "جمع معلومات استمرت لحوالي الشهر تقريبا".

وأشار البيان إلى توقيف ستة أشخاص في بيروت وجبل لبنان والشمال، بينهم ذائعي الصيت على تطبيق تيك توك"، مشيرا إلى أن أفراد العصابة يحملون جنسيات لبنانية وسورية وتركية، من بينهم ثلاثة قُصَّر.

وكشف مصدر قضائي لوكالة فرانس برس أنه "جرى حتى الآن التعرّف على 28 شخصاً على الأقل من أفراد العصابة المتعددة الرؤوس، والتي جنّدت مراهقين محترفين من خارج لبنان لاستدراج الأطفال عبر تيك توك".

وأضاف أن الضحايا "تعرضوا للاغتصاب بعد تخديرهم بمواد وضعت في مشروبات قُدّمت لهم، وأُجبروا على تعاطي المخدرات ثم الترويج لها تحت طائل ابتزازهم بمقاطع مصورة".

وأوضح مصدر أمني مواكب للتحقيقات للوكالة أن "ست ضحايا أدلوا بإفاداتهم حتى الآن ولا تتجاوز أعمارهم 16 عاماً".

وأشار إلى أنه "جرى استدراجهم بطرق عدة على غرار عروض هدايا من محل للملابس وإيهامهم بتصوير دعايات أو عبر صالون مصفّف شعر أو حسابات مزيّفة على مواقع التواصل الاجتماعي".

وبحسب المصدر الأمني، فقد أقدم المتورطون بعد استدراج الأطفال "على اغتصابهم وتصوير عملية الاغتصاب ومن ثم جعلهم يشاهدون المقاطع المصورة، وابتزازهم بنشرها في حال تحدّثوا عمّا تعرّضوا له".

وتكمن خطورة الملف، وفق ما نقلت الوكالة عن المصدر الأمني، في كون "حوادث الاغتصاب والتحرّش التي تطال قاصرين ليست حوادث فردية بل عمل منظم ضمن أفراد عصابة يقدمون تسهيلات لبعضهم البعض ويتبادلون الضحايا".

ولا تزال القضية تثير ضجة كبيرة على مواقع التواصل الاجتماعي في لبنان، حيث تتصدر الوسوم المرتبطة بها أكثر المواضيع تداولاً في البلاد، وانتشرت في سياق ذلك سيناريوهات عدة وروايات مختلفة للجرائم المنسوبة للعصابة، فضلاً عن أسماء كثيرة قيل إنهم متورطون في تلك العصابة، تبين صحة بعضها، وزيف العديد منها، حيث تحول زج الأسماء إلى تصفية حسابات شخصية بين "مشاهير" على مواقع التواصل الاجتماعي.

موقع "الحرة" تواصل مع الوكيل القانوني لأحد أبرز الموقوفين في القضية، والذي أكد أن التحقيق لا يزال سرياًّ وكل التسريبات الجارية حوله "غير دقيقة".

المحامي الذي فضل عدم الكشف عن اسمه لكونه لم يدخل بعد على ملف موكله، أكد أنه لا يمكن بعد لأحد أن يطلع على مضمون التحقيقات تحت طائلة الملاحقة الجزائية بحكم وجود إشارة من النيابة العامة تمنع أحد الدخول على الملف أو معرفة تفاصيله بمن فيهم المحامين، وبالتالي حتماً لم تطلع الوسائل الإعلامية التي تتناقل الروايات على التفاصيل والمعطيات الحقيقية.

ولفت إلى أنه حتى الآن لم يحضر الاستجواب والتحقيق مع موكله، الذي يوجب حضور محامي معه بحكم المادة 47 من أصول المحاكمات، مشدداً على أن موكله لا يزال محتجزاً وليس موقوفاً، معتبراً أن كل الأشخاص الذين يقومون بالتشهير ونشر الأخبار والروايات "ليسوا على دراية بشيء".

الأولوية لحماية الضحايا

وأثارت السرية التي تحيط بالتحقيقات وعدم صدور رواية رسمية كاملة حول القضية استياء لدى بعض اللبنانيين الذين عبروا عن مخاوف من تدخلات سياسية أو محسوبيات في القضية، وحملوا هذا الغموض الرسمي مسؤولية انتشار الروايات المغلوطة وفوضى التسريبات والمعلومات المتضاربة، مطالبين السلطات اللبنانية باعتماد الشفافية في عرض القضية.

في المقابل شدد آخرون على أهمية السرية في التحقيقات الجارية لضمان عدم إفلات المتورطين مع هذه العصابة، والحرص على خصوصية الضحايا وحمايتهم من التشهير، خاصة وأنهم أطفال ومراهقون.

