لقطة أرشيفية من البرلمان التركي
لقطة أرشيفية من البرلمان التركي

رغم أن كرسي الرئاسة في تركيا، ومن سيحظى به بعد الانتخابات المقبلة، ما زال أكثر القضايا التي تشغل الشارع الداخلي في البلاد، وأبرزها تصدرا لواجهة الانتخابات، إلا أن السباق نحوه خلال الأيام الماضية انحرف على نحو ملحوظ تجاه البرلمان، وهو المسار الثاني، الذي يعتبره مراقبون "هاما" لعدة اعتبارات.

ومن المقرر أن تشهد تركيا، في الرابع عشر من شهر مايو المقبل، انتخابات رئاسية وبرلمانية في آن واحد، وبينما تتسلط الأضواء على نحو أكبر تجاه رجب طيب إردوغان، ومنافسه كمال كلشدار أوغلو، والسباق الذي سيشتد بينهما على الخصوص رغم وجود مرشحين رئاسيين اثنين آخرين، ستكون حدة هذه المنافسة ذات أصداء أكبر لكلا تحالفيهما، "الجمهور" و"الأمة" والأصوات التي سيكسبونها للوصول إلى البرلمان.

وكانت البلاد أنهت، قبل أيام، آخر المراحل الأساسية الخاصة بالسباق، بتقديم الأحزاب قوائم مرشحيها للانتخابات البرلمانية إلى "المجلس الأعلى للانتخابات"، سواء المنخرطة ضمن تحالف الحزب الحاكم (العدالة والتنمية) أو المعارض المكون من ستة أحزاب ضمن "تحالف الأمة".

وقال رئيس "المجلس الأعلى"، أحمد ينر، في بيان من العاصمة أنقرة إن 26 حزبا قدمت قوائم مرشحيها، وإنه "ستتم مراجعتها حتى يوم الثلاثاء 11 أبريل، وإذا كان هناك أي نقص، فسيتم إخطار الأطراف لاستكمالها".

وبعد ذلك سيعلن "المجلس الأعلى للانتخابات" القائمة النهائية للمرشحين البرلمانيين في التاسع عشر من شهر أبريل الحالي.

"قوائم مشتركة وأحزاب منفردة"

ومن جانب تحالف الحزب الحاكم والأحزاب المنضوية فيه، قدم "العدالة والتنمية" قوائمه عبر السكرتير العام فاتح شاهين، والمسؤول عن الانتخابات علي إحسان ياووز، إذ أفاد بأن "عملية اختيار القوائم تمت بعناية، وتم تقديم 600 مرشح في كافة الولايات التركية".

وأضاف ياووز أن "الحزب طبق نظام عدم الترشح لثلاث فترات وفق نظامه الداخلي"، وأن 104 نواب حاليين سيترشحون، وهو ما يعني أن الحزب أجرى تغييرات شملت 65 بالمئة في اللوائح.

وخصص حزب "العدالة والتنمية" 4 مرشحين في قوائمه لحزب "هدى بار" الكردي الإسلامي، و3 مرشحين من حزب "اليسار الديمقراطي العلماني"، من بينهم زعماء هذه الأحزاب.

لكن في المقابل، وضمن "تحالف الجمهور" (الحزب الحاكم) لم ينخرط "حزب الحركة القومية" بأي قائمة مشتركة مع حليفه، وكذلك الأمر بالنسبة لـ"حزب الوحدة الكبرى"، و"حزب الرفاه من جديد".

وكان المسار المنفرد، الذي اتخذه حليف إردوغان في البرلمان، قد أثار جدلا خلال الأيام الماضية، وأطلق تساؤلات عما إذا كان "الحركة القومية" سيتجاوز العتبة الانتخابية المحددة بـ7 بالمئة في هذه الحالة من جهة، وتساؤلات تتعلق بأسباب إصراره على عدم الانخراط في أي قائمة مشتركة.

ويتوجب على الحزب السياسي، الراغب في الحصول على مقعد في البرلمان في تركيا، اجتياز العتبة الانتخابية (7 بالمئة من الأصوات) في حال خوضه الانتخابات بمفرده، وإن كان ضمن تحالف، فيجب أن يتجاوز إجمالي أصوات هذا التحالف العتبة الانتخابية.

ووفقا للمادة 2 من القانون رقم 7393، لا يتعين على كل حزب سياسي يخوض الانتخابات ضمن تحالف أن يتجاوز بمفرده عتبة الـ7 بالمئة، بل سيتم اعتبار أن جميع الأحزاب داخل التحالف تجاوزت العتبة الانتخابية، في حال تجاوز إجمالي الأصوات التي حصل عليها التحالف الـ7 بالمئة.

وإذا ما تجاوز العدد الإجمالي لأصوات التحالف العتبة الانتخابية، يُحسب عدد نواب الأحزاب المكونة للتحالف، بقسمة إجمالي عدد النواب الذي حصل عليه التحالف على نسبة الأصوات التي حصل عليها كل حزب.

وفي غضون ذلك، وعلى ضفة تحالف المعارضة، تضمنت قائمة "حزب الشعب الجمهوري إضافة إلى نواب حزبه، مرشحين عن حلفائه في "الطاولة السداسية" من 4 أحزاب هي: "الحزب الديمقراطي" و"السعادة" و"الديمقراطية والتقدم" و"المستقبل".

وقدم الحزب 600 اسم إلى "المجلس الأعلى للانتخابات"، من بينها 24 اسما لـ"حزب السعادة"، و25 لحزب "الديمقراطية والتقدم" و19 اسما لـ"حزب المستقبل"، و3 من "الحزب الديمقراطي".

لكن، وعلى ذات المسار الذي اتخذه حليف إردوغان القومي، اتجه حزب "الجيد" القومي، حليف المرشح الرئاسي كلشدار أوغلو للتغريد منفردا وبشعاره الخاص في عدد كبير من الولايات، بينما تحالف مع "الشعب الجمهوري" في 11 ولاية فقط.

أما حزب "الشعوب الديمقراطي" الكردي المهدد بالإغلاق فقد قرر دخول البرلمان ضمن قوائم حزب "اليسار الأخضر"، ورشح رئيسيه المشاركين مدحت سنجار في ولاية شانلي أورفا وبيرفين بولدان في ولاية فان.

لماذا البرلمان مهم؟

وبعد يوم 19 أبريل الحالي من المقرر أن يرسل "المجلس الأعلى للانتخابات" القائمة النهائية بالمرشحين للنواب إلى مجالس انتخابات المحافظات ليتم الإعلان عنها من قبل الدوائر الانتخابية، وإلى السلطات ذات الصلة ليتم نشرها في الجريدة الرسمية والإذاعة والتلفزيون.

وبذلك، تكون معالم المنافسة الانتخابية بشقيها الرئاسي والبرلماني قد اكتملت، بعد تحديد المرشحين للرئاسة وعددهم 4 في وقت سابق، لتدخل تركيا المرحلة الأخيرة من السباق نحو 14 مايو.

ويقول الباحث السياسي التركي، هشام جوناي، إن أهمية الانتخابات البرلمانية "مرتبطة بالنظام الجديد، بعدما أصبح التشريع والتنفيذ ضمن آلية واحدة مرتبطة ببعضها البعض".

ويوضح جوناي لموقع "الحرة": "في المرحلة المقبلة من يحصّل الأغلبية في التشريع ستكون أموره سهلة في التنفيذ".

"عندما كان إردوغان مدعوما بالأغلبية البرلمانية كان ينفذ التشريعات التي يراها دون صعوبات"، ويضيف جوناي أنه "وفي الانتخابات المقبلة، وإذا ما إصبح الرئيس من حزب مختلف عن الأغلبية البرلمانية سيشكل الأمر مشكلة وصعوبة".

وكما هو الحال بالنسبة لانتخابات الرئاسة لا تعرف الضفة السياسية التي ستحظى بالأغلبية البرلمانية بعد يوم 14 مايو، وما إذا كان الحزب الحاكم وحليفه سيحافظان على الإمساك بالكلمة أم سيفقدانها.

ويشير الباحث جوناي إلى أن "مرشحي الرئاسة يريدون تحقيق الأغلبية حتى لو لم يفوزوا"، وهو ما ينطبق على المعارضة، التي تحاول على أقل تقدير "أن يكون لها قوة في البرلمان من أجل ضبط قرارات الرئيس".

"عاملان برلمانيان"

واللافت ضمن قوائم الحزب الحاكم البرلمانية أنها تضمنت اسم 15 وزيرا، على رأسهم وزير الخارجية مولود جاويش أوغلو ووزير الداخلية سليمان صويلو والدفاع خلوصي آكار، بالإضافة إلى نائب إردوغان فؤاد أقطاي. 

وفي حين أصبح صويلو على رأس القائمة في المنطقة الثانية بإسطنبول، ورد اسم أقطاي في المنطقة الثالثة في أنقرة، وجاويش أوغلو على المرتبة الأولى في أنطاليا، فيما حصل وزير الصناعة مصطفى فارانك على المرتبة الأولى في منطقة بورصة الثانية.

وفي غضون ذلك كان اللافت أيضا احتلال الصحفيين مكانا في قوائم الأحزاب للبرلمان، بصدارة من جانب "حزب الشعب الجمهوري" (10 صحفيين) يليه "العدالة والتنمية" و"حزب الجيد".

ووفق الباحث في الشأن السياسي التركي، محمود علوش يمكن تلخيص أهمية الانتخابات البرلمانية في أمرين اثنين، الأول بأن سيكون فوز أي من التحالفين في الرئاسة دون البرلمان "فوزا غير مكتمل".

ويرتبط ما سبق بأن الرئيس الذي سيُنتخب سيجد صعوبة في ممارسة السلطة بوضوح إذا لم يمتلك غالبية برلمانية تُساعده في تمرير القوانين والتشريعات. 