وفي هذا السياق تقول رئيسة الاتحاد لحماية الأحداث، أميرة سكر، إن أهم ما يجب الحفاظ عليه هو السرية التامة في تفاصيل القضية، وعدم إفشاء أسماء أو أعمار أو جنسيات أو طائفة أي قاصر من ضحايا هذه العصابة، "فالطفل هو طفل أولا وأخيرا"، وعدم نشر حيثيات الملف لما قد يحمله من تأثير على الضحايا من جهة، وقد يؤدي من جهة أخرى إلى أخذ الحذر والحيطة من قبل المرتكبين في حال كانوا عصابة.

وتركز سكر في حديثها لموقع "الحرة" أنه على الأهل في هذه المرحلة وبعد هذه الواقعة، اعتماد إجراءات وقائية مع أولادهم، واتباع أسس "الوالدية الإيجابية"، ومراقبة كافة حسابات الطفل على الإنترنت.

وتشدد سكر على ضرورة التعاطف مع القاصرين، إن كانوا ضحايا أو حتى من بين المرتكبين، "حيث أنهم أساسا تم استدراجهم واستغلالهم كي يرتكبوا مخالفات أو يشاركوا في هكذا أعمال فيها استغلال للقاصرين الآخرين".

من جهتها نشرت منظمة "سميكس" المعنية بالحقوق والسلامة الرقمية توجيهات مرتبطة بهذا النوع من القضايا التي تمس بسلامة المستخدمين، لاسيما القصّر. حيث لفتت، سمر حلال، مسؤولة منصة السلامة الرقمية في "سمكس" إلى أن نصائح السلامة الرقمية مهمّة وضرورية، "ويوجد على تطبيق تيك توك عدداً من الميزات لتعزيز سلامة المستخدمين القاصرين مثل ميزة الخصوصية، والإشراف العائلي وغيرها"، ومع ذلك تؤكّد أنّ "هذا لا يكفي لحماية الأشخاص القاصرين من هذا النوع من الابتزاز".

وأدى انتشار اسم أحد مشاهير "تيك توك" كعضو في العصابة، إلى توقيف حسابه وحجبه من قبل شركة "تيك توك" بعد موجة تبليغات طالته. ولكن، بحسب "سميكس"، لا يزال بإمكان الأجهزة الأمنية وجهات إنفاذ القانون أن يطلبوا الوصول إلى محتوى الحساب المحجوب والرسائل المتبادلة من قبل المتهم مع الآخرين على التطبيق، في مدة 90 يوماً بناءً على طلب رسمي، وفق ما تقوله الشركة في "إرشادات تيك توك بشأن إنفاذ القانون".

وبالإضافة إلى المسؤولية الواقعة على عاتق المرتكبين في القضية، تضيف حلال أنّ "المسؤولية تقع أيضاً على الدولة وأجهزتها، وعلى تطبيق تيك توك، وأيضاً على الأهل".

وتتابع: "الأهل ينبغي أن يكونوا واعين لما يحصل مع أولادهم ويؤمّنوا ملاذاً آمناً للأولاد كي يستطيعوا التحدث معهم عن التعرض لحالات مشابهة، أمّا الأجهزة الأمنية فينبغي أن تعزّز الثقة لدى المواطنين إذ تقع عليها مسؤولية كبيرة ولديها القدرة على توقيف هؤلاء".

أما بالنسبة لتطبيق تيك توك فترى حلال أن المسؤولية عليه كبيرة، وتضيف أنه "يجب على الشركة المالكة للتطبيق أن تؤمّن حماية للأشخاص القصر والذين يشكلون أكثرية مستخدمي تطبيقها".

وذكّرت المنظمة أن تطبيق "تيك توك" يقدم في "دليل أولياء الأمور"، بعض الخطوات التي تمكّن الأهل من مراقبة حسابات أبنائهم، لا سيما إذا كانوا تحت سن 13 عاماً، وذلك عن طريق ربط حسابات العائلة مع بعضها البعض "لتمكين واستخدام مجموعة متنوعة من إعدادات المحتوى والخصوصية والرفاهية" على حسابات الأولاد.

ويمكن عن طريق هذا الربط أن يضيف الأهل بعض خصائص الحماية لحسابات أولادهم على التطبيق، مثل جعل الحساب خاصّاً، والحد من التعليقات على مقاطع الفيديو، والاطّلاع على الرسائل المباشرة، والبحث، وتحديد مدة الاستخدام اليومية، وصولاً إلى تقييد الحساب.