ومن جانب تحالف المعارضة و"حتى لو استطاع الفوز في الانتخابات الرئاسية، فإنه من دون حصوله على أغلبين الثلثين أو ستين في المئة من المقاعد البرلمانية، فإنه لن يتمكن من إلغاء النظام الرئاسي والتحول إلى نظام برلماني مُعزز من خلال تعديل الدستور أو طرح مشروع تعديل الدستور على الاستفتاء الشعبي".

ويوضح علوش لموقع "الحرة" أن "نتائج الانتخابات البرلمانية سيكون لها تأثير على الانتخابات الرئاسية، خصوصا إذا ما ذهبت المنافسة إلى جولة ثانية ولم يستطع أي من المرشحين الأربعة وإردوغان وكلشدار أوغلو على وجه التحديد حسمها من الجولة الأولى".

ويقول إن "حصول أي من التحالفين الحاكم والمعارضة على أغلبية برلمانية واضحة سيمنح أحدهما ميزة انتخابية جديدة في جولة ثانية محتملة من خلال استقطاب الأصوات المترددة التي يلعب عامل الاستقرار السياسي دورا حاسما في تحديد خياراتها الانتخابية".

وبمعنى آخر، فإن التحالف الذي سيحصل على غالبية برلمانية سيُقدم نفسه في جولة ثانية محتملة من الانتخابات الرئاسية على أنّه قادر على إحداث استقرار سياسي في البلاد وتجنب حصول صراع بين السلطتين التنفيذية والتشريعية. 

ويشير الباحث إلى أن "التحدي الحالي أن يتجاوز حزب الحركة القومية عتبة 7 بالمئة، والأمر ينطبق على المعارضة بخصوص موقع حزب الجيد"، مضيفا: حزب أساسي من المعركة البرلمانية سيكون بمصير القوميين في التحالفين".

من جهته يضيف الباحث السياسي جوناي أن "القوميين من الواضح أنهم انقسموا بين المعارضة وتحالف الحكومة"، وأنه "هناك احتمالات قوية أن لا يتجاوز حزب الحركة القومية العتبة الانتخابية".

و"إذا لم يتجاوز الحركة القومية العتبة الانتخابية، فإن حزب الجيد سيكون المرجع لأصوات القوميين وهذا شيء مهم بالنسبة لمسيرته القصيرة التي تمتد لبضعة سنوات".

لكن، ومع ذلك يرى الباحث أن "حلفاء إردوغان القوميين إذا نجحوا في تجاوز العتبة سيكون هناك حزبين في البرلمان الأول مؤيد للحكومة والثاني معارض لها"، وهذا "ما يجعل الموازنة البرلمانية حساسة".

Istanbul's incumbent Mayor and mayoral candidate Ekrem Imamoglu delivers a speech amid the first partial ballot counting of the…
إمام أوغلو يلقي خطابا أثناء الفرز الجزئي الأول لأصوات الانتخابات البلدية، في إسطنبول في 31 مارس 2024.

أعلن مرشح حزب "الشعب الجمهوري" المعارض في تركيا، أكرم إمام أوغلو فوزه برئاسة بلدية إسطنبول، قائلا إنه تقدم على منافسه مراد قوروم بفارق "مليون صوت".

وأضاف إمام أوغلو في أول خطاب له بعد فرز أكثر من 70 بالمئة من صناديق الاقتراع: "فزنا ببلديات 14 منطقة كانت معنا في الفترة الماضية بإسطنبول وأضفنا إليها بلديات جديدة وننتظر حسم فرز الأصوات فيها".

وتابع: "يمكنني القول الآن أن سكان إسطنبول منحونا صلاحية إدارة بلدية إسطنبول لولاية ثانية".

كما أشار إلى أن "أهدافهم تحققت على مستوى المنطقة أيضا".

من جانبه قال مرشح "الشعب الجمهوري" في أنقرة، منصور يافاش بعدما أعلن الفوز في الانتخابات إن "الخاسر هو تورغوت ألتينوك (مرشح التحالف الحاكم)".

وأضاف: "مواطنونا قرروا، ونحن نحترم ذلك، حظا سعيدا".

وتظهر النتائج الأولية لانتخابات البلدية التي انطلقت صباح الأحد فوزا ساحقا حققه "الشعب الجمهوري" أكبر أحزاب المعارضة في معظم المدن التركية الكبرى.

في المقابل مني تحالف "الجمهور" الحاكم المشكل من "العدالة والتنمية" الحاكم و"الحركة القومية" بخسارة مدوية وخاصة في مدينة إسطنبول وأنقرة ومدن تركية كبرى أخرى، بينها إزمير وأنطاليا.

ومن المقرر أن تعلن "الهيئة العليا للانتخابات" بشكل رسمي نتائج الانتخابات في الساعات المقبلة.

ولم يصدر أي تعليق من تحالف الجمهور الحاكم حتى ساعة إعداد هذا التقرير.

وقالت رئاسة الاتصالات التركية إن الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، سيلقي خطابا من مقره حزبه في العاصمة أنقرة في الساعة 12:30 بالتوقيت المحلي